القدس والأقصى / حقائق مقدسية

الأقصى متنزه لليهود !!

عيسى القدومي

                                                                                                                       

أعلنت سلطات بلدية الاحتلال وضمن مخطط لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى وساحاته، وتهويده وتغيير معالمه، عن تحويل ساحات المسجد إلى ساحات عامة، على اعتبار أن تلك الساحات ليس لها أية حرمة، وأنها أرضاً مشاع، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، ولا قداسة لها .

وحسب هذا الإعلان فلا مانع لبلدية القدس أن تستثمر ساحاته لإقامة المطاعم والمقاهي والمعارض وغيرها، وتقديم المسكرات، وأن يمارس مرتادوا تلك الساحات الموبقات والفواحش من شرب للخمور ومقابلات للعشاق، وارتداء للملابس الفاضحة، وغيرها من الأعمال والممارسات التي يجيدها اليهود .   

وهذا جعل أبواب المسجد الأقصى مشرعة لليهود ليقتحموه ويعبثوا فيه متى شاؤوا، ومن أي باب أرادوا، بعد أن كانوا في السابق لا يدخلون إلا من باب واحد وهو باب المغاربة الذي استولى عليه اليهود منذ احتلال شرقي القدس عام 1967م، أما الآن فهم يدخلون من جميع الأبواب بلا استثناء.

وفي ذلك استباحة علنية للمسجد الأقصى، باعتباره مكاناً عاماً ومتنزهاً تاريخياً، ومزاراً لطلبة المدارس اليهودية، والمجندين والمجندات، والسائحين والسائحات، وهذه الاستباحة قد مورست فعلاً قبل ذلك الإعلان، فأضحى دخول المسجد الأقصى في كل الأوقات ولكل من أراد، وتكرر دخول قوات الاحتلال الصهيوني ساحات المسجد الأقصى المبارك مدججين بالأسلحة ومرتدين زيهم العسكري، وانقلب يوم "الغفران" اليهودي إلى يوم عدوان على المسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرمته وتدنيسه، تحت حماية الشرطة اليهودية لفرض واقع جديد لتهويد المسجد الأقصى ومدينة القدس، وإظهار أن تلك القرارات أمر لا مناص منه.

فالمسجد الأقصى في عقدينا هو اسم لجميع المسجد وهو كل ما دار عليه السور وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والمصلى الجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن ، والمسجد كله غير مسقوف سوى بناء قبة الصخرة والمصلى الجامع الذي يُعرف عند العامة بالمسجد الأقصى وما تبقى فهو في منزلة ساحة المسجد، وهذا ما اتفق عليه العلماء والمؤرخون، وعليه قال علماؤنا بأن مضاعفة ثواب الصلاة تكون في أي جزء مما دار عليه السور .

 واعتبار اليهود أن المسجد الأقصى هو فقط مسجد قبة الصخرة والمصلَّى الجامع، وأن كل الساحات داخل أسوار المسجد الأقصى والتي تبلغ مساحتها 144 ألف متر مربع هي ساحات مشاعة عامة، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، يُعد تمهيداً لإقامة بناء يجسّم الهيكل المزعوم - حسب تصوراتهم – ما بين مسجد قبة الصخرة والمصلى الجامع في قبلة المسجد. فمكرهم – بتعريفهم الجديد- هو تحويل ساحات المسجد الأقصى إلى ساحات عامة، ومن ثم إطلاق مسمى " منطقة جبل الهيكل "  على تلك المساحات!

وقد استنكرت هيئة العلماء والدعاة في فلسطين- بيت المقدس - إعلان سلطات بلدية الاحتلال بتحويل ساحات المسجد الأقصى إلى ساحات عامة يمكن لأي إنسان كان أن يرتادها وأن يفعل فيها ما يحلو له، وجاء في بيانها بتاريخ 28 /2 /2012م : "إن هيئة العلماء والدعاة في فلسطين- بيت المقدس- تحذر سلطات الاحتلال من اللعب بالنار، فإن المسجد الأقصى ليس حديقة عامة، ولا متنزهاً للعب والعبث، وإن اللعب في موضع كهذا قد يجلب ردود فعل لا يعرف الاحتلال نهايتها، وعلى المقدسيين والفلسطينيين بخاصة أن لا يسمحوا بمرور هذا المخطط العدواني بأي ثمن، وعلى العرب والمسلمين أن لا يقفوا عند حدود الإدانة والشجب والاستنكار، وأن يرتفعوا إلى مستوى قداسة المسجد الأقصى الذي يحتاج إلى همة المؤمنين وعزيمة الصادقين، بالفعل لا باللسان، وقد أصبحنا نعرف عن يقين أن العرب قادرون على وقف هذا العدوان ولجمه، ولا يحتاج تفعيل هذا الأمر إلا إلى إرادة سياسية واعية، تقدم المصلحة الدينية والوطنية والانسانية العليا على ما دونها من المصالح.

وأضاف البيان: "إن هيئة العلماء إذ تدعو إلى الوقوف ضد هذا الاستهتار الإسرائيلي لتطالب المؤسسات الحقوقية وصناع القرار الذين هم على تماس مباشر بالأمر أن يرفعوا أصواتهم عالية، حتى لا نرى المسجد الأقصى المبارك وقد تحول إلى حديقة عامة... وليعلم الساكتون أنهم واقفون غداً أمام الله، وأنهم مسؤولون، فليعملوا من أجل هذا اليوم".

وسبق ذلك الإعلان من سلطات الاحتلال إجراءات عدة ضمن مشروع تهويد القدس، فكان التضييق على المقدسيين وإبعادهم وسحب هوياتهم وسلب حقهم في الوجود في داخل القدس ليتحقق لليهود ما أرادوا من تغيير ديمغرافي يضمن لهم الأغلبية السكانية، وتسارع مع ذلك السيطرة على الأرض من خلال الجدار العازل والاستيطان وحفر الأنفاق وإقامة الكنس وتغيير المعالم وتزييف التاريخ بادعاء أن لهم أماكن مقدسة في القدس .

ومن الممارسات العملية التي قام بها الاحتلال مؤخراً، مناقشة قرار الكنيست باعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي، وإجراء التدريبات العسكرية في ساحات المسجد الأقصى وعلى جدرانه، وتكرار دخول قوات الشرطة الصهيونية على شكل دوريات إما تابعة للجيش أو أجهزة الأمن المختلفة  في أرجاء المسجد الأقصى، وتنفيذ مشاريع الحدائق التوراتية، والإجراءات العملية لهدم جسر باب المغاربة الخشبي وإقامة جسر فولاذي معلق مكانه. ونجح كذلك رعاة المشروع من اليهود في جعل أمر دخول المسجد الأقصى من جيش وشرطة، وطلبة المدارس الدينية والجماعات المتطرفة التي تعمل لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى أمراً اعتيادياً ، بل رفعوا عدد الأماكن التي ادعوا قدسيتها في فلسطين من " 49" مكانا عام 1949م وفق ما دونه الانتداب البريطاني زوراً وبهتاناً،  إلى "326" مكانا حتى العام 2000م ، وازداد العدد الآن ليصل إلى أكثر من 350 موقعا تقريباً !!

وها هو الإعلان عن ساحات المسجد الأقصى بأنها ساحات عامة يأتي ضمن مخطط "سلطة تطوير القدس" و"بلدية القدس"  والذي نُشر في نهاية 2007م- وشكك في تنفيذه الكثيرون- وحمل إسماً عبرياً (كيديم يورشلايم) بمعنى " القدس أولا "، وكانت صفحاته تحوي معالم المخطط القادم بالصور والوثائق والرسومات الهندسية المفصلة، لما ستكون عليه البلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد إقامة المنشئات الجديدة المزمع تشييدها داخل أسواره، وأسوار البلدة القديمة وما جاورها !! وزعموا أن ذلك لتطوير السياحة في القدس بهدف جذب سياحي لعشرة ملايين زائر بالسنة الواحدة، ويستمر تنفيذ المشروع لمدة ستة أعوام.

والحقيقة التي نراها بأعيننا بأن مشاريع تهويد القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات، وأخطر هذه المشاريع المفصلة في ذلك الكتاب : إقامة هيكل مزعوم بين قبة الصخرة والمصلى الجامع في صدر المسجد الأقصى؛ وافتتاح كنس يهودية على أجزاء من المسجد الأقصى، وإزالة طريق المغاربة وإغلاق بابه وإقامة جسر بديل، يحمل مواصفات خاصة تمكن الجرافات والشاحنات والسيارات العسكرية من المرور عليه واقتحام المسجد الأقصى، وفتح باب خارجي يوصل إلى المصلى المرواني بهدف تحويله إلى كنيس يهودي، وأيضاً عن مخطط لاقتطاع جزء من مقبرة الرحمة المدفون فيها عدد من الصحابة ليشيدوا مكانها محطة تليفريك " عربات هوائية"  .

والهدف العاجل الذي أراده اليهود هو إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط !! فهي - بتزييفهم وتزويرهم -  مدينة داود وسليمان؛ والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم!!

حقاً أننا نعيش في عالم ظالم يرى بأم عينيه كيف تدنس مقدسات المسلمين، ويعتدى على المصلين، ويحول المسجد الأقصى بأسواره وساحاته إلى متنزه عام، ويلتزم العالم بمؤسساته والتزاماته الهدوء والسكون والصمت؛ المفارقة الغريبة العجينة أن نرى هذا السكون والخشوع من أبناء جلدتنا أمام ممارسات تقشعر منها الأبدان، وتصيبنا بالذل والهوان !!

لذا فإن الحكومات العربية والإسلامية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعمل ضمن استراتيجية واضحة ومحددة لحماية المسجد الأقصى، والقدس بأكملها من العبث اليهودي؛ وعدم ترك أبناء القدس وحدهم في مواجهة العدوان وحملات التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كل شبر بالبلدة القديمة. ولا بد من تنسيق جهود المؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها، وتطوير برامج الدعم .

ووسائل الإعلام مطالبة كذلك بالاهتمام الخاص بتغطية أخبار القدس والمسجد الأقصى وإيجاد الآليات اللازمة لذلك، وإبقاء هذه القضية ضمن القضايا الأساسية في مختلف أنواع التغطيات الحوارية والوثائقية والثقافية لحمل عبء قضية الأقصى والاهتمام بها ومعرفة تاريخها وما جاء من أخبار وآثار إسلامية، ليتحصن المسلم من شبهات وأكاذيب اليهود ، وتوظيف القلم للدفاع عن المسجد لأقصى ورد الشبهات والأساطير .

والسكوت عن تلك الممارسات تحت مسوغ انشغال الشعوب العربية بالربيع العربي، لا مبرر له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل أن هذا الإعلان وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد التغير ، هل تبدل بها الحال؟ وهل عادت لها الحياة؟ أم ما زالت لا تملك مقومات عزها ونصرها للوقوف أمام المعتدين على مساجدنا ومقدساتنا؟  .

 

نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود.

 

6-3-2012

.