فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
مشهد ... ووقفات.
مشهد ... ووقفات
صرخات أدمت العيون وفطرت القلوب وشردت الأذهان، صداها لا يزال يتردد في أذني ... وصورة حية لم استطع تحملها، بكاء طفلة مفجوعة تتنقل بين شتات أسرتها على شاطئ البحر في غزة الذي خرجوا يتنزهون فيه، بعد أن أوفي أبيهم بوعده بنزهة بعد نجاحهم في مراحلهم الدراسية، وكانت مأساتهم بقذيفة يهودية عمياء قتلت الجميع إلا الطفلة هدى غالية... أجساد مزقتها صواريخ العدو التي لم ترحم حتى ابن الأربعة شهور ليناله نصيب من شظية من صاروخ في رأسه الناعم.
نحسبهم عند الله تعالى شهداء والله نسأل أن يرحمهم ويلملم حياة الطفلة هدى التي مزقت أمام شاشات التلفاز ...بصورة ومشاهد حية ... أخذت حيزاً في ذاكرتنا يصعب نسيانها ...كما حُفرت سابقا ًفي ذاكرتنا مشاهد مقتل محمد الدرة، وإيمان حجو، وإيمان الهمص وغيرهم الكثير الكثير ...
ولنا في هذا المشهد وقفات سريعة لابد من سردها:
- مشهد أفجع جميع كل من شاهده في وسائل الإعلام، والطفلة تصرخ: أبي.. أبي ... فبكت عليها غزة وبكت فلسطين، وخرجوا بالآلاف ليشاركوا في الجنازة، ويقدموا التعازي لتلك الطفلة الباقية، رغم المعاناة وضيق الحال وكثرة المآسي ...
- صرخات لثوانٍ معدودة من غير إخراج ولا سيناريو، لكنها تحكي وتلخص مسيرة احتلال وممارسات قمع مع قتل وتشريد، اختزلت قصة فلسطين المغتصبة بذلك المشهد المؤلم، وكأنها الحكاية من البداية إلى النهاية.
· مشهد أعاد لي صورة معاكسة وهي "ليهود أولمرت" رئيس الوزراء اليهودي الذي أبكى بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي في زيارته قبل أسابيع وهو يشرح ويسرد معاناة الأسر اليهودية في فلسطين وكيف أنها تعيش في حالة خوف وهلع من الإرهاب الفلسطيني!!! فهذا درس لعلنا نعي كيف تقلب الحقائق وتبدل الأحداث والمشاهد!!
- مشهد يجسد ما آل إليه الوضع العربي والإسلامي والضمير الإنساني العالمي في التعاطف مع قضايانا ودماء أطفالنا وضعفائنا، في ظل غياب الوحدة الإسلامية والعربية والموقف الواحد من قضايانا.
- مشهد لعله يكون دافعاً لخطبائنا ودعاتنا ومصلحينا أن يعيشوا في عمق الحدث ولا يتكلموا في تلك القضية إلا بمعرفة تامة بمجرياتها وتاريخها وأبعادها ليوعوا الناس على علم ودراية. ودافعاً أيضا ليعيد لنا دراسة التاريخ فلسطين المعاصر والوقوف على المشروع اليهودي "الواحد" الذي لا تحيد عنه أية حكومة يهودية مهما كان انتمائها وأيدلوجيتها.
- مشهد يدفعنا للعمل في كفالة آلاف الأيتام أمثال الطفلة هدي غالية التي يتمتها آلة الحرب اليهودية، والوقوف مع معاناة إخواننا هناك، وكسر الحصار الذي فرضوه لمنع إيصال مخصصات الأيتام الشهرية، بعد أن أرهبوا البنوك والمؤسسات التطوعية!!
- صرخات ... فهل يستطيع إعلامنا أن يوظفها لتكون رسالة المعاناة التي نقولها للعالم أجمع وبكل اللغات وكيف يعيش أهل فلسطين في ظل الاحتلال اليهودي. لقد استنكر تلك الجريمة كتاب ومثقفون يهود ووصفوها بالعمليات الجبانة وتحركت بعض المؤسسات والأفراد هناك بالتظاهر أمام القيادة العسكرية من شنيع أفعالهم.
- مشهد ترى!!! هل سيطرق أبواب الأطراف الفلسطينية المتناحرة لتوقف السعي في سياسة كسر العظام وإسقاط الحكومة المنتخبة وحقن الدماء والالتفاف حول قضيتنا الأساسية رحمة بدمائنا وثوابتنا ووحدتنا، أم سيطرق أبواب الجامعة العربية لتحثهم على عقد مؤتمر من أجل تلك الطفلة فقط، ويسجل التاريخ أن الجامعة العربية استجابت لصرخة طفلة فلسطينية، أم سيطرق أبواب الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أم سيطرق أبواب المؤتمر الإسلامي، أم منظمة حقوق الإنسان أم محكمة العدل الدولية أم ستطرق أبواب البيت الأبيض ومجلس العموم البريطاني؟ ما أسهل الكلام وما أصعب الفعل.
- مشهد يا ترى لو كان لطفلة "يهودية"، ولعائلة يهودية ممدة على رمال الشاطئ وقد قطعت أوصالها، فماذا سيكون موقف العالم الحر المتباكي على حقوق الإنسان!! وما موقف الدول المجاورة للعدو اليهودي!! أشك أن يكون بنفس ردة الفعل!! والله يرحم حالنا، الذي لن يتغير إلا إذا تغيرنا وتمسكنا بسبيل عزنا ونصرنا.
والحمد لله رب العالمين ،،،
عيسى القدومي
.