فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
المسجد الأقصى بين اقتراحاتهم واقتراحاتنا
عيسى القدومي
"يجب مستقبلاً إزالة المسجد الأقصى من دون هدمه ونقله إلى مكان آخر ليحل محله الهيكل اليهودي المزعوم!"
هذا ما صرح به النائب الصهيوني اليميني "أرييه الداد" خلال مشاركته في مسيرة طافت أسوار البلدة القديمة من القدس، بينما المسلمون يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك هذا العام .
كان من الأولى أن يقترح "أرييه الداد" عضو البرلمان الصهيوني بدلاً من إزالة المسجد الأقصى (من دون هدمه) ونقله إلى مكان آخر ليحل محله الهيكل اليهودي المزعوم! أن يزيل أو ينقل الكيان الصهيوني (دون هدمه وتدميره) إلى أي مكان لا نقول آخر، بل أن مكان موجود ومعروف عند اليهود وغيرهم .
المكان هو جمهورية اليهود في جنوب شرق روسيا ، وهي دولة يهودية شرعية علمانية كانت قد أسست في العام 1928 في (بيروبيدجان) الروسية تطبيقا لسياسة «القومية العلمانية السوفيتية». ولا شيء يمنع اليهود الروس الذين كانوا قد هاجروا إلى فلسطين من العودة إلى بيروبيدجان ولا سيما أن ثلث عددهم مستبعدون على أساس أنهم ليسوا يهودا أصليين بشكل كاف، ويمكن أن يشكلوا مشكلة خطيرة لدولة تأسست على النقاء العرقي وحسب
وتعد (بيروبيدجان) موطن اليهود الأول الذي يقع في جنوب شرق روسيا والذي ظل كذلك إلى أن ظهرت فكرة توطين اليهود في فلسطين ونجح الصهاينة في تحقيقها، فصرفت الأنظار عن جمهورية اليهود الأولى التي تأسست بطريقة سلمية ودون حاجة لاغتصاب أراض من سكان أصليين.
فهو المكان الذي يحقق لليهود عودة آمنة ، فعليهم أن ينتقلوا من فلسطين المحتلة إلى جمهورية اليهود والتي اسمها أوبلاست ولكنها معروفة أكثر باسم عاصمتها بيروبيدجان؛ حيث من الممكن لهم أن يعيشوا بأمان وسلام ودون أي معاداة لساميتهم، وأن ينعموا بأجواء الثقافة اليهودية السائدة بقوة هناك وأن يتحدثوا اليديتش (لغة يهود أوروبا) كما يريدون على أن يتركوا أرض فلسطين لسكانها الأصليين.
هذا ما تتبناه كذلك السيدة البريطانية ميشيل رينوف التي تحمل لقبا شرفيا هو (ليدي) وقد أسست لهذا الغرض منظمة تروج لهذا الحل بقوة وتحمل اسم جمهورية اليهود ، فترى رينوف: أن هناك حلا لم يحظ بالاهتمام الواجب ويتمثل في عودة اليهود إلى وطنهم الأول الذي يقع في جنوب شرق روسيا.
وتؤكد الليدي رينوف أن الثقافة السائدة في بيروبيدجان ومساحتها التي تعادل مساحة سويسرا تسمح بهذا الحل العادل وإنهاء مأساة الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض، حيث الكثافة السكانية فيها 14 نسمة / (ميل مربع مقابل 945 / ميل مربع في الكيان الصهيوني (إسرائيل) و1728 / ميل مربع في الأراضي الفلسطينية.
وزاد قناعتي بما طرح حينما قرأت كتاب اختراع الشعب اليهودي لـ (شلومو ساند) -أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب – والذي فيه : أن إعادة كتابة الماضي ( اليهودي)، تمت على يد كتّاب أكفاء خلطوا شظايا الذاكرة بالخيال، وقد أسهمت في هذا، على وجه الخصوص، الدراسات الأكاديمية عن الماضي اليهودي، والتي أنتجتها الجامعات اليهودية في فلسطين ومن ثم في إسرائيل، وكذلك معاهد الدراسات اليهودية التي انتشرت في أنحاء العالم الغربي المختلفة، علاوة على عوامل أخرى. وتساءل (ساند) فيما لو أن اليهود في العالم كانوا حقاً «شعبا» ، فما هو الشيء المشترك في مكونات الثقافة (الإثنوغرافية) ليهودي في كييف ويهودي في المغرب غير الاعتقاد الديني وبعض الممارسات الدينية؟!
وفي مجال سعيه إلى تفنيد مزاعم اليهود بحق تاريخي في الأرض, يحرص (شلومو زاند) على البرهنة على أن أصول اليهود المعاصرين لا تنتهي إلى أرض فلسطين القديمة، ويستشهد بالنظرية القائلة بأن يهود وسط أوروبا وشرقها, الذين ينتسب إليهم 90٪ من اليهود الأمريكيين ينحدرون من الخزر الذين اعتنقوا الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وأقاموا إمبراطورية لهم في القوقاز. وهي نظرية ظهرت لأول مرة في القرن التاسع عشر واكتسبت مصداقية كبرى عندما تناولها الكاتب البريطاني آرثر كوستلر في كتابه الشهير (القبيلة الثالثة عشرة) الصادر عام 1976.
ويقول : إن السؤال الإجمالي وربما الأصعب: ما مدى استعداد المجتمع اليهودي – الإسرائيلي- للتخلص من الصورة العميقة التي تنسبه إلى «شعب مختار» والكف، سواء باسم تاريخ زائف أم بواسطة بيولوجيا خطيرة، عن تفخيم الذات وإقصاء الآخر من داخله[1]؟!
وخلاصة الأمر :
نحن ندعو النائب الصهيوني اليميني "أرييه الداد" وأتباعه أن يعودوا إلى (بيروبيدجان) الروسية ، ويقيموا ما أرادوا من كُنس ومعابد فلا أحد يعاتبهم على ذلك لأن كل ما فيها يهودي الطابع والثقافة ، وسنسمح لهم أن يأخذوا ما زوروا فيه التاريخ والحقيقة من مقابر ومتاحف ومبان أدعوا أنشؤوها في فلسطين وأدعوا بأنها يهودية التاريخ والواقع !!