فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

دعاة القضية وأدعياؤها.

 

 

دعاة القضية وأدعياؤها

 

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

إن المتأمل للأحداث الجارية التي يمر بها المسلمون في فلسطين خاصة والعالم الإسلامي عامة يدرك بمرارة وأسى حجم الكارثة وعمق الهاوية التي صاروا إليها، فهم لا يدركون حجم الفاجعة فحسب بل إنهم وللأسف كانوا سبباً في زيادتها ونمائها، وهم بذلك يظنون أنهم يحسنون صنعاً ويجيدون فعلاً، ولكنهم إلى الفساد أقرب وإلى الكساد أجدر.

في المسلمين العيب لا الإسلام                   في الدافنين رؤوسهم كنعام

ولست أتكلم بهذا الأسلوب عن عجز واقع ولا هروباً من واقع وإنما لأشخص الداء الذي ما برح يفتك في جسد الأمة ويهتك أوصالها دون مجاملة رخيصة ومداهنة بغيضة، ذلكم هو داء الانفصال عن الحقائق الشرعية والانفصام من الثوابت الدينية والجري واللهث وراء الأفكار الهدامة والنظم الفاسدة والحلول المستوردة التي جنت على ديننا وأمتنا وقضيتنا وواقعنا، فأضحى حاملوها يصفعون الأمة صفعة تلو صفعة ويذيقونها ضربة تلو ضربة فكانوا ( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأعراف 176

وإذا أخذنا نستقرأ الطوام التي أصيبت بها أمتنا ابتعدنا عن المقصود ولكن حسبنا أن نلقي ضوءاً على قضية فلسطين لنأخذ منها مثالاً لأزمة طالما أرهقت صمود الثابتين وفجرت أجساد المجاهدين بيد أن قوماً من الأدعياء استوعروا الطريق فخاضوا فيه كل سبيل وجعلوا القضية مزيجاً لكل كافر طريد ومنافق ذليل وحسبنا أن نجلي الأمر في نقطتين:-

 

الأولى: بعد القضية العقدي:

إن من العوائق التي لا تخلو من عالق عدم فهم كثير ممن حملوا القضية ثم لم يحملوها لحقيقة الصراع وأصل التدافع بين المسلمين واليهود فصار هؤلاء( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الجمعة5، وهذا من شؤم المعصية وقبح المخالفة لأنه لا يستريب عاقل بأن القضية ذات بعد عقدي بحت إزاء سياج صهيوني صرف، فاليهود قوم بهت لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة فهم ينطلقون من منطلقات توراتية مزيفة يهودية حاقدة زرعها حاخاماتهم ورهبانهم في قلوبهم، بل إن المتأمل في التاريخ لا بد وأن يكتشف بلا عناء أن أمة اليهود هي بحق أمة متميزة بالمكر ترتديه وبالإثم والسحت ترتضيه وبحب العيش والمال تستعذب سكرته وبالشر والعداء تمتطي صهوته حتى تأهلوا بجدارة أن يكونوا محل غضب الله وسخطه، كما قال تعالى:( فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) البقرة90

إن حقيقة الصراع واضحة وضوح الشمس بائنة لكل ذي عينين وحسب المرء إن يقلب ناظريه في سورة البقرة وآي من النساء والمائدة والأعراف والإسراء ليعرف هذه الحقيقة، فهل يروق لمن وهبه الله الفطنة والحنكة أن يغيب هذه الحقائق ويطمس هذه الوقائع ويجعل محور الصراع في أمور ظنها حقوقاً وهي في الحقيقة لا تعدوا إلا أن تكون هدية منمقة وطبقاً مفلطحاً نقدمه لليهود القرود؟! قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } المائدة82

 

الثانيً: الأدعياء وأثرهم في طمس القضية:

إن مشكلة هؤلاء أنهم نسوا أو تناسوا قضية فلسطين ذات صبغة إسلامية، وأخذوا يركضون وراء غرب كافر وشرق ملحد كالمستجير من الرمضاء بالنار يريدون أن يحرروا المستعمر بفكره وعقيدته  فكانوا كما قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } الفرقان43

وإذا كانت القضية الفلسطينية قد أصيبت بنكبة أولى قبل حوالي نصف قرن من الزمان فإن النكبة الثانية بحق كانت يوم أن ماجت بها أمواج الانحلال من الشرع وهاجت بها رياح التحرر من الدين، فتلك والله هي النكبة التي لا زلنا نعاني منها، وهي بمثابة المسمار الأول الذي دق في نعش القضية الفلسطينية عندما تخلى حملة القضية (الثوريين)!!! عن الدين ولهثوا وراء ماركس ولينين وأعلام الانحلال والزندقة المفسدين، والذي عزز طمس القضية أكثر وأكثر، وإنك لا تكاد تجد قضية على وجه الأرض تلاعب بها الكفار وتلاقحتها الأفكار وتسلمها أولو الذل والصغار الذين هم على أمتهم وبال وشنار كقضية فلسطين.

ولكن حسبك الله يا فلسطين فوالله لقد عشنا زماناً لم تعد فيه الخيانة عاراً يستر بل صارت شرفاً يظهر ووظيفة مرموقة يتهافت إليها، وصدق الصادق المصدوق عندما قال: "إنه سيأتي على الناس سنون خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة يا رسول الله قال: التافه يتحدث في أمر العامة" أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.

 

وأخيراً أقول: إن فلسطين لا تنصر بالشعارات الباهتة والأماني الكاذبة والأفكار الكاسدة والحلول المستوردة، إنما تنصر برجال العقيدة الصابرين الثابتين الذين أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله" أخرجه مسلم. 

 

والله الموفق .

 

 

لؤي الشوربجي

 

.