القدس والأقصى / حقائق مقدسية

اعتداءات في شهر الطاعات على القدس والمسجد الأقصى

عيسى القدومي

المسجد الأقصى يتعرض لسلسلة من الاعتداءات والاقتحامات التي غدت تتكرربشكل شبه يوميفقد تناقلت وسائل الإعلام في غرة شهر رمضان هذا العامخداعاً وتضليلاً-  تسهيلات الشرطة اليهودية في القدس لحركة المصلين وتنقلاتهم ووصولهم والصلاة في المسجد الأقصى .

 ولكن سرعان ما تبع تلك الأخبار، أخبار أخرى تظهر تصعيد اليهود لاعتداءاتهم على المصلين والتي رافقها تصريحات نارية تدعو لهدم المسجد الأقصى. 

وكانت شرطة الاحتلال قبل دخول شهر رمضان قد سمحت لليهود بدخول باحة الأقصى، حيث يدعي اليهود أنه تم في مثل هذا الزمن هدم الهيكل الأول والثاني. حيث توجه آلاف اليهود إلى حائط البراق من أجل الصلاة في ذكرى هدم الهيكل.

وقامت قوة من قوات الاحتلال باقتحام  المسجد الأقصى  خلال الأيام الأُول من شهر رمضان ، بصورة مفاجئة وقطعت الصلاة على المصلين بينما كان أكثر من 20 معتكفًا قَد بَدَأُوا بصَلاة الليل ، واعتقلت كذلك إمام المسجد الأقصى أثناء سجوده ، واقتادوه خارج المسجد ، وفضت المسلمين المعتكفين داخله.

وترادف مع ذلك اقتحام مجموعة من المتشددين اليهود بحماية قوات الاحتلال ساحات المسجد الأقصى وأغلقوا بواباته، وقد اندلعت مواجهات عنيفة بين عشرات الشبان والجنود بمنطقة كفر عقب وقلنديا وراس العامود في القدس المحتلة. علماً بأن قوات الاحتلال تمنع الشبّان الفلسطينيين من سن 13-40 عاما من الوصول إلى المسجد الأقصى، وكذلك تمنع بقاء المصلين المعتكفين داخل المسجد المبارك.

وقد شهد  محيط المسجد الأقصى خلال شهر رمضان حالة من الاستنفار القصوى من المصلين من القدس، وخاصة بلدتها القديمة، ومن داخل أراضي عام 48، الذين زحفوا  للمسجد الأقصى وآثروا البقاء في المسجد والانتشار في باحاته ومرافقه للتصدي لأي محاولة اقتحام للمسجد من المتطرفين.

 فقد كان من المقرر أن يدخلوا إلى المسجد، وقد ارتأت الشرطة الصهيونية منعهم من دخول المسجد الأقصى تحسباً لأي احتكاك مع المصلين الذين يزداد عددهم تباعاً .

وبتنسيق مسبق مع الجماعات اليهودية المتطرفة، والتي تعلن نواياها للعالم أجمع  بهدم المسجد الأقصى وإقامة المعبد اليهودي على أنقاضه، أعلنت مؤخراً شرطة الاحتلال بأنها سمحت  لنشطاء اليمين اليهودي بتنفيذ تظاهراتهم  ومسيراتهم التي تجوب شوارع القدس والبلدة القديمة، بل وسمحت لهم باقتحام المسجد الأقصى من باب المغاربة في إطار تلك الاحتفالات، ضمن حماية أمنية مشددة.

وتأتي هذه الممارسات لتكريس احتلال القدس والتأكيد على أنها عاصمة دولة الاحتلال بشقيها الغربي والشرقي، وعدم الالتفات إلى القرارات الدولية واتفاقات السلام التي تعد شرقي القدس مناطق محتلة.

فمسيرات التهويد أضحت ممارسة شهرية حسب التقويم العبري ، والاقتحامات  واعتبار ساحات المسجد الأقصى ساحات عامة مباحة للجميع !! 

وبداية العام الحالي أعلنت سلطات بلدية الاحتلال وضمن مخطط لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى وساحاته، وتهويده وتغيير معالمه، عن تحويل ساحات المسجد إلى ساحات عامة، على اعتبار أن تلك الساحات ليس لها أية حرمة، وأنها أرضاً مشاع، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، ولا قداسة لها .

وحسب هذا الإعلان فلا مانع لبلدية القدس أن تستثمر ساحاته لإقامة المطاعم والمقاهي والمعارض وغيرها، وتقديم المسكرات، وأن يمارس مرتادوا تلك الساحات الموبقات والفواحش من شرب للخمور ومقابلات للعشاق، وارتداء للملابس الفاضحة، وغيرها من الأعمال والممارسات التي يجيدها اليهود .   

وسبق ذلك الإعلان من سلطات الاحتلال إجراءات عدة ضمن مشروع تهويد القدس، فكان التضييق على المقدسيين وإبعادهم وسحب هوياتهم وسلب حقهم في الوجود في داخل القدس ليتحقق لليهود ما أرادوا من تغيير ديمغرافي يضمن لهم الأغلبية السكانية، وتسارع مع ذلك السيطرة على الأرض من خلال الجدار العازل والاستيطان وحفر الأنفاق وإقامة الكنس وتغيير المعالم وتزييف التاريخ بادعاء أن لهم أماكن مقدسة في القدس .

وكانت ردود الأفعال وإدانة هذه التصرفات محصورة - في الغالب- على المعنيين من أهل القدس والمؤسسات الفلسطينية ، فقد أدان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين، اقتحام القوات الإسرائيلية المسجد، وقال إن هذا الاقتحام والاستباحة لحرمة المسجد "مستفزة، خاصة وأنها تأتي في أيام شهر رمضان المبارك"، واعتبر أن "الاقتحام جزء لا يتجزأ من مسلسل الاعتداءات على المساجد الفلسطينية، الذي يأتي ضمن سياسة مبرمجة ومتواصلة. وناشد "كل من يستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك ضرورة شد الرحال إليه، والرباط فيه، وإعماره بالصلاة لتفويت الفرصة على الاحتلال.

والتساؤل : لماذا تستفز مشاعر المسلمين في شهر رمضان المبارك، وأين دور جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لوقف هذه الاعتداءات المتكررة، واستخدام نفوذها وعلاقاتها الدولية لإجبار دولة الاحتلال الالتزام بحماية المسجد الأقصى وسكان القدس؟!

لاشك أن هذا التصرف الصهيوني العنصري يؤكد أننا أمام عصابات احتلال، فالمغتصبين اليهودالذين يسمونهم مستوطنين-  ما هم إلا الذراع الطولي لحكومة الاحتلال لتمارس من خلالهم تهويد  القدس وتغيير معالم المسجد الأقصى ، ولهذا يضعون في البلدة القديمة في القدس. أكثرهم  عناداً وعنفاً .

تلك الجماعات التي تعتقد أن العقبة الرئيسة لبناء "الهيكل المزعوم "  هي الوجود الإسلامي في البلدة القديمة ووجود المسجد الأقصى بأسواره وأبوابه والمصلى الجامع ومسجد قبة الصخرة، فهم  يعملون على هدم المسجد الأقصى لتحقيق عقيدتهم والتسريع في الخلاص و"عودة"  المخلص لليهود .

لذا فسكوت العالم أجمع على ما يجري في القدسوكأنه أمر طبيعيأعطى الضوء الأخضر لقوات الاحتلال ليمارسوا ويحققوا خططهم والتي أرادوا أن يتعامل معها العالم وكأنها يجب أن تكون أمراً طبيعياً.

 وهو ضوء لكل الجهات العاملة من أجل تهويد القدس سواء كانت حكومية أو من جماعات يهودية لبدأ عملية " التهويد" الشامل للقدس.

أن ما  تعيشه القدس معاناة حقيقية وتواطؤ دولي وعالمي لم يشهد له مثيل، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة مطالبة بضرورة التحرك الفوري والعمل على وضع حد لهذه الانتهاكات ومحاسبة دولة الاحتلال عليها.

 وكذلك منظمة اليونسكو  مطالبة بالتحرك الفوري لوقف هذه الاعتداءات على المسجد الأقصى والقدس .

ولا بد من وقف الزحف الصهيوني على القدس والمسجد الأقصى، فنحن بحاجة إلى موقف عربي وإسلامي يقوم على فتح ملف الصراع من جديد، وتجميد كافة الاتفاقيات والمعاهدات، في بحر تلك الاعتداءات.

 ويقيناً أن السكوت على هذه الجريمة سيقود إلى جرائم أكبر بحق المسجد الأقصى وبحق المسلمين في القدس. 

ووسائلنا الإعلامية مطالبة بكشف حقيقة ما يجري في القدس ونقل الحقائق التي تمارس على الأرض من تغيير للمعالم وتهويد للأماكن وتضييق على المسلمين في القدس باعتبار أنهم أجانب وكأنهم مقيمون في بلد آخر.

فقد انتهز قادة الاحتلال الأوضاع والغليان الحادث في عالمنا العربي، والانشغال بما أسموه الربيع العربي ، فصعدوا من اعتداءاتهم على المسجد الأقصى.

والسكوت عن تلك الممارسات تحت مسوغ اشتعال المنطقة، لا مبرر له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل أن هذا الإعلان وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد التغير ، هل تبدل بها الحال؟ وهل عادت لها الحياة؟ أم ما زالت لا تملك مقومات عزها ونصرها للوقوف أمام المعتدين على مساجدنا ومقدساتنا؟  .

والحقيقة التي نراها بأعيننا بأن مشاريع تهويد القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات، بل هي واقع يطبق بمنهجية واضحة تهدف لتهويد القدس كاملة .. نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود .

.