دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
حكم الاستضعاف ومبرراته
حكم الاستضعاف ومبرراته
بقلم د. وائل الحساوي
ألّف الدكتور "زياد بن عابد المشوخي" كتابًا قيّمًا بعنوان «الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي»، تكلم فيهِ عن حكمِ الاستضعاف في الفقهِ الإسلامي، ومصوغاتهِ من حيثِ إمكانيةِ تَحقق الضرورة التي تُبيح المحظورات، وقد استدلّ الفقهاء بمدى تحقق الضرورة للفلسطينيين، فهل يَحق لهم أن يُقرروا مُجتمعين بعدمِ قُدرتهم على التصدي للعدوان الإسرائيلي؟ وبذلك يَحق لهم التنازل له عن حقهم في أرض فلسطين المغتصبة، والتسليم لعدوهم من باب الضعف وعدم القدرة على التصدي له؟!
وقد أجمع المسلمون على أن ذلك باطل ولا يُمكن قياسه بصلح الحديبية، والذي لم يترتب عليه أي اعتراف بشرعية قريش على أراضي المسلمين، بل لم يتنازل النبي صلى الله عليه وسلم، عن أي أرض ولم يسلموا لقريش بملكية الأرض، وإنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصالحهم على جزء من ثمار المدينة مقابل رجوعهم عن مواجهة المدينة.
كما استدل الفقهاء بأنَّ العقود التي تتم تحت القهر والإكراه والاضطرار لا مشروعية لها، وليس لها صفة قانونية، وهي قابلة للنقض في أي وقت، وستكون هنالك مداخل ومخارج متعددة للأجيال المقبلة من الفلسطينيين ومن المسلمين، لإحقاق الحق وإزهاق الباطل من استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
ولا شَكَّ أن استعادة الحق بِلا اعترافٍ أِيسر من استعادته بعد الاعتراف!
أما بخصوص الفلسطينيين بجوازِ التنازلِ عن جزء من فلسطين، فهو قول باطل، لأن تنازل أهل الأرض عن أرضهم سيكون مسوغًا ومبررًا لغيرهم للاعتراف!
كما قرر الفقهاء بعدم تحقق الضرورة التي يجوز معها الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتقدير هذه الضرورة يعود إلى علماء فلسطين، ولم يقل أحدهم بجواز الاعتراف بالكيان الصهيوني!
ومن مساوئ ذلك هو أن ذلك إبطال لحق النفس والغير، فالاعترافُ يترتبُ عليه إبطال حق المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل، حتى يغدو الاعتراف مستندًا لليهود وغيرهم في عدمِ أحقية المسلمين في المستقبل لهذه الأرض وما فيها من مقدسات.
المفسدة المترتبة على الاعتراف بالعدو هي إقرار بجرائمه وما ارتكبه من مجازر وما اغتصبه من حقوق ومقدسات.
كما أنَّ الاعتراف بالكيان الصهيوني هو إسقاط لحق المسلمين في المقدسات، أو المطالبة بها، وإسقاط حق المسلمين في الجهاد والمقاومة وعدم مشروعيتها ومحاكمة المجاهدين وملاحقتهم.
القرآن يشهد على واقع الصهاينة، وبأنهم لا يلتزمون بالوعود ولا المواثيق (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
وقد تورطت منظمة التحرير في الصلح، بينما لم تجنِ من ذلك شيئًا، حتى الدول العربية التي أقامت علاقات مع الكيان الصهيوني، لم تجنِ من وراء ذلك شيئًا، فلماذا التسارع وراء ذلك السراب، وماذا سيجنى من وراء ذلك؟
.