القدس والأقصى / خطب مقدسية

القدس مدينة الســلام

الشيخ: محمد بن حسان

 

رئيس فرع مركز أنصار السنة المحمدية، إمام وخطيب وداعية عالمي متجوّل - المنصورة - جمهورية مصر العربية

 

أحبتي في الله:.. إننا اليوم على موعد مع موضوع الساعة، مع موضوع جليل كبير، نعم، (القدس مدينة السلام) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الجريح، في العناصر التالية:

 

أولاً: القدس إسلامية الهوية، عربية المذاق.

 ثانياً: اليهود لا يعرفون السلام.

 ثالثاً: ومن ظلام الليل ينبثق نور الفجر.

 وأخيراً: ولكن ما السبيل؟

 

فأعيروني القلوب والأسماع فإن الموضوع من الأهمية والجدية بمكان، والله أسأل أن يُقر أعيننا جميعاً بتحرير الأقصى المبارك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أولاً: القدس إسلامية الهوية عربية المذاق.

 

لابد لأبناء الحركة الإسلامية أن يقفوا مع هذا التاريخ وقفة متأنية، لأننا نشهد الآن إرجافاً خطيراً، يتولى العزف على أوتاره العلمانيون والمرجفون، ممن يريدون أن يمسخوا هوية هذه الأرض المقدسة الطاهرة المباركة، فيجب الآن على كل مسلم ومسلمة أن يقف مع هذا التاريخ الطويل، ليعلم الجميع أن القدس إسلامية الهوية عربية المذاق، القدس مدينة السلام، لكنها لم تنعم أبدا بالسلام إلا حينما كانت إسلامية الهوية، عربية المذاق، القدس قصة كفاح طويلة، تَصارع على أرضها الحق والباطل، منذ أن بناها العرب اليبوسيون قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام تقريباً .

 

للقدس تاريخ طويل متجذر في عمق الحضارة التي عرفتها الأرض، فقبل الميلاد بثلاثة آلاف عام تقريباً، هاجرت قبائل الكنعانيين من جنوب الجزيرة العربية ووسطها إلى الشمال، لما حل الجدب والقحط، واستقرت هذه القبائل العربية على الضفة الغربية لنهر الأردن، وسميت هذه الأرض بأرض كنعان، وإلى هذه الأرض هاجر خليل الله إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لما قام يدعوا قومه بأرض أور إلى عبادة الله الواحد الأحد، فاعتدى عليه قومه، وقال له أبوه: {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا، وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا}(مريم/46-48)، فهاجر إبراهيم من هذه الأرض إلى أرض الشام، فوقع بأرض الشام قحط وجدب، فهاجر إبراهيم بزوجته «سارة» من الشام إلى مصر، فتعرض في مصر إلى فتنة قاسية، يوم أراد حاكم مصر في ذلك الزمان أن يعتدي على زوجته سارّة، فلما نجَّا الله إبراهيم وسارة من كيد هذا الفاجر، أخدم هذا الفاجر سارة هاجر، وانطلق إبراهيم مع سارة وهاجر إلى أرض كنعان مرة أخرى، فلما أهدت سارة هاجر لإبراهيم، ورزقه الله من هاجر بإسماعيل، طلبت سارة من إبراهيم أن يهاجر مع امرأته وولدها، فترك إبراهيم عليه السلام سارة في أرض كنعان، وهاجر بهاجر وإسماعيل إلى أرض مكة حيث شاء الله وَقَدَّرَ، وتمضي السنون، ويأمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يرفعا قواعد بيت الله الحرام، قال تعالى: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }(البقرة/127)، ثم عاد إبراهيم من مكة إلى أرض كنعان، فبنى لله عز وجل مكاناً آخر للعبادة، هذا المكان هو المسجد الأقصى، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في المجلد السابع والعشرين: «المسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام، ولكن سليمان عليه السلام هو الذي بناه بناء عظيما(27/351)» وفي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال أبو ذر: «قلت يا رسول الله: أي مسجد وُضِعَ في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. ثم قال حيثما أدركتك الصلاة فَصَلِّ والأرض لك مسجد»(متفق عليه). كان المسجد الأقصى من عهد إبراهيم، لكن سليمان هو الذي بناه بناء عظيماً، وعاش إبراهيم مع الكنعانيين في سلام وأمان وعرفت مدينة القدس من هذا الزمان عبادة الله الواحد الأحد، وكانت تسمى حينئذ «ساليم» وظلت القدس في أيدي الكنعانيين العرب إلى أن هاجر أبناء يعقوب - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - إلى مصر بدعوة من نبي الله يوسف عليه السلام.

 

وفي مصر تكاثر نسل بني إسرائيل، إلى أن بعث الله نبيه موسى عليه السلام، فدعا بني إسرائيل إلى الله -جل وعلا-، وعالجهم أشد المعالجة، فلما سألهم موسى أن يخرجوا معه لقتال العماليق، أو ليدخلوا معه الأرض المقدسة، عاندوا وأعرضوا وجبنوا، وقالوا قولتهم الخبيثة: قالوا لموسى {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون }(المائدة/24)، فلما يئس نبي الله موسى من هؤلاء، (دعا ربه أن يقبضه إلى جوار الأرض المقدسة بمقدار رمية حجر)، والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فلـو كنـــت ثَمَّ - أي لو كنت هناك - لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر»(متفق عليه).

 

ثم فتح نبي الله داود عليه السلام مدينة القدس، وفيها ولد نبي الله سليمان، الذي شيد الأقصى هذا التشييد العظيم، وتمضي القرون والأزمان، ويحتل الرومان هذه الأرض المباركة، فيهدم الرومانيون مدينة القدس التي كانت تسمى حينئذ «أورشليم» ويقيمون على أساس القدس مدينة أخرى جديدة، تسمى بمدينة «إيلياء»، وعرفت القدس بهذا الإسم إلى أن فتح المسلمون هذه الأرض المباركة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقيادة أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وأبى أهل القدس أن يُسلِّموا مفاتيح المدينة المقدسة إلا لعمر بن الخطاب، فسأل أبا عبيدة عمر أن يأتي من مدينة رسول الله إلى مدينة القدس، ليستلم مفاتيح المدينة ليعطي أهل «إيلياء» الأمان أو ما يسمى في التاريخ (بالعهدة العمرية)، ونزل عمر في موكب مهيب جليل، نعم، لا يركب إلا دابته مع خادمه فحسب، واستلم فاروق الأمة مفاتيح بيت المقدس وأعطى أهل «إيلياء» عهداً بالأمان، وكتب لهم العهدة العمرية.

 

ثم انتقلت الخلافة بعد الأئمة والخلفاء الراشدين إلى بني أمية، وفي عهد الدولة الأموية قام الخليفة الأموي «عبدالملك بن مروان» بتشييد المسجد الأقصى وقبة الصخرة تشييداً عظيماً، ثم انتقلت الخلافة إلى بني العباس، وظلت القدس معززة مكرمة في عهدهم أيضاً، وظلت القدس في أيدي المسلمون إلى أن بدأت شرارة الصراع الصليبي الحاقد، فوقعت القدس في أيدي الصليبين في عام 1099م، بعد مقاومة باسلة طويلة طاحنة، اضطرت الصليبين أن يذبحوا ويقتلوا المسلمين تقتيلا، ممن استجاروا بالله -تبارك وتعالى- ثم دخلوا المدينة المقدسة وظنوا أن الصليبيين سيراعون للمسجد الأقصى وللأرض الطاهرة حرمة، ولكن الصليبيين ذبحوا المسلمين ثلاثة أيام متوالية، فقتلوا ما يزيد على سبعين ألف مسلم، حتى وصلت أكوام اللحم والأشلاء، ووصلت برك الدماء في المسجد الأقصى إلى ركب الخيول، وظلت القدس تحت حكم الصليبين واحد وتسعين عاماً، رُفِعَتْ الصلبان على جدران المسجد الأقصى، وَمُنِعَتْ صلاة الجماعة من هذا المسجد المبارك، إلى أن منّ الله على المسلمين بصلاح الدين، أسأل الله أن يرزق الأمة الصلاح لتكون من جديد أهلا لصلاح، منّ الله على الأمة بصلاح الدين الأيوبي، فهزم الصليبيين هزيمة نكراء، في موقعة حطين، واسترد مدينة القدس في عام 1187م ، ثم عَلَّم صلاح الدين الصليبييين الحاقدين الموتورين، علَّمهم كيف يكون تسامح الإسلام، وأعطاهم دروساً في التسامح، سيظل التاريخ يقف أمامها وقفة إجلال وإعزاز وإكبار، ثم حل الضعف بالملوك والولاة، وتنازل السلطان الأيوبي الملك الكامل للغزوات الصليبية الثانية، تنازل عن مدينة القدس بمنتهى الخزي والذل والعار، ووقعت القدس في أسر الصليبيين مرة ثانية في عام 1228م ، ثم منّ الله على المسلمين بالمصريين، فهزم المصريون الصليبيين هزيمة منكرة، بالقرب من مدينة غزة، واستطاع السلطان الأيوبي الملك الناصر أن يسترد القدس مرة أخرى من أيدي الصليبين في عام 1239م، وظلت القدس في أيدي المسلمين وفي أيدي العرب من هذا التاريخ إلى أن صدر في أوائل القرن العشرين الوعد الظالم المشؤوم «وعد بلفور» في عام 1917 م ، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وعلى هذه الأرض الطاهرة المباركة، فأسرعت فرنسا ثم أمريكا ثم بقية دول العالم بتصديق هذا الوعد الظالم المشؤوم، وفي عام 1948 م ، قامت معركة خائنة مفضوحة، احتل اليهود ما يزيد عن 78% من هذه الأرض المقدسة المباركة، ويومها وقف أول رئيس لوزراء إسرائيل «بن غوريون»، في الأمم المتحدة ليعلن للعالم كله عقيدة اليهود في تملك فلسطين، فقال: «قد لا يكون لنا الحق في فلسطين من منظور سياسي أو قانوني، ولكن فلسطين حق لنا من منظور ديني، فهي أرض الميعاد التي أعطانا الله إياها من النيل إلى الفرات ثم قال ... يجب الآن على كل يهودي في الأرض أن يهاجر إلى إسرائيل بعد إنشائها، ومن لم يفعل فإنه يكفر بتعاليم الدين اليهودي ثم قال بن غوريون، لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام إسرائيل على غير أرض المعاد».

 

وفي عام 1979م جاء الإرهابي الكبير «مناحيم بيغن» ليعلن للعالم كله: أن القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل، ثم جاء بعد ذلك «نتنياهو» فأصدر ثلاثة وعشرين قراراً استيطانيا، وكان من آخر هذه القرارات، بالاستيطان اليهودي في منطقة جبل أبو غنيم، ليؤكد بهذه القرارات التتوق اليهودي في مدينة القدس المباركة، لاسيما في القدس الشرقية، ثم جاء باراك في محادثات «كامب ديفيد» الأمريكية الظالمة الأخيرة، ليؤكد للعالم كله عقيدة اليهود، التي لن تتبدل ولن تتغير بتغير حزب «الليكود»، أو بتغير حزب العمل، أو بتغير القادة أو بتغير الأشخاص، ولا بتغير الأسماء والأماكن، ألا وهي: أن اليهود لا يعرفون السلام، وهذا هو عنصرنا الثاني.

 

بعد هذا السرد التاريخي الدقيق المهم الذي يجب على شبابنا أن يحفظوه، ويجب على أمتنا أن تعيه وعياً كاملاً.

 

عنصرنا الثاني: اليهود لا يعرفون السلام.

 

لا أقول ذلك على سبيل التخمين، إنما أقول ذلك على سبيل الجزم والقطع واليقين، اليهود لا يعرفون السلام، لا يمكن أبداً أن يعيشوا في سلام، لماذا؟ لأن اليهود مجبولون ومفطورون على نقض العهود والمواثيق.

 

لو تغنى «نتنياهو» أو «باراك»، لو تغنى اليهود بالسلام فهذه أنشودة كاذبة.

 

اليهود لا يعرفون عهداً ولا ميثاقاً، فلقد نقض اليهود العهود مع كل الأنبياء والرسل، ما من رسول ولا نبي بعثه الله لليهود إلا ونقضوا معه كل العهود، هل تصدقون الله يا أمة التوحيد، قال الله، أقول: قال الله، أقول : قال الله: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون}(الأنفال/56)، وقال جل جلاله: {أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}(البقرة/100)، فاستحق اليهود بهذا الخُلق الحقير، وهذه الخصلة الذميمة الدنيئة، ألا وهي نقض العهود والمواثيق، استحقوا اللعن من الله واستحقوا أن يعاقبهم الله بقسوة القلب، قال الله، أقول: قال الله، أقول: قال الله جل في علاه: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم}(المائدة/13)، أي لاتزال تطلع منهم على خيانة منهم بعد خيانة، ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم، هذا كلام ربنا الذي يجسد لنا نفسيات اليهود، ويجلي لنا صفات اليهود الخبيثة الحقيرة، لا ينبئك عن اليهود مثل خبير، قال الملك الجليل: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}(الملك/14)، القرآن يكشف لنا عن أعماق نفسيات اليهود، نقضوا العهود مع الأنبياء والرسل، بل مع رب الأرض والسماء، والسؤال المر، المر كمرارة الحنظل، أقول: لقد نقض اليهود العهود مع الرسل والأنبياء، ومع رب الأرض والسماء، فهل سيفي اليهود بعد ذلك بالعهود للحكام والزعماء؟! لا ورب الكعبة، ورب الكعبة لن يمتثل اليهود بقرارات دولية مزعومة في «أوسلو» أو «مدريد»، أو «كامب ديفيد»، لأن هذه هي جبلة اليهود، وهذه هي طبيعة اليهود، فاليهود متخصصون في الكذب، وربما يُوقِّع «رابين» مثلاً ، على إتفاقية سلام، فيأتي بعد ذلك يهودي آخر لينقض الاتفاق بكل وقاحة، وبكل سقاطة وجرأة، لأنهم متخصصون في الكذب متخصصون في الإعراض عن الحق، بل متخصصون في الإفساد في الأرض.

 

وتعرَّفوا على كل هذه الحقائق التي ذكرت من القرآن، ولقد تعمَّدت أن أستدل على كل صفة وخصلة بكلام الله جل وعلا، لنعلم يقيناً أن الذي يجسد صفة ونفسية اليهود هو كلام ربنا، كلام الذي خلق اليهود ويعلم طبائع اليهود ، روى البخاري ومسلم : أن عبدالله بن سلام وهو حبر اليهود، لما هاجر النبي من مكة إلى المدينة، انطلق إليه عبدالله بن سلام، يقول: فلما نظرت إلى وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، ثم قال له: يا محمد إني سائلك عن ثلاثة أشياء، لا يعلمها إلا نبي، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم ما هي؟ قال عبدالله بن سلام:

 

السؤال الأول : ما هي أول علامات الساعة ؟

 

السؤال الثاني: ما أول طعام لأهل الجنة ؟

 

السؤال الثالث: متى يَنْزِع الولد لأبيه أو لأمه ؟ فقال المصطفى: أخبرني بهن جبريل آنفا، ثم قال: أول علامات الساعة نار تخرج من قعر عَدَن لتطرد الناس إلى محشرهم، وأما السؤال الثاني قال صلى الله عليه وسلم : زيادة كبد الحوت، أما السؤال الثالث قال صلى الله عليه وسلم، إذا عَلاَ ماء الرجل ماء المرأة أَذْكَرَ بإذن الله، وإذا عَلاَ ماء المرأة ماء الرجل أنث بإذن الله، فقال عبدالله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، لأنه لا يعرف هذه الحقائق إلا نبي يوحي إليه من الله جل وعلا، ثم قال عبدالله، يا رسول الله: إن اليهود قوم بُهْت -قوم ظلمة-، فاكتم خبر إسلامي، وسلهم عني، فسأل النبي اليهود عن عبد الله بن سلام، ما تقولون في عبد الله بن سلام ؟ قالوا: سَيِّدُنا وابن سيدِنا، وخَيُرنا وابن خَيرِنا، وحبُرنا وابن حَبرِنا، فخرج ابن سلام ووقف إلى جوار النبي عليه الصلاة والسلام، وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فنطق المجرمون في التَّوِّ واللحظة، على لسان وقلب رجل واحد وقالوا: هو سفيهنا وابن سفيهنا، وجاهلنا وابن جاهلنا(متفق عليه).

 

هذه طبيعة اليهود لن تتغير ولن تتبدل، متخصصون في الكذب، متخصصون في نقض العهود، متخصصون في الإفساد في الأرض، متخصصون في قتل الأنبياء الصالحين، متخصصون في أكل السحت والربا أقول يا مسلمون: قال الله- جل في علاه: {وقالت اليهود عزير ابن الله}(التوبة/30) قال الله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق}(أل عمران/181)، قال الله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}(المائدة/64)، قال الله جل في علاه: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}(البقرة/89)، قال الله جل في علاه: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون}(البقرة/101)، قال الله جل وعلا: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}(البقرة/146)، قال الله جل وعلا: {ويسعون في الأرض فساداً والله لايحب المفسدين}(المائدة/64)، قال الله جل وعلا: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم}(أل عمران/21)، قال الله جل وعلا: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون، وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون}(البقرة/87-88).

 

اليهود أفاعٍ قاتلة، تنفث سمومها في الظلام، فاليهودي «كارل ماركس» كان وراء الشيوعية الإشتراكية الملحدة، واليهودي «دوركاين» كان وراء علم الإجتماع الذي قوض به بناء الأسر، واليهودي «سارتر» كان وراء الإباحية الفاجرة، واليهودي «فرويد» كان وراء علم النفس الذي أقام أسسه على الدافع الجنسي الوضيع الحقير، ووالله ما بحث لهم ستالين عن وطن قومي في فلسطين إلا ليتخلص من شرهم، وما بحث لهم «هتلر» عن صندوق قمامة عالمي إلا ليطهر ألمانيا من قذرهم، وأمريكا تعاني اليوم منهم ما تعاني، ولكنها مغلوبة على أمرها، فاللوبي الصهيوني يكاد أن يخنق أنفاسها، هؤلاء هم اليهود، يجلي القرآن الكريم نفسياتهم الخبيثة، الحقيرة، ويبينها لنا، ولا ينبئنا عن اليهود مثل خبير، قال الملك القدير -أكررها للمرة للثالثة-: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}(الملك/14)، فمتى سَتُصَدِّق الأمة ربها؟ متى؟ متى؟ الحلق فيه غصة، والقلب فيه حرقة ونار، متى ستصدق الأمة ربها ؟!

 

يا قدس هذا زمان الليل فاصطبري فالصبح من رحم الظلماء مسراه

 

يا قدس لا تقلقي فالحق منتصــر وصاحب الحق ليس يردها للــه

 

ما دام في القلب عهد قد حفظنـاه وفي اليمين كتاب ما تركنـــاه

 

متى ستصدق الأمة ربها ؟ ومتى ستتخلص الأمة من هذه الهزيمة النفسية النكراء، لترجع من جديد إلى شرع رب الأرض والسماء، ولتجدد العهد، ولتمتثل الأمر، وتجتنب النهي، وتقف عند الحد، ولتعلم من جديد أنها ليست ضعيفة، وليست فقيرة، وليست هزيلة، ولكنها مهزومة نفسياً، والمهزوم نفسياً مشلول الفكر والحركة، لكن وعد الله لا يتبدل ولا يتغير، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء:

 

عنصرنا الثالث ومن ظلام الليل ينبثق نور الفجر:

 

اللهم عجل بزوغ الفجر يا رب العالمين، أيها الأحبة الكرام: القدس -إنتبه معي- الذي جعله الله سكنا للأنبياء لن يديمه الله أبداً سكناً لقتلة الأنبياء، أكرر القدس التي جعلها الله سكناً للأنبياء لن يديمه الله سكناً لقتلة الأنبياء بل وفوق هذه الأرض الطاهرة وعلى هذا الثرى المبارك سيكون الجهاد، بل وستكون الخلافة، أعي كل كلمة أرددها، أقول: على هذه الأرض وفوق هذا الثرى الطاهر سيكون الجهاد، وستكون الخلافة، لا أقول ذلك من منطلق السياسة القاصرة، ولا من قبيل الأحلام الوردية الجاهلة، ولا من منطلق الخرافة الذاهلة، بل ولا أقول ذلك من باب ضغط الواقع بجراحه وآلامه، كلا ... كلا، إنما هو الأمل الدافع للعمل، الذي تغرسه في قلوبنا حقائق الوحي الرباني والنبوي، قال الرب العلي، قال الحبيب النبي، فماذا قال الرب العلي؟ وماذا قال الحبيب النبي؟ هذا إن كانت الأمة ما زالت تصدق ربها، ونبيها، ولاحول ولاقوة إلا بالله، قال الله جل في علاه: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً. فإذا جاء وعد أولاهما- أي إذا جاء وعد المرة الأولى- بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. ثم رددنا لكم الكرة عليهم - أي اليهود- وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً . -خطاب لليهود، وهذا ما يحياه اليهود الآن- إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة - أي إذا جاء وعد الإفساد للمرة الثانية - ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة) اللهم عجل بهذه المرة يا رب العالمين ... اللهم ارزق الأمة الصلاح لتكون أهلاً من جديد لصلاح الدين، أنت ولي ذلك والقادر عليه يا رب العالمين، - {وليتبروا ما علوا تتبيرا}(الإسراء/4-7).

 

وقال المصطفى -الذي لا ينطق عن الهوى- في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبزار بسند صححه الحافظ ابن حجر من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا نائم احْتُمِل عمود الكتاب من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأَتْبَعْتُهُ بصري، فعُمِدَ به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام»(رواه أحمد).

 

وفي الحديث الذي رواه أبو يعلى وقال الهيثمي رجاله ثقات، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أ بواب بيت المقدس وما حوله، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة»(فضائل الشام/62).

 

وتدبر معي هذا الحديث الرقراق الرقيق، الذي رواه أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وصحح الحديث شيخنا الألباني -رحمه الله-، من حديث أبي حوالة الأزدي قال أبو حوالة : «وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو هامتي وقال: «يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت- أين؟ - الأرض المقدسة، فقد دنت -أي اقتربت- الزلازل والبلايا والأمور العظام - يقصد أحداث الساعة في أواخر الأيام- والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك»، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر- فينطق - الحجر والشجر فيقول: يا مسلم -ليس يا وطني ولا يا قومي ولا يا مصري ولا يا سوري ولا يا شامي، كلا، يا مسلم- يا عبدالله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود»(متفق عليه)، وفي رواية للبزار بسند حسن بشاهده أنه [ قال : «أنتم حينئذ شرقي الأردن وهم غربيه » .. هذا الكلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى لم تكن هناك دولة في هذا الزمان النبوي تعرف باسم الأردن ولكن الله جل وعلا هو القائل:

 

{والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى}(النجم/1-5)، هذا وعد الله جل وعلا، فمتى ستسترد الأمة ثقتها بربها وثقتها بنبيها وثقتها بكتابها وثقتها بمقدراتها ومقوماتها وطاقاتها وأفرادها؟ متى ستتخلص الأمة من هذه الهزيمة النفسية النكراء؟ ما السبيل للوصول إلى القدس الجليل؟ وهذا ما سنتعرف عليه في العنصر الأخير.

 

 

 

العنصر الأخير ما السبيل؟

 

وفي كلمات محددة مركزة أقول أيها المسلمون إن لله سنناً كونية لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي تلك السنن أحداً من الخلق بحال، مهما أدعى لنفسه من مقومات المحاباة، قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد/11)، {ذلك أن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الأنفال/53)، يا شباب الصحوة لن نسترد القدس بالخطب الرنانة، والمواعظ البليغة المؤثرة، ولن نسترد القدس بالمظاهرات الصاخبة، ولا بحرق العلم الأمريكي واليهودي، ولا بحرق (دمية) لـ «بل كلينتون» أو لـ «باراك»، ولن نسترد القدس بهذه الجعجعات الصاخبة التي لا نرى معها طحناً، فالأمة تجعجع منذ عشرات السنين، لأن اليهود لا يعرفون إلا منطقاً واحداً، هو منطق القوة، كما صرح الإرهابي الكبير (مناحيم بيغن) إذ يقول: «إننا نحارب إذاً نحن موجودون» عالم لا يحترم الضعفاء، ولا يحترم من لم يحترم نفسه، الأمة لا تحترم نفسها، ولا تعي الأمة قدرها، ولا تعي الأمة رسالتها ووظيفتها، فالعالم الآن لا يحترم إلا الأقوياء، وماحدث لإسرائيل في جنوب لبنان لمن أَصَرح الأدلة وأوقع الأدلة العملية على أن اليهود لا يعرفون إلا منطق القوة، فما أخذ اليهود بالقوة لم ولن يسترد إلا بالقوة، لكن متى تكون الأمة قوية ؟

 

إذا عادت إلى ربها جل وعلا، لو عاشت الأمة مئة سنة أخرى أو ألف سنة وهي تجعجع دون أن ترجع إلى ربها فلا خير في هذه الجعجعة، ولا فائدة من وراء هذه (المنشطات) الصحفية الحمراء، لا كرامة لها ولا فائدة.

 

ففي نقاط محددة :

 

أولاً: يجب على الأمة أن تصحح عقيدتها في ربها جل وعلا، هذا دين أدين لله به، لن تسترد الأمة المسجد الأقصى، ولن تسترد الأمة كرامة مسلوبة، أو عزة مقهورة إلا إذا عادت من جديد إلى الله فصححت ابتداءً عقيدتها، هذه الخطوة الأولى على طريق العودة للعزة والسيادة والكرامة، وكل خطوة تحتاج إلى جمعة مستقلة على الأقل، تصحيح العقيدة فالأمة وبكل ثقة أقول: لازالت تثق في الأمم المتحدة، وحلف الناتو، وأمريكا وأوروبا لا زالت الأمة تثق في هذه الأحلاف والمنظمات أكثر من ثقتها في رب الأرض والسماوات.

 

ثانياً: تصحيح العبادة: كيف ينصر الله أمة اختلت عقيدتها ؟! وفسدت عبادتها إلا من رحم ربك، لاتزعم أني أبالغ، أنظر إلى الملايين المُمْلينة في الأمة التي تسأل غير الله، وتستغيث بغير الله، وتذعن لغير الله، وتصرف كثيراً من صور العبادة لغير الله جل في علاه.

 

ثالثاً: تحكيم الشريعة: كيف ينصر الله أمة ضيعت شرعها كيف يُمكن الله لأمة ضيعت شرعها.

 

رابعاً: تقويم الأخلاق: العودة لأخلاق هذا الدين، تصحيح الأخلاق التي ضاعت حتى بين الملتزمين، إلا من رحم رب العالمين،.

 

خامساً: التخلص من الوهن: «قيل وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت»(رواه أبو داود وأحمد).

 

سادساً: رفع راية الجهاد في سبيل الله، في ظل شريعة الله جل في علاه، قال صلى الله عليه وسلم والحديث في مسند أحمد بسند صحيح من حديث ابن عمر: قال صلى الله عليه وسلم : «إذا تبايعتم بالعِينَة، ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم»(رواه أبو داود).

 

هذا هو المنهج في نقاط سريعة محددة مركزة، والله الذي لا إله غيره، لن تعرف الأمة طريقاً للقدس إلا من هذا الطريق، فالله سبحانه له سنن لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي هذه السنن أحد من الخلق بحال، مهما أدعى لنفسه من مقومات المحاباة، ابدأ بنفسك، وأبدأ بنفسي، ابدئي بنفسك أيتها المسلمة، فلنتخلص من حالة الغبش التي نحياها الآن، فلنتخلص من حالة الغبش العقدي والتعبدي والفكري والسلوكي التي يحياها كثير من المسلمين والمسلمات الآن، ولو تعي الأمة حقيقة القرآن لتستبين الأمة سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين لتوالي الله ورسوله والمؤمنين، ولتعادي الشرك والمشركين، ربِّ نفسك على هذا المنهج وعلى هذا المعتقد، وربِّ أولادك وأحفادك على هذا المنهج وعلى هذا المعتقد، ليس بالضرورة أن تُحرر القدس في جيلنا، بل فليغرس هذا الجيل للأجيال القادمة «إذا قامت القيَامة وفي يد أحدكم فَسِيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها»(رواه البزار)، هذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام، فإغرس الآن، ولا تقل متى ستثمر هذه الغرسة، ومتى سآكل ثمرتها، ليس هذا من شأنك أنت، شأنك أن تغرس وأن تعمل بدافع من الأمل، شأنك أن تجتهد وأن تبذل أقصى ماتملك، شأنك أن تربي نفسك وولدك على هذا المنهج الصافي، شأنك أن تدعو الآن إلى وحدة الصف، والله، ووالله، ووالله للمرة الثالثة، حينما أدعو إلى وحدة الصف أعي ما أقول فلست درويشاً يهرف بما لا يعرف، إنما أدعو إلى وحدة صف المسلمين على كتاب رب العالمين، ومنهج سيد المرسلين، أنا لا أريدها وحدة تجمع شتاتاً متناقضاً على غير حق واتباع وهدى، «سمك لبن تمر هندي» حتى لا تنسى، لا أريدها وحدة تجمع شتاتاً متناقضاً على غير حق وسنة وهدى إنما نريدها وحدة على كتاب ربنا وعلى سنة نبينا، وبفهم سلف الأمة الصالح، رضي الله عنهم وأرضاهم ، دعوة للتوحيد أو للوحدة على غير هذا المنهج، تفرق ولا تجمع، وتجرح ولا تضمد إنما نريدها وحدة على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة رضي الله عنهم أجمعين، أما آن الأوان لتستعيد الأمة مجدها وعزها وكرامتها ؟! ، أما آن الأوان لترجع الأمة إلى كتاب ربها وسنة نبيها بفهم سلفها الصالح، اللهم إني أسألك أن تجعل هذا قريباً، اللهم ردنا إلى التوحيد رداً جميلاً، وردنا إلى السنة رداً جميلاً،...

.