دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
قراءة في كتاب: دولة إسرائيل زائلة!

قراءة في كتاب: دولة إسرائيل زائلة!
تأليف/ يعقوب شاريت
ترجمة/ دار الجليل
إعداد/ اللجنة العلمية بمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية
أثار الاهتمام قبل أيام ما نشر في قناة روسيا اليوم تحت عنوان: "مجلة الإيكونوميست تطلق تنبؤا "مرعبا" للإسرائيليين بأن مستقبل إسرائيل يتجه نحو كارثة غير مسبوقة"؛ حيث جاء في التقرير الذي تصدر غلافها تحت عنوان: "غطرسة إسرائيل"، أن الدولة العبرية تبدو قوية ظاهريا بعد تعافيها العسكري، لكنها تواجه أخطارا متزايدة تهدد استقرارها؛ كما يرى التقرير أن النهج الإسرائيلي الحالي يعزز من حالة عدم الاستقرار، حيث تستمر العمليات العسكرية في الضفة وغزة، إلى جانب توسيع نطاق التدخلات في سوريا ولبنان؛ حيث باتت "إسرائيل" تهاجم عند أول فرصة سانحة، بغض النظر عن العواقب.
ولم تقتصر تحذيرات الإيكونوميست على التهديدات الخارجية، بل شملت التصدعات الداخلية في إسرائيل، وخلصت المجلة إلى أن إسرائيل تبدو قوية عسكريًا، لكنها تواجه مخاطر حقيقية تهدد مستقبلها؛ فالغطرسة السياسية والعسكرية قد تؤدي إلى كارثة، ما لم تفهم القيادة الإسرائيلية المخاطر التي تلوح في الأفق.
- ومن هذا المنطلق تأتي ترجمة كتاب: (دولة إسرائيل زائلة) الصادر في أصله عام 1988م، والذي تمت ترجمته من قبل دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية (عمان – الأردن)، في 1991م، ويقع الكتاب في 158 صفحة.
- يدور هذا الكتاب حول أربعة مباحث ذكرت في فهرس الكتاب الأصلى والمترجم وهي: وقت للرثاء، بذات أيدينا، الحكم، عشرة أفعال..
- تحكي مقدمة المترجم - "دار الجليل"- في بداية الكتاب خلاصة مهمة تعبر فيها عن تلك الصرخة المدوية التي أطلقها مؤلف الكتاب الأصلى، حيث جاء ذكر المترجم ذلك بقوله:
"ها قد برز من بين اليهود من يقول دولة "إسرائيل" زائلة ويوثق قوله هذا في كتاب الذي أحدث ضجة كبرى في الوسط "الإسرائيلي"، مسؤوليه وعامته، فكيف يكون ذلك وإسرائيل هي الدولة الأقوى والأكثر تسليحا، ودعما في المنطقة؟ لكن المؤلف الفيلسوف لم يترك قراءه يهيمون في فراغ قاتل فقد سرد لهم اسباب سوداويته من المستقبل الذي ينتظر إسرائيل هذه الدولة ذات المجتمع غير المتجانس، الذي لا يجتمع الا على حرب ولا يتفق إلا على عدوان وتوسع، ويتلذذ باستعباد غيره من الشعوب، وها هو المثل الحي القائم - الشعب الفلسطيني - الذي ينتفض لكرامته وكبريائه الوطني ..
تلك إذا هي أسباب يأس وقنوط "يعقوب شاريت"، وهي القاسم المشترك الذي يجمع بين جلّ المثقفين اليهود وأهل الفكر منهم، وهذا يعني أن المؤلف وغيره، لم يكونوا ليقولوا شيئاً لو أن شعب فلسطين قد استكان للاستعباد، ولم ينتفض ضد الاحتلال والظلم، وقد كان أجدى للمؤلف لو أنه عالج هذا الموضوع برؤية لا تعتمد الأسس الفلسفية، منطلقاً لقادم الأيام.
"دولة إسرائيل.. زائلة"! شعار لطالما ظل حلما عربياً اسلامياً عموماً، وفلسطينياً خصوصاً، إلا أن اعتراف كاتب ومفكر مثل "يعقوب شاريت" – وهو ابن أحد أباء الحركة الصهيونية، "موشيه شاريت" ووزير خارجية بن غوريون ورئيس الوزراء الثاني في أول حكومة صهيونية بعد اعلان قيام دولة يهود- بأن دولة إسرائيل زائلة"؛ يبقى إضافة نوعية، ذلك أنه يشكل وثيقة دامغة للبؤس الروحي المطبق الذي يمسك بخناق المجتمع اليهودي - الصهيوني، جراء الواقع الرهيب الذي يعيشه.
- وأضافت دار النشر في مقدمة ترجمتها للكتاب: ثمة تساؤل يطرح نفسه في هذا السياق: هل يعني هذا أن الكاتب المفكر اليهودي، يفتقر إلى الانتماء لدولته وبني جنسه؟ والإجابة بالقطع سلبية.. فهو يبحث عن مستقبل دولته وسط متاهات يعيشها مجتمعه، الذي أوهم بأن القوة. والقوة فقط، هي الكفيلة ببقاء الدولة .. وإلى الأبد، وهو استنتاج مغرق في قصر النظر، وبرأيي أن هذا الهاجس الواضح من الخوف والقلق المسيطر على شخصية المؤلف تعكس وهم القوة! والبون الشاسع بين الصورة الإعلامية - والهالة الكبيرة للقوة المفرطة التي يتمتع بها الكيان الصهيوني - وبين ذلك الرعب الذي يتسلل إلى جوف كل مفكر ومتأمل لواقع ومستقبل ذلك الكيان وجدلية وجوده واستمراره ...
- وتحت عنوان: (وقت للرثاء) يقول المؤلف: "ماذا لديك مما هو سبيء تقوله عن الدولة اليوم؟ لقد اعتدت على هذه العبارة الترحيبية في لقاءات أمسيات السبت في بيت أحد الأصدقاء من سكان ضواحي شمال تل أبيب؛ حيث كان جميع الحضور من جيل حرب ١٩٤٨م وجميعهم من أبناء الطبقة المتوسطة. وكانوا يدركون جيدا أنني لست بحاجة سوى لقليل من التحدي من قبل المضيف صاحب البيت، حتى ينفلت لساني، وأبدا أهاجم (الدولة) بكل ما هو سییء بدءاً بالإرهاب الديني، وحتى النزوح من "إسرائيل" ومن أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، ومن السذاجة وحتى الرجعية والاستعمار ومن تدني مستوى أعضاء الكنيست حتى قزمية وزراء الحكومة، ومن محاولات صبغ المجتمع و)الدولة) بالصبغة العنصرية على غرار جنوب إفريقيا، ومن الخطر السكاني حتى الحرب القادمة، ومن حالة التسليم والتكيف مع الوضع القائم حالياً، وحتى حالة فقدان الأمن والثقة في المستقبل الذي نرسمه لأولادنا، وغير ذلك كثير!".
- ثم يقول: إذا كان قراء هذا الكتاب يستطيعون الفصل بين جمال (دولة) "إسرائيل" ذات الأربعين سنة، وبين بشاعة (دولة) الاحتلال الإسرائيلية ذات الواحدة والعشرين سنة! ماذا أفعل إذا كانت البشاعة تغطي الجمال! في نظري ليس لأنه لا توجد حفيدات؛ بل توجد حفيدات فعلاً أحبهن وأفخر بهن، ولكنني أيضا أفكر في مستقبلهن إنني أفكر طويلا طويلا.. ها قد تجاوزت الستين من عمري وأصبح الماضي عندي ثلاثة أضعاف مستقبلي فما أهمية ما تبقّى لي غير إنهن في مستقبل العمر لذا ماذا ينتظرهن؟!
- وفي المبحث الثاني بعنوان: (بذات أيدينا)، يقول يعقوب شاريت:
"خيراً فعل الله، مع شعبه المختار، إذ أعطاه طيلة تاريخه، هنا وهناك، «مراحل» حياتية متنوعة ؛مرحلة في "إسرائيل"، ومرحلة في يهودا، ومرحلة في بابل، ومرحلة الهيكل الثاني، ومرحلة في إسبانيا، ومرحلة في اليمن، ومرحله في أوروبا، ومرحلة في اسكندنافيا وأخرى في أمريكا، ويجب الاعتراف بأن اليهود استغلوا جيداً هذه المراحل في تاريخهم، غير إنهم فعلوا أحياناً ما ينفعهم، وأحياناً ما لا ينفعهم، وواضح أن لكل مرحلة نهاية، والنهايات لا تكون جميعها جيدة، وبخاصة في التاريخ اليهودي الحافل بالنقاط المسدودة. ولكن قبل ذلك، أود قول شيء ما عندما أقول ان (دولة) إسرائيل – زائلة؛ وذلك لأكثر من سبب أقرر بأن (دولة) إسرائيل هي ظاهرة مرحلية .. أيامها معدودة (أيامها هنا تعني سنوات)، وبنفس الوقت أقول أيضا أن (دولة) إسرائيل هذه التي صلى من أجلها الأجداد الحالمون والآباء المؤسسون والأبناء المقاتلون، والمقتولون من أجل إقامتها، بصفتهم الجيل الأول للخلاص – غير موجودة، وهذا يعني أن (دولتي) إسرائيل غير موجودتين - (دولة) إسرائيل ككيان يهودي مستقل ذو سيادة حقيقية، و(دولة) إسرائيل ككيان خيالي وكنبوءة، ولكن في حين أن الأولى الحقيقية لا تزال قائمة في وضع مرحلة توشك على الانتهاء - وفي هذه الحالة تعتبر الدولة غير موجودة، أو إذا أردتم في طريقها إلى الزوال- نجد أن الثانية دولة الأحلام المجردة. قد لفظت أنفاسها ولم يعد لها وجود! لقد قامت (دولة) إسرائيل من خلال الحرب التي تغلبت فيها على عرب أرض إسرائيل، وعلى جيوش الدول العربية التي أرادت ابادتها والقضاء عليها، ولیست إسرائيل (الدولة) الوحيدة في العالم التي يجب عليها خوض حرب وجودية حتى تولد وتبقى لكنها (الدولة) الوحيدة في العالم - عالمنا اليوم- التي تحولت فيها الأقلية إلى أغلبية والأغلبية إلى أقلية، كنتيجة لتلك الحرب التي من خلالها وبفضلها قامت".
- ويضيف: "لقد كان لفرحة الأقلية اليهودية بالإنجاز المذهل نتيجة لانتصاره وتحويله بين عشية وضحاها من أقلية إلى أغلبية في دولته - الموسعة بالمقارنة مع المساحة التي خصصت لدولته في أرض إسرائيل من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٩ تشرين ثان ١٩٤٧- وشعوره العميق بعدالة طريقه نتيجة لموافقته على تقسيم (أرض إسرائيل) في ضوء رفض العرب قرار التقسيم والثمن الباهظ (٦۰۰۰) قتيل الذي دفعه في حرب وجودية كان لكل ذلك تأثير نفساني كبير أدى إلى إبهار عيون الغالبية العظمى من يهود (دولة) إسرائيل لدرجة عدم قدرتهم على رؤية وفهم ما يفكر به أولئك المهزومون المسحوقون.
لقد كانت النظرة للعرب للفلسطينيين وغيرهم داخل حدود (الدولة) وخارجها؛ باعتبارهم أقل مرتبة من بني الإنسان نظرة إلى بدائيين، ليس لهم حضارة تنقصهم المشاعر القومية والوطنية، وليس لهم تاريخ - جماعي، وإذا كانوا يفهمون لغة ما، فهي لغة القوة، وقد احتجنا لوقت طويل حتى أدرك الإسرائيليون - ليس جميعهم؛ لأن هناك قسما كبيرا منهم لا يزال يعيش في عصر الجهل - بأن العربي إنسان مثلهم خلقه الله، وله عقل ومشاعر، وأماني شخصية وطموحات قومية شأنه شأن أي إنسان آخر، وله أيضاً ذاكرة متطورة التي بفضلها يتذكر الفلسطيني ما كان في وطنه قبل (٤٠) سنة ليس أقل مما يتذكره اليهودي بشأن ما كان في هذه البلاد قبل (۲۰۰۰) سنة.
أضف إلى ذلك أن عملية تحويل الأقلية إلى أغلبية.. والأغلبية إلى أقلية في المنطقة التي قامت فيها (دولة) إسرائيل، حيث برزت في ظاهرة الهجرة العربية - اللاجئين العرب - لست معنياً هنا بالإجابة على السؤال كم من العرب أبناء الأغلبية هربوا من ديارهم خلال الحرب؟ وكم منهم أرغموا على الهرب؟. المهم أن (٦٥٠٠٠٠) غادروا بيوتهم التي أصبحت لغيرهم بعد رحيلهم وهم يقيمون الآن في أماكن أخرى وعلى أية حال، جميعهم يطمحون ويسعون للعودة إلى منازلهم".
- ويضيف: "إن الإسرائيلي العادي الذي يسافر في أيامنا هذه في أنحاء (بلاده)، لا يشاهد نهائيا خرائب قرى عربية كانت قائمة حتى حرب ١٩٤٨م ندرك ان دولة إسرائيل المنشودة ليست موجودة ولن تكون إلى الأبد . إذاً ماذا يوجد ؟!. يوجد مخلوق بشع فظيع مسلّح من رأسه حتى أخمص قدميه من العصى وحتى القنبلة النووية، يُدعى (إسرائيل) انتبهوا إلى من تجتذبهم وكم تجتذب اليها هذه (الدولة) الفظيعة من بين اليهود وغير اليهود وانتبهوا إلى من ترفضهم من بين اليهود وغير اليهود وإلى الأعداد التي تقذفهم من داخلها.
أورد هنا فقرة واحدة فقط مما قاله ارئيل شارون في كتاب (القدوة والعمل) تأليف الدكتور ميخائيل بار زوهر صدر عام ۱۹۸۸م: "لم يكتف المظليون بتنفيذ العمليات؛ كان للمظليين في تلك الأيام اليد الطولى في تحديد الأهداف وفي سرعة تنفيذ العمليات كانوا يقترحون الأهداف ويحثون على تنفيذ العمليات ضدها، يمكننا القول إن ايديولوجية عمليات الانتقام تبلورت إلى درجة كبيرة في وحدة المظليين.. كما يقول موشيه شاربت (رئيس الحكومة ووزير الخارجية) في مذكراته اليومية يوم 13-3-1955م: كان موضوع وحدة المظليين والروح المسيطرة فيها، مدار بحث بيني وبين بن غوريون في سنوات الثلاثينات كنا قد أوقفنا غرائز الانتقام وعلمنا الجمهور في (البلاد) عامة وفي أوساط رجال الهاغاناه خاصة أن يروا بالانتقام مجرد عملية استفزاز مرفوضة، وفي المقابل نبرر في هذه الأيام استخدام أسلوب الرد بالانتقام انطلاقا من اعتبارات هادفة؛ ولكن دون انتباه أو قصد منا أزلنا الكوابح والضوابط النفسية والأخلاقية عن هذه الغريزة - غريزة الانتقام الموجودة في طبيعة النفس البشرية - وبذلك سمحنا لكتيبة المظليين بأن تجعل من موضوع الانتقام مبدأ أخلاقيا.. تلك الوحدة التي أصبحت أداة الانتقام الجماعية للدولة، لدرجة إنه عندما كانوا يمنعون من تنفيذ عملية انتقامية يغضبون ويتذمرون ويحملون على السلطة المدنية !!".
- ويضيف: "في ضوء هذا الوضع ألا يجدر بناء الاستغراب والدهشة عندما نرى أن كثيرين من أولئك المحترفين في القتال والتدمير والقتل المنفلتين من كل الضوابط النفسانية والأخلاقية، يتراكضون ويتسابقون بعد خروجهم من الجيش لسبب ما ليتسلقوا السلم السياسي ويصلوا إلى قمته؟! ومثل أولئك رجال الجيش الذين يعرفون كيف يحلون النزاعات الدولية على مختلف أنواعها - الخبراء في استخدام أسلوب الضربة القاضية الحديدية - المتعطشون لسفك الدماء والسكارى بالقوة المتوفرة لديهم، الذين يعرفون كيف يضللون القيادة السياسية في (الدولة) .. موجودون بكثرة في صفوف الجيش والشعب الإسرائيليين.
إن أفعالهم مبعثرة على طول تاريخ (الدولة) بدءا بمذابح سعسع في حرب ١٩٤٨م ومرورا بمذبحة قبية في عام ١٩٥٣م، وكفرقاسم في ١٩٥٦م، وانتهاء بقتل اثنين أو ثلاثة من العرب يوميا في مناطق الانتفاضة، ولا يزال الحبل على الجرار، كي لا يبقى منهم أحد".
- ثم ينتقل المؤلف شاريت للحديث عن مخاطر التسلح النووي ليصل إلى نتيجة مفادها :" لقد بدأت إسرائيل تتدهور في المنحدر السياسي اليميني - تلك المسيرة التي أدت مع مرور السنوات إلى نقل دفة الحكم من حركة العمل الإسرائيلية إلى اليمين السياسي، ومن يد الاشتراكي دافيد بن غوريون وخلفائه، ليفي أشكول - الذي احتل المناطق وصاحب فكرة الاستيطان والضم - وغولدا مئير - صاحبة التقصير في حرب ۱۹۷۳-، وإسحق رابين - الذي أصبح جنديا لعبة بأيدي شامير وبيس في المناطق المحتلة، وصاحب فكرة الترحيل الصغير؛ الإبعاد - إلى أيدي الإرهابي مناحيم بيغن - زعيم منظمة ايتسل الإرهابية - ومن ثم إلى أيدي السطحي وضيق الأفق الإرهابي، اسحق شامير - زعيم منظمة ليحي الإرهابية –"!
- ويضيف: "لقد وضع مستقبل إسرائيل بأيدي الرجال العسكريين الذين من طبعهم التفكير بأسلوب عسكري وأمني آني .. وذلك خلافا لطبع رجال السياسة الذين يفكرون على المدى الأبعد، ويدركون النتائج بأسلوب لعبة الشطرنج، ويدركون بأن إسرائيل ستظل صغيرة من حيث السكان والمساحة ولن يكون لها النفس الطويل، ويجب أن تعتمد في حياتها على واقع سلام حقيقي تكون له ضمانات حقيقية من جانب الدولتين العظميين على الاقل وكما قال الحكماء كلما كان أسرع كان أفضل..
إن الصهيونية العلمانية، لم تأت لتجديد وضع قديم - لا جغرافيا ولا دينيا - وإنما جاءت لإقامة (دولة) حديثة، ومكان يعيش اليهود فيه، وحققت ما حققته في حرب قاسية طويلة ١٩٤٨ – ١٩٤٩م واكتفت بذلك، ولكن في ١٩٦٧م ، نشأ وضع جديد أدى الانتصار الباهر إلى احياء الشعور الديني لدى المتدينين اليهود وغير المتدينين وأعاد إلى الأذهان فكرة (أرض إسرائيل الكاملة)؛ أرض الميعاد. ربما كان ذلك يعود إلى ضرورة تبرير إجراء الاحتلال؛ الأمر الذي تسبب في نوع من الأوبة القومية العامة؛ ما أدى إلى تنحية النظرية الصهيونية العلمانية جانبا.. ولا حاجة لوصف الفرحة العظيمة التي غمرت المتدينين اليهود وهم يرون أن (الله) ظهر لهم من جديد على أسنة حراب الجيش الإسرائيلي!!
إن رئيس الحكومة ليفي أشكول - الذي لم يعرف عنه أنه كان متدينا أو زاهدا - لم يكن باستطاعته، بالطبع الصمود في وجه هذا التيار الديني المتعصب الذي جرف إسرائيل! بل خضع للهوية الجديدة التي منحتها (حرب احتلال المناطق) "لدولة إسرائيل التي بدأت تسجد للشجر والحجر، وتقدس القبور القديمة (الاثرية)؛ حيث استبدل العلم الإسرائيلي برداء المتدينين! وفي كل فترة زمنية تتراوح ما بين ٨ - ١٠ سنوات ينشأ جيل جديد متعطش للمغامرات العسكرية"!
- ويضيف: "لم تكن (دولة) إسرائيل لتقوم وتبقى لولا الضغط الأمريكي في أعقاب الحرب العالمية الثانية من أجل السماح بدخول ۱۰۰ ألف ناج من الكارثة إلى (أرض إسرائيل)، ولولا الضغط العالمي على بريطانيا؛ التي جعلت من قبرص معسكرا لحشد، وتجميع الناجين من الكارثة النازية الذين أرادوا الهجرة إلى (أرض إسرائيل) والإقامة فيها؛ ذلك الضغط الذي جعلها تكره انتدابها على (أرض إسرائيل)، ولولا قرار التقسيم الذي نص على تقسيم (أرض إسرائيل) إلى دولتين، يهودية وفلسطينية الذي اتخذته الامم المتحدة، ولولا المساعدة الحيوية التي تلقتها من الاتحاد السوفياتي في حرب ١٩٤٨م.. ألم يكن تدحرج القوات العسكرية الإسرائيلية إلى لبنان وسيناء في حرب ١٩٤٨م، وبعد ذلك إلى سيناء في حرب ١٩٥٦م، وبعدها في كل اتجاه في حرب ١٩٦٧م وبعدها في حرب ۱۹۸۲م في لبنان تعبيرا صادقا لهذه الأطماع التي تهدف إلى تعديل وتوسيع الحدود الإسرائيلية بحجة المبادئ التكتيكية والاستراتيجية والموارد القومية، والاعتبارات التاريخية والدينية؟! إن النظرية الإسرائيلية السائدة في أوساط الشعب الإسرائيلي بالنسبة للمناطق: إما نحن أو هم وليس نحن وهم أيضا !!
إن ليفي أشكول، وغولدا مئير، وإسرائيل جليلي، وموشيه دیان، ويغئال ألون، وإسحق رابين، وشمعون بيرس زرعوا احتلالا ومستوطنات، وسيطرة شعب على شعب، سياسة فرق تسد، وبأسلوب العصا والجزرة، وإن مناحيم بيغن، إسحق شامير ورجالهما حصدوا ما زرعه أولئك الذين سبقوهم.
- ويضيف: "إن الايمان بأن الحرب القادمة سيكون من شأنها إيجاد الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية (والمشكلة الإسرائيلية) بفضل (الترانسفير) هو ناجم بالطبع عن يأس عميق ونهائي من الوضع الحالي الذي تعيشه (دولة) اليهود.. وإن (دولة) إسرائيل تشهد في السنوات الأخيرة ضائقة وجودية (بقائية) متزايدة ناجمة عن اتخاذ عدة إجراءات وسياسات مثل التآكل السكاني بالنسبة للسكان العرب في إسرائيل، وفي أرض إسرائيل، وفي دول المواجهة العربية؛ وذلك نتيجة لانخفاض نسبة الولادة، والهجرة الداخلية وزيادة الهجرة من إسرائيل إلى الخارج، وتغييرات سكانية ذات صبغة يهودية تشير إلى زيادة القطاع المتدين المتعصب من جهة وقطاع المشككين من جهة أخرى. وعدم النمو الاقتصادي، وانخفاض مستوى الزعامة والكنيست، وتدني الجهاز التعليمي على مختلف المستويات، وتدني مستوى الجهاز الصحي، والأزمة المتزايدة متعددة الوجوه في جهاز الاستيطان الزراعي - القروي، وضعف مسيرة السلام ونشوء خطر ملموس لفشلها، وتعزيز الوعي القومي الفلسطيني في المناطق المحتلة، وزيادة حدة التمرد الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وارتفاع مستوى الميول القومي في أوساط الأقلية العربية في إسرائيل".
- وتحت عنوان: الحكم يقول المؤلف شاريت: "في الجزء السابق من هذا الكتاب في فصل (بذات أيدينا) تحدثت عن مجموعة عناصر تؤدي كلها -كل واحد في مساره في زاويته، وعلى صعيده الخاص به - إلى دمار حتمي (لدولة إسرائيل)؛ وهكذا نستخلص الاستنتاج الصعب بأن إسرائيل مصابة بمرض شديد؛ مرض خبيث لا يمكن معالجته، لا توجد فيه نقطة يمكن الانطلاق منها لمعالجتها وتصحيح وضعها؛ لذلك فإنها طالما هي موجودة - هي بنفس الوقت - ضائعة، مفقودة، لا وجود لها!
لقد حققت الحركة الصهيونية هدفها بإقامة (الدولة اليهودية) غير إنها لم تحقق هدفها في ضمان استمرار وجود وبقاء هذه (الدولة)؛ فالنبع اليهودي قد جفّ.. وأخيراً في ظل هذا الوضع وفي ضوء انتهاء عملية الهجرة إلى إسرائيل (الهجرة الداخلية) في أعقاب انتهاء التجمعات اليهودية التي تعاني من ضائقة، وذوي الأفكار القومية - الدينية المتعصبة فإنني أقول: (دولة) إسرائيل وُلدت ساقطة ميتة! وفي أحسن الحالات كانت فرصة ضائعة! وعلى أية حال إسرائيل هي دولة زائلة! يا للخسارة.. وأسفاه على الجهود التي بذلت، وعلى العرق والتضحيات التي قدمت وعلى الإخلاص والحب، وعلى الحياة التي اكتملت، أو اقتطعت وهي في مهدها التي كرست طيلة خمسة أجيال من أجل مشروع إنساني هو أروع ما في المشاريع الإنسانية التي شهدها القرن العشرون ..كم هي مهينة؛ خيبة الأمل، وكم هو مؤلم : البديل!".
- وتحت عنوان المبحث الرابع : (عشرة أفعال (يختم المؤلف بقوله: "لقد تحدثنا حتى الآن عن الخيارات والقرارات والسياسات الخاطئة لقادة إسرائيل؛ كما تحدثنا عن الأوضاع والمسيرات التي شهدها تاريخ الشعب اليهودي، والتي اتضح أنها جميعها كانت قدرية ممزوجة مع بعضها البعض؛ لتعطي نتيجة واحدة حتمية وهي: نهاية (دولة) إسرائيل - هكذا بكل بساطة - ذلك لأن (دولة) إسرائيل الأصيلة - تلك التي رسمها في مخيلتهم منظروها، أو تلك التي ارتسمت في بداية تكوينها- لم تعد قائمة منذ زمن!!".
- وبعد هذا الاستعراض السريع لمحتويات الكتاب يمكننا القول:
إنها نظرة سوداوية واقعية طرحها المؤلف المفكر اليهودي يعقوب "موشيه شاريت" في هذا العمر الحرج - وقد تجاوز التسعين سنة الآن - بعد أن استيقظ ضميره، وليس هذا بمستغرب منه أو من الجماعات الحريدية التي ترى أن وجود (دولة إسرائيل) إثم وخطيئة سيتحمل اليهود عواقبه!
- وقد جاء هذا الكتاب (إسرائيل زائلة!) ليؤكد مؤلفه مجدّداً على تلك النظرة المناهضة للصهيونية في المقابلة التي أجريت معه وهو في الخامسة والتسعين من عمره – بكل حزم ودقة – على الرغم من أنه نجل أول وزير خارجية وثاني رئيس وزراء لإسرائيل! ليقول بكل صراحة: أشعر بخيبة أمل من طبيعة الدولة عندما أرى رئيس الوزراء وكيباه على رأسه، ولا أشعر أنني بحالة جيدة.. هذه ليست إسرائيل التي أريد أن أراها.. كان من المقرر أن يجلب هذا المكان الابتكارات؛ لكنه أصبح المكان الأكثر سوادًا، الذي يسيطر عليه القوميون الأرثوذكس المتطرفون .. هناك رجعية وتعصب، مسيانية، ورغبة في التوسع والسيطرة على شعب آخر!!
وختاما: فإن كل ما سبق يؤكد – بما لا يدع مجالاً للشك – أن فلسفة الدولة اليهودية التي تجسدت في توظيف الحركة الصهيونية للأساطير اليهودية لخدمة مشروعها، وجمع الشتات اليهودي في فلسطين- من خلال أسطورة (أرض الميعاد وشعب الله المختار)- تستخدم الآن أسطورة (الهولوكوست، ومعاداة السامية) لتبرير وجودها.. ويبقى (زوال إسرائيل) عقيدة ثابتة لدينا - نحن المسلمين - كما جاء في كتاب الله تعالى والسنة المطهرة، كما إن يعقوب شاريت لم يأت من خلال كتابه هذا بجديد؛ لكنه جاء ليؤكد تلك النبوءة التي ردّدها كل من "ناحوم غولدمان" (1895 – 1982م)، و "إسرائيل شاحاك" (1933 – 2001م)، و"بيني موريس"، و"يوفال ديسكن"، و"أبراهام يورغ" ، وكما ذكر "شلومو ساند" في كتابه: (متى وكيف اخترع الشعب اليهودي؟) وغيرهم من المؤرخين والقادة السابقين؛ بأن (إسرائيل زائلة)!
يمكن تحميله PDF من هنا 👇
. تحميل الملف المرفق