فلسطين التاريخ / تاريخ

نظرة الإسلام لليهود

يلفت نظر القارئ للقرآن الكريم العدد الكبير من الأيات والمساحة الضخمة من المصحف التي تتحدث عن اليهود أو بني إسرائيل، فالآيات التي تتناول يعقوب (إسرائيل) عليه الصلاة والسلام، وأولاده الأسباط ومنهم يوسف عليه السلام، وموسى عليه السلام وقصته مع فرعون وبني إسرائيل، وكذلك قصص داود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام كثيرة جداً.

ولعل مجموع الآيات لا يقل عن نصف القرآن الكريم تقريباً, وفي هذه الآيات الكثير من العبر والعظات والخبرات والتجارب والدروس التي ينتفع بها المؤمنون في أمورهم الإيمانية والتربوية والسياسية والأخلاقية، كما تكشف الأخلاق والطبائع العامة لليهود ووسائل التعامل معهم.

 وهنا يجب أن ننبه إلى أنّ هناك كتابات عن اليهود يتصور القارئ عندما يقرؤها أن هذه الصفات والأخلاق هي صفات فطرية أو جينية تولد معهم ويتوارثونها ولا سبيل إلى تغييرها فيهم وأنهم كلهم كذلك ويتم الطرح عن اليهود بهذا الفهم على أنه الفهم الشرعي، والحقيقة أن هذا يخالف الفهم الشرعي السليم وذلك بناء على النقاط التالية :

1-     كل مولود يولد على الفطرة كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)).

2-     القرآن دعا اليهود إلى الدخول فيه والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة مفتوحة قائمة إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: )وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم(, وقال الله تعالى: )إن الذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون(.

وقد دخل في الإسلام عدد من اليهود الذين أصبحوا من كرام الصحابة مثل عبد الله بن سلام وأم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضوان الله عليهم ولو كانوا مفطورين على الكفر لما دعاهم القرآن إلى الإسلام والإيمان.

3-     الخطاب القرآني لقوم معينين لا يقصد منه أنه يشمل الجميع وإنما يقصد سلوكاً عاماً لفئة لها شواذها. كما أن هذا السلوك أو بعض الصفات قد تختلف من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر فقد كان سلوك بني إسرائيل مع موسى مثالاً للجبن والخوف والشرك بالله عز وجل، فلما كتب الله عليهم التيه أربعين سنة نشأ جيل صلب من بني إسرائيل أنفسهم هو الذي قاده نبي الله يوشع عليه الصلاة والسلام, وانتصر به على أعدائه, وليس كل بني إسرائيل في عهود ما قبل الإسلام كفار سيئون فقد خرج منهم الأنبياء والصالحين.

والخطاب القرآني ينسب الفعل إلى من قام به وإلى من وافق عليه أو سار على دربه على اعتبار الجماعة التي قامت بالفعل فيخاطب الله يهود المدينة، فيقول سبحانه: ) قل فلم تقتلون أنبياء الله ( مع أنهم لم يقوموا بقتل أي نبي وتعدد الخطاب لهم باتخاذ العجل، فقال الله تعالى: ) ثم اتخذتم العجل ( وغير ذلك كثير.

 والقرآن هنا لا يحدد أشخاص بعينهم وإنما يخاطبهم بحكم الانتماء إلى الفئة التي قامت بالفعل ومن سار على دربها.

الرؤية الإسلامية لليهود ليست رؤية منغلقة معادية من زاوية العنصرية كما فعل الغرب النصراني أو أوروبا بعقائدها العنصرية والقومية التي أحدثت ما يمسى بالعداء للسامية. فرؤية الإسلام عالية منفتحة مبنية على التسامح ومراعاة الحقوق الدينية والمدنية لأتباع الديانات الأخرى، وبالتأكيد فإن المسلمين يحبون في الله ويبغضون في الله ويوالون الله ويتبرؤون مما سوى ذلك، ولكن براءتهم من اليهود لا يمنعهم من العدل وإعطاء الحقوق وحفظ الحرمات ولذلك وجد اليهود الأمن والحماية تحت رعاية الدولة الإسلامية بينما كانوا يعانون من التمييز والاضطهاد في أوروبا وغيرها، وكذلك لا يعني ذلك أن نسلم لليهود بأية حقوق في فلسطين أو أرض الإسلام, وأنهم عندما يحتلون أرضنا فيجب قتالهم واسترداد الحقوق المغتصبة من أيديهم.

ولم ينشغل المسلمون طوال تاريخهم بعد العهد النبوي بحرب اليهود – إلا تنفيذاً لوصية نبيهم صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من جزيرة العرب - ولم يفعلوا إلا بعد مجيئهم غاصبين محتلين لأرض المسلمين تدفعهم الدول النصرانية الكبرى، وهذا إن دل فإنما يدل على أن المسلمين لا يقتلون الكفار من يهود أو غيرهم لأنهم كفار ولكن لأنهم وقفوا ضد الدعوة أو اعتدوا على أرض الإسلام ويتمثل ذلك في جهادي الطلب والدفع, ولقد كان الصراع الدائر بشكل كبير بين الإسلام وأطماع الصليب كما هو معروف منذ موقعة مؤتة.

 

.