فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

ماذا وراء حرق المساجد في فلسطين ؟

ماذا وراء حرق المساجد في فلسطين ؟

عيسى القدومي          

12-10-2011

منذ احتلال اليهود لأرض فلسطين في عام 1948 م، لم ينقطع مسلسل الاعتداءات على مساجد فتم تدمير أكثر من 1200 مسجد، الذي بقي منها في مناطق الـ"48" - التي كانت قائمة قبل الاحتلال- حوالي 100 مسجد إلى الآن، وتلك المساجد لم تسلم من أناس عرفوا عبر التاريخ بسوء الخلق والكذب والافتراء والتحريف الذي اتخذوه وسيلة للكسب؛ حيث قامت المؤسسات الرسمية اليهودية بتحويل بعض المساجد إلى كُنُسٍ يهودية: كمسجد العفولة، ومسجد طيرة الكرمل، ومسجد أبو العون، وبعضها الآخر حُوِّل إلى خمارة كمسجد بيسار، وناد ليلي كمسجد السكسك في منطقة يافا، ومسجد عسقلان ما زال يستعمل كمطعم ومتحف وغيرها الكثير الكثير.

ومنذ بداية عام 2010م وإلى الآن صعد اليهود من اعتداءاتهم الممنهجة على المساجد ، فتم حرق وتدمير العشرات منها، وكتابة عبارات مسيئة للإسلام، والرسم على جدرانها النجمة السداسية، ومن اللافت ترك المغتصبون عبارة توضح رقم المسجد في مسلسل التدمير والحرق كعبارة "المسجد رقم 18 الذي يحرق"، وهذا ما دفع بعض المختصين من التصريح بوجود تنظيم للمغتصبين اليهود يستهدف المساجد في فلسطين؛ أما موقف قوات الاحتلال من ذلك فهو الرعاية والحماية  لتلك الأعمال الإجرامية قبل التنفيذ، والشجب والاستنكار بعد الحرق والتدمير . مع ترك ما يزيد على نصف مليون مغتصب في مناطق الضفة الغربية والقدس، وبيدهم أكثر من نصف مليون قطعة سلاح آلية فردية.

وجاء حرق مسجد "النور" في قرية طوبا الزنغرية الواقعة في منطقة الجليل بشمال فلسطين المحتلة عام 1948 فجر يوم الاثنين 3/10/2011، كجريمة تضاف إلى سجل جرائم الإعتداء على المساجد التي أشعلها المغتصبون الصهاينة الذين أسموهم زوراً مستوطنون، هوايتهم وممارستهم اليومية أضحت حرق المساجد، وتدنيس المقابر، وقلع الأشجار، وقتل من يواجههم أو يمنعهم، ويتلقون الدعم والرعاية والحماية من قوات الاحتلال ومؤسساته، قبل تنفيذ الجريمة وما بعدها، فهم في مأمن من العقاب، وهؤلاء لا يتحركون فرادى، فلهم من يمثلهم دينياً من حاخامات وحركات متطرفة، وكذلك ممثلين في أحزابهم السياسية ، ومنهم الوزراء في الحكومة، والأعضاء في البرلمان العبري .

وأعلن أهالي القرية الإضراب العام احتجاجا على الاعتداء محملين حاخام مدينة صفد المجاورة مسؤولية إحراق المسجد -الذي بني قبل خمس سنوات- بعدما تورط في تصريحات عنصرية تحريضية ضد العرب والمسلمين. وكعادتهم ندد "شمعون بيرير" وغيره من قادة الاحتلال تلك الممارسات، ومع ذلك لم نسمع أو نقرأ أن مغتصب واحد منهم قد اعتقل أو سجن بحكم قضائي على ممارساته وعدوانه !! فالمعتدي اليهودي لا يكشف أمره أو ملابسات إجرامه، ويترك له العنان ليمارس هواياته في تدنيس المقدسات والاعتداء على الممتلكات.

وما زالت فتاوى حاخاماتهم تدعوهم للاستمرار في إجرامهم، ولو وصل الأمر لسفك الدماء، فهذا فعل يؤجر ويثاب عليه كيهودي !! لأنه الطرف الآخر يُعد – حسب شريعتهم - من  الجوييم والتي تعني : حيوانات بهيئة بشر حتى يأنس بهم اليهودي !!

لماذا تحرق مساجدنا ؟!

لا يخفى على المتابعين  لممارسات المغتصبين اليهود بأن تلك الجرائم هي ضمن  سياسة أُطلق عليها عبارة "الثمن الواجب دفعه" وتتمثل في شن هجمات انتقامية منهجية ضد أهداف فلسطينية في كل مرة تتخذ فيها سلطات الاحتلال إجراء يعتبرونه مناهضا للاستيطان!!

وتلك المجموعات الصهيونية التي قامت وتقوم بالاعتداء على المساجد غير بعيدة عن مصادر القرار في "الكيان الغاصب" على مستوياته المختلفة، كما أن المجموعة الإرهابية اليهودية المسماة "شارة الثمن" التي أعلنت مسؤوليتها عن حرق مسجد النور في قرية طوبا الزنغرية في الجليل بشمال فلسطين، ليست تنظيما سريا، بل تنظيم موجود بين مجموعات المغتصبين داخل المناطق المحتلة عام 1967، وهي استنساخ للعديد من المجموعات اليهودية المتطرفة التي نشأت خلال العقود الأربعة الماضية.

لا شك أن ممارسات اليهود تنم عن الوقاحة والحقد الدفين على للمسلمين وديانتهم وكتابهم الكريم ، فلم تتوقف محاولات تحريف القرآن الكريم والتشكيك في صحة آياته ، وما زال مسلسل نشر الكتب المشوهة للإسلام وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مستمرا . وجاء تدنيس القرآن الكريم من جملة النصائح التي تلقوها من الخبراء في الشأن الإسلامي، بأن ذلك من أشد ما يؤثر في المسلم ويشعره بالإهانة والمذلة، وقد يؤدي به إلى الانهيار والاستسلام الكامل؛ فالمقصود من هذا الإذلال المدروس  .

في السابق عادوا الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم أنه رسول من عند الله تعالى ، فقد رُوي بالسند إلى صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها قالت: " سمعتُ عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: "أهو هو؟" - وذلك بعد أن ذهبا إليه وجلسا إليه وسمعنا منه- قال: نعم والله، قال أتعرفه وتثبته؟ قال نعم، قال: فما في نفسك منه ؟ قال: عداوته والله ما بَقيتُ"[1].وبالفعل ، كان حيي وأخوه عدوين لله ورسوله مدة حياتهما، بل كانا من أشد اليهود عدواة وحقداً، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ، وذلك مصداق قوله تعالى : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا "[2] .

والحسد من اليهود لهذه الأمة ليس بجديد فقد أخبرنا به العليم بحالنا وحالهم ، قال تعالى : " أم يحسدون الناس[3] على ما آتاهم الله من فضله "[4] ، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي r قال : " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين "[5].

ولا ريب أنها جرائم تنفذ لجس نبض العالم الإسلامي، ولا يمكن قبول أن الذي ارتكبه هؤلاء بأنه فعل فردي بل خطة مبيتة، وهل حرق المساجد وتدنيس المصاحف إلا تفنن في إتباع أساليب مبتكرة وغير مألوفة بهدف إذلال وقهر أبناء فلسطين للنيل من كرامتهم وإلحاق الأذى النفسي بهم، بدءا من احتلال الأرض، وعمليات القمع والإرهاب والتعذيب حتى الاعتراف أو الموت، وتحويل المساجد إلى زرائب للحيوانات، وأوكار للخنا والفجور، وجرف الأراضي، والقتل والتشريد، وهدم البيوت، وترك الأطفال والنساء والعجائز في العراء، والاغتيالات والتصفيات، الاستفزاز والإذلال، ومعاملة أهل فلسطين كمعاملة الحيوان.... لدرجة تجعلنا نطأطئ رؤوسنا خجلا ومهانة .

ولعلنا نتساءل : ماذا سيجري لو أن مسلماً أو مسلمين تجمعوا وحرقوا الكنس ومزقوا التوراة والتلموذ رداً على الجرائم التي ترتكب بحق أهل فلسطين والأمة الإسلامية والعربية وشعوبها؟ وهل سمعتم أن مسلماً أحرق التوراة أم قام بتدنيسها رداً على جرائم اليهود المستمرة في فلسطين وتصريحات الحاخامات التي جمعت قاموس الألفاظ الرذيلة التي تقطر حقداً وخبثاً وسماً وإساءة لكل ما هو عربي وإسلامي ، ولكن الأمة المسلمة تنطلق من عقيدة راسخة وشرعة محكمة وقيم حضارية راقية لا تقبل الهبوط إلى مستويات الانحطاط التي يهبط إليها قتلة الأنبياء والرسل . ونحن على يقين أن المناشدات الأخلاقية وبيانات الإدانة والشجب والاستنكار لم تعد تكفي، فالمطلوب سياسة عربية وإسلامية مغايرة، سياسة تضمن اتخاذ خطوات فعالة لكسر وشل يد الإرهاب الفاشي الصهيوني، وتفضي إلى اتخاذ خطوات عملية لنصرة الشعب الفلسطيني وحماية مساجد المسلمين ومقابرهم.



[1] - رواه ابن هشام في السيرة 1/518، ورواه البيهقي في الدلائل: 2/254- 255.

[2] - سورة المائدة ، آية 82.

[3] -حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ، ومنهم من تصديقه إياه حسدهم له ، لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل . أنظر المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ، ص 301.

[4] - سورة النساء ، آية  54.

[5] - صحيح ابن ماجه ، حديث رقم 697.

.