القدس والأقصى / عين على الاقصى
العرب وضوابط التعامل مع الإعلام الصهيوني
العرب وضوابط التعامل مع الإعلام الصهيوني
بقلم: أحمد
فايق دلول
يحاول الإعلام الصهيوني جاهداً تكريس حالات التطبيع العربي من خلال إجراءات لقاءات وحوارات مع ساسة ومفكرين وإعلاميين عرب من خلال التعريف بنفسه على أنه إعلام "إسرائيلي" أو إعلام أجنبي. وبالفعل؛ نجح في استقطاب عددٍ لا بأس به من الإعلاميين العرب، وكان واضحاً أن بعضهم جاهر بتعاونه وتعاطيه مع الإعلام الصهيوني.
ما يميز الإعلام الصهيوني عن غيره في كل أنحاد العالم أنَّه إعلام قوي جداً، استطاع غزو العالم العربي، وأسهم في توجيه دفة الكثير من قنوات الإعلام العربي المؤثرة، في ظل أنه يسير في اتجاهات محددة ضمن الرؤية الاستراتيجية والبرامج الأمنية التي تضعها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المعلوم بالضرورة أن خروج بعض العرب على الإعلام الصهيوني يشكل تطبيعاً عربياً صريحاً ومفضوحاً مع دولة الاحتلال. والتطبيع (normalization) باختصار يعني أن يتم التعامل مع دولة الاحتلال باعتبارها جسماً طبيعياً في المنطقة العربية دون النظر إلى اختلاف الديانة أو اللغة المغايرة أو حالات الاحتلال والإحلال التي مارسها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني.
ومن الملاحظ أنَّ خروج بعض الإعلاميين العرب عبر الإعلام الصهيوني انتقل من طور المُحرَّم إلى طور الطبيعي، وهذا يشكل نجاحاً كبيراً للإعلام الصهيوني الذي نقل هؤلاء الإعلاميين من دائرة المحرم إلى دائرة الطبيعي.
وليس بخافٍ أنَّ الإعلاميين العرب الذين تعاملوا مع الإعلام الصهيوني برَّروا هذه التصرفات غير المحسوبة على أنها محاولة منهم لاختراق المجتمع الإسرائيلي، وهذه مسألة بحاجة إلى وقفات كبيرة، فكيف يتم اختراق مجتمع محصَّن فكرياً ويتمتع بالمنعة الأمنية؟ هذا في حين أن الرسالة الإعلامية لأولئك الإعلاميين كانت باللغة العربية التي لا يرغب الغالبية العظمى من الصهاينة التعاطي معها، علماً بأنَّ الإعلام الصهيوني يستضيف أولئك الإعلاميين للحديث عن قضايا سياسية هامشية نوعاً ما أو لا تشكل ضرراً عليهم أو هم في الأساس بحاجة إلى مزيد من المعلومات عنه، وهذا ما يبرر كثرة تساؤلات الإعلام الصهيوني عن المقاومة وعمليات التحرير.
ومن المؤكد أن مصطلح "اختراق" كبير جداً، وهنا من حق الجميع أن يتساءل: كيف لبعض الإعلاميين أن يخترقوا المجتمع الإسرائيلي المحصَّن في ظل أنَّ أجهزة الأمن العربية مجتمعةً عجزت على تحقيق ذلك؟ هذا بالطبع يؤكد على بساطة ومحدودية التفكير الذي يتمتع به هؤلاء الإعلاميين.
عشرات الحوارات التي أجراها الإعلام الصهيوني مع إعلاميين وساسة عرب تعرضت للإجتزاء بشكلٍ متعمدٍ، فكان الإعلاميون العرب يوصلوا رسالتهم بشكلٍ مقبولٍ نوعاً ما، لكن الإعلام الصهيوني لم يكن يأخذ منها إلا يصبُّ في مصلحة دولة الاحتلال، وقد رأينا كيف تعاملوا مع حوارات الشيخ أحمد ياسين عندما نشروا في غير مرة أخباراً تطالب بوقف الانتفاضة الأولى (1987م) وتدعوا للسلام مع الاحتلال.
صحيح أن العرب تأخروا 70 سنة على اختراق المجتمع الإسرائيلي، ولكن هذا عائد لضعف الإمكانات العربية وغياب الإرادات والنوايا الصادقة لذلك. ومهما يكن من أمر؛ يحتاج اختراق المجتمع الصهيوني لإمكانيات ورؤية واضحة، مع الالتزام بضوابط محددة.
وإذا كان لا بد من اختراق المجتمع "الصهيوني" والوصول إلى مكوناته وتعريفه بالرواية الفلسطينية المناقضة للرواية الإسرائيلية؛ فيمكن على سبيل المثال: حشد الإمكانيات العربية لتدشين ماكينة إعلامية متكاملة تستهدف المجتمع الصهيوني باللغتين العبرية والإنجليزية –وبلغات أجنبية أخرى-، على أن يشتمل ذلك إنشاء إذاعة ناطقة باللغتين المذكورتين، وقنوات فضائية إخبارية وثقافية وقناة للأطفال اليهود، ومواقع إخبارية الكترونية وصفحات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، تويتر، يتوتيوب، ...).
وفي الوقت نفسه؛ يمكن تكوين وتجهيز مثقفين عرب ناطقين بالعبرية والإنجليزية بحيث يتواصلون مع المجتمع الإسرائيلي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة مثل صفحة المنسق أو صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي (أفخاي أدرعي).
وهذه الأمور على أهميتها لا تضمن الوصول للمجتمع الإسرائيلي بشكلٍ كبيرٍ ولا تضمن احتمالات حظر المشاهدة بواسطة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لكنها بالمقابل تُخرج المثقفين والإعلاميين العرب من دائرة الكلام إلى دائرة الأفعال؛ لعلها في يومٍ ما تنعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية وتحقق إنجازات ما.
من الواضح أن هناك توجهاً كبيراً لدى بعض العرب للتعامل مع الإعلام الإسرائيلي، أما وأننا لا نستطيع منعهم أو إقناعهم بأنَّ هذه التصرفات تندرج في سياق التطبيع مع الاحتلال؛ فإنهم لا بد وأن يلتزموا بمجموعة من الضوابط اللازمة للتعامل مع الإعلام الصهيوني، حيث يجب أولاً أن يكون أصحاب هدف واضحة لا يخرج عن سياق الأمن القومي العربي والرؤى العربية للصراع العربي-الصهيوني، وأن يمتلكوا المعلومات الكافية ويفهموا الصورة الواضحة عن القضية الفلسطينية والتاريخ العربي والعلاقات العربية الصهيونية.
ومن المهم أن يتحدث الإعلاميون العرب باللغتين العبرية والإنجليزية وليس بالعربية، وفي برامج بث مباشر لا تخضع للاجتزاء والتحوير، وذلك مثل المحللين السياسيين الصهاينة: إيدي كوهين وإيال عليمة ومئير كوهين وغيرهم.
ومن المهم أن يضع الإعلاميون العرب مؤشرات لقياس مدى فاعلية تعاطيهم مع الإعلام الصهيوني؛ بمعني؛ هل يتأثر المجتمع الصهيوني حقاً بلقاءات وحوارات العرب؟ أم أنها حوالات لا تقدم ولا تؤخر شيئاً لدى المجتمع الإسرائيلي.
.