قطوف مقدسية / فلسطين في وجدان الشيخ زيد الفياض

|34-32| لتستمر العاصفة | واجبنا تجاه الباكستان | بريطانيا هي هكذا!!

(32)

لتستمر العاصفة

أرسلت لـ "المدينة" في 1385/5/25هـ

نشرتْ "جريدة المدينة" العدد (392) بتاريخ 1385/2/22هـ من مُراسلها في بيروت: 

"أعلن مصدرٌ فلسطينيٌّ مطلع في بيروت أنَّ الحاج أمين الحسيني - مفتي فلسطين السابق، ورئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين - يؤيِّد النشاط الذي تقوم به "منظَّمة العاصفة" الفدائية داخل إسرائيل، بينما كان الأستاذ أحمد الشقيري - رئيس منظمة التحرير - قدْ أعلن في تصريح صحفي: أنَّه يسعى لإقناع "منظَّمة العاصفة" بدَمْج نفسها في "منظَّمة التحرير" الفلسطينية، وترْك الأعمال الفدائية، والمهمَّات الحربية داخلَ فلسطين لجيش التحرير الفلسطيني، الذي تُنظِّمه وتسلِّحه "منظمة التحرير" حاليًّا على أراضي سوريا والعراق، والكويت وغزة وسيناء؛ تمهيدًا لخَوْض معركة فلسطين... إلخ".

قرأتُ هذا الخبر ووقفتُ أتأمل، والدهشة تملؤني، وأحسبُ أنَّ كل مَن قرأ هذا الخبر قد دَهِش، وإن كان بوُدِّي لو أن المراسل أوضح أكثرَ مما يؤكِّد أن ذلك التصريح قد صدر من الأستاذ الشقيري حقيقة، الذي يحاول به إيقافَ أعمال "العاصفة"؛ ليتولَّى ذلك جيشُ "التحرير" بعد إدماج العاصفة به.

 إنَّ هذا الخبر - إن صحَّ - يُعدُّ نكسة ثانية لقضية فلسطين، وهو نكبةٌ بعد النكبة - ومهلاً - فالأمر لا يحتاج إلى كثير من الاستنتاجات، أليس من أعظم أسباب النكبة الفلسطينية قبلَ سبعة عشر عامًا إبعادُ الفلسطينيين عن مَيْدان المعركة، وترْك الحرب للجيوش العربية والدول العربية؟!

 إنَّ هنا شبهًا قويًّا بين ذلك وهذا، ففي النكبة الأولى كان هناك رجالٌ يحملون السلاح من الفلسطينيين، ويخوضون غمار الحرب، أوقف نشاطهم، واليومَ تأتي هذه المحاولةُ لإيقاف نشاط العاصفة إن لم نقُلِ القضاء عليها نهائيًّا، بحُجَّة تولِّي جيش التحرير الفلسطيني لذلك، علمًا بأن هذا الجيش لا يزال في أولى درجات السُّلَّم، وقيامه بمهمَّات العاصفة شيء مظنون - على أكثر تقدير، وأحْسنِ ظنّ - بينما أعمال العاصفة محقَّقة واضحة، أزعجتِ العدو، ونغَّصتْ عليه عيشَه، وأعادتْ بعضَ الثقة في استعادة فلسطين، وأسهمتْ إلى حدٍّ ما في إبراز القضية الفلسطينية - دوليًّا - بعد أن تردَّدتْ أصداؤها في الخارج.

 بل إنها أعطتْ دليلاً ملموسًا على تصميم الفلسطينيين على استرجاع فلسطين، وطرْد المحتلين المعتدين، وإذا كان مفهومًا - على صحَّة تقدير الخبر الآنِف الذِّكْر - أن يطالب الشقيري بتكتيل الشعب الفلسطيني المبعثَر في قوَّة واحدة، وجبهة واحدة، وأن يسعى لانضمام "العاصفة" إلى "منظمة التحرير" الفلسطينية، فليس بمفهوم أبدًا أن يطلب إيقافَ نشاطها ذي الأثر الملموس.

 قد يكون هناك تبريراتٌ وأعذار لمِثْل هذا الرأي، ولكني أحسب أنَّ أمثال هذه التبريرات لا تقوَى على الصمود أمامَ الواقع، وفي تاريخ فلسطين بالذات ما يؤكِّد أنَّ استمرار العاصفة في أعمالها هو خيرُ مثل على إبراز القضية الفلسطينية، وأنَّ ذلك أولى الخطوات لاستعادة فلسطين التي هي حُلم الفلسطينيين، والعرب والمسلمين.

 إنني لا أريد التعرض لموضوع الخلاف بين الشقيري والحسيني، وآمل أن تتوحَّد كلمة الفلسطينيِّين، وأن ينبذوا الخِلافاتِ والتفرُّقات، وأن يكونوا صفًّا واحدًا.

 ولكنني أؤيد ما أراه حقًّا - ونافعًا - وأن ما يراه أمين الحسيني في هذا الموضوع هو ما ثبت نجاحُه، وأنه الطريق الصحيح، أما الترقُّب والانتظار، والكلام الكثير، فذلك مما يَزيد القضيةَ الفلسطينية تعقيدًا، ويمكن للأعداء الصهاينة.

 إنَّ كلَّ يوم يمرُّ بدون حرْب لإسرائيل، واجتثاث لها من فلسطين هو يومٌ تستفيد فيه الصِّهْيَونيَّة من عامل الزمن، فإسرائيل تريد أن تحشد أكبرَ قدر ممكن من اليهود المشتَّتين في أنحاء العالم، وتسوقهم إلى فلسطين.

 وهي بذلك تكون قوةً بشريَّة، يَصعُب إبعادُها بعد ثلاث سنوات - على وجه التقريب - بل يصعب اتِّقاء هجماتها، ووقفها عن تحقيق رغبتها في التوسُّع على حساب العرب.

 وإسرائيل تسعى حاليًّا لإنشاء القوَّة النووية، ولديها المفاعلات الذَّريَّة، وقد تصبح بعد سنتين أو ثلاث مالكةً للقنبلة الذرية، فتنقلب موازينُ القُوَى في المنطقة، وتعود من دُويلة احتلال مغتصِبة لجزء من أراضي العرب إلى دولةٍ مهاجِمة، تُحقِّق أطماعَها الإجرامية.

 مرة أخرى، لتستمرَّ "العاصفة" في أعمالها البطولية، وليسعَ الفلسطينيون للاستعداد لحرْب مع الصِّهْيَونية على نِطاق أوسع.

 هذا رأيي، وأحسبه يعبِّر عن رأى الأمَّة الإسلامية، ولا سيَّما الفلسطينيين.

 والله يُوفِّق العاملين في سبيل الحق والخير.

قضية فلسطين، ص96-100.

 

(33)

واجبنا تجاه الباكستان

"عكاظ" العدد (276)، في 1385/5/20هـ

تناقلتِ الصحف المحلية الصادرة في 1385/5/4هـ تصريح رئيس الأمَّة الباكستاني السيد عبد الجبار خان عن تأييد باكستان - حكومةً وشعبًا - لعرب فلسطين، ولكلِّ قرار تتخذه الدولُ العربية لحلِّ المشكلة الفلسطينية، وقد تناقلتْ وكالات الأنباء والإذاعات هذا التصريح.

 ومما قاله رئيس مجلس الأمَّة الباكستاني في تصريحه الذي أدْلى به في بيروت: أنه يطلب من الدول العربية تأييدَ باكستان من قضية كشمير في إجراء استفتاء حُرٍّ، يُقرِّر فيه شعب كشمير نوعَ الحُكم الذي يريده، وإن كانتْ بعض الصحف لم تنشرِ الجزءَ الأخيرَ من التصريح!

 ولا يسع المرءَ إلا أن ينظر بإعجاب وتقدير لموقف باكستان النبيل مِن القضايا العربية جمعاء، ومن قضية فلسطين بالذات، فباكستان وقفتْ موقفًا صريحًا وحازمًا ضدَّ الصِّهْيَونية المعتدية، وأعلنتْ بصِدْقٍ تأييدَها المطلق لعرب فلسطين في المحافل الدوليَّة، والمؤتمرات العامة والخاصة، وفي كلِّ حين، بل إنَّ باكستان تؤيِّد هذه القضيةَ العادلة، وتناصرها أكثرَ من بعض المتزعِّمين العرب.

 ولا ريب أنَّ باكستان عندما تفعل ذلك، فإنما تفعله بدافعٍ من عقيدتها ودِينها، فهي تلتقي مع العرب لقاءً يفوق الأنساب، والقوميات والوطنيات، لقاءً دِينيًّا ساميًا، وهي بذلك تؤدِّي واجبَها، ولكن ما هو موقِفُنا تُجاهَ باكستان التي أدَّتْ واجبها حِيالَنا؟

إنَّ واجبَنا أن نؤيدها في حقِّها المشروع دون مواربة أو الْتواء.

لو لم يكن يجمعنا مع باكستان الدِّين والعقيدة، لكان مِن واجبنا أن نكافِئَها على صنيعها المشكور تُجاهَ قضايا العرب، كيف وما يربطنا بها أقوى من أيِّ رباط على وجه الأرض؟ ففي القرآن العظيم: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

ثم إنَّ من صفات العرب الوفاءَ، وباكستان التي صدقتْ مع العرب، وصمدتْ ضدَّ الصِّهْيَونية في كلِّ مجال، في السياسة والاقتصاد والدعاية، جديرٌ بنا أن نتخذ إزاءَها ما يُمليه الواجبُ الدِّينيُّ، والضميرُ الحي، حتى نستطيعَ أن نقوِّيَ أنفسنا باجتماع القُوَى الكثيرة، وحتى يكون حافزًا للآخرين على أن يؤيِّدوا قضايانا العادلة.

 أما إذا كنَّا لا نُفرِّق بين عدوٍّ وصَدِيق، وبين من يؤيدنا حقيقةً، ومَن يُعطينا معسولَ القول إذا دعتِ الحاجة، ثم يطعن من الخَلْف، فسوف لا نجد مَن يؤيدنا، ولا مَن يعطف على قضايانا، بل سينقلبُ المؤيدون إلى خصوم، ويتحوَّل الأصدقاء إلى أعداء!!

 ولستُ أدعو لعصبية جاهلية بأن نؤيِّد أصدقاءنا، حتى في أخطائهم، ولكن ما أدعو إليه هو نُصْرتهم في قضاياهم الحقَّة.

 إننا نجد مسلمين يُضطهدون، ويُريد المتعصِّبون إبادتَهم، أو تحويلَهم عن دينهم بالقوَّة والبطش، ومع ذلك لا نسمع إلاَّ أصواتًا خافتة، وكثيرًا ما نسمع ونقرأ التأييدَ لأعداء المسلمين في عُدوانهم.

قضية فلسطين، ص101-103.


(34)
بريطانيا هي هكذا!!

أرسلت لـ "البلاد" في 1385/7/6هـ

التصريح الذي أدْلى به وزيرُ الدولة في وزارة الخارجية البريطانية (طومسون)، والذي قال فيه: "إنَّ بريطانيا سوف لا تَبْقى محايدة في حال حدوث حرْب ضدَّ إسرائيل"، وقال: "إنَّ من أهداف جولته في الشرق الأوسط أن يوضِّح أن بريطانيا لن تسعى لإقامة علاقات أفضل مع البلاد الأخرى على حسابِ علاقاتها الطيِّبة مع إسرائيل".

 هذا التصريح لم يأتِ بجديد في السياسة البريطانية منذ "وعْد بلفور"، وسياسة "تشرشل"، و"إيدن"، وأضرابهما، فهي سياسةٌ قائمة على معاداة العرب، وهي جزءٌ من حملة صليبية تستهدف القضاءَ على الإسلام في العالَم العربي، والعالَم الإسلامي، تقوم بريطانيا فيها بنصيب وافر.

 

ومهما تمسَّحَتْ هذه السياسة بالأساليب المتنوِّعة وتشكَّلت بالأزياء المتباينة، فهي تسعى لهدف واحد، وكل مَن يتجاهل هذه الحقيقة فهو مغالِط، ولا نُريد أن نذكر بريطانيا بما تزجيه بين آونة وأخرى من عبارات تفيض بالنعومة، وتُخفِي المكرَ الإنجليزي العتيد، ولا بدعاوى التمويه والصداقة التقليدية الموهومة، ولن نطلب مِن حكومة تحتفظ بوزيرٍ للمستعمرات في هذا الوقت أن تحترمَ العرب وتكرمهم؛ لأنَّا عندئذٍ نكون قد أضعْنا الوقت سُدًى، ورُمْنا المستحيل، ولكنَّا نريد أمرين لا ثالث لهما:

أما أحدهما: فهو الحَزْم والاستعداد، والردُّ الصريح القوي مع الدول العربية متعاونةً مع الدول الإسلامية، (فكلنا في الهم شرق).

وأما ثانيهما: فهو تذكير لبريطانيا، الدولة الاستعمارية التي انحسَر عن هامتها التاج والجواهر بضَياع الهِند، والدول الكثيرة التي تحرَّرت من الاستعمار البريطاني في آسيا وإفريقيا، لم يُثنِها عن عزمها جيشٌ مستعمر، ولا تهديدُه، ولا أساطيلُه ودهاؤه، وكانت بريطانيا في النهاية هي الخاسرة، ولتذكر بريطانيا أنَّ الزمن قد تغيَّر، وإقامة ما يُسمَّى بدولة الصِّهْيَونيين - في فلسطين - يختلف عن حرْب السويس، أليس كذلك؟!

أحسب أنَّ هذا الكلام مفهوم، حتى لساسة بريطانيا العريقين!

 ولو أنَّ مسؤولاً بريطانيًّا صرَّح خلاف تصريح "طومسون" لكان غريبًا، ومع ذلك فلتعلم بريطانيا أنَّها حينما تُقدِم على الوقوف إلى صفِّ اليهود فيما لو حدثتْ حرب بين العرب واليهود، فسيكون وبالاً عليها، وسوف تَجْني منه خسارًا واندحارًا.

 إنَّ العرب - يملكون الزَّيْت الذي تتغذَّى منه مصانعُ بريطانيا، وآلاتُها ومعداتها، وأساطيلها الجويَّة والبحرية والبرية، وتَتخذ منه وقودًا في بيوت أبناء الإنجليز، ودفئًا لدورهم وأجسامهم، وهم يعرفون - جيدًا - كيف يتصرَّفون في ملكيته، ويُحسنون تقديرَه، وأن السوق العربية التي تكون ميدانًا واسعًا للمنتجات البريطانية؛ الدولة التجارية التي تُدرِك جيدًا أهميةَ البلدان العربية في الاقتصاد الإنجليزي، وتأثيرها عليها، هذه السوق يمكن أن تزعزع الاقتصاد البريطاني.

 

والشُّعوب العربية وعتْ، وتجاوزت سِنَّ الطفولة، وشبت عن الطوق، ولا يمكن إغفال وعيها ورغبتها وإرادتها، أحسب أن هذا الكلام واضح لا امتراءَ فيه، وإذا كان الإنجليزُ يشكُّون في شيء من ذلك فسيرَوْن ما يزيل دعايات الصِّهْيَونيين وأباطيلهم.

 وبعدُ، فإنَّ الدول الغربية بتحديها لمشاعِر المسلمين، إنما تعمل لغَير مصلحتها، فهي بهذا تمكِّن للشيوعية وتفسح المجالَ أمامها؛ لتستفيدَ من الفرص التي هيأتْها لها هذه الدول، وبذا تنال الشيوعيَّة ثقةَ البعض ممَّن لا يعلمون أخطارها ومخططاتها.

والعجب أنَّ الدول الغريبة بعدائها للعرب والمسلمين، وتوجيه سياستها لهذا الغرض دائمًا كان دفعًا قويًّا لامتداد الشيوعيَّة ورواجها، فهل تدرك بريطانيا وأمريكا وأندادهما أنَّهم يَجنُون على شعوبهم بمثل هذه التصرُّفات الخاطئة.

 نقول هذا، وعندنا شكٌّ كبير في أنَّ الدول الغربية ستتراجع عن طريقتها العدائية، وتسلك السبيل الصحيح، ولكنه تذكيرٌ على أيِّ حال!

قضية فلسطين، ص104-107.

.