القدس والأقصى / حقائق مقدسية

قراءة في كتاب: " إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد"

قراءة في كتاب: " إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد"

د.عيسى القدومي

"مائير مارجليت" دكتور باحث في تاريخ المجتمع اليهودي في فلسطين إبان الانتداب البريطاني، وهو عضو في مجلس بلدية مدينة القدس الغربية، ويعد خبيراً في قضايا سياسة بلدية القدس، ويعمل مارجليت أيضاً مستشاراً للعديد من المنظمات الدولية.

كتب شهادته على حقيقة ما يجري في القدس من استيلاء وتهويد في كتابه:" إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد"، والذي ترجمه إلى العربية مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عام 2011م .

وتأت أهمية هذا الكتاب كون كاتبه يهودي مختص في القدس وقد شغل مناصب رفيعة في القدس، وهو كذلك باحث وكاتب وناشط ومدافع عن حقوق العرب والمسلمين في القدس. وقد كشف الكثير من الخفايا، ومن أهمها أن المغتصبين اليهود – الذين يسمونهم مستوطنين-  ما هم إلا الذراع الطولي لحكومة الاحتلال لتمارس من خلالهم التهويد والتغيير، فهم يقومون بما لا تستطيع الحكومة عمله علانية. وما تقوم به قوات الاحتلال في شرقي القدس ما هو إلا نموذج لما يقوم به الاحتلال وعصاباته من المغتصبين في كل أراضي فلسطين .

وأوضح أن سكوت العالم أجمع على ما يجري في القدس – وكأنه أمر طبيعي – أعطى الضوء الأخضر لقوات الاحتلال ليمارسوا ويحققوا خططهم والتي أرادوا أن يتعامل معها العالم وكأنها يجب أن تكون أمراً طبيعياً.

ويؤكد المؤلف من خلال تجربته وإطلاعه على المخططات التي تعامل معها وأطلع عليها، بأن الاحتلال يتطلع إلى ابتلاع الأرض، ولكنه لا يريد العنصر البشري المتواجد عليها، ولهذا فهي تتبع سياسة من شقين: الأول تهويد الأرض بشكل مثابر.  والشق الثاني" هو تقليل الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد – أي طرد الفلسطينيين وتهجيرهم.

وكتب الكثير عن مخططات اليهود في التهويد والاستيلاء ودلل على ذلك بالصور والأرقام والإحصاءات والوثائق ، وإليك بعضاً مما كتبه بشأن تهويد القدس : 

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 كان السعي بشكل مثابر ودون توقف إلى تغيير الطابع العربي لشرقي القدس – والتي فيها البلدة القديمة والمسجد الأقصى-  وذلك من خلال تعزيز وجود كتلة سكانية يهودية حاسمة، لخلق واقعاً جغرافياً وسياسياً جديداً تسيطر عليه إسرائيل، وهذا ما يطلق عليه مسمى التهويد والذي يرمي إلى السيطرة التامة على شرقي القدس من خلال إلغاء عروبتها على حساب سكانها الفلسطينيين وتراثها العربي.

ومما استخدمته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أسلوبين أثنين يدعمان بعضهما البعض من أجل التوسع المستمر وتعزيز ذلك. فأجهزة الدولة الرسمية كبلدية القدس ووزارة الداخلية ونظام المحاكم والشرطة وغيرهم، جميعها تعمل يداً بيد مع هيئات غير رسمية مثل جمعيات المستوطنين التي تقوم بمهام لا تستطيع الدولة القيام بها، إما لأسباب قانونية، أو لأنها غير لائقة. وتشكل جمعيات المستوطنين اليد الطولى للحكومة، وبالمقابل فهي تمول وتزودهم بدعم ورعاية الحكومة، وبالتعاون مع كل سلطة تابعة للحكومة، ابتداءاً من البلدية وحتى الشرطة.

وتساءل المؤلف: من الذي يدير من؟ أهي الدولة التي تدير المستوطنين أم أن المستوطنين هم الذين يديرون الدولة ؟! وأوضح أن العلاقة بينهما حميمية، بل وعلاقة تشارك إلى أحد لم يعد يتضح من يدير دفة التهويد.

ويؤكد المؤلف بأن في أعقاب اتفاقية أوسلو ( 1993 ) وعملية السلام اللاحقة، ومن وصول الرئيس أوباما إلى السلطة، تلقى مشروع الاستيطان في القدس الشرقية، وبالأخص في البلدة القديمة، حافزاً أكبر للمستوطنين والمؤسسات الرسمية التي تتعجل التهويد والتغيير خشية من تقسيم القدس في أي اتفاقية سلام شاملة قادمة.

واستناداً إلى الفرضية بأن المجتمع الدولي سيفرض في النهاية ترتيباً دبلوماسياً ينص على تقسيم المدينة. ولهذا تبذل الدولة والبلدية جهوداً هائلة لخلق " حقائق على الأرض" تمنع تقسيم القدس في المستقبل، وهذا مدار كذلك المنظمات اليهودية التابعة للمستوطنين، وهو خلق وضع يصبح فيه من المستحيل التوصل إلى اتفاقية دبلوماسية لتقسيم المدينة.

وهذا ما كتب نصاً وبصراحة في موقع عطرات كوهانيم على الانترنت: " إن المستوطنات اليهودية هي التي قررت حدود الدولة" !! ولهذا إن أكثر المستوطنين عناداً وعنفاً يوضعون في البلدة القديمة في القدس.

ومن ثم جاء قرار الحكومة الإسرائيلية الخاص ببناء مجمع دوائر رسمية في القدس الشرقية هو إجراء سياسي لتعزيز السيطرة على تلك المنطقة. وذلك للتأثير على طابع المدينة، فكل المؤسسات التي تدعي خدمة العرب في القدس من بريد واتصالات وشرطة وبلدية ومراكز صحية كلها تسير في نهج وشعار واحد، وهو التأكيد على يهودية شرق القدس بدءاً من الشعارات المستخدمة إلى الممارسات والسلوكيات كلها في هذا النمط. فلكل مؤسسة شعار ورمز ومفهوم عبراني ووظيفة تساهم من خلالها في " التهويد" الشامل للقدس.

ودلل الكاتب بأمثلة على ذلك: " أن المنتزهات التي تقيمها البلدية وتحيط بها البلدة القديمة، والتي تبدو للعيون مجرد مساحات خضر، وحدائق جميلة وهي في واقعها ضمن مخطط لتعزيز السيطرة التامة على الأراضي، حيث أن تلك الأراضي لها أهمية جغرافية استراتيجية ويكون بناء المستوطنات عليها أمراً معقداً، فتقوم الدولة بإعلان تلك الأراضي منتزهات وطنية لتعزيز تحكم إسرائيل في الجزء الشرقي في المدينة، وتمنع في الوقت ذاته العرب من البناء في هذه المواقع.

وألقى الكاتب الضوء، على شبكة الكاميرات الكثيفة للمراقبة في شرقي القدس، حيث تتغلغل في كل زاوية استراتيجية لتبث الخوف والرعب، بل وإلى قمع -بسهولة وفعالية- أية روح مقاومة بين المواطنين المحليين، ليكون المرء مراقباً في كل حركاته.

وأشار إلى مخطط إقامة " السكك الحديدية الخفيفة " والتي هي مرحلة متقدمة من البناء وتمر أيضاً عبر شمال شرقي القدس، وهو أداة أيضاً لتكثيف سيطرة إسرائيل على شرقي القدس، علماً بأن أهل شرقي القدس لن يستفيدوا من تلك السكك الحديدية لتوفر المواصلات الداخلية والتي هي أقل كلفة من تلك السكك.

ويضيف الكاتب: بأن مفهوم " السيطرة على الأرض" هو أعمق من مجرد "الاستيلاء على الأرض، إنه نظام متكامل من التعليمات والأنظمة والقوانين والضغوط المادية والاقتصادية والسيكولوجية التي تجري ممارستها على سكان شرقي القدس، فهي تلقي بظلها على مجمل المكان.

وفي وصف مصور لسيناريو السيطرة يقول الكاتب : إن تكريس السيطرة بلغ إلى حد أنه يعمل ككماشة أحد أذرعها يسيطر على أراضي العرب، والذراع الآخر يمنع العرب من استخدام أراضيهم، ويعمل الذراعان معاً في وقت واحد، بينما تقوم " مرحلة " الضغط السيكولوجي بإكمال عملية السيطرة.

وتحت عنوان شرعية الاستيطان : أشار الكاتب إلى – ممارسات بلدية القدس ودولة الاحتلال بنقل السكان اليهود إلى القدس مخالف بل وانتهاك للقانون الدولي وفقاً لاتفاقية جنيف. وأضاف لقد أعلنت الأمم المتحدة وكذلك الاتحاد الأوربي بأن السياسة الإسرائيلية الخاصة بالمستوطنات تنتهك القانون الإنساني الدولي.

ويعلق على ذلك: "ومع ذلك نرى اندفاع بلدية القدس في الخطة الكبرى للقدس حتى عام 2020 لإيجاد توازن ديموغرافي بين السكان اليهود والعرب في المدينة، وفي الواقع إن سياسة بلدية القدس تتعارض تعارضاً مباشراً مع المادة 49 ومع أحكام لاهاي. وقرارات الأمم المتحدة 242، 446، 452، 465، جميعها تنص على أن إجراءات إسرائيل الرامية إلى ضم القدس الشرقية هو عمل باطل.

وفي العام 1971م أعلن مجلس الأمن: ".. إن كل الأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك ونقل السكان وسن التشريعات الهادفة لضم الجزء المحتل، هي أعمال وإجراءات باطلة ولا يمكن لها أن تغير ذلك الوضع". قرار مجلس الأمن الدولي 298 ( 1971)، بتاريخ 25 أيلول (سبتمبر 1971م) .

وتكرر مضمون تلك القرارات حينما تبنت إسرائيل قانونها الأساسي الخاص بالقدس في 1980م الهادف إلى تثبيت ضمها الفعلي للقدس، فقد قام مجلس الأمن الدولي مجدداً بإصدار بيان واضح يعتبر عمل إسرائيل ذلك باطلاً بموجب القانون الدولي، وكذلك في العام 2006 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً أعادت فيه تأكيدها بأن جميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل لفرض قوانينها وتشريعاتها وإدارتها على المدينة المقدسة هي أعمال غير قانونية، وبالتالي فهي غير قائمة وباطلة وليس لها أهمية على الإطلاق.

وأصدرت اللجنة الرباعية في الاجتماع الذي عقدته في موسكو في 19 آذار (مارس) 2010م قراراً فيه التأكيد على أن الاستيطان في القدس عمل غير شرعي بموجب القانون الدولي.

وتحت عنوان الاستيلاء على المكانة : تحدث الكاتب بأن البنية الاستيطانية هي أوسع من مجرد الاستحواذ على المكان وامتلاك الأرض، بل حقيقتها غزو الفضاء المحيط كله، فهي ترتبط بنظام أمني ينشر الكآبة بالنسبة للسكان الفلسطينيين، ويصبح ذلك المكان – ولو كان منزلاً واحداً – حصناً أمنياً وموقعاً محصناً.

فمن مستلزمات ذلك المكان السياج الأمني ومراكز حراسة يتولاها رجال أمن مسلحون وكشافات إضاءة وكاميرات مراقبة، ويرافقها العلم الإسرائيلي المثير لاستفزاز العرب المحيطين بالمستوطنة، وتأتي في أعقاب ذلك قوات الشرطة التي تتجول في المنطقة، فيصبح كل من حول المستوطنة مراقب في حركته وتنقلاته.

ويلخص الكاتب واقع المستوطنات بقوله: " إن مجرد وجود مستوطنة يكفي لضمان السيطرة على المكان وبالتالي تتغير طبيعة المكان من مكان حياة مسالمة إلى منطقة نزاع" .

فهي تؤدي إلى تفتيت الأرض، وتدمر تناسق المجتمع وانسجامه، وبالتالي إلى تعميق السيطرة اليهودية على الأرض، ومن ثم تُعكر المستوطنات المحيط وتقلقه، إنها تمزق الشعور بالمكان، وتضر بالأمن النفسي للسكان. فالمستوطنة تثير بمجرد وجودها العداء، وتلحق الضرر بالمكان الذي تحتله، لأنها امتداد لـ " الدولة المحتلة " مما يشعر المواطنين العرب بالإذلال وبأنهم تحت الاحتلال.

وتساءل الكاتب: كيف يكون شعور العائلات العربية التي كانت تعيش حتى الأمس في المنازل نفسها، وثم طردها بالقوة، ليجري بعد ذلك إسكان مستوطنين في تلك المنازل، كما هو الحال في حي الشيخ جراح.

وأكد الكاتب بأن العلاقة بين المستوطنين والعرب وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً ليست علاقة جوار، بل هي قائمة على علاقات عدائية تفرض ذلك الجو.

وتحت عنوان " سياسات الفصل العنصري" : بدأه الكاتب بقوله إن الاستيلاء على الأرض سبق الاستيلاء على الكرامة الإنسانية للعرب، وسياسة سكان المستوطنات هي سياسة احتقار العرب، لذا ممارستهم أكثر عنفاً مع من يحاورهم من العرب.

ومن الممارسات العنصرية اعتبار الفلسطينيين في القدس هم مجرد مقيمين بينما اليهود مواطنون، والفلسطينيين أدنى مكانة، وبالتالي فإن المناطق التي يعيشون فيها تعتبر مناطق من الدرجة الثانية.

وتحت عنوان " الاستيطان خلفية تاريخية" : أكد الكاتب الفرضية التي كان الرواد الأوائل للمشروع الصهيوني يرددوها، و هي أن الأرض ملك للشعب اليهودي، وأن عودته إلى أرضه هو عمل تاريخي عادل تجاه ذلك الشعب الذي كان قبل ألفي سنة قد طرد من بلده على يد دولة أجنبية، فيعتبرون بأنه : " البلد بلا شعب، لشعب بلا بلد" ، أما بالنسبة للذين كانوا يعرفون الوضع الحقيقي أن البلد لم يكن في الواقع بلا سكان، لم يؤثر وجود العرب على مشاريعهم، وينظرون إلى وجود العرب في تلك الأرض خطأ تاريخي يجب تصحيحه، ولم يؤد ذلك إلى أي تأنيب ضمير. ولذلك تم الاستيلاء على الأرض بطرق متعددة من منطلق " الغاية تبرر الوسيلة" .

وأضاف: " قد تشكلت لأول مرة في 1974 حركة استيطان دينية "غوش ايمونيم"، جمعت بين الخطاب الديني والقومي، وقد تمتعت الحركة بتأييد الحكومة آنذاك، الذين رأوا في المستوطنين المتدينين تجسيداً للرواد في فترة ما قبل قيام الدولة.

وتحت عنوان العنصر الديموغرافي: كتب المؤلف أن عقب حرب 1967 مباشرة، تشكل مفهوم وطني ينادي من أجل ضمان سيطرة إسرائيل على شرقي القدس بضرورة السماح بتدفق هائل لليهود إلى المنطقة وكان "ديفيد بن غوريون" واحداً من عديد من الناس، الذي قال بعد الحرب: "يجب علينا أن نجلب إلى القدس الشرقية يهوداً بأي ثمن" . ونتيجة ذلك صادرت الدولة 26 ألف دونم من الأرض، ويشكل ذلك ثلث مجموع الأراضي في القدس الشرقية، وأطلقت عملية بناء 11 حياً يهودياً. وقد جذبت هذه الأحياء اليهود بسرعة إليها. وذلك لأسعار المنازل المغرية، وأيضاً لقلة أراضي البناء في القدس الغربية، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تم بناء 40 ألف وحدة سكنية في هذه الأحياء، ليسكنها المستوطنين اليهود الذين يعملون لتحقيق الهدف الذي كانت تنوي تحقيقه الحكومات الإسرائيلية في القسم الشرقي من المدينة، أي تعزيز وتقوية الوجود اليهودي في القدس الشرقية، وخلق حقائق على الأرض ستمنع إعادة تقسيم المدينة، وتضمن وجود أغلبية يهودية في المنطقة.

وأدرج الكاتب جدولاً حوى 14 أسماً لمستوطنات في شرقي القدس وسنوات إقامتها، وكذلك مساحتها بالدونمات، بلغت إجمالي تلك المساحات 24551 دونم ويسكنها الآن 184163 مستوطن يهودي.

وأوضح الكاتب أن هنالك أملاك تحت السيطرة الإسرائيلية في القدس الشرقية، وأن أملاك العرب في شرقي القدس ما زالت السلطات غير جادة وتتفادى أي ترتيبات رسمية لتسجيل الأراضي. وفي العام 2004 اعترفت لجنة الداخلية في الكنيست بأنه على الرغم من أنها تقدر بأن الإسرائيليين يملكون 3000 دونم في القدس الشرقية فإنها لا تستطيع أن تحدد بصراحة مكان كل قطعة، فالدولة تفضل أن تترك الأمور غير واضحة تفادياً للتعقيدات القانونية والدولية.

ويعلق الكاتب على الحفريات التي تتم شرقي القدس بذريعة البحث عن الآثار بأنها ذات مستويات ثلاث: فهي ليس على مستوى الشارع بل تحت الأرض، وفوقها. وأن كُل بعد من الأبعاد الثلاثة يعزز ويكمل السيطرة على المكان في القدس الشرقية، وفي خلق " الحقائق على الأرض"، حتى وإن كانت تلك الحقائق تحت الأرض أو فوقها.

وقد أرفق المؤلف: الملخصات والخرائط والجداول التي تؤكد السياسات اليهودية الرامية إلى تهويد كل شبر من أرض القدس وفي شرقيها على وجه الخصوص.

وحول نشاط المستوطنين خارج البلدة القديمة يقول الكاتب: ليس بالصدفة انتشار المستوطنين في أماكن معينة، بل هو ينسجم مع برنامج استراتيجي متبلور، له تبعاته الدينية والسياسية، فخطة المستوطنين هي خلق شريط من التجمعات اليهودية حول البلدة القديمة يضطلع بدورين، الأول هو قطع التواصل الأرضي بين شمال المدينة وجنوبها. وثانياً: تغليف البلدة بـ " جزر" يهودية تستبعد نهائياً أي احتمال بأن تصبح القدس عاصمة للدولة الفلسطينية في المستقبل. ويلخص ذلك بقوله : " إن استراتيجية المستوطنين واضحة، إنهم ينوون خلق وضع يستحيل فيه الاتفاق الدبلوماسي على تقسيم القدس مستقبلاً " .

وبالإضافة إلى الأملاك التي استولى عليها المستوطنون، فهم يسيطرون على مجمعات الحفريات الأثرية ومتنزه داوود الوطني. وهذه هي الحالة الوحيدة في إسرائيل التي قامت بها سلطة الآثار الحكومية بنقل السيطرة على مواقع الحفريات الأثرية إلى جمعية للمستوطنين، أي إلى إلعاد. وقد أعرب عدد من رجال الآثار "غير المستوطنين" عن قلقهم لما أسموه "حفريات أثرية ضحلة ومتوحشة"، وقالوا إن المستوطنين يقومون بجمع تلك المواد التي تؤيد وجهة نظرهم فقط، ويدمرون أو يهملون مواد لها صلة بتاريخ تواجد إسلامي أو مسيحي قديماً.

وتحت عنوان : خطط الهدم في حي البستان من سلوان كتب المؤلف : تنوي بلدية القدس هدم حي كامل يتكون من 88 منزلاً يقيم فيه ألف ساكن من قرية سلوان، وذلك من أجل الكشف عن موقع أثري من أيام هيكل داوود. وعلى الرغم من أن الإجراء في هذه الحالة هو إجراء غير مسبوق من حيث المساحة والحجم، إلاَّ أنه ليس حدثاً جديداً . فمنذ 1967م ودولة إسرائيل تتوق إلى السيطرة ليس على المساحة الفعلية ذاتها للقدس وحسب، بل أيضاً إلى تهويد شرقي المدينة، وذلك من أجل محو طابعها العربي، وإضفاء واجهة يهودية بكامل ألوانها عليها. فلم يعد إخضاع السكان ونظام الضم الذي تطبقه على المدينة كافياً بالنسبة لبلدية القدس؛ بل يجب عليها أيضاً أن تمحو الوجود العربي من على وجه الأرض، إن لم يكن من الناحية المادية، فليكن، على الأقل في مظاهر الهوية.

وأوضح : أن خطة هدم جميع البيوت في منطقة البستان هي جزء من خطة الاستيلاء على سلوان والسيطرة عليها، وعزلها عن سكانها وتهويد المنطقة . والحجة الرسمية لذلك، (كما أُُعلِن) ، هي قيمة المنطقة الأثرية بالنسبة للشعب اليهودي . فهنا تبدأ القدس، وهنا سار الملك داوود، والملك سليمان وملوك إسرائيل الآخرون، وهنا توجد أيضاً قبور من زمن الهيكل الأول.

وحول بناء المستوطنين غير الشرعي في سلوان: أوضح المؤلف بأن سلوان هي أحد المواقع خارج البلدة القديمة حيث من المستحيل تقريباً الحصول على رخصة للبناء. لا يسمح بالبناء على قِطَع الأراضي الخالية أو كإضافات إلى أبنية قائمة فعلاً، وذلك بسبب حساسيتها الأثرية (الأركيولوجية). ويجري التعامل بقوة مع المواطنين العرب الذين يحاولون توسيع منازلهم ببناء ملاحق ملاصقة لها أو فوقها على الأسطح، بفرض غرامات وإزالة الملاحق التي يتم بناؤها. وبالمقابل، ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية عدة بؤر يهودية لم تحصل إطلاقاً على رُخص للبناء، ولكن الشيء الغريب أن البلدية لم تمارس سلطتها بوقف البناء أو لإعادة الوضع لما كان عليه من قبل. وتلقي أربع حالات أخيرة الضوء على التمييز الذي اتخذ طابعاً مؤسساتياً ويطبق على العرب واليهود في القرية نفسها، وهو يشبه التمييز المُطبَّق في القدس بأسرها.

وتحت عنوان" أساليب التلاعب لمحو الواقع " كتب الآتي :

في طرف جبل المكبر، على الحدود مع مستوطنة شرق طالبيوت (East Talpiot) أخذ يتشكل مشروع أبنية يهودية يبدو عليها البذخ والترف، تغطي مساحة 170 دوماً، وتضم وحدات سكنية، ومركزاً رياضياً، وروضة أطفال، وكنيساً ومركزاً تجارياً.

والمشروع الذي يجري بناؤه في جبل المكبر (NoFZion) هو مشروع خاص، مشروع تجاري بحت ليس له أي سياق سياسي. وفي وجود ذلك فإن موقف المقاولين العاملين في المشروع يعكس الموقف نفسه الموجود في المؤسسة الإسرائيلية فيما يتعلق بقضايا بسط السلطة القانونية على الأرض في القدس الشرقية. والكتيب الأنيق الذي جرى إعداده لتسويق المشروع للسكان اليهود المستهدفين، يؤكد بشكل خاص على وصف الأحياء في المنطقة المحيطة بالحي الجديد، ويحتوي أيضاً لتأكيد ذلك على رسم للمشروع والمنظر الذي يبدو منه.

إنه جهد لمحو الوجود العربي، ومن أجل الاستيلاء على المجال مع الأرض والمنظر، ومن أجل تهويد القدس الشرقية بخلطة من مشاريع البناء اليهودية ومحو الوجود العربي. يمكن محو البعض مادياً، بمعنى أن بالإمكان هدم الأبنية العربية حتى أساساتها. من الذي سيتذكر أن في المناطق التي جرى فيها بناء أحياء يهودية في القدس الشرقية في سبعينيات القرن العشرين كانت هناك أبنية عربية دمرتها الجرافات ومسحتها على وجه الأرض؟

وثمة جزء آخر يمكن محوه ببساطة بتجاهل وجوده ومسحه كلية من الضمير والذاكرة. هذه مناطق ليس فقط لم تطأها على الإطلاق قدم يهودية، بل حتى إنها لم تُر ولم تُسمع.

لقد تعلم المستوطن اليهودي أن يقفز عن القرى العربية، وأن ينظر فوقها، بدلاً من النظر إليها وعليها. لأنه لا ينظر إليها مباشرة، بما أن وجودها أمر عبثي ومزعج؛ على كل حال إنه يزدريها، ينظر إليها من عَلٍ، وليس مواجهة كنظرة السيد إلى خدمه. إن القرية العربية مصدر إزعاج لحركة الإستيطان، إذا كان المرء لا يستطيع محوها، فإنه يستطيع على الأقل تجاهلها.

والأسلوب نفسه ينطبق ليس فقط على الأبنية، بل أيضاً على منظر البشر. سيمر المستوطن اليهودي في طريقه إلى بيته بالعديد من العرب الذين يعيشون بالقرب منه، ولكنه لن يعي وجودهم، سيتجاهله، لأنهم غير موجودين بالنسبة له. في أحسن الأحوال إنهم غائبون – موجودون، كظلال مخلوقات أدنى مكانة. وتُبذَل أيضاً جهود كبيرة لمحو تاريخ المنطقة، لمحو الرواية التي سبقت الحي اليهودي. إن الساكن اليهودي لا يبدي حب استطلاع لمعرفة كيف انتهت الأرض إلى حوزته.

ثم أوضح الكاتب حقيقة المستوطنين اليهود الذين - أسموهم زوراً مستوطنين-وكيف تُغَذي دوافعهم الدينية؟ وما مدى ارتباط هؤلاء مع مخططات دولة الاحتلال ، وكيف تسرق الأرض في القدس قطعة قطعة ومنزل منزل ؟

 فتحت عنوان أيديولوجية المستوطنين كتب الآتي : إن الإيديولوجية التي تحرك المستوطنين في القدس الشرقية هي خليط من الأفكار المسيحيانية والقومية، وهذا لا يختلف عن بقية المستوطنين في أماكن أخرى من الضفة الغربية. فهدفهم الأساسي هو استعادة الأرض في القدس الشرقية وتسليمها إلى الشعب اليهودي.

وتلك الأنشطة هي جزء من عملية إعادة الشعب اليهودي الطبيعية إلى وطنه، إلى المكان الذي طُرد منه؛ ولا يكمن فيها أي توجه سياسي – بناء القدس هو هوية الشعب الوطني". ويحدد إعلان لعطرات كوهانيم هدف المنظمة على أنه العمل في "الشراء والتحديث، وجلب سكان يهود جدد إلى بيوت وأملاك في البلدة القديمة وحولها، قطعة أرض بعد قطعة أرض، ومنزل بعد منزل، وخطوة خطوة، القليل في كل مرة".

وحول الدافع الديني الذي يغذي هؤلاء المستوطنين ذكر الحقيقة التالية : إن ما يُغذي دوافع المستوطنين هي الوصايا الدينية، وبما أن خطة مقدسة هي التي تهدي عملهم فإنهم متأكدون بأن الزمن إلى جانبهم وبأن "رب إسرائيل لن يخيب الآمال". لذا فإنهم يعتبرون عملهم في القدس الشرقية بمثابة رسالة، واجب لا يحقق الأهداف العليا للأمة وحسب، بل هو مشيئة إلهية كذلك. إنه إيمان يُضفي على حياتهم أهمية ويملأهم بالفخر. تحمل سيدة مستوطنة في مجمع مدينة داوود مثل هذه المشاعر، وقد قالت: "إن العيش هنا هو امتياز هائل! إنه يعني العيش في مكان له قيمة هائلة، ليست أثرية وتاريخية، بل مكاناً يحمل في داخله قيمة روحية. إنه حقاً الأرض المقدسة. والعيش هنا يعني أن ترتبط بقيمة أبدية .

ويضيف : "لقد طفت إلى السطح بشكل مستمر فكرة بناء "الهيكل الثالث"، وذلك منذ احتلال البلدة القديمة من القدس في 1967م. وتستند الفكرة إلى إيمان ديني بأن بناء الهيكل هو مرحلة ضرورية يتطلبها الإسراع في مجيء المسيح. لذا فإن مجمل مفهوم "الخلاص" يكمن في تدمير المسجد الأقصى، ومن ثم بناء الهيكل.

وتواجه هذه الفكرة صعوبات رئيسة تنبع من القانون الديني اليهودي (الهالاخا(، على سبيل المثال هل الشعب اليهودي نقي بما فيه الكفاية كي يدخل المعبد، ولكن العقبة الرئيسة هي الوجود الإسلامي في ساحة الحرم على شكل المسجدين الكبيرين. ومن هذه الزاوية، يشكل المسجدان ليس مشكلة سياسية وحسب، بل أيضاً عقبة أمام فكرة "الخلاص" بحد ذاتها. فاليهودي الذي يرغب في التسريع في الخلاص و"عودة" المسيح يجب أن يفعل كل ما في وسعه لحل هذه المشكلة.

وهذا المفهوم ليس مقصوراً على أطراف المجتمع المتدين، بل هو منتشر بين صفوف الحركة الدينية – الصهيونية الوسطية؛ ويتبعها أيضاً العديد ممن في مؤسسات الدولة.

يعتبر المستوطنون الراديكاليون أن اندلاع حرب بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل يشعلها إلحاق أضرار بالمسجدين هو مرحلة نحو حدوث حرب بين أجوج وماجوج  ، الحرب الهائلة المُنتظَرة، والتي ستسبق "الخلاص" وتُسرِّعه. إنهم يحلمون بتقريب ذلك الحدث بأية وسيلة، حتى يؤدي مجيء المسيح، ابن داوود، بالتسريع في إقامة مملكة إسرائيل. لذا فإن تواجد المستوطنين في حي المسجد الأقصى في البلدة القديمة يشكل خطراً كبيراً على الأمن العام.

وبعنوان :مصادر قوة المستوطنين وسلطتهم عنوان كتب أدناه :

إن نشاط المستوطنين في شرقي المدينة ليس من نوع نشاط "الأنصار"، تقوم به مجموعة كوادر مثالية توجد على هامش مؤسسة الدولة. المستوطنون هم ذراع الحكومة الإسرائيلية الطولى يقومون بالأعمال القذرة التي لا تستطيع الدولة نفسها القيام بها. إنهم مرتبطون بمركز الحكومة اللوجيستي، وتغذيهم أمواله، ويعملون بوحي منه، كما أنهم يخضعون لسلطته.

تحتفظ منظمات المستوطنين بنظام صلات معقد مع كيانات الدولة ذات الصلة. وقد وضعوا في سلطة الطبيعة والمتنزهات الوطنية المدعو إفياتار كوهين، مدير منطقي، وهو نفسه مستوطن سابق في سلوان؛ وقد أخذوا يحولون، بمساعدته، مساحات شاسعة من الأراضي إلى متنزهات وطنية، وذلك من أجل تعزيز سيطرتهم على الأرض. وفي سلطة الآثار استطاعوا الحصول من شوكا دورفمان (Shuka Dorfman) –  الذي هو جنرال سابق من الطينة ذاتها – على إذن فريد للقيام بحفريات أثرية في مواقع حساسة. وبهذه الطريقة استطاعوا الحصول على قطع من أراض غاية في الأهمية، وراحوا في الوقت ذاته يعيدون كتابة التاريخ.

وتموِّل وزارة الإسكان حراسة وأمن جميع البيوت التي سيطر عليها المستوطنون؛ ويقوم حارس أملاك الغائبين في وزارة العدل والحارس العام في وزارة الخزينة بتسليم ممتلكات إليهم دون طرحها في مناقصة.  وحتى الشرطة الإسرائيلية توفر لهما دعماً علنياً وخفياً، الأمر الذي اكتسب حافزا إضافياً مع انتخاب الوزير إتسحاق أهارونوفيتز (Yitzhak Aharonowitz)، الذي ينتمي إلى حزب ليبرمان اليميني.

ويظهر دعم الشرطة بسهولة خلال كل حملة تُشن على بيت عربي، كما أنه يظهر أيضاً في المحاكم عند النظر في الاستئناف الخاص بإخلاء بيت يهوناتان (Beit Yehonatan)  في سلوان. ادعى المستوطنون هناك، في دفاعهم، بأنه لم تكن لديهم أية فكرة بأن البناء عمل غير شرعي لأن موظفين كباراً في وزارة الإسكان وفي الشرطة الإسرائيلية قدموا لهم المساعدة في عملية البناء، وساعدوهم في الحصول على العمارة.

إن النظام البلدي يؤيد المستوطنين وهو في خدمتهم إلى حد لا نهاية له تقريباً. فرئيس بلدية القدس مدين لهم بانتخابه الذي تحقق بتصويت القطاع الديني الوطني لصالحه بشكل هائل. وأكثر من ذلك تنبع التبعية من صلاتهم الوثيقة بالحكومة، والتأييد المطلق لهم من وزير الداخلية إيلي يشاي  (Eli Yishal)، المسؤول عن السلطات المحلية. وبالتالي عيَّن رئيس البلدية ياكير سيجيف    (Yakir Segev)  مسؤولاً عن القدس الشرقية وحلقة الصلة مع منظمات المستوطنين.

وليس ثمة ما يثير الدهشة في أن المسؤولين في البلدية الذين يدركون بأن جميع الأبواب مفتوحة أمام المستوطنين، يوفرون للمستوطنين خدمات علنية وسرية، وحتى أن بعضهم لا يطلب موافقة المراتب السياسية العليا – المسؤول السابق عن الإشراف على البناء في البلدية كان في السابق عضواً في الحركة التي تطالب بتحويل إسرائيل إلى مملكة يهودية، ولديه دوافع قوية لمساعدة المستوطنين حيث يمكن.

وتكشف سجلات البلدية بأن مستوطنين من جمعية إلعاد قد ساهموا بنشاط في اجتماعات البلدية التي عالجت موضوع تخطيط المنطقة، وقاموا بدفع التكاليف مباشرة إلى المهندس المعماري الذي صمَّم المنطقة. وللخطة الرئيسة التي تم إعدادها عدة مزايا بالنسبة للمستوطنين، وتتجاهل أيضاً احتياجات السكان الفلسطينيين. لقد تصرفت البلدية بشكل غير سليم عندما تبنت الخطة الرئيسة؛ وقد تبنتها دون أن تكون قد حصلت على تخويل رسمي لذلك، وسمحت أيضاً لجمعية إلعاد بأن تتقدم ببرنامج البناء وفقاً للمخطط الذي كانت الجمعية شريكاُ في إعداده وتمويله.

أملاك تم الحصول عليها من عائلات فلسطينية:

يستولي المستوطنون على أملاك العرب في القدس الشرقية باستخدام وسائل عدة، منها:

1.    أملاك يكون أحد أعضاء العائلة التي تملكها متورطاً في قضايا إجرامية، ويكون لديه الاستعداد لبيع كل شيء يقدر عليه من أجل الكسب المالي. وهؤلاء الناس يكونون فريسة سهلة وبالإمكان إغراؤهم ببساطة نسبية. وفيما يلي ثلاثة أمثلة على ذلك:

بيت دانون (Danon House) الواقع في شارع باب السلسلة اشترته عطرات كوهانيم من تاجر مخدرات كان في الوقت ذاته مخبراً لدى الشرطة، وقد قام مجرمون آخرون بكشف سره وطبيعة أعماله، فأرغم على الفرار خوفاً من انتقام شركائه السابقين. شرجاي، (1995).

بيت الجولاني تم الاستيلاء عليه بعد أن قام أحد أبناء العائلة الذي كان مدمن مخدرات وله باع في النشاط الإجرامي ببيع منزل العائلة المكون من طابقين دون أن يكون لديه توكيل بذلك. وباع أيضاً أربع وحدات سكنية أخرى، على الرغم من أنها كانت مسجلة بأسماء إخوته الأربعة. أدا أوشبيز – Ada Ushpiz, 2004)

بيت عائلة دانا (Dana Family) تم بيعه أيضاً إلى مستوطنين بعد أن تورط أحد أبناء العائلة في قتل قروي آخر، وترك المنزل هرباً من الثأر.

قطعة أرض تعود لمحمد مرقة الذي أصبح مديوناً بمبالغ طائلة، تم بيعها كذلك. قام المستوطنون ببناء عمارة من سبع طوابق على قطعة الأرض وبدون ترخيص.

أملاك سيُنَفَّذ خلال فترة قصيرة أمر صادر بهدمها، ويواجه المالكون الخيار إما أن يبيعوا بيتهم إلى المستوطنين ويحصلون، على الأقل، على شيء من أموالهم، أو أن يخسروا كل شيء. في حالات مشابهة يمكن الافتراض بأن مفتشي البلدية يبلغون جمعيات المستوطنين بأخبار البيوت التي على وشك أن يجري هدمها، فترسل تلك الجمعيات سماسرة "واجهة" عرب يُنهون الصفقة نيابة عن المستوطنين. إنا نعرف عن واحد من هؤلاء المفتشين، وهو المسؤول عن منطقة سلوان وله علاقات وثيقة مع المستوطنين وبعض المصادر في البلدية. لقد كان ماتي دان (Matti Dan)، وهو أحد قادة حركة الإستيطان، الأداة في وقف النية لنقل هذا المفتش إلى منطقة أخرى.

أملاك العائلات التي تتورط في الديون وتضطر إلى بيعها لتسديد ما عليها من ديون. كانت تلك هي الظاهرة السائدة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالأخص منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وتباطؤ الاقتصاد؛ فَقَدَ العديد من العمال العرب في قطاعات البناء والفندقة والخدمات أعمالهم. وبالمثل عندما خفَّت السياحة وتراجعت التجارة بسبب الوضع الأمني تضررت بشكل كبير معيشة العديد من العائلات في القدس الشرقية. ويتحدث نداف شرجاي (Nadav Shragai) عن أحد سكان البلدة القديمة الذي كان في حاجة إلى عملية جراحية كبيرة في القلب في الولايات المتحدة الأمريكية، فقامت عطرات كوهانيم بتغطية نفقات سفره وإقامته وكذلك نفقات العملية الجراحية، مقابل بيته في الحي الإسلامي. شرجاي (1995).

أملاك تؤخذ عنوة وبالقوة. اضطرت بعض العائلات الفلسطينية في بعض الحالات إلى ترك بيوتها لأن حياتها أصبحت لا تُحتمل. أُرغِمت في العام 1982 العائلات التي كانت تعيش في ساحة مدرسة حي عُلام الدينية (Hayei Olam Yeshiva)  في شارع الخالدية إلى التخلي عن بيوتها، بعد أن عانت من المضايقات المستمرة . وبعد رحيلها استولى رجال المدرسة الدينية على البيوت، وما زالوا فيها حتى يومنا هذا.

وختم المؤلف كتابه بالآتي : إن وجود المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية هو حالة كلاسيكية من حالات الكولونيالية. وقد يكون هذا القول مجرد تأكيد على أمر واضح، ومع ذلك فإن من الضروري التأكيد عليه، لا سيما في وجود أعداد متزايدة من الناس على الصعيد الدولي توافق على الوجود اليهودي في القدس الشرقية، وكأنه أمر طبيعي، أو يجب أن يكون كذلك.

يُمثل المستوطنون اليهود في القدس الشرقية نموذجاً كلاسيكياً للكولونياليين.الكولونيالية بمعناها التقليدي هي زرع سكان مدنيين غرباء في وسط أرض محتلة. وتظل الحقيقة، وفق القانون الدولي، بأن القدس الشرقية هي أرض محتلة، وتنبع من ذلك حقيقة أن حكم إسرائيل للمدينة هو أمر مخالف للقانون.

وفي هذه الحالة ، ومن أجل ضمان السيطرة على الأرض يبدو نموذج الكولونيالية ويتضح من تشجيع الدولة لمواطنيها بأن يصبحوا مستوطنين في الأرض. وهكذا، فإن استعمار القدس الشرقية لا يختلف عن العمليات المشابهة التي جرت في إفريقيا وآسيا وحتى في الأمريكيتين. ولكن، وخلافاً لأنواع نماذج الكولونيالية الأخرى، فإن الحافز على استعمار القدس الشرقية لا يقوم على الاقتصاد أو الدوافع الإمبراطورية، بل هو الأيديولوجية والدين. ولكن عواقب الاستعمار لا تختلف بالنسبة لسكان المدينة المحليين الأصليين. لذا، رغم كون الحالة هي حالة فريدة، فإن الوجود اليهودي في القدس الشرقية، يُشكِّل حالة كولونيالية كلاسيكية.

إن الاستنتاجات التي توصل إليها هذا البحث عن المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية سيوضح مدى التأثير السيكولوجي لذلك على السكان الفلسطينيين ككل. والقضية التي ستظل مفتوحة من وصف هذا الوضع هي مدى نجاح المستوطنات في تغيير الطابع المتناسق للمناطق. وفي رأينا فإن المستوطنات أخذت تنجح في تعكير المجال الإقليمي. سيتم بالتأكيد تغيير مفهوم المجال وطابعه. ففي سلوان، حققت إسرائيل جمهوراً حاسماً من المستوطنين، والتغييرات الواضحة التي تمت من خلال هيمنة السكان اليهود، قد تم قبولها، على ما يبدو، حتى من المؤسسات الفلسطينية.

وأنهى الكاتب ذلك الفصل بقوله : إن قصة القدس، خلال السنوات الأربعين الأخيرة، يمكن أن يُطلق عليها "أربعون عاماً من التمييز".  ، ويضيف : "ولهذا السبب فإن القدس هي أكثر من كونها مدينة، إنها برميل بارود قابل للانفجار خلال لحظات".

نعم هذه شهادة من مختص يهودي عضواً  في بلدية القدس، أوضح أن ما  تعيشه القدس معاناة حقيقية وتواطؤ دولي وعالمي لم يشهد له مثيل، ومع ذلك ما زال بعض الكتاب الذين يحملون أسماء عربية يشككون في أن ممارسات اليهود ستؤدي إلى تهويد القدس، بل وبعضهم يُحسن الظن باليهود وممارساتهم !!   

.