أنشطة المركز / للمركز كلمة

مخيمات اللجوء واقع مرير

د.عيسى القدومي

إن ضريبة الشتات التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات اللجوء باهظة الثمن، فمع أي حدث سياسي أو عسكري في الدول العربية ولاسيما دول الطوق حول فلسطين تُسال الدماء الفلسطينية، سواء اعتزلوا أم شاركوا في تلك الأحداث والمتغيرات.

فمن أيلول الأسود في الأردن، والحرب الأهلية في لبنان، إلى مجازر منظمة أمل الشيعية، مروراً بمجازر النصيرية للمخيمات الفلسطينية في لبنان، ثم احتلال العراق وما تبعه من قتل وتشريد لفلسطينيي العراق، أحداث شاهدة على مأساة مستمرة.

وها نحن أولاء نعيش فصلاً جديداً لمأساة جديدة للفلسطينيين في مخيمات سورية، وجيش الإجرام والعدوان في سورية يخوض حرباً ضروسا وكأن السيطرة على دمشق وتحريرها لا يتم إلا عبر تدمير مخيم اليرموك وتشريد أهله، وتُقدر أعداد القتلى في المخيمات الفلسطينية في سوريا بأكثر من 1000 قتيل وآلاف عدة من الجرحى، وأكثر من 35 ألف معتقل فلسطيني لدى الأجهزة الأمنية السورية؛ حيث يصل إجمالي عدد الفلسطينيين في مخيمات سوريا للاجئين الفلسطينيين إلى 580 ألفاً معظمهم في اليرموك.

ومع ضيق المخيمات في لبنان، إلا أن الكثير من اللاجئين الفلسطينيين هربوا من مخيماتهم في سورية والتجؤوا إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان، مع سوء حالة تلك المخيمات المأساوية، شتات يذكرهم بشتاتهم الأول من أرضهم وتاريخهم في فلسطين، وما زالت المخيمات الفلسطينية في سورية تلملم جراحها وتدفن موتاها.

وقد عملت كل الفصائل الفلسطينية لتحييد المخيمات الفلسطينية، وتجنيب إقحام أبناء الشعب الفلسطيني في الأزمة في سوريا أو لبنان أو غيرهما من الدول، إلا أن هنالك مخططات خفية تستهدف اللاجئين الفلسطينيين بكافة السبل والوسائل المرعبة، تمهيدًا لطردهم من مخيماتهم في سورية، فمنذ بداية الثورة في سورية، خرج علينا المتحدثون الرسميون باسم الحكومة ليتهموا الفلسطينيين في المخيمات بأنهم وراء ذلك الحراك، ليجر الفلسطيني إلى معركة الأنظمة الظالمة مع شعوبها .

وبدت المحاولات التي تبذلها أطراف خارجية وعصابات مأجورة واضحة الأهداف في سعيها لجر المخيمات الفلسطينية إلى المزيد من المواجهات المسلحة في ظل الوضع القائم في سورية، من أجل طرد مخيمات اللاجئين، ولا شك أن المستفيد الأول من الأحداث الضاربة للمخيمات الفلسطينية هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لإلغاء تلك المخيمات وما يتبعها من حق العودة إلى وطنهم الأم فلسطين المحتلة.

لا شك أن اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم هم أضعف حلقة في مكونات الدول التي يقطنونها، فلا ميليشيات تحميهم، ولا قوى سياسية تنادي باسمهم ولا حضور على الأرض مع غياب شبه كامل لممثليهم دولياً؛ الأمر الذي يسهل مخطط ذبحهم والاستفراد بهم دون أن ينتصر أحد لدمهم - كما حدث لهم مؤخراً في العراق - لذا نقول: إذا لم يتم حل مشكلة الإخوة الفلسطينيين في المخيمات من الإبادة التي يتعرضون لها وإنقاذهم من المأساة، فإن مخطط اليهود سيتحقق بإزالة المخيمات - التي هي شاهدة على مأساة احتلال أرض وتشريد شعب – بقتلهم وتشريدهم.

فما يعانيه الفلسطينيون في العراق وسوريا لا يقل وحشية وظلما عما يعانيه أهلهم في مخيمات قطاع غزة ورفح وخان يونس وبيت حانون وجنين وبلاطة وغيرها بأيدي اليهود الغاصبين، فالمجرمون في سوريا والعراق الذين أباحوا الدم الفلسطيني ليسوا بيهود، وإن كانوا يفعلون فعلهم، فهي مليشيات تتكلم بلساننا ولكن الطائفية أوصلتهم إلى إباحة الدماء والأعراض، كما أباحوها في السابق في لبنان.

المطلوب الآن حقن دماء الفلسطينيين في مخيمات سورية وبالأخص مخيم اليرموك والمسؤولية الأولى تقع على مؤسسات المجتمع الدولي وبالأخص وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، فهي تتحمل المسؤولية القانونية والتاريخية عن هؤلاء اللاجئين في شتاتهم سواء بقوا في سورية أم نزحوا إلى الدول المجاورة كالأردن ولبنان والعراق وتركيا، والمجتمع الدولي مسؤول بداية عن تشردهم الأول من فلسطين، وما لحق بهم في مخيمات الشتات، منذ 64 عاماً وإلى الآن.

ومطلوب دور جاد للجامعة العربية، والتحرك المباشر لوقف استهداف الفلسطينيين في المخيمات، وعقد جلسة طارئة لمناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وكيف يمكن حمايتهم أو إخلاؤهم أو ضمان عدم مواصلة العدوان عليهم.

ومطالبتنا بحقن دماء أبناء المخيمات، سبقتها مطالبة بحقن دماء إخواننا السوريين الذين نقف مع مطالبهم العادلة، نسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين على أرض سورية وأن يزيل الظلم والظالمين عن بلاد الشام .

.