دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

جوييم كيري والموقف السلبي من القضية الفلسطينية

أحمد فايق دلول

 

يَنظر اليهود الصهاينة (الإسرائيليون) إلى العالم كله بما فيه دول أوروبا والولايات المتحدة وإداراتها وصانعي القرار فيها رغم التحالف الاستراتيجي على أنهم جوييم (Goyyim) أو خدم يعملون أو يجب أن يعملوا لصالح اليهود.

ويشير مصطلح (جوييم) الانفصالي المتطرف، حسبما ذكرت الأدبيات اليهودية القديمة المحرَّفة واللغة العبرية، إلى «الأغيار» و«الغوغاء» و «الدهماء» أي أصحاب الديانات والأجناس الأخرى، أو هم مَن دون اليهود وغيرهم، وهم الخدم الذين سخَّرهم الرب لخدمة اليهود عبر التاريخ، كما جاءت التفاصيل في سفر ميخا (4/12).

وفي قراءة سريعة لدور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أو جوييم كيري -على وجه الخصوص- بعد خروج هيلاري كلينتون من وزارة الخارجية الأمريكية، ندرك دون أدنى شكٍ أن كيري كان ومازال خادماً للإسرائيليين، وللصهيونية العالمية من خلفهم، ونكاد نجزم أن دماً يهودياً يسير في عروقه وشرايينه.

لقد حاول هذا الخادم أو الجوييم تصفية القضية الفلسطينية وتقليص الحقوق الفلسطينية إلى الحد الأدنى، فلم يتمكن من ذلك رغم أنه استطاع بعد عدة جولات مكوكية وفي فترة زمنية قصيرة -لم يفعلها وزير خارجية أمريكي من قبل- أن يحرك الماء الراكد لعملية السلام في الشرق الأوسط وأن يجرَّ الطرف الفلسطيني الضعيف إلى طاولة المفاوضات غير المتكافئة، دون شروط مسبقة، ولفترة زمنية محددة تم تمديدها لأكثر من مرة.

تبنَّى كيري وجهة النظر (الإسرائيلية)، ليؤكد على مبدأ الانحياز الأمريكي الكامل (لإسرائيل)، إذ لم يقف حينها على الحياد ولم يكن وسيطاً نزيهاً، بل لم يكن وسيطاً بالمطلق، وجعل من نفسه طرفاً في تلك المفاوضات، ونقل للجانب الفلسطيني أكثر من مرة عدم تمكنه من إجبار الاحتلال الصهيوني على الوفاء بالشروط المتفق عليها برعايته.

لم يتم الوفاء بالضمانات الأمريكية بالمطلق، فلم يقدر الجوييم كيري على إجبار الاحتلال الصهيوني على إطلاق سراح الدفعة الرابعة من المعتقلين الفلسطينيين بغير وجه حق، ولم يقدر على وقف الاستيطان المستمر والتهويد المتواصل ومصادرة الأراضي الفلسطينية في مدن الضفة الغربية كما وعد.

انتهت المفاوضات إلى طريق مسدودة بعد التعنت والتصلب والتشدد الذي أبدته الحكومة اليمينية المتطرفة في (إسرائيل) من ناحية، وبسبب ضعف المفاوض الفلسطيني وعدم امتلاكه أوراق قوةٍ وضغطٍ أو بدائل عن المفاوضات سوى المفاوضات كما يصرح الرئيس محمود عباس من ناحية ثانية، وبسبب الدور الأمريكي الخبيث الذي يدير المفاوضات بدلاً من محاولة حلها، وهو الدور المُكمِّل لنظيره الصهيوني من ناحية أخيرة.

لم يُقفَـل باب المفاوضات حتى نال (جوييم كيري) قسطاً كبيراً من الذلة والصَغار والمهانة وقلة الأدب أو والتقليل من الشأن أو الاحترام بواسطة الجانب الصهيوني، حيث تعامل الصهاينة معه على أنه خادم (جوييم) لهم، وجعلوا منه ألعوبة في يد جماعة اليمينيين المتطرفين التي تجلس على سدة الحكم داخل النظام السياسي الصهيوني.

لم يتعلم (جوييم كيري) من تلك التجربة الفريدة من نوعها، ولم يتعلم من تجربة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حينما ضربه الصحفي العراقي بالحذاء البالية، فحاول أكثر من مرة بعدها أن يُعيد استئناف المفاوضات ولكن دون جدوى. كما سجلت الصحافة عليه عدة مواقف سلبية تجاه المصالحة الفلسطينية التي تمَّت بإرادة الفلسطينيين أنفسهم بعيداً عن الفيتو الأمريكي.

التزم (جوييم كيري) الصمت المُطبق حيال العدوان الصهيوني الدموي على قطاع غزة في يوليو الماضي، ولم يخرج عن صمته إلا بعدما تمكنت المقاومة الفلسطينية من قتل 14 جندياً صهيونياً، كانوا يحاولون إبادة وقتل الإنسانية في غزة عندما أطلقوا نيران مدافعهم ورشاشاتهم وقصفوا بالسلاح الأمريكي المتطور منازل المواطنين الأبرياء العُزَّل من نساء وأطفال وشيوخ وشباب، وهذه إشارة صريحة على مدى تجرّد كيري ومن خلفه الإدارة الأمريكية من مبادئ الإنسانية والديمقراطية، فأي إنسانية وأي ديمقراطية وأي حضارة وأي مدنية هذه التي تدعيها أمريكا ؟!!!

هرول بعدها إلى الشرق الأوسط، وكان حينها قد صرَّح والميكروفون مفتوحٌ: "لنذهب سريعاً إلى الشرق الأوسط، قُتل 14 جندياً إسرائيلياً". ولم يكن (جوييم كيري) ليتحرك حتى لو قٌتل كامل سكان قطاع غزة، فهذا المسألة فيها نظر، أما أن يسقط الجنود الصهاينة صرعى، فهذا يستلزم من كيري أن يقوم بدوره الوظيفي الخدماتي لصالح الاحتلال الصهيوني على وجه السرعة.

حاول التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار (هدنة أو تهدئة) لكنها محاولات باءت بالفشل بسبب عدم أخذ المطالب الفلسطينية في الحسبان، والانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني، وتبني المطالب الصهيونية بالكامل، وخاصة ما يتعلق بنزع سلاح المقاومة، وهو مطلبٌ خارج المنطق ومستحيلٌ بلا أدنى شك.

تعرض (جوييم كيري) للحرج الشديد في لقاءات تلفزيونية ومؤتمرات صحفية بسبب تصريحاته السلبية تجاه العدوان غزة، وبالرغم من ذلك، لم يخجل على نفسه ولم يستحِ، وكأنَّ المأثور (وما لجرحٍ بميت إيلامه) قد قيل فيه. وواصله انتقاده للفلسطينيين وانحيازه للإسرائيليين وتبريره للموقف الأمريكي المخيب لآمال المتطلعين إلى الحرية والاستقلال.

تبنى (جوييم كيري) في أكثر من مرة الموقف الصهيوني، وتوجَّه باللوم على المقاومة الفلسطينية المشروعة التي لم تستهدف أي مدنيٍ داخل الأراضي المحتلة، وكان بإمكانها أن تقتحم المستوطنات وتقتل المستوطنين في بيوتهم وبشهادة الجميع، وهذا موقفٌ يتعارض جملةً وتفصيلاً مع الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية التي تنظر إلى المقاومة الفلسطينية على أنها حركات تحرر وطني مشروع ضد الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين التاريخية، وهو ما يؤكد أيضا أن أمريكا تنظر إلى نفسها على أنها فوق القانون.

كيري أيضاً طالب المقاومة الفلسطينية بإطلاق سراح الجندي الصهيوني الذي أَسَرَته المقاومة من موقعه العسكري أثناء قيامه بإطلاق النار صوب مدن غزة وأحيائها وبيوتها، وكان من الأجدر أن يتحدث عن أكثر من خمسة آلاف فلسطيني لا يزالون معتقلين في سجون الاحتلال، منهم الأطفال والنساء والشيوخ، وجميعهم أبرياء.

وأخير؛ يمكن القول إنَّ كيري ينتمي إلى الصهيونية المسيحية التي تستمد أفكارها ومعتقداتها من المسيحية البروتستانتية التي أسسها مارتن لوثر بعد نجاحه في حركة التصحيح والخلاص من الحكم الكنسي في أوروبا. ويقول لوثر في كتاب (المسيح ولد يهودياً): (اليهود هم أبناء الرب ونحن الضيوف الغرباء، علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها)، ولعل هذه المقولة تجسِّد بشكل دقيق حقيقة ما يقوم به وزير الخارجية الأمريكي، وتفسِّر سبب صمته عن جرائم الاحتلال من ناحية، وعن المهانة التي تُوجَّه له من ناحية أخرى، ومن هنا يصبح من حقِّ أي شخصٍ أن يستبدل اسم "جون كيري" بلقب "جوييم كيري".

.