فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
الاقتتال الفلسطيني،.. فتنة شعب منكوب..

الاقتتال الفلسطيني، فتنة شعب منكوب..
عمر غا نم
لم يعد سراً ما يخطط له الكيان الصهيوني ويصبو إليه من أجل خـلق فتنة في الشارع الفلسطيني، وإشعال فتيل الحرب الأهلية كي يرى الدم الفلسطيني يسفك بأيد فلسطينية، وهي فتنة تطبخ منذ أمد على المستوى السياسي والإعلامي الموجه لدى العدو الصهيوني وجره إلى ويلات يعرف أولها ولا أحد يعرف آخرها تأكل الأخضر واليابس وتحرق كل ما أصطلح على تسميته بالمنجزات الضخمة التي حققها هذا الشعب المنكوب، ومن ثم تمرير المشاريع الصليبية الصهيونية التي عفا عليها الزمن، والتي ما زال أصحابها يعقدون الأمل عليها!! وإيجاد أجهزة أمنيـة فلسطينية قوية تأخذ على عاتقها توفير الأمن للاحتلال.
وبين ثنايا الفتنة السياسية.. الرضا عن هذا الطرف ومباركة سياسته، والسخط على ذلك الطرف والتنديد بتصلبه؛ لأن ثمة أطراف إقليمية ودولية تعـمل على إفشال الحكومة الجديدة بأي ثمن، وتعمل على إثبات أن خـيار المقاومة عاجز عن الحكم وتوفير مستلزمات الحياة للشعب الفلسطيني، وإجبارها على القبول بالشروط الصهيونية المغلفة عربيا وأمريكيا.
ولأن المقام مقام جد لا هزل فيه، إذا دقت طبول الحرب - وكأننا نسمعها - لتهلك الحرث والنسل!! وتشيع في الأرض الدمار والخراب! وهي مجرد بداية كما يقولون، ثم تتلوها صواعق أخرى، ولأن العـاقل لا ينتظر حتى يقع الفأس في الرأس! وحينها لا ينفع الندم! فان هناك أمور لا يحل لمسلم أن يتعداها عند وقوع الفتن مهما كانت الظروف ومهما كانت الضائقة، لأنه لا فائدة فـي رفع السلاح بين أبناء هذا الشعب مهما كانت الأسبـاب والمسببات الساعية لإشعال نار الفتنة وإيقاد أتونها، وهو الذي حذرنا الله عز وجل منه فقال: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (الأنعام :65)
ضوابط وأصول
وعليه فلا بد أن يعلم الجميع هذه الأصول:
• أولا: لا يحل ترويع المسلم في المسجد أو البيت أو السوق أو الطريق أو المؤسسات أو في أي مكان عموما، وفي هذه البلاد المقدسة «خاصة فلسطين».
وإن تعظيم أمر الدماء، وتغليظ العقوبة عليها، واشتداد غضب الله على المجترئين عليها بغير حق، مما استفاض تقريره في الشريعة المطهرة، وأكدت عليه نصوص الوحيين قرآنا وسنة، فلا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما، وكل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو مؤمنا يقتل مؤمنا متعمدا، ومن هنا كانت عقوبة القصاص في الشريعة، صيانة لدماء البشر، وحماية ومن لها من المفسدين في الأرض! وكانت عقوبة الحرابة - وهي أشد وأغلظ - حماية للمجتمع من غوائل المارقـين عليه، وتأكيد لحرمة الأمن العام في الشريعة المطهرة، قـال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء :93).
وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة :179)
وجاء في الأثر أن غلاما قتل غيلة - في اليمن - فلما بلغ عمر الأمر قال:
(لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهما) أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» أخرجه البخاري.
وهذا التعظيم للدماء في الإسلام شريعة عامة لا يفرق فيها في الأصل بين مسلم وغيره، فلا تستباح الدماء في دار الإسلام إلا بإحدى ثلاث : القتل العمد العدوان ، أو الزنا بعد الإحصان ، أو الردة بعد الإيمان ، قـال صلى الله عليه وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، هذا وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» أخرجه أبو داوود ، بل قال صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فـسوق وقتاله كفر» أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم .
ولا تستباح خـارج دار الإسلام إلا في الحرب المشروعة التي تكون لدفع العدوان : العدوان على بلاد الإسلام ، أو العـدوان على الإسلام نفسه ، بفتنة الناس عنه ، أو صدهم عن سبيله ، ووضع المعوقات في طريقه ، ومصادرة حق البشر في اختياره ، قال تعالى :{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة :190)، وقال تعالى : {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (النساء :75) .
• ثانيا:
معقد الولاء والبراء في الشريعة هو الإسلام وما جاء به من البينات والهدى، فقد حرر الإسلام بني البشر من التعصب للأعراق والألوان والألسنة، وجعل محض ولاءهم للحق الذي نزل من عند الله، وأمرهم أن يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين، فهذه شريعة عامة تخاطب المسلم أينما كان، فوق كل أرض وتحت كل سماء.
والمسلم لا ينصر أحدا على باطل، مسلما كان أو غير مسلم، فردا كان أو كيانا سياسيا، غربيا كان أو شرقيا؛ قال تعالى:{ لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}(المجادلة :22) ، أي لا يوادون والمحادين ولو كانوا من الأقربين ، وقال تعالى : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة :24)
• أمر الله تعالى بمباينة من حاد عن الحق فطغى، واستحب العمى على الهدى، ولو كان من أقرب الأقربين، فالقضية إذن منهج عام، فلو أن أحدا من بني قومه تعدى وجار ، فإن نصرته لله أن يضرب على يده ، وأن يمنعه من الظلم، لا أن يشاركه فيه - من أجل المكاسب الحزبية والتنظيمات السياسية- ويعينه عليه، فإن من نصر قومه على الباطل فهو كالبعير الذي تردى ، فهو ينزع بذنبه! كما قال صلى الله عليه وسلم، وليس لنا مثل السوء! في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
• ثالثا:
وقد تقرر في جميع الشرائع السماوية، وجميع القوانين الوضعية، تحريم الانتقام بالظنة، أو تتبع عورة الناس وفضحهم او رميهم بما ليس فيهم، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، والحدود الشرعية تدفع بالشبهات، وليس مسلم أو غير مسلم أن يقدم على عقوبة أحد لم تثبت في حقه الجريمة التي يتهم بها، فلا تستحل الدماء، وينشر الدمار، بمجرد ظنون وهواجس، ومن فعل ذلك فقد بغى ومجاوز الحد، وحق على العالم كله أن يوقفه، وأن لا يظاهره على بطشه ورغبته في الانتقام بحال من الأجوال. فالحذر... الحذر أن تطيع من يأمرك بقتل المسلم المؤمن بظن أو ثأر خدمة لقائد أو زعيم أو أي مسؤول إلا بالحق الذي أشار إليه ربنا بقوله تعالى: {وَلَا تقْتلُوا النفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام: l5l)، لأن من نفذت أوامرهم لن يحملوا عنك العذاب ولن يدخلوا النار بدلا منك، وستقول عندها ما ذكره الله تعـالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (الأحزاب :67)، بل لقد ذكر الله تعالى مشهد تحاجج الأتبـاع والمتبوعين في النار ، فقال تعـالى{ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ • قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} (غافر: 47-48).
• ومع ما هو معلوم من أن المفاسد المذكورة وأضعافها لا تبـيح قتل أو قتال امرئ مسلم بغير حق ، وقـد قال صلى الله عليه وسلم فـي حجة الوداع فيما أخرجه مسلم وغيره: (فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) ، وقد رأينا إجماع الفقهاء على أن الإكراه على القتل ليس بعذر، ولو أتى على نفس المكره لاستواء كلا النفسين في الحرمة، وبـالتأكيـد على بقاء الولاء خـالصا لله ولرسوله وجماعة المسلمين. قال تـعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ • وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } (المائدة :55-56).
• رابعا:
إن مؤسسات الأمة؛ بمدارسها، جامعاتها، مستشفياتها، وزاراتها ومؤسساتها الخدمية وما يخص هذه المؤسسات من عدة وعتاد، هي ملك للأمة وليست ملكا لطائفة أو فئة أو حزب أو تنظيم أو جماعة أو حركة خاصة وأنها بنيت بأموال جمعت باسم الأمة، وتخريبها والاعتداء عليها فيه خيانة للدين والأمة والوطن.
والمؤسف أن المظاهرات وأعمال العنف التي حدثت وأثارت الفوضى تأتي من قوات الأمن الداخلي الموكلة بحفظ الأمن والاستقرار والهدوء!! لا أن تكون مصدر الفوضى وبداية لإشعال نار الفتنة!!
•خامسا:
الفتنة تفسد الضرورات الخمس: إن الحرب الأهلية إن وقعت بين الشعب الفلسطيني فإنها لن تحفظ شيئا من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية بحفظها، والتي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج واضطراب وفوت حياة، وفى الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، وهذه الضرورات الخمس هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وأعظمها بعد مقصد حفظ الدين مقصد حفظ النفس، يقول معـاوية رضى الله عنه : (إياكم والفتنة ، فـلا تهموا بهما ، فإنها تفسد المعـيشة ، وتكدر النعمة ، وتورث الاستئصال ) (سير أعلام النبلاء ص 149-148) .
• ففي السنة ورد عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(اجـتنبوا السـبع الموبقات ، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). رواه البخاري ومسلم.
• قال عبد الله قادري رحمه الله: « وقد سمى الاعتداء على هذه الأمور موبقا أي: مهلكا، ولا يكون مهلكا إلا إذا كان حفظ الأمر المعتدى عليه ضرورة من ضرورات الحياة».
• سادسا:
سد الذرائع المؤدية إلى القتل والفتنة: الشريعة الإسلامية وضعت تـدابير عديدة كفيلة بإذن الله بحفظ النفس من التلف والتعدي عليها، بل سدت الطرق المفضية إلى إزهاقها أو إتلافها أو الاعتداء عليها، وذلك بسد الذرائع المؤدية إلى القتل؛ فمما جاءت به الشريعة لتحقيق هذا المقصد:
ا- النهى عن القتال في الفتنة:
عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل، فلقـيني أبو بكرة، فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله – يعني عليا - قال: فقال لي: يا أحنف، ارجع، فإني سمعت رسول الله يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، قال: فقلت أو قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فـما بال المقتول؟ قال: إنه قـد أراد قتل صاحبه» رواه البخاري ومسلم.
قال النووي رجمه الله: معنى (تواجه): ضرب كل واحد وجه صاحبه، أي: ذاته وجملته، وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها، ثم كونه في النار معناه: مستحق لها، وقد يجازى بذلـك، وقد يعفو الله تعالى عنه، هذا مذهب أهل الحق.
• ولذا فإن ما تقوم به بعض الفئات في الشارع الفلسطيني من حمل للسلاح واستعراض وبشكل مكشوف فإنه يبعث على الاشمئزاز، قوى أمنية متنافرة، وفصائل على اختلاف توجهاتها، أضف إلى ذلك المأجورين، والشباب الطائش، كل هذا يـعيـد إلى الأذهان فتح ملف فـوضى السلاح وانتشار السلاح المضطرد بين الفلسطينيين الذي أودى بحياة المئات من المواطنين الفلسطينيين في الأعوام الأخيرة بحسب مراكز حقـوقية ، ولا يعني هذا ألبته الدعوة لنزع المقاومة الفلسطينية من السلاح الذي يستخدم في صد العدوان اليهودي الذي يتوغل في قطاع غزة من حين لآخر أو لتنفيذ عمليات ضد أهداف يهودية ، ولكن ما ندندن حوله هو ألا يستخـدم هذا السلاح في تناحر الفصائل مع بعضها البعض في حال نشوب خلاف فيما بينها، أو تستخدمه العائلات عند حدوث أي مشكلة بين عائلة وأخرى .
•سابعا:
الإصلاح أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة :على العلماء والدعاة والمصلحين في فلسطين وخارجها العمل والسعي الدؤوب للإصلاح بـين الفلسطينيين ودون اليأس من كل محاولات البعض لقتل المصلحين وأهل العلم أمثال الشيخ عادل نصار وغيرهم رحمهم الله تعالى، وذلك دون كلل ولا ملل ، وتحمل المشاق في سبيل ذلك، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قهر للشيطان وأعوانه وتنفيذ لأوامر القرآن، وقد تتابعت أنبياء الله في الدعوة للإصلاح ، قال الله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال :1)
قال ابن عباس رضى الله عنه: «هذا تحريض من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم» وكذا قال مجاهد، وقال السدي رحمه الله: «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بـينكم» أي لا تستبوا». وقال تعالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء :114).
وعن أبى الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إصلاح ذات البين)، قال :(وفـساد ذات البين هي الحالقة) ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبى معاوية وقال الترمذي حسن صحح.
وقال تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}: أي مخلصا إلى ذلك محتسبا ثواب ذلك عند الله عز وجل: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ • فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ • فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة :180-182)
وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة :224)
• أخيرا فإن الواجب على علماء الأمة من داخل فـلسطين وخارجها والمخلصين والعقلاء جميعا في كل فرقة أو فئة أو حزب أو تنظيم أو حركة تحمل المسؤولية ، قال تعـالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الحجرات: 9) وإن السكوت عنها يخشى أن يصيب الناس جميعا بهذه الـفتنة قال تعالى : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
العدد الثالث – مجلة بيت المقدس للدراسات
. تحميل الملف المرفق