فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

فلسطين في مهب الريح !!

فلسطين في مهب الريح !!

 

هل كان قادة اليهود يتوقعون هذا الحال الذي وصل إليه الواقع الفلسطيني في داخل الأراضي المحتلة؟!

لو قالوا لقادة الاحتلال سيكون من مكاسبكم ما بعد أوسلو أن يقتتل الفلسطينيين فيما بينهم وينشق الصف الفلسطيني، ويصبح للشعب الفلسطيني حكومتين ورأسين وكيانين منفصلين ، وينشر كل من الطرفين الغسيل للطرف الآخر ، وتصبح قضية فلسطين ردح واتهامات على الفضائيات ، لاستكثر اليهود وقادتهم هذه النتائج ، وقالوا مستحيل أن نحقق كل هذا خلال تلك السنوات القليلة !!

فهذا يسفك دم أخيه ، وهذا يكذب خصمه ، وهذا يبيح حرمات غيره ، وهذا يقيل ذاك ، وذاك شرعي وغيره لا شرعية له ، وأنا مع الدستور وأنت ضد الدستور ، وهذا تيار خياني والآخر إصلاحي ، وهذا يُحاصر وذاك يُرفع عنه الحصار ، ونصفهم محرومون من المعونات ، والنصف الآخر يمد له العون وتنهال عليه الأموال العربية والغربية ، ونصف في الظلام ونصف يتمتع بالنور!! وهذا يعتقل أتباع ذاك ، وذاك ينكل بأتباع هذا !! وتحرق وتغلق مؤسسات الغير لأنهم أصبحوا أعداء ، وكلٌ يملك محطة فضائية ، يخوض بها حرب إعلامية وبرامج تعبوية ضد الآخر !!  وللعدو الحقيقي تعطى المواثيق ... لا عداء لك ولن تطلق عليك رصاصة مهما قتلت ونكلت مادمت معنا على الطرف الآخر !!

وهذا يذهب ليفاوض مع العدو المحتل بينما شعبه مقسم وحركاته متناحرة ...واتهامات لهذا بالعمالة لأمريكا والكيان اليهودي والآخر لإيران ، والطرفين كل منهما يرى غيره قمعياً يعمل ضد مصالح الشعب الفلسطيني ، والنتيجة انفصال جغرافي وسياسي أسوأ من قرار تقسيم فلسطين ، بل وأظلم من قرار سايكس بيكو الذي فرض التقسيم على المنطقة بأكملها. وأصبحت طاولة المفاوضات ممكنة مع الكيان اليهود ، أما بين الأشقاء الفلسطينيين فإنها لا وألف لا !!

فهل كان يتوقع اليهود حالكم الآن ... لقد أرجعتم قضية فلسطين ستون سنة إلى الوراء، وعيشتمونا نكبتنا الحقيقية بمشاهد التناحر بين أبناء الوطن الواحد !!! والسجّان اليهودي يقف وينظر عبر شباكه التي أحاط بها الضفة والقطاع بكل اعتزاز وفخر بما حققه بانشغال السجناء ببعضهم البعض ، وكلما هدأت النفوس بين السجناء أعطى الإشارة للعملاء لتحريك الوضع من جديد ، وإشعال النار بين الأشقاء على سلطة وهمية محكومة بالاحتلال اليهودي المجرم ... وإذا تبقى منهم أحداً فإن السجان سيضطر إلى فتح السجن من جديد مادامت سيطرته تامة على المفاتيح الأبواب الكبيرة منها والصغيرة ليقتل ما أراد !!

حرب على سلطة وهمية  ، سلطة وكيان لم يكتملا !! وقبل أن يكتمل المولود الخداج انفصل إلى قسمين !! ومن يقرأ كتاب "هليل كوهين" الحائز على جائزة مركز "رابين لأبحاث إسرائيل" وهو بعنوان "جيش الضلال" تتوضح له صور عديدة نراها اليوم في فلسطين ، حيث أوضح الكاتب الدور الذي لعبته المؤسسات اليهودية أجمع في إسقاط العملاء وتجنيدهم لخدمة الكيان الغاصب ، وكيف دفعوا منذ 1948م إلى الآن لإيجاد قيادة فلسطينية تعمل بأجندة يهودية ، وكيف دفعوا للاقتتال على مدى 60 عاماً ، وما هي الصعوبات التي واجهتهم لتحقيق هدفهم الخبيث .

أنحتاج الآن لمن يذكرنا بأن الصراع ليس فيما بيننا، بل هو بيننا وبين الاحتلال والظلم والقمع... ولمن يزيل عن أعيننا الغشاوة التي تجعلنا عاجزين عن رؤية الحواجز العسكرية والاعتقالات اليومية والإجتياحات المتكررة ، وابتسامة التشفي على شفاه معذبينا وقاتلينا وغاصبي أراضينا ومقدساتنا ...

أصدقتم أنكم تحكمون دولة...  ولا تملكون معبراً واحداً لتدخلوا كيلو من الطحين لإطعام شعبكم الجائع ، أو دواء لمستشفياتكم ، بل لا تملكون إدخال أي حوالة إلى فلسطين ولا تملكون مستحقاتكم من الضرائب ورسوم إدخال البضائع ، فعلى ماذا تتنازعون ؟ !!!

والحقيقة أن الكيان اليهودي نجح بتخطيط إستراتيجي بعيد المدى في دفع الفلسطينيين إلى هاوية الفوضى والاقتتال الداخلي، عبر إضعاف "طرفي النزاع" الفلسطيني، وممارسة الحصار الاقتصادي والضغط السياسي على الشعب الفلسطيني... والأيام المقبلة تحمل في طياتها شبح الدمار الكامل ، كما هو مشهد الأوضاع في العراق وأفغانستان والصومال ... لتتحول مدن فلسطين إلى مدن أشباح !!

فالحال الذي عليه فلسطين هو أمنية طالما انتظرها اليهود شعباً وقادة ، ومن مصلحتهم أن يستمر ، بل وتدعم قيادة الاحتلال ديمومته ، فالفراق مطلب يهودي حيث أدخل الحركات والأحزاب الفلسطينية في حرب استنزاف وكل يدعي الشرعية ، وفي المقابل يجد الكيان اليهودي المبررات لكل الممارسات الإجرامية التي يقوم بها ضد أهل فلسطين ويصدقه القريب قبل البعيد في المنظومة العالمية !!

     

أيادي خفية

 

هذا الوضع لم يأت من فراغ فعشرات المراكز اليهودية والمؤسسات الممولة صهيونياً تقوم بجهود مكثفة لجعل الوضع على ما نراه الآن من زرع بذور الشقاق بين أبناء الشعب الواحد ، والتأثير في مسار الأحداث بحيث يخرج الكيان اليهودي من كل حدث منتصراً أو على الأقل بأقل قـدر من الخسائر .

فعلى المتناحرين أن يفهما ويدركا انه لا يمكن لأي منهما أن يلغي الآخر ، أو أن يعيش بمعزل عن الآخر ، كما لا يمكن لأحد أن يختزل جهود الآخر ، وأن التنازل عن الثوابت هو هلاك لهم أولاً ولدينهم ولمستقبل قضيتهم ... ولن تمر الأمور هكذا ... فثوابت قضية فلسطين واضحة جلية ...

وعلى الحكومات العربية والدولية العمل على تقريب وجهات النظر المؤدية إلى إنهاء الخلافات بين الحركتين وعدم صب الزيت على النار من خلال دعم فصيل والضغط على الآخر من خلال تفعيل دور بعض المأجورين ممن لا دين لهم ولا إحساس لإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الواحد ، وهم من لن يرضيه إلا أن يغرق الفلسطينيون بدمائهم لتحقيق مصالحهم!!

ولا مفر أمام الشعب الفلسطيني وحركاته المتناحرة من أن يوحد صفوفه ويتمسك بثوابته الشرعية ويدافع عنها ، وهذا وحده كفيل بإحباط ما يمكر به الكائدون ، فالخاسر الأول والأخير من تلك الأحداث هو الشعب الفلسطيني.

ومن دون ذلك فإن الأوضاع ستبقى في طريق التصعيد والاختلاف وتصب في صالح الاحتلال الذي يريد ذلك الانقسام لأنه يخدم مصالحه ويعزز مواقفه ويفتح الطريق لتنفيذ مخططاته وألاعيبه ، فالحوار والالتقاء على الحدود الدنيا من المصالح للشعب الفلسطيني هما الطريق الأسلم.

فالمشهد الذي نعيشه هذه الأيام أكبر عار يلطخ سمعة ووجهة الفلسطيني أينما كان ... نسأل الله تعالى أن يصلح الحال والأحوال.

 

الطريق للخروج من النفق المظلم

 

المسلم بلا شك ليألم من تدهور الأوضاع في فلسطين ، وتنقلها من وضع سيئ إلى أسوأ ، وزيادة تعقيدها مع الأيام حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة . والكل يدعي الحفاظ على الثوابت ، حتى ضاعت تلك الثوابت بين دهاليز العمل السياسي.

ومع هذه الأمواج المتلاطمة من المبادرات والخطط والطرق إلى تطبيق الاتفاقات يتساءل كل منا: ما هي الثوابت الشرعية في قضيتنا العادلة ؟ والمبحث في هذا لا يسعه مقالاً في مجلة بل هو بحاجة إلى أهل العلم والحل والعقد والعلماء الربانيين الذين يعيشون مأساتنا في فلسطين بكل حيثياتها وتطوراتها ... ومع ذلك ننقل المجمع عليه عند أهل العلم من ثوابت في مسألة فلسطين: 

  1. فقضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً ، وهذه الأرض فتحها المسلمون الأوائل من الصحابة ومن تبعهم؛ وأقاموا فيها زمناً طويلاً, فصارت جزءاً من البلاد الإسلامية, وصارت دار إسلام تجري عليها أحكامها ، وإنّ اليهود اقتطعوا جزءاً من أرض الإسلام وأقاموا عليه دولة لهم ، فلكل المسلمين فيها حقوق وعليهم واجبات؛ لأنها وَقْفٌ عليهم جميعاً، فهي أرض إسلامية مقدسة مغتصبة,  يجب استردادها من يد الأعداء .
  2. ولهذا لا يحق لكائن من كان أن ينفرد بتقرير مصيرها لغير صالح الإسلام والمسلمين؛ لأن نُصرتها أمانة في أعناقهم جميعاً بأرضها وشعبها ومقدساتها ، فيلزم شرعاً على كل مسلم أن يدافع عن هذا الجزء من أرض الإسلام حتى يرده إلى حظيرة الإسلام ، ولا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها ، ولا بد أن يُرَدَّ الفصل فيها لأهل الحل والعقد من المسلمين ، الذين يمثلهم في الأساس ولاة الأمر وأهل العلم والفقه على مستوى العالم الإسلامي.
  3.  ونصر الله عز وجل لا يكون إلا بالإخلاص له ، والتمسك بدينه ظاهراً وباطناً ، والاستعانة بالله وإعداد القدرة المعنوية والحسية بكل ما نستطيع ثم القتال لتكون كلمة الله هي العليا ، وتطهر بيوته من رجس أعدائه ، فالنصر مشروط بما شرطه الله عز وجل ، في قوله تعالى: ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
  4. وشئنا أم أبينا: اليهود أعداء دائمون لهذه الأمة منذ بدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رسالته وإلى أن يخرج الدجال ، ومن عمل على إزالة هذه العداوة بين المسلمين واليهود فهو مخالف لشرع الله تعالى .
  5.  المعاهدات التي أقرت اليهود على ما اقتطعوه من أرض الإسلام في فلسطين وهي أرض فتحها المسلمون ، ودخل أهلها في الإسلام وأصبحت بذلك من أرض الإسلام التي لا يجوز للمسلمين التخلي عنها . بل يجب على المسلمين القتال – مع القدرة - لاستردادها من اليهود، ولا شك أن إقرار اليهود عليها وإعطاءهم عهداً وصكاً بملكيتها وأنهم قد أصبحوا أصحابها وملاكها والمتصرفين عليها، وهذا خيانة لله ورسوله ولهذه الأمة ، وتفريط فيما ملك الله المسلمين إياه ، وما بوأهم من ملك الأرض وأكبر من ذلك التفريط في المسجد الأقصى الذي رده الله إلى أمة الإسلام إعلاناً بانتقال إمامة الدين وقيادة الناس إلى أمة الإسلام .
  6.  والواجب علينا اعتقاد أن اليهود ما داموا متمسكين بدينهم الباطل ، ومحاربين للإسلام وأهله فهم أمة قد غضب الله عليها ، ويجب حربهم ومقاومتهم ما ظلوا على مسلكهم في حرب الإسلام والكفر به ، والعدوان على المسلمين ، إن بغضهم دين يجب على المسلم أن يدين الله به.
  7.  وجوب توحيد الأمة نحو هذا الهدف في القضاء على علو اليهود في الأرض ، وبطشهم بالمسلمين وأسرهم لمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى. ولا انتصار في هذه القضية ولا إزاحة لليهود عن صدر الأمة .. وإنهاء علوهم في الأرض إلا بالإسلام عقيدة ومنهجاً وجهاداً .
  8. دعاء الله سبحانه وتعالى ليلاً ونهاراً أن يجمع كلمة أهل الإسلام وأن يوحد صفوفهم وأن يردهم إلى دينهم وأن يهيئ لهم الأسباب للنصر على عدو الله وعدوهم .

 

عيسى القدومي

 

.