فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
استهداف العمل الخيري في فلسطين.. (حقائق ناصعة.. وتوجيهات نافعة)

استهداف العمل الخيري في فلسطين..
(حقائق ناصعة.. وتوجيهات نافعة)
إعداد / اللجنة العلمية بمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية
• توطئة:
في ظل ما تعيشه الأمة الاسلامية من ضعف واستكانة للأعداء، وما يواجهه إخواننا في فلسطين وغزة على وجه الخصوص من إبادة جماعية وتطهير عرقي وديني، تتعالى بعض الأبواق الحاقدة على الإسلام والمسلمين وتحاول جاهدة لتدمير العمل الخيري!! وإزاء ذلك لا بد من بيان جانب من تاريخ ومسيرة العمل الخيري في فلسطين، والدفاع عن أدواره الإنسانية والخيرية والوقفية؛ إحقاقا للحق وبيانا للحقائق.
•أولا: أهمية العمل الخيري
أمتنا أمة الخير والعطاء، لأن العمل الخيري في الإسلام ليس أمرا جانبيا أو ثانويا؛ فكما أن المسلم مطالب بالركوع والسجود والعبادة، فانه مطالب بفعل الخير، وقد ورد في سياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله تعالى وذلك في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} الحج: ٧٧. ثم قال تعالى في الآية التي تليها { وجاهدوا في الله حق جهاده} الحج: ٧٨.
وقد استجاب الصحابة رضوان الله عليهم لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم بفعل الخير خير استجابة؛ والتاريخ الإسلامي حافل بنماذج مضيئة في فعل الخير وبذل المعروف والتطوع في سبيل الله، فمن تجهيز جيش العسرة وتسبيل المزارع والدور والآبار؛ إلى بذل جل المال في سبيل الله بنماذج أعظم من أن تحصى.
والقطاع الخيري في الإسلام كان القطاع الأول للتنمية وتلبية احتياج حقوق الإنسان، والحضارة الإسلامية عبر التاريخ نتاج هذا القطاع بل كان موقعه الإداري والتنموي قبل القطاع الحكومي والقطاع التجاري.
والحديث عن العمل الخيري في فلسطين حديث ذو شجون يختلط فيه العزة بالألم، والفقه بالتاريخ، وعظمة السلف وما اقترفته أيدي الخلف، حديث عن تاريخ عظيم لم تشهد له البشرية مثيلا، بلغ فيه المسلمون ذروة السمو والإخلاص لله تبارك وتعالى، أقاموا أوقاف لكل وجوه الخير والتي تعدت حاجة الانسان إلى حاجة الحيوان والنبات... تكافل ورعاية وحضارة لم يعرفها غرب ولا شرق حتى اليوم.
• بدايات العمل الخيري في فلسطين:
كان أول الأوقاف وأعمال الخير في بيت المقدس هو المسجد الذي بناه أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان المسجد يتسع لثلاثة آلاف من المصلين؛ وجاء في أحسن التقاسيم للمقدسي أن من عناية عثمان بن عفان رضي الله عنه في القدس أنه أمر في خلافته بوقف قرية سلوان المجاورة للقدس ذات العيون والحدائق على ضعفاء المدينة المباركة.
واستمرت الأوقاف في فلسطين والقدس في القرون الأولى وما بعدها من قرون فكان البناء الأموي للمسجد الأقصى ولمسجد قبة الصخرة. وأوقفت بعدها السبل والتكايا والمستشفيات ودراسة الطب والآبار والمساجد والمدارس والمعاهد؛ بل أوقفت الأوقاف للصرف على طلاب العلم ومدرسيهم وإيواء الطلبة والوافدين وإطعامهم وكفالتهم بمبالغ نقدية تدفع لهم، وأوقاف للمقابر، وكفالة العجائز (الأرامل) ممن شدت الرحال إلى المسجد الأقصى وانقطعت هناك بعد وفاة زوجها.
وكان الوقف في القدس وفلسطين يقوم بما تحمل أعباءه عدة وزارات مجتمعة كوزارة الشئون الاجتماعية والعمل، والصحة والتربية والتعليم العام، والإسكان والتعمير والدفاع والري فضلا عن وزارة الأوقاف.
• الاحتلال البريطاني وبداية الحرب على العمل الخيري:
عندما تبنت بريطانيا المشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود وإلغاء حقوق أهل فلسطين في أرضهم والحلول مكانهم في الفترة مابين ١٩١٧ إلى ١٩٤٨: كان الهدف الأول للاحتلال البريطاني دعم إقامة المؤسسات المدنية الصهيونية ودعم العصابات المسلحة وتدريبها وتوفير العتاد لها، وتفعيل دور اللجان الطوعية والمجتمعية؛ وفي المقابل كان العمل على تدمير العمل المؤسسي الفلسطيني، وفي مقدمتها الأوقاف الاسلامية في القدس وفلسطين، حيث أتبعت الأوقاف والمحاكم الشرعية لدائرة العدل والقضاء التي يرأسها مستشار قضائي "المستر بنتويش " وهو يهودي ومن رجال الحركة الصهيونية الأقحاح، ورافق ذلك تدمير العمل المؤسسي الفلسطيني، وعرقلة جميع المؤتمرات والاجتماعات التي عبرت عن رفضها لوعد بلفور ولقرار الانتداب وللمشروع الصهيوني، ولاحقت كل القيادات الاسلامية وتجمعاتهم ومؤسساتهم وكل من التف حولهم؛ وطاردت العمل الجهادي ضد مشروعها على أرض فلسطين، وعمدت القوات البريطانية إلى إعدام أي مقاوم للتواجد اليهودي والبريطاني في فلسطين.
ووقفت بريطانيا - كما هو ديدن الاحتلال والاستعمار في المنطقة العربية - موقفا عدائيا من جميع المجالس والهيئات الفلسطينية، وكان أبرزها الموقف من المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتخبه الفلسطينيون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف والشئون الإسلامية في فلسطين عام ١٩٢٢ م، فلاحقت رئيسه محمد أمين الحسيني لعرقلة جهوده في الدفاع عن فلسطين وتبيان حقيقة المشروع البريطاني وتمكينهم لليهود لإقامة كيانهم على تلك الأرض المباركة.
وتدخل البريطانيون ف الأوقاف وعملوا على إضعافها والتدخل فشؤونها وإضعاف دخلها، ولكنهم لم يستطيعوا تأميم الأوقاف كما فعل محمد علي باشا في عام ١٢٢٤ هـ حينما أمم العمل الخيري بتأميم الأوقاف والمساجد وأنظمتها، وذلك بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين، وأصبحت الأعمال الخيرية مرسمة وتابعة للدولة على حساب الأمة، وبهذا التأميم والترسيم أعطيت الأعمال الخيرية فضول المواقع الإدارية والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج، وأصبحت بذلك الأوقاف والمؤسسات الاسلامية وبيوتات المال تعاني العجز والإهمال وعبئا على الدولة، بعد أن كانت وعلى مدى ١٢ قرنا من الزمان قوة مساندة للأمة، تقف في مواجهة النوازل والنكبات. وهكذا فعل الفرنسيون في الجزائر، وردا على تأسيس المجلس الإسلامي أصدرت بريطانيا في ١٩٢٢ م كتابا أبيض اشتمل على دستور" فلسطين الذي نص على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من ٢٢ عضوا، منهم ١٠ انجليز و٨ مسلمين و٣ مسيحيين و٢ من اليهود على أن يكون المندوب السامي رئيسا للمجلس!! ومع ذلك أوقفت العديد من الأوقاف من المسلمين ف فلسطين على آن يصرف ريعها على وجوه الخير وقد جمعها عارف العرف في كتابه (تاريخ القدس المفصل).
• العمل الخيري في فلسطين... تحديات وآمال
العمل الخيري المعاصر في فلسطين كعمل مؤسسي - كانت بداياته منذ العشرينات من القرن العشرين، عندما كانت الحاجة شديدة في ظل ضعف الدولة العثمانية وسيطرة بريطانيا على المنطقة وسماحها لليهود بامتلاك الأرض ومصادر الحياة المختلفة، مما رفع نسب الفقر والبطالة بين السكان الأصليين واجبر العديد منهم على الهجرة.
• ومع اشتداد الأزمة واندلاع ثورة العام ١٩٣٦ م انتشرت مظاهر العوز والجوع بين الفلسطينيين، بسبب سلب عصابات اليهود للأرض الفلسطينية وملاحقتهم للقرويين ومحاصيلهم ما استدعى قيام أشخاص بنشاطات خيرية تعد شكلا من أشكال العمل الخيري على مستوى المناطق والأحياء لمساعدة الأسر الموعزة وكان لأئمة المساجد والخطباء الدور الريادي في ذلك.
• ومع حلول نكبة العام ١٩٤٨ م وهجرة مئات ألاف الفلسطينيين من ديارهم وانتقالهم للإقامة، فيما تبقى من الأرض الفلسطينية ( الضفة الغربية وقطاع غزة)، زادت معاناة آلاف الأسر، بسبب فقدانها مصدر رزقها الأساسي وهو الأرض وما عليها من محاصيل؛ وشكلت لجان لمساعدة اللاجئين واستيعابهم في الأرياف وضواحي المدن وتجميع المساعدات، وانطلقت تلك اللجان التي حملت الطابع الشعبي في مراكز المدن الرئيسة ومنها مدينة نابلس، حيث ساعدت الكثير من الأسر في إيجاد مأوى ملائم وتوزيع الأغطية عليه خاصة أن ما قدمته وكالة الغوث الدولية لم تكن كافية حينها في توفير مستلزمات المهجرين.
• وخلال الفترة من ١٩٤٨ م حتى ١٩٦٧ م نشطت لجان الزكاة وانتشرت وأصبح لها تواجد في كل المدن وحتى الأرياف والمخيمات، وسجلت نجاحات كبيرة أثلجت صدور آلاف الأسر الفلسطينية التي استفادت من عطائها، وكانت تلك اللجان تتمركز في المدينة القديمة، ويأتي التمويل بشكل كبير من الأثرياء المسلمين المقيمين في الجوار كالتزام منهم بفريضة الزكاة، كما يأتي أيضا من عائدات بعض أوقاف العقارات - والأموال تم التبرع بها لفائدة لجان الزكاة.
• وخلال المرحلة الثانية من ١٩٦٨ - ١٩٩٤ م طورت اللجان نشاطاتها: التعهد بأعمال خيرية مختلفة ومشاريع الجالية، ويبدا ذلك بتأمين الأموال الخارجية من الهيئات مثل الحكومة الفرنسية والبنك العالمي، وكذلك تستثمر أموالها الخاصة للمستقبل.
• المرحلة الثالثة، من سنة ١٩٩٤ م إلى اليوم عاشت الساحة الفلسطينية تنافسا بين الجمعيات الخيرية الإسلامية ومنها الزكاة وبين منظمات أخرى موجودة وأخرى ولدت حديثا. وقد وصفت ٣٩% من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني نفسها، على أنها (جمعيات خيرية)، بينما اختارت ٣٦% منها وصف (منظمات مدنية)، و١٤% منها (منظمات وطنية)، و١٠% منها (اتحاد عام)، وقد صعد الكيان الصهيوني ومؤسساته الحرب على المؤسسات الخيرية وجمد في عام ٩٦ أموال "لجنة الاغاثة الاسلامية" التي تقوم بجمع التبرعات من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ٤٨ لرعاية المحتاجين، وكفالة الأيتام، وتقديم المساعدات الاجتماعية الطبية للعائلات الفلسطينية، علما بأن تلك الجمعية كانت العائل الوحيد لأكثر من ١٠ آلاف يتيم فلسطيني، وترادف مع ذلك صدور كتاب في عام ١٩٩٦ م لـ "بنيامين نتنياهو" أسماه "مكافحة الإرهاب والتطرف كتب فيه أنه يجب أن تحارب الجماعات الاسلامية ومن ضمنها الجماعات الاسلامية الفلسطينية، ولم يكتف بذلك بل وسع دائرة التحريض والدس، فوجه الاتهام للمسلمين المقيمين في العالم الغربي، وقال: إن أنشطتهم ليست سوى مراكز للإسلام الحربي، وأن جموعهم تعد جسرا للإرهاب وامتدادا له".
• وفي خاتمة كتابه تحت عنوان " ما ينبغي عمله ": للقضاء على الإرهاب وإبادته على حد زعمه ذكر عدة بنود منها: تجميد ثروات المنظمات الاسلامية. إدخال تغييرات على القوانين والتشريعات تمكن القيام بعمليات أكثر شمولية ضد المنظمات المحرضة على العنف - تدخل في دائرتها كل الجمعيات الخيرية - وذلك باعتبار الاتي: اعتبار جمع الأموال وتحويلها إلى منظمات إرهابية خروجا عن القانون وجريمة يعاقب عليها القانون، ويحذر من صناديق الزكاة في العالم الإسلامي والغربي.
• وفي خطوة كانت قد اتخذتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" في عام ١٩٩٧ حيث أعلنت آنذاك " وقف أي تبرعات للشعب الفلسطيني بحجة أنها أموال تدعم الإرهاب "، وتزامن ذلك مع قرار الكيان اليهودي بحظر المؤسسات الخيرية الخارجية، متسترا بالحجج ذاتها، رغم أن تلك المؤسسات تعمل أساسا على جمع التبرعات من الجاليات الفلسطينية والعربية في أوروبا بهدف دعم الأسر والفئات المحتاجة في الأراضي المحتلة، وتزامن مع تلك التصريحات نشر الكيان اليهودي قائمة اللائحة السوداء التي تشمل كل الجمعيات الخيرية في فلسطين - تقريبا- العاملة في مجال الإغاثة ولم تغفل منها أحد، وأدرجت معها كذلك بعض لجان الزكاة الصغيرة التابعة للقرى والمجالس القروية...
• إحصاءات وتقارير رسمية:
وفق التقارير الرسمية بلغ عدد الجمعيات المسجلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام ٢٠٠٢ حوالي ١٢٥٠ جمعية؛ منها حوالي ٦٧٥ جمعية في الضفة الغربية و٥٧٥ جمعية في غزة، ولا تتعدى نسبة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإغاثية الـ ٤٥%، علما بأن عدد الجمعيات العاملة منها ليست أكثر من العشر!! وبذلك تكون الهيئات الإغاثية الخيرية الفاعلة والعاملة في الضفة القطاع لا تتعدى ١٠٠ جمعية وقد أغلقت أكثرها!! فما بالكم بما يحصل اليوم على أراضي غزة والضفة الغربية؟!!
• الحملات الصهيونية ضد المؤسسات الخيرية في فلسطين:
واصل الاحتلال اليهودي الهجوم على مؤسسات والجمعيات حتى بعد قيام السلطة الفلسطينية عام ١٩٩٤ م، ذلك عبر القرارات العسكرية بإغلاقها أو مصادرتها أو حرمانها من الرخص واعتبارها خارجة عن القانون، ولم تسلم لجان الزكاة في المجالس القروية من الإغلاق ومصادرة الممتلكات والمداهمة واعتقال أعضائها.
كان العاملون في المؤسسات والخيرية - وما زالوا- معرضين في أية لحظة للاعتقال وإغلاق مؤسساتهم المدنية والتطوعية؛ وما زال بعضهم قابع في سجون الاحتلال لأكثر من سنتين بتهمة العمل في مؤسسة خيرية على الرغم أنهم لا يتبعون التنظيمات المسلحة، وليس لهم انتماءات حزبية وحركية، بل طالت الاعتقالات أعضاء لجان زكاة تتبع المجالس القروية، ووصل الأمر لإغلاق المؤسسات الصحية والإعلامية منها، متجاهلة كافة الانتقادات المحلية والدولية، وتعدت الهجوم على المؤسسات الخيرية لتصل إلى مداهمة منشآت تجارية في المدن ومنها مصانع للحديد وأخرى للبلاستيك!! كما حدث في مدينة نابلس وغيرها، واعتبرت الحركات السياسية في الضفة الغربية أن حملة الاستهداف الصهيونية للجمعيات والمؤسسات هي طور جديد في الحرب الشاملة التي تشن على الشعب الفلسطيني لكسر إرادته وفرض الإملاءات السياسية التصفوية لقضيته العادلة ونضاله المشروع؛ وأن إغلاق هذه المؤسسات الخيرية في الضفة استمرار لحلقات الإجرام اليهودي الممنهج المؤسسات الإسلامية والجمعيات الخيرية التي ترعى الأسر الفقيرة والأطفال الأيتام؛ بل وانتهاك حرمات المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم.
• تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية لماذا؟!!
تعد القدس من أكثر المناطق والمدن في فلسطين التي تم تفريغها من المؤسسات الفلسطينية عبر كثير من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الاحتلال بذرائع وحجج هدفها: " طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس"!!
والمؤسسات التي لم يصبها داء الإغلاق، أسهم الجدار العازل في إخراجها من القدس قسرا!! ونقلت مقراتها من القدس وضواحيها لتستطيع تحقيق ولو الجزء اليسير من أهدافها التي أنشأت من أجلها، بعد أن منع أعضائها من الوصول للقدس ممن لا يحمل هوية مقدسية، ولا يزال الكيان اليهودي يمارس منذ احتلاله لمدينة القدس أبشع الإجراءات والاعتداءات على الأوقاف الاسلامية، بدءا من تدمير حارة المغاربة الوقفية التي كانت تضم ١٣٥ بيتا وأربعة مساجد والمدرسة الأفضلية وأوقاف أخرى، بل طالت الاعتداءات قبور الأموات، فأقاموا متحفا أسموه "متحف التسامح "!! على أرض مقبرة مأمن الله" التاريخية التي تضم رفات الصحابة والصائحين والفاتحين، وسبق ذلك تدمير أكثر من ١٢٠٠ مسجد في المناطق التي احتلوها عام ١٩٤٨ م، وحولوا ما تبقى منها إلى بارات ومطاعم ومراقص وبيوت للخنا والفجور الذي يجيدوه.
• ماذا يريد اليهود لهذا الشعب؟!
يريدون لهذا الشعب أن يستجدي " رغيف الخبز " واضحت معاناته محل سخرية المسؤولين اليهود!! وهذا ما يحدث بالضبط في غزة العزة، وقد نشرت الصحافة العبرية ما قاله "دوف فايسغلاس" ف لقاء لقيادة حزب كديما: "سنجعل الفلسطينيين يضعفون دون أن يموتوا " فانفجر المشاركون ضحكا!! وتساءل بعض كتاب اليهود (! لماذا تحرص القيادة اليهودية على إفهام الشعب الفلسطيني أن الحصول على الطعام ولوازم الحياة يلزمه العودة إلى رشده والقبول بكل ما تريده القيادة اليهودية!!
• أهداف الحملة اليهودية ضد المؤسسات الخيرية والتطوعية:
لا شك أن الحملة على المؤسسات الخيرية والاجتماعية والصحية في مدن الضفة الغربية هي حملة غير مسبوقة وتستهدف أمور عده منها نذكر منها:
• أولاً: هي حملة ليست صهيونية فحسب؛ بل هي حملة عالمية ضد العمل الخيري أيا كان نوعه وشكله، وهي حملة تجويع وقضاء على الفرد الفلسطيني، ومحاولة يائسة لواد القضية الفلسطينية، ولم تعد المؤسسات الدولية والمحافل العالمية وحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة وغيرها تجدي نفعا؛ بل أصبحت لا وزن لها ولا احترام ولا وجود..
• ثانيا: ما حدث في غزة من دمار شامل، وسحق لشعب غزة صغارا وكبارا ونساء ورجال وشبابا وشيوخا، وفي كثير من المدن الفلسطينية من إغلاق المدارس والمؤسسات الخيرية والصحية والتعليمية والإعلامية ومصادرة للممتلكات وهدم للمنازل وتجريف للأراضي الزراعية وتدمير للبنية التحتية... ليس سوى رسالة من قادة اليهود بأن مشروعهم مستمر وأن أيديهم ستطول جميع من تريد من الأفراد والمؤسسات والممتلكات، وأن سيادة السلطة الفلسطينية في الضفة ليست سوى سيادة وهمية عديمة الفائدة والتأثير!
• ثالثا: الكيان الصهيوني يعتبر العمل الخيري لفلسطين خطرا لابد من بتره، لأنه يمثل الرباط العقدي والنصرة الواجبة بين المسلمين لاستعادة المقدسات وحماية بيت المقدس وما حوله، فقطع الصلة بين أبناء هذه الأمة عبر ما يقدموه من دعم مادي ومعنوي لإخوانهم في أرض فلسطين، هدف يهودي لابد من تحقيقه خلال الفترة الحالية لعزل أهل فلسطين عن نصرة إخوانهم في العقيدة؛ ولا شك آن إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني، القصد منه إيصاله إلى درجة الاحباط والاستسلام التام، لزعزعة أركانه ووجوده على أرضه وتمسكه بعقيدته ومقدساته.
• رابعا: هدف اليهود من هذا التضييق إبقاؤهم أذلاء على أبواب الاحتلال يستجدون لقمة عيشهم ولا يفكرون بكرامتهم وعزتهم، أما الشعب العربي والإسلامي المتحرق لدعم الشعب الفلسطيني بكل السبل؛ والذي يجد نفسه عاجزا أمامهم نكبتهم اليوم، ولا يجد غير ماله ليجود به على إخوانه الفلسطينيين فإن المطلوب منه الأن التخلي عن ذلك القليل الذي يقدمه، فلا مؤسسات يمكن دعمها والتعامل معها!!
وإن مما يزيد من قسوة الأمور على الفلسطينيين أن هذه الحملة تصاعدت في ظل تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين!! مما أفقد الآلاف من الأسر الفقيرة والأرامل والأيتام مخصصاتهم جراء هذه الإجراءات، وازدادت الضغوطات على مؤسسات العمل الخيري في فلسطين، وتم إغلاق عدد كبير منها وغيرت مجالس إدارتها إلى جانب تحجيم عملها؛ مما أدى إلى تراجع المشاريع التي تنفذها في كل من الضفة والقطاع رغم اختلاف طبيعة كل منطقة والظروف المحيطة بها.
• خاتمة القول:
وخلاصة الأمر أن المؤسسات والجمعيات الخيرية والتطوعية كان لها أثرها الإيجابي والإنساني والخيري على الشارع الفلسطيني والمقدسي بالخصوص، والتي تحسست حاجاتهم وآلامهم، وعملت على تثبيتهم على أرضهم، أريد لها أن تكون ضحية من ضحايا الاحتلال لإذلال هذا الشعب وجعله بلا مقومات للحياة والاستمرار.
وفي المقابل بدا مشروع استهداف العمل الخيري المؤسسي الفلسطيني على يد بريطانيا في ظل انتدابها لفلسطين، وأكملت المسيرة دولة الاحتلال اليهودي الصهيوني السافر، ومازال مسلسل إغلاق المؤسسات المدنية والتطوعية والخيرية والثقافية والعلمية والمؤسسات الفردية وغيرها مستمرا، لا يزال الاحتلال الصهيوني وأعوانه يعملون بكل جهد ليبقى المجتمع الفلسطيني بأكمله واقعا تحت الفقر والإفقار وهدر كل حقوقه الفردية والجماعية... وهذا ما يستدعي التمكين للمؤسسات الفلسطينية... والضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم رؤيتها الواضحة وموقفها من العمل المؤسسي على وجه العموم، والخيري والإغاثي على وجه الخصوص... فلا حياد عن بناء المؤسسات الفاعلة والمتجددة وتفعيل الحراك الشعبي وكل ذلك مع الحفاظ على الثوابت سابقة الذكر، ولا بد للدور العربي والإسلامي أن يرتقي إلى التخصصية والمنهجية لمواجهة المخططات الصهيونية.. ومع كل العراقيل فما زلنا نملك الكثير، ولنبدأ بأنفسنا ولنغير نظرة المجتمعات العربية الضيقة للعمل الخيري، فلا بد من نشر الوعي بأهمية العمل
الخيري والتطوعي، وكشف أهداف ربطه بالممارسات الارهابية، ومعالجة النظرة الدونية من بعض فئات المجتمع والتي يلمسها العاملون في القطاع الخيري والإغاثي بشكل واضح.
والعمل على توفير الحصانة لرموز العمل الخيري، ومؤسساتهم وتقديم العون لها لتخفف على الحكومة مهام لا تستطيع أن تتجاوب معها. مشاركة الجهات الحكومية والقطاع التجاري في حملات ومشاريع الجهات الخيرية والمؤسسات المجتمعية، مما يعقد الأمر على من أراد أن يتهم ويضيق على تلك المؤسسات، وتشكيل لجنة قانونية لحماية العمل الخيري بمؤسساته ومنشأته وانجازاته لتجنب الاتهامات المعلبة؛ وتشكيل مجالس تضم المؤسسات الخيرية لتتكاتف الجهود والتواصل للدفاع عن المؤسسات التي تتهم والعمل على استمرار عملها، مع ضرورة البعد عن الحزبية، بما يتوافق مع أحكام الشريعة بما في ذلك الحق في تشكيل وتسيير الجمعيات والهيئات الخيرية والإنسانية الأهلية ؛ حتى لا يحرم المجتمع الفلسطيني من هذا الخير ومن عطاء المحسنين، ولا بد من مواجهة اتهامات العلمانيين الذين لعبوا دورا كبيرا في تشوبه العمل الخيري ومؤسساته وكانوا داعمين لتوجهات الغرب وأطروحاته فيضرب العمل الخيري الإسلامي ومؤسساته في العالم وعلى وجه الخصوص فلسطين.
يمكن تحميله PDF من هنا 👇
. تحميل الملف المرفق