فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

اليهود وأكذوبة: القدس ليست مقدسة عند المسلمين!

عيسى القدومي

               

الأكذوبة :

" القدس ليست مقدسة في الشرع الإسلامي"!!

الحقيقة :

      لا تكاد تجد بحث وكتاب أو تحقيق واصدار للباحثين اليهود إلا ويؤكد أن قدسية مدينة القدس يشوبها الكثير من الشكوك، فلم يكتفِ اليهود بسلب القدس واحتلال أرض فلسطين بالقوة والسلاح، بل ما زالت محاولات اليهود مستمرة لسلب القدس من أصحابها الشرعيين تراثاً وتاريخاً عبر كتاباتهم ودراساتهم ونشراتهم، والتي حاولوا أن يتصنعوا المنهج العلمي والسمة الموضوعية فيما يكتبون، وهم في الحقيقة ضربوا بعرض الحائط كل قواعد البحث العلمي، لأن الهدف من هذا التزييف والتشويه توهين مكانة القدس والمسجد الأقصى في نفوس المسلمين، وصياغة تاريخ القدس بأسلوب خبيث أدخلوا فيه الكثير من الطعن والدس ليخلصوا في النهاية بأن القدس ليست مقدسة في الشرع الإسلامي!!

      فلا تكاد تجد بحث وكتاب أو تحقيق واصدار للباحثين اليهود إلا ويؤكد أن قدسية مدينة القدس يشوبها الكثير من الشكوك، وتلك الأكاذيب الساذجة أطلقها العديد من المستشرقين من أمثال جولد زيهر، وكُتّاب يهود من أمثال "إسحق حسون" العضو في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية - في المقدمة التي وضعها في تحقيقه لكتاب " فضائل بيت المقدس " لأبي بكر الواسطي ، وكذلك البرفسور "أمنون كوهين" في كتابه " القدس، دراسات في تاريخ المدينة " والذي يرأس مؤسسة للأبحاث والدراسات، تقدم دراسات متخصصة للقراء العرب والباحثين -  لتاريخ القدس!! ، وكذلك لاتسروس يافه الباحث في نظرة الإسلام للقدس، وكتابات "كستر  kister M.j" وهو من العاملين في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، والوثائق التي يعدها ويوزعها بشكل واسع مؤسس "جامعة الدفاع اليهودي" ويدعي "دانيال ياسين"، وبوهل F.Buhl الذي أسند إليه كتابة تاريخ القدس في الموسوعة الإسلامية وهو يهودي صهيوني  وكذلك جميع الموسوعات الغربية بدون استثناء - التي تشكك في مكانة القدس، وتتبنى وجهة نظر اليهود وتدافع عنها. 

        وهذا  " كستر  kister M.j" وهو من أصول بلجيكية، أحد العاملين في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة يقول في كتاباته: (أن هناك جدلاً بين المسلمين حول أفضلية المسجد الأقصى) وقد استعان في عدد من الأحاديث التي لا تصح ولا يعرف لها سنداً. ويضيف كذلك أنه كانت قبل القرن الثاني الهجري، اتجاهات لتأكيد قدسية مكة والمدينة والتقليل من قدسية القدس.

      فلقد تم توزيع وثيقة تاريخية عن القدس على هيئة كتيب يتداول من قبل السائحين، حيث وزع هذا الكراس ابتداءً على عدد من الهيئات الدولية والسفارات والأجنبية في الكيان اليهودي. يتضمن إساءات عديدة للمسلمين وارتباطهم بمدينة القدس، وقد أعد هذه الوثيقة مؤسس جامعة الدفاع اليهودي ويدعي "دانيال ياسين" وادعى فيها أن اهتمام المسلمين بالقدس جاء ثانوياً ولهذا فان الإسلام يعطيها المرتبة الثالثة بعد مكة والمدينة، وأن تخلي (النبي صلى الله عليه وسلم) عنها كقبلة أولى يعتبر إهمالاً لها وعدم أهميتها في الإسلام، ويقول أيضاً إن القرآن لم يعرها أي نوع من الأهمية خاصة وأنه لم يذكرها باسمها مرة واحدة (على حد زعمه). وأن القدس لا تذكر على الإطلاق في صلوات المسلمين وهي ليست مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالأحداث التي جرت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تتحول في يوم من الأيام إلى مقر ثقافي أو عاصمة إسلامية.

    ويضيف كذلك أن الأمويون أعادوا تفسير القرآن، لإيجاد متسع للقدس عندما بنوا مسجداً فوق الهيكل وأسموه المسجد الأقصى وأعطوها دوراً بارزاً في حياة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بأثر رجعي ، وذلك لتقليل أهمية الجزيرة العربية بعد الخلاف مع عبد الله بن الزبير في مكة.

       وكتب اليهودي  " إسحاق حسون  Ishaq Hasson" في المقدمة التي وضعها لكتاب فضائل البيت المقدس لأبي بكر محمد بن أحمد الوسطي الذي قام بتحقيقه في الجامعة العبرية، والذي قامت بطباعته الجامعة العبرية باللغة العربية ووزع في القدس على المسلمين العرب وكذلك في مناطق فلسطين!!! " أن حرمة القدس لم يكن عليها إجماع عند المسلمين وأنه كانت ثمة اتجاهات لتعظيم حرمة مكة والمدينة، والتقليل من حرمة القدس، ثم يقول في كتابه لاحقة له: إن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعاً على أن المسجد الأقصى وهو مسجد القدس. إذ رأى بعضهم أنه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة ويستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو ديمومبين، ويعزو بعد ذلك الاهتمام بالقدس وبفضائلها إلى حكام الأمويين، سعياً وراء مكاسب سياسية، ويقول أن عبد الملك بن مروان ببنائه الصخرة إنما كان يسعى من وراء ذلك تحويل الحج من مكة إلى القدس ويقول إن الأحاديث الخاصة بفضائل القدس قد ازدهرت في هذه الفترة وإن هذه الأحاديث تستند على أقوال أهل الكتاب، كما أن زيارة أماكن خاصة في القدس ابتدأت في هذه الفترة.

      وخلاصة مزاعمهم:" أن مكانة القدس في الإسلام،كانت موضع خلاف بين المسلمين الأوائل، وإن ما روي من أحاديث عن قداسة القدس، كانت موضع شك عند كثير من المسلمين، وهذا غيض من فيض مما كتبت أقلام يهودية خبيثة حول أفضلية القدس واهتمام المسلمين بها، ومكانتها في الشرع الإسلامي.

ويتبين كذب هذه المزاعم من عدة أوجه :

 أولاً:  ذكر الأرض المقدسة "أرض بيت المقدس" جاء في العديد من الآيات في كتاب الله عز وجل قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)[1]

وقال تعالى: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمَين)(2) .

 وقال سبحانه: (وَلِسُلَيْمان الريح تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين)(3) .

وقال تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القُرَى التي باركنا فيها قُرىً ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين)(4)

وقال تعالى: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين)(5)

ذكر بعض المفسرين أن المقصود بالتين: بلاد الشام ، والزيتون: بيت المقدس.

وقال تعالى: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين)(6)

    وقال تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)(8) .

 ثانياً: إلى المسجد الأقصى المبارك كان مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أول مسجد وضع في الأرض إلى ثاني مسجد وضع فيها، فجمع له فضل البيتين، ورؤية القبلتين.

ثالثاً: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى بالأنبياء إماماً في ليلة الإسراء إقراراً لصبغته الإسلامية ولإمامة أمة محمد على المسجد الأقصى، ولم يجتمع الأنبياء على الأرض في غير هذا المكان، فازداد المسجد الأقصى مكانة وتشريفاً.

 رابعاً: بشر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمته بفتح المسجد الأقصى قبل أن يفتح، روى عوف بن مالك رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال: اعدد ستاً بين يدي الساعة :- ذكر منها -، ثم فتح بيت المقدس"[2]

 خامساً: وأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على المسجد الأقصى لفضله وعظيم شأنه وأخبر بتعلق قلوب المسلمين به لدرجة أنه يتمنى المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على المسجد الأقصى أو يراه منه ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا وما فيها ، فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : ( تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل:  أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن[3] فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً. قال: أو قال خير من الدنيا وما فيها) [4].

  سادساً: وكان اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم في السؤال عن المسجد الأقصى وأجر الصلاة فيه لعظيم الدلالة على مكانته في قلوبهم ونفوسهم واستعدادهم لفتحه، وقد فتح في عهد عمر رضي الله عنه في 15هـ ، وكتبت حينها "العهدة العمرية" .

 سابعاً: وأجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى، وتلك المساجد الثلاثة لها الفضل على غيرها من المساجد فقد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى،  ومسجدي هذا".

 ثامناً: وتميزت القدس وبيت المقدس عن كل المدائن التي فتحتها المسلمون، وكان تسليمها للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ركب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليتسلم أمانتها، وليعقد بنفسه عهدها، وأوقف أرضها المباركة لتكون أمانة في عنق الأمة إلى قيام الساعة.   

 تاسعاً: ودخل بيت المقدس من الصحابة رضي الله عنهم جمـع كثير شـدوا الرحال إليه وقصدوه بالسكن والعبادة والوعـظ والإرشاد، نذكـر منهـم: أبو عبيدة بن الجراح، وكان القائد العام لجيوش الفتح في الشام، وبلال بن رباح، شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب، وأذن في المسجد الأقصى، ومعاذ بن جبل، وخالد بن الوليد، وعبادة بن الصامت وهو أول من ولي قضاء فلسطين سكن بيت المقدس ودفن فيها، وتميم بن أوس الداري، وعبد الله بن سلام، وغيرهم الكثير الكثير [5]من الصحابة الأخيار.

 عاشراً:  وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض، وفيه مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين، وفيه يتحصن المؤمنين من الدجال ولا يدخله، وفيه ومن حوله ينطق الحجر والشجر ويقول: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله" [6]، وفي بيت المقدس الأرض التي يحشر إليها العباد، ومنها يكون المنشر، فعن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس فقال: " أرض المحشر والمنشر"[7]

الحادي عشر: وأتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين بذلوا أرواحهم لطرد  الروم والصليبيين منه، ودفعوا تسع حملات صليبية عنه، بقيادة نور الدين محمود بن زنكي، وصلاح الدين الأيوبي  رحمهم الله وغيرهم من الحكام المسلمين الذين قادوا المجاهدين المسلمين حتى تحقق على أيديهم تحرير بيت المقدس بعد 93 عاماً من اغتصابها، لأن مكانة الأقصى والقدس في القلوب، وأرض المسلمين المباركة، وهذا من عقيدتنا، ولن ينجح الأعداء في انتزاع هذه المحبة مهما أشاعوا من الأكاذيب.

الثاني عشر: وكانت القدس وما زالت موضع اهتمام علماء المسلمين، وما كتبه علماء المسلمين في فضائل المسجد الأقصى في القرون الأولى وما تلاها لدلالة على مكانتها، وما زالت إلى اليوم تدرس وتحقق تلك المخطوطات والتي جرى عليها من الدراسات الإسلامية والدراسات ذات الصبغة العالمية مالم يجرى على أية مدينة إسلامية أخرى .

     فالقدس ستبقى وديعة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عندنا، وأمانة عمر رضي الله عنه في ذمتنا، طال الزمان أو قصر، فالعاقبة للمتقين، وستعود إلينا بإذن الله، وهذا وعده سبحانه، والله لا يخلف الميعاد.



[1] سورة الإسراء / آية 1 .

(2) الأنبياء آية 71  .

(3) الأنبياء آية 81  .

(4) سبأ آية 18  .

(5) التين آية 1،2،3  .

(8) المائدة آية 21  .

[2] رواه البخاري.

[3] الشَّطَن: ( الشَّطَنُ: الحبل، والجمع أشْطان ). وقال في " المعجم الوسيط ": الشَّطَنُ: الحبل الطويل يُستقى به من البئر، أو تشدُّ به الدابة.

[4] أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني .

[5] للاستزادة في أسماء الصحابة الذين قصدوا بيت المقدس ، راجع : مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام ، والأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل .

[6] وتلك الفضائل ثابتة بالأحاديث الصحيحة .

[7] صححه الألباني

العدد الأول – مجلة بيت المقدس للدراسات

.