دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

نصائحُ وضوابطُ ينبغي التسلحُ بها في خِضَمِّ الفتن والنوازل.

نصائحُ وضوابطُ

ينبغي التسلحُ بها في خِضَمِّ

الفتن والنوازل

 

إعـداد

عبد الناصر أبو مصطفى البغدادي

 

 

الحمد لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واستنَّ بسنَّتِه  ..  وبعد :

 

نعيشُ في هذه الأيامِ فتنةً دَهْماء طالتِ الكثيرَ مِن الناسِ بشرِّها، وكشَّرَت لكثيرٍ عن أنيابها، فلا زالَ المخلصون الصادقون ما بين حزنٍ وأسىً على ما حلَّ بالأمة، وما بينَ خوفٍ مِن أنْ تَطالَ الفتنةُ حيزاً اكبر.

لذا، وانطلاقاً من قولِ اللهِ تعالى: }وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً{ (الأنفال:25) وقولِ النبيِّ r: ((لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).([1]) فنرى أنه يجبُ علينا التناصحُ أولاً، والتعاونُ على وأدِ الفتنة ثانياً.

فهذه نصائحُ وضوابطُ لكلِّ مسلمٍ باحثٍ عن الحقِّ، حاولتُ جهديَ استخراجُها من كلام الله تعالى ورسولِهِ r، على سبيل وفهم الصحابة وسائرِ السلف الصالح، مسترشداً بكلامِ كِبارِ الأئمة من أهل العلم.

نصائحُ وضوابطُ تُهذِّبُ وتُقوِّمُ سلوكَنا في خضم الفتن والنوازل ـ فضلاً عمّا سواها ـ، وتَعصِمُ بإذن اللهِ تعالى من زَلَّة القدم وانحرافِ الوِجهَةِ عن الصراط، سائلين الله تعالى أن يُعافيَنا من الوقوع في مَسَاخِطِه، وألَّا يرانا إلا في مراضيه.

لكني وقبلَ البدء بسردها أودُّ أن أُذكِّرَ كلَّ قارئٍ بضرورة التجرُّدِ للحقِّ، فما تراهُ صواباً موافقاً كلامَ الله ورسوله r فعَضَّ عليه بالنواجذ، فواللهِ يا أخي الكريم! ما حملني لكتابة هذا إلا أني أُحبُّكَ في الله، وأحبُّ أنْ ندخلَ الجنةَ يداً بيد، وإنْ وجدتَ خلافَ الحقِّ، فاعْرِض عنه، واعلم بأنِّي أنتظرُ ناصحاً مُرشداً كريماً؛ يطرقُ قلبي لِنُصَوِّبَ الخطأَ ونَسُدُّ الخللَ، ونسأل اللهَ أن يغفر لنا ويعفوَ عنا.

وهاكمُ هذه النصائحُ والضوابطُ فيما ينبغي علينا أن نتسلحَ به في خِضَم الفتن والنوازل:

 

أولاً: الرجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه، العالِمين بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وإياكم وأهل البدع والجهالة:

 

قال الله تعالى: }فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{(النحل:43).

فمَنْ يَنفِي عنّا ما حَرَّفَهُ أو أوَّلَهُ أهلُ الأهواء والضلالاتِ مِنَ النُّصوصِ الشرعيةِ إنْ لم يكنْ حَمَلَةُ العلم؟ قال رسول الله r: ((يَحمِلُ هذا العِلمَ مِنْ كلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنفونَ عنه تَحريف الغَالِينَ، وانتحالَ المُبطلينَ، وتأويلَ الجَاهِلينَ)).([2])

 

- حقُّ أهلِ العلمِ حقُّ الأمّةِ:

ونُذكِّرُ هنا بأنَّ الحديثَ عن أهل العلمِ ليس المرادُ منه بيانَ رُتبتهم فحسب، وإنما هو حديثٌ عن بقاء أو زوال الأمة !، كيف لا ؟، فالعلماءُ إن حمَلوا الحقَّ، ونشروه، كان الثباتُ للأمةِ والعِزُّ، وإلا فبخلاف هذا يكونُ الجهلُ والباطلُ، الذي يقود الأمةَ إلى الذُّلِّ أو الزوال، وعليه فالحديثُ عن حقوق أهل العلم إنما هو حديثٌ عن الأمة !.([3])

 

- دورُنا مع أهل العلم:

ثم نسمعُ الكثيرَ يتسائلُ: "أين دورُ المشايخ والعلماء في هذه الفتن؟" وليَسمح لي أخي السائلُ الكريمُ أن أقابلَ سؤالَه بسؤالٍ: وأين دورُنا نحن مع أهل العلم؟ وأين هي حقوقُ أهل العلم؟، فتأمل معي أخي الكريم؛ ألا ترى أن دورَ المشايخ والعلماء ينطلقُ من المكانة التي يعطيها لهم الناس!؟ فكم من الأمة اليوم يُنقصونَهم قدرَهم، ولا يرفعونهم إلى الدرجات التي رفعهم لها اللهُ؟، فضلاً عن الكثير الذين يكيلون الاتهامات لهم، وينتقصونهم في أعراضهم، لماذا ؟ لمجرد أن أفتوا بخلاف توجُّهاتهم أو أهوائهم. والله المستعان.

 

-  لا تكن مانعاً لكلام أهل العلم:

ومن هنا أنتقل بك لتتأمل معي تلك الحيرة التي يعيشها طلبةُ العلم والدعاةُ اليوم إزاء ما ينبغي عليهم، كيف لا؟ وأحدُهم إنْ تكلّم بالحق هنا أسخط عليه التوجُّه الفلاني، وإن تكلّم بالحقّ هناك أسخط عليه التوجُّه الآخر، وأنا لا أقولُ أنه يخشى لومةَ لائمٍ، بل يَخشى أن يكون ممن يزيدون الفتنةَ اشتعالاً في وقتٍ كان الأحرى إخمادُها !، فكيف ـ والحالُ هذه ـ للحليم أن لا يُصبح حيراناً؟.

 

- هل ميّزتَ أهلَ العلمِ عن غيرهم؟

" شباب الإسلام ! إن مما يزيدُ الفتنةَ استعاراً، والخلافَ شقةً، والجماعةَ تناحراً وتفرقاً، إذا وُكِلَ الأمرُ في الفتن إلى غير العلماء، وخرجت الآراءُ من هنا وهناك ... ويبلغُ الشرُّ والفسادُ أوجه إذا رُميَ العلماءُ بالتُّهَم والطَّعن في فِقههم، بل وفي عقائدهم".([4])

ونجدُ "بعضَ الناس قد يُؤتى قُدرةً في الاستقراء والتَّتبُّع والسَّبْر والتَّقسيم لحال واقع المسلمين، وما يُكَادُ لهم مِن أعدائهم، وعنده مَلَكَةٌ في التعبير بلسانه أو بنانه عن تحليل تلك الأخبار وبيانها مُفصَّلةً مُرتَّبة، ولا شك ولا ريب أن هذا نوعٌ من الموهبة والفطنة، ولو أن ذلك المستقرئ والمتَّتبِّعَ وَقَفَ عند هذا الحدِّ لقُضِيَ الأمرُ، لكنَّ المصيبة ها هنا أن ذلك الكاتبَ المُحلِّلَ لواقعِ المسلمين وكيدِ عدوِّهم يُنصِّبُ نفسَه عالِماً مُفتياً، فيقومُ بإصدار الحلول الشرعية ـ في زعمه ـ مع أنه ليس له حظٌّ من العلم الشرعي، بل لم يُعرَف بمجالسةِ أهل العلم، فضلاً عن جهله بمقاصد الشريعة، وإذا كان ذلك كذلك فكيف يُخوِّل لنفسه مقامَ القضاء والفُتيا ؟، فيا أسفاً على شباب ذي همة عالية يجعلون مثلَ أولئك قدوةً لهم في أحكامهم !، ويزداد الأسى والأسفُ والحسرة إذا عدُّوا أولئك من العلماء !، وتبلغ المصيبةُ أوجها إذا هُمِّشَ العلماءُ الراسِخون لأجل أولئك الكَتَبَة".([5])

وقِسْ على ذلك غيرَه؛ فبعضُ الناس إذا رأى على شخصٍ الهديَ الظاهرَ ووَجد منه العبادةَ الحسنة، أنزَلَهُ منزلةَ أهل العلم، وبعضُ الناسِ يتأثَّرُ بواعظٍ أو خطيبٍ يأسرُ القلوبَ بأسلوبه، خاصةً لو كان ذا رقةٍ، أو كان يُحاكي عواطفَ الناس من خلال عرضه لما يستهويهم، فتراهم يُنزِلونه مَنزلةَ العلماء.

ولا يَخفى أنَّ كلَّ ما تقدّمَ مِن أوصافٍ على ما فيها من فضلٍ إلا أنها ليست مما يُمَيَّزُ بهِ العالِمُ عن غيرِه، فلربما يتحلَّى بها العالِمُ أو قد لا تَجد بعضها فيه، فهي شيءٌ والعلمُ شيءٌ آخر، إنما يُعرفُ أهلُ العلمِ بما يحملونه من علمٍ، مع مستلزماته كالعملِ به والخشوع والخضوع لله وحده.

 

ثانياً: الاجتهاد في العبادات:

 

-  الوقايةُ من الزَّلل في الفتنِ:

ففي العبادةِ تثبيتٌ للعبد، وحفظٌ من الفتن، بخلاف الغافل المقصِّر فإنه يُخشى عليه أن تزلَّ قدمُه. قال الله عز وجل: }وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً{ (النساء: 66-68)، فمَن حافظَ على أوامر الله حفِظَهُ الله وثبَّته، قال رسولُ الله r: ((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))([6]).

 

-  فضلُ العبادةِ في الفتنِ:

كما وأن للعبادة وقتَ الفتن شأناً وفضلاً خاصّاً، قال r: ((عِبَادَةٌ فِي الهَرْجِ([7]) كَهِجْرَةٍ إلَيَّ)).([8])

قال الإمامُ أبو بكرٍ بن العربي: "وجه تمثيلِهِ بالهجرةِ أنَّ الزَّمنَ الأوَّلَ كان الناسُ يَفِرُّونَ فيه مِن دارِ الكُفرِ وأهلِهِ إلى دارِ الإيمانِ وأهلِهِ، فإذا وقعتِ الفِتنُ تعيَّنَ على المرءِ أنْ يَفِرَّ بدينِهِ مِن الفتنةِ إلى العبادةِ، ويهجُرَ أولئك القومَ وتلك الحالةَ، وهو أحدُ أقسامِ الهِجرةِ".([9])

وقال الإمامُ النوويُّ: "وسببُ كثرةِ فضلِ العبادةِ فيه: أنَّ الناسَ يغفلونَ عنها ويَشتغِلونَ عنها، ولا يتفرَّغُ لها إلا أفرادٌ".([10])

 

ثالثاً: حذار أن تكونَ حطباً للفتنة.

 

سواء أكان ذلك بالقلب أو بالكلام أو بالفعل (سفك دم مسلم):

 

(1) إياك وقَبول الفتنة ولو بقلبك:

فالقلبُ الذي يتقبّل الفتنةَ مرةً يُستدرجُ للأخرى، حتى تتمكَّنَ الفِتنُ من قلبه بشكل كليٍّ، فتنكسُ الفطرةُ عنده، ويصبحُ على خطرٍ عظيم، فعَنْ حُذَيْفَةَ t أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا([11]) نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا([12]) فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا([13]) كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا([14]) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ .. الحديث)).([15])

 

(2) ولا تكنْ حطباً للفتنة بالكلمة:

سواءٌ أكانت الكلمةُ مسموعةً أو مقروءةً، فإنَّ وَقْعَ اللِّسانِ في الفتنةِ أشدُّ مِن وَقْع السِّلاحِ، قال النبيُّ r في الحديث المشهور لمعاذِ بنِ جبلٍ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)).([16])

 

 

- ومن أخطار اللسان: (التساهلُ في تناقل الأخبار والإشاعات)

فهذا ينفي، وآخر يُثبت، وهذا يُشكِّكُ، والآخر يؤكِّد، فكم بريء قد اتُّهم، وكم من متَّهم قد بُرِّيء، حتى اختلط الحابلُ بالنابل.

يقول الله تعالى مُحذِّراً من تناقل ما لا علمَ لنا به: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾(النور:15)، ما أعظمها من آيةٍ تُغلِّظ من أن يتلقّى اللِّسانُ عن اللِّسانِ بلا تَدبُّرٍ ولا تَفحُّصٍ، حتى لَكأنَّ القولَ لا يَمرُّ على الآذان، ولا تتملاه الرُّؤوسُ، ولا تَتدبَّرُهُ القلوبُ! بل تتلقاه الألسنة وتقوله الأفواه بلا وعي ولا عقل.

-  ضوابط نقل الأخبار والإشاعات:

لِعِظَمِ وخطورةِ ذلك وَضعَ أهلُ العلم للتعامل مع الأخبار أو الإشاعات ضوابطَ،([17]) يمكنُ تقسيمُها بالإجمال إلى قسمين؛ قسم ينبغي مراعاتُه مِن قبل ناقل الخبر أو الإشاعة، والآخر مِن قِبل الذي نُقِلت إليه الإشاعة:

أولاً: بالنسبة لناقل الإشاعة.

فعليه أنْ يُراعيَ ما يأتي:

1ـ أنْ يَتذكَّرَ بأنه مُحاسَبٌ على كلِّ كلمةٍ يقولُها:

فلا يغيبُ عنه قولُه تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{(ق:18).

2ـ أنْ يُجَنِّبَ نفسَه أسبابَ الخوضِ في الإشاعات، ومنها:

أ ـ الشعورُ بالنَّشوةِ عندما يَرى إصغاءَ السامعينَ له وإشخاصَ أبصارِهم إليه، والتَّلَهُّفَ والتَّشَوُّقَ لكلِّ كلمةٍ يقولُها. وهذا من الخطورةِ أنه يُدخِلُ في الرِّياءِ وحبِّ الشُّهرة كما لا يَخفى.

ب ـ التنفيسُ عمَّا يجولُ في صدرِه من مشاعر وعواطف، وهذا مسلكٌ خطيرٌ قلّما ينجو منه أحدٌ إلا مَن رحِمَ ربُّك، فقد يكونُ الدافعُ للكلامِ هو مُجرَدُّ حبِّهِ لشخصٍ أو جهةٍ ما، وذلك في حالةِ كان الخبرُ ينصرُ محبوبَه، أو قد يكونُ الدافعُ مجرَّدَ بُغضِهِ لشخصٍ أو جهةٍ ما، في حالة كان الخبرُ يُشوِّهُ مَن يُبغِضُهُ، يقول الله تعالى: }وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ{(البقرة:235).

3ـ أن يتثبَّتَ من صِحَّة الخبرِ أو الإشاعة:

قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{(الحجرات:6)، وقال رسولُ الله r:  ((بئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ (زَعَمُوا))).([18]) وقال r: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)).([19])

-  حتى مَن نقلَ الخبرَ دونما قصدِ الكذبِ فيشمَلُهُ الوعيدُ على الكذبِ:

قال الإمام المناوي ـ وهو يشرحُ هذا الحديث ـ: "أي إذا لم يَتثبَّتْ، لأنه يسمعُ عادةً الصِّدقَ والكذِبَ، فإذا حَدَّث بكلِّ ما سَمعَ، لا محالةَ يكذبُ، والكذبُ: الإخبارُ عن الشيءِ على غيرِ ما هو عليه، وإنْ لم يتعمَّدْ، لكنَّ التعمُّدَ شرطُ الإثمِ".([20])

-  فكيف لو تَرتَّبَ على نقل الخبر طعنٌ في مؤمن.

فكثيراً ما نرى اليومَ جرأةً بتوجيه الاتِّهامات للأشخاص دونما تثبّت، ولْنتَأمَّلْ قولَ النبيِّ r: ((مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الخَبَالِ([21]) حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا)).([22])

4ـ أنْ يَحذَرَ مِنَ التَّـزَيُّدِ في الكلامِ.

وردَ عن الإمام شعبة بنِ الحجَّاح ـ أمير المؤمنين في الحديث ـ أنَّه توقَّفَ عن تحديثِ شابٍّ لمَّا عَلِمَ أنّه قاصٌّ، وقال له: "إنَّا لا نُحدِّثُ القُصَّاص". فلما سُئل عن السبب قال رحمه الله: "يَأخُذُونَ الحديثَ مِنّا شِبراً، فيَجعلُونَهُ ذِراعاً".([23])

فتأمل أخي الكريم كيف كان سلفُنا يمنعونَ حديثَ رسولِ الله r عمَّن قد يزيدُ فيه ما ليس منه، وإن كان هذا في الحديثِ والعلوم الشرعية فكيف بمَن زادَ في أخبار الناس!؟([24])

ويَصعبُ علينا بل ويُؤسفُنا أنَّ أكثرَ الناسِ اليومَ لو سمعوا منك الخبرَ شبراً لعاد عليك أمتاراً وربما أميالاً، وذلك أنّ أحدَهم تراه عند سماع الخبر، يسارع بنقله ويزيدُ عليه تحليلَه الشخصي، فيقومُ المستمعُ بدوره بنقل الخبر وجعلِ التحليلِ حقيقةً واقعةً، ويزيدُ عليه تحليلاً جديداً، وهكذا !.

5ـ أن يراعيَ المصلحةَ أو المفسدةَ المترتبةَ على نقل الإشاعة:

فليس كلُّ ما يُعلمُ يُقالُ، وليس كلُّ ما يُقالُ في حالٍ يُقال في كلِّ الأحوال، بل الحكمةَ الحكمة، قال النبيُّ r: ((وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).([25])

فلا يُكتفى بمجرد التأكد من صحَّة الخبر أن يُسارَعَ في بثـِّه، وإنما لا بدَّ مِن أنْ يُراعى ما ستؤولُ إليه الأمورُ؛ خاصةً أوقاتَ الفتن، هل ستزدادُ وتؤجَّجُ الفتنةُ بنقل هذا الخبر؟ أم أنها ستُخمدُ؟ سؤالٌ مهم، ومصلحةٌ عالية لا بدَّ من أخذها بنظر الاعتبار، فليس كلُّ حقٍّ يُذاع، بل نضعُ نُصْبَ أعيُنِنا هذه المصلحة، وكم هم الغافلون عنها !.

ومن الحكمة في نقل الأخبار أنْ يُفرَّقَ بين المجالس والجلساء، فبعض المجالس قد تشملُ غوغاءَ ورَعاعَ الناسِ الذين لو حمَّلتهم الخبر حمَلُوه محامِلَ مريبة، وطاروا به في كلِّ أُفُقٍ، فتستفحلُ الأمور، ويتسع الخَرْقُ على الرَّاقِع.

ومن جميل ما نُقل عن صحابة رسول الله r في هذا ما ثبت أن عمرَ بن الخطاب t لمّا أراد أن يقوم في موسم الحجِّ للناس يتكلم فيه عن خبرٍ بَلَغَهُ يطعن في خلافة الصديق t حيث تمَّت له البيعةُ في عجلة، فقَالَ له عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوفٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا تَفعَلْ، فَإِنَّ المَوسِمَ يَجمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ، وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا.

فَقَالَ عُمَرُ t: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ.([26])

فتدبر أخي كيف أشار عبدُ الرحمن على عمرَ رضي الله عنهما بتأخير الكلام عن تلك القضية ـ مع بالغ أهميتها ـ درءاً للمفسدة التي يُتوقَّع حدوثُها.

6ـ أن يستشيرَ أهلَ العلم والحكمة:

فإنهم أدرى بالمصلحة، ووردَ في بعضِ طُرُق حديث عبدِ الرحمن بنِ عَوفِ وعمر رضي الله عنهما، أنّ ابنَ عوف قال لعمرَ: "وَتَخْلُصَ لأهلِ الفِقهِ وَأَشرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأيِهِم".([27])

نعم أخي الكريم.. فوَاللهِ إنَّ الخيرَ كلَّ الخيرِ في الرجوعِ لأهل العلم، قال الله تعالى: }وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخـَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً{(النساء:83)، قال الإمامُ السَّعدِيُّ في تفسير هذه الآية: "هذا تأديبٌ مِنَ اللهِ لعبادِه عن فعلهم هذا غيرِ اللائق، وأنه يَنبغي لهم إذا جاءَهم أمرٌ مِنَ الأمورِ المهمّةِ والمصالحِ العامّةِ ما يَتعلَّقُ بالأمنِ وسرورِ المؤمنين، أو بالخوفِ الذي فيه مصيبةٌ عليهم، أنْ يَتثبَّتُوا ولا يستعجلوا بإشاعةِ ذلك الخبر، بل يَردُّونَه إلى الرسولِ وإلى أُولي الأمِرِ منهم؛ أهلِ الرّأيِ والعِلمِ والنُّصْحِ والعَقلِ والرَّزَانَةِ، الذين يعرفونَ الأمورَ ويعرفون المصالحَ وضِدَّها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين وسروراً لهم وتَحرُّزاً مِن أعدائِهم فعلوا ذلك، وإنْ رأوا ما فيه مفسدةٌ أو فيه مصلحةٌ ولكنَّ مضرَّتَه تَزيدُ على مصلحتِهِ لم يُذيعوه".([28])

وجعلَ اللهُ تعالى في هذه الآياتِ الوقوعَ في هذا الأمرِ من اتِّباعِ الشيطان، فتأمّل.

7ـ أن يكونَ قصدُه سليماً، لا لَوْثَ فيه.

8ـ أنْ يَحُثَّ المَنقُولَ لهم (المستمِعينَ له) على التَّثبُّتِ والتَّرَوي:

 وذلك لأنه سيكونُ مصدَرَهم عند نقلهم عنه، وكلُّ ما يَخرجُ منهم مَحسوبٌ عليه.

وعندما عاد عمرُ بنُ الخطّابِ إلى المدينة في حديث البخاري السابق فخطب الجُمُعةَ وكان فيما قال: ((أمَّا بَعدُ، فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُم مَقَالَةً قَد قُدِّرَ لي أنْ أَقُولَها لا أَدرِي لَعَلَّهَا بَينَ يَدَي أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَليُحَدِّثْ بها حَيْثُ انْتَهَتْ بهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لا يَعْقِلَهَا فَلا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ...)).([29])

 

ثانياً: بالنسبة للمنقول له (أي الذي نُقِلت له الإشاعة).

فعليه:

1ـ أن يُجَنِّبَ نفسَه أسبابَ الاستماع للقيل والقال، الإشاعات:

وأبرزُ هذه الأسبابِ: (حبُّ الفُضول)، فالإنسانُ بطبعه يُحبُّ أن يطَّلِعَ على أخبارِ كلِّ الناس، وثبتَ عن النبيِّ r أنه قال: ((إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)).([30]) قال الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ وهو يشرحُ معنى (قيل وقال): "الحديثُ بما لا معنى له، ولا فائدةَ فيه، مِن أحاديث النَّاسِ التي أكثرُها غِيبةٌ ولَغَطٌ وكَذِبٌ، ومَن أكثرَ مِنَ القيلِ والقالِ مع العامَّةِ لم يَسلمْ مِنَ الخوضِ في الباطلِ، ولا مِنَ الاغتِيابِ، ولا من الكَذِبِ، والله أعلم".([31])

2ـ أن لا يبادر بتصديق الإشاعة فوراً:

إلا إنْ قامت الأدلةُ والقرائنُ أكملَ قيام، وإلا فإنْ كانَ مستندُ الكلام مجرَّدَ ادِّعاءاتٍ، فقد تقدّم القولُ في التغليظ على مَن كانت مطيَّتُه ادِّعاءَ وزَعْمَ الناس فحسب.

3ـ أنْ يُذَكِّر الناقِلَ بالله تعالى:

ويُحذِّره من مغبَّة القولِ بلا علم، وأنه مُحاسَبٌ ومُؤاخذٌ على كل كلمة يلفظ بها، بل ويُذَكِّرَه بسائر ما تقدَّمَ من النصائح والضوابط التي ينبغي على ناقِل الإشاعة مراعاتُها.

4ـ أن يقتفيَ خَطَّ سيرِ الإشاعة:

 ذلك بتتبُّعِ مصادرِ الخبر، والوصول إلى جذوره (مُطلِقيه)، ولهذا التتبُّعِ فوائدُ عديدة، منها:

ـ أنَّ فيه تثبُّتاً مِن صحّة الخبر.

ـ أنَّ فيه نوعَ مُحاسبةٍ لِمَن يتناقلُ الأخبارَ بغير تثبُّتٍ، فإذا ما وجدَ مَن يُسائلُه عن مصدرِ أخباره يتوخَّى الحذرَ عند نقله الخبر أو يُمسكُ عن نقله أصلاً، وفي كلٍّ خير.

5ـ أن لا يُخاصِمَ ويُجادِلَ بغير علم:

فكثيرٌ ما نرى في المجالسِ أُناساً يتحدّثون بأخبار معينة، وآخرون في المجلس نفسه يعترضونَ، ليس لشيءٍ إلا أنّ الخبر قد مسَّ ما ينتمي إليه من توجُّهٍ أو ما يميلُ إليه، وليس عن علمٍ، فهو لا يَعرفُ صدقَ الخبر مِن كَذِبه، ولا عن التِزامٍ منه بالضوابط الشرعية، بدليل أنك تراه يردُّ بأخبار مضادَّةٍ لتلك وبنفس المكيال!، ثم سرعانَ ما تبدأُ بينهما مرحلةٌ جديدةٌ هي كيلُ الاتهامات بين بعضهم البعض، وقد يتطوَّرُ الأمرُ لأكثرَ من هذا.

وكلُّ هذا من الجدلِ والمِراء المنهيِّ عنه، بل ورغّضبنا رسولُنا ومُعلِّمُنا محمدٌ r بفضلِ ترك الجدال والمراء وإن كنا على الحقِّ، وأفضلُهُ حسَّنَ خُلُقَه وجادلَ بالتي هي أحسن، فقال r: ((أَنَا زَعِيمٌ([32]) بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ([33]) لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)).([34])

6ـ حُسْنُ الظَّنِّ بالمنقولِ عنه إن كان مِن أهل الخير والصلاح:

فإذا كانت الإشاعةُ عن شخصٍ موسوم بالخير فينبغي أن تُحمَلَ على مَحمَلٍ الحسن، وأنْ يُلتمسَ له العُذر إذا كان للعذرِ مبررٌ شرعيٌّ صحيح.

فاللهُ تعالى يأمُرُنا في مجال تناقل الأخبار التي تطعنُ بالمسلمين أنْ نظنَّ بهم خيراً، ونظُنَّ بالخبر أنه كذِبٌ، ونطالبُ بما تقومُ به البيِّنَةُ على صدقِ المُخبِرِ، وفإن لم تقمْ بَيِّنَةٌ فقد حكمَ اللهُ تعالى عليهم بأنهم هم الكاذبون، قال الله تعالى أثناء الحديث عن حادثة الإفك: }لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{(النور: 12ـ13).

7ـ نصيحةُ المنقولِ عنه:

فإن صحَّ الخبرُ، فعليه أن يتوجَّه بالنصيحة للمُشاعِ عنه ما أمكنه لذلك سبيلاً، ولا ننسى أن النّصيحةَ هي من الدِّينِ، بل ديننُا هو النصيحةُ، قال النبيُّ r: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قيل: لِمَن؟ قَالَ: ((لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)).([35])

 

-  ومن أخطار اللسان: (الحُكمُ بالرِّدَّةِ والكُفرِ على المسلمين)

 

جاءت نصوصُ الوحيينِ متكاثرةٌ في بيان خطورة الحكمِ على المسلمين بالكفر والرِّدة، منها قولُهُ تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً{(النساء:94)، كما وتواترت الأحاديثُ في النهي عن تكفير المسلم بغير حق، منها قول النبي r: ((أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ (يَا كَافِرُ) فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ! وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ)).([36]) وقوله r: ((وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ)).([37]) وقولُهُ r: ((إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُم؛ رَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ حتَّى إذَا رَئَيْتَ بَهْجَتَهُ عليهِ وكَانَ رِدْءاً([38]) للإسْلامِ، انسَلَخَ مِنهُ، ونَبَذَهُ وراءَ ظهرِهِ، وسَعَى على جارِهِ بالسَّيفِ ورَمَاهُ بالشِّركِ)) . قيل: يا نبيَّ اللهِ أيُّهما أولى بالشِّركِ؛ الرَّامِي أو المَرْمِي؟ قال: ((بَل الرَّامِي)).([39])

فهذه النصوصُ وغيرُها فيها التحذير الوعيد الشدِيدَين لِمَن كَفَّر أحداً من المسلمين وليس هو كذلك، وهذه الحمايةُ الكريمةُ، والحصانةُ العظيمةُ للمسلمين في أعراضهم وأديانهم من أصول الاعتقاد في ملة الإسلام.

ذلك أنَّ التكفيرَ حكمٌ شرعيٌّ، ومردّه إلى اللهِ ورسولِهِ r، وهو مِن تَخصِّص كِبارِ أهل العلم، لأهليَّتِهم في التَّحقُّقِ من توافر شروطِ وأسبابِ التكفير، ومن دلالة النصوص الشرعية على كُفره بشكلٍ واضح لا شُبهةَ فيه، مع انتفاء الموانع كلِّها، فإن كانت الحدودُ تُدرأ بالشبهات، فالتكفيرُ أولى.

فلا يجوز التسرَّعُ بالتكفير، بل هو من أخطر الأمور، وتبرزُ خطورتُه من حيثُ ما يترتبُ عليه من استحلالِ الدمِ والمالِ، ومنع التوارثِ، وفسخ عقدِ النكاح، فضلاً عن إنَّ الخطأَ فيه يُعرِّضُ صاحبَه للحكم ذاته (الكفر)، كما تقدم في النصوص السابقة.

لذا جمعَ أهلُ العلم أصولاً وضوابطَ لابدّ من مراعاتِها قبل إطلاقِ حُكم التكفير، وتركُها يوقعُ في الإفراطِ الذي وقعت فيه الخوارجُ أو التفريطِ الذي وقعت فيه المرجئة؛ فالخوارجُ كفَّرت مُرتكبَ الكبيرةِ، والمرجِئةُ أخرجت العملَ عن حقيقةِ الإيمان، ومِن أبرز هذه الأصول والضوابط:([40])

1ـ التكفيرُ حكمٌ شرعيٌّ لا مدخل للرأي المجرد فيه، لأنه من المسائل الشرعية لا العقلية، لذا صارَ القولُ فيه مِنْ حقِّ اللهِ تعالى ورسوله r، لا مدخل للرأي فيها.

2ـ للحكم بالرِّدَّةِ والكفرِ مُوجِباتٌ وأسبابٌ هي نواقضُ الإيمانِ والإسلام،([41]) من اعتقاد، أو قول، أو فعل، أو شك، أو ترك، مما قام على اعتبارِه ناقضاً الدليلُ الواضحُ الصريحُ من الكتاب أو السنة، أو الإجماع.([42])

3ـ كما وللحكمِ بالرِّدَّةِ والكفرِ شروطٌ وموانعُ.

فيُشترطُ إقامةِ الحُجَّةِ الرِّسالِية التي تُزيلُ الشُّبهَةَ.

والموانِعُ: كالتأويلِ، والجَهلِ، والخَطأِ، والإِكرَاهِ. (على تفصيلٍ في بعضها).

4ـ التفريقُ بين التَّكفيرِ المُطلقِ، وبين تكفيرِ المُعيَّنِ.

فالمطلقُ هو: التكفيرُ على وجه العموم في حقِّ مَن ارتكب ناقضاً مِن نواقضِ الإسلام، فإنَّ الاعتقادَ أو القولَ أو الفعلَ أو الشَّكَّ أو التَّرْكَ إذا كان كفراً فإنه يُطلقُ القولُ بتكفيرِ مَن اعتقدَ ذلك المعتقدَ، أو مَن فعلَ ذلك الفعلَ، ... وهكذا، دون تحديدِ مُعيَّنٍ به.

وأما المُعيَّنُ إذا قال أو فَعَلَ كُفراً، فيُنظرُ قبلَ الحُكمِ بكُفرِهِ بتوَفُّرِ الشروط وانتفاء الموانع في حقِّه، فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع حُكِمَ بكفرِهِ ورِدَّتِهِ، فيُستتابُ، فإن تابَ وإلا قُتل شرعاً.

5ـ شُعبُ "الإيمان" مُتعدِّدة، ورُتَبُها متفاوتة؛ أعلاها قولُ "لا اله إلا الله" وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق،([43]) وهذه الشُّعَبُ منها ما يَزُولُ الإيمانُ بزوالِها كشعبة شهادة لا إله إلا الله، ومنها ما لا يزولُ بزوالها، كترك إماطة الأذى.

وكذلك "الكفر" الذي هو في مقابلة الإيمان، ذو شعبٍ مُتعدِّدة ورُتَبٍ مُتفاوتة؛ أشنعُها "الكفر المخرج من الملة" مثل: الكفر بالله، وتكذيب ما جاء به النبي r، وهناك كفرٌ دونَ كُفرٍ، ومنه تسميةُ بعضِ المعاصي كُفراً.([44])

وعليه فلا يلزم من قيامِ شُعبةٍ مِن شعب الكفر بالعبد، أن يصيرَ كافراً الكُفرَ المُطلَقَ النَّاقلَ عن الملّة، حتى يقومَ به أصلُ الكفر بناقضٍ من نواقض الإسلام الاعتقادية أو القولية أو العملية عن الله ورسوله r لا غير.

كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يكون مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان.

فالواجبُ وضعُ النصوصِ في مواضعها، وتفسيرُها حسبَ المرادِ منها، مِن قبل العلماء العاملين الراسخين، وعلى الناصِحِ لنفسِهِ أنْ يحسَّ بخطُورةِ الأمرِ ودقَّتِهِ، وأنْ يقِفَ عند حدِّه، ويَكِلَ العلمَ إلى عالِمِهِ.

6ـ ولِكلِّ ما تقدَّمَ كان مردُّ إصدارِ الحكمِ بالتكفير إلى العلماءِ الرَّاسخين في العلم الشرعي المشهودِ لهم به، وبالخيرية والفضْل، وليس مَرَدُّهُ لكلِّ أحدٍ مِن آحاد الناس أو جماعاتهم.

أما ما نراه اليومَ مِنَ الخوضِ مع الخائضين في هذا الأمر الخطير في المجالس الخاصة، والمجتمعات العامة، وفي الصحف والمجلات وغيرها، من غير ضوابطَ شرعية ولا قواعد علمية ولا أدلة قطعية، فهذا تصرُّفٌ يأباه اللهُ ورسولُه والمؤمنون، وفاعلُهُ مأزورٌ غيرُ مأجور.

واللهُ تعالى يُحذِّرُ من الاتِّباع بغير علمٍ؛ }وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً{(الإسراء:36). ومِنَ القولِ على الله بغيرِ علمٍ؛ }قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{(الأعراف:33).

-  وأخطرُهُ مع وُلاة الأُمور:

وتزدادُ خطورةُ التكفير مع وُلاة الأمور، وذلك لازدياد ما يترتبُ عليه من مخاطر، (تمرُّدٍ، وحملِ سلاحٍ، وإشاعةِ الفوضى، وسفكِ الدماء، وفساد العباد والبلاد)، لذلك نجد النبيَّ r يمنع مُنابَذَتَهم ومُنازَعَتَهم المُلكَ إلا بشروطٍ شديدة، كما في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ لما ذَكَرَ مُبايَعَتَهم للنبيِّ r قال: فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، ((إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)).([45])  فأفاد قوله: (إِلَّا أَنْ تَرَوْا): أنه لا يكفي مجرّدُ الظنِّ والإشاعةِ، وأفاد قولُه: (كُفْرًا) أنه لا يكفي الفسوقُ ولو كَبُرَ، كالظلمِ وشرب الخمر، ولعب القمار، والاستئثار المحرم، وأفاد قولُه: (بَوَاحًا) أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح، أي صريح ظاهر، وأفاد قولُه: (عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) أنه لا بدَّ من دليلٍ صريحٍ، بحيثُ يكونُ صحيحَ الثبوت، صريحَ الدلالة، فلا يكفي الدليلُ ضعيفُ السند، ولا غامضُ الدّلالة، وأفاد قولُه: (مِن اللهِ) أنه لا عِبرَةَ بقول أحدٍ مِن العلماء مهما بلغت منزلتُه في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليلٌ صريحٌ صحيحٌ من كتاب الله أو سنّة رسوله r، وهذه القيود تدلُّ على خطورة الأمر.([46])

-  إنما هي نظرةُ مآلٍ تبحثُ سلامةَ وأمنَ المجتمع المسلم:

فالأمر ليس دفاعاً عن ظُلم السُّلطانِ وجورِه، كما قد يظهرُ للوهلةِ الأولى، إنما يتعلق بأمْنِ المسلمين وسلامتهم، وهذه الحكمةُ راعَتْها النصوصُ الشرعيةُ، وصرّح بها كبار أئمة العلم، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: "وأما ما يقعُ مِنْ ظُلمِهم وجورِهم بتأويلٍ سائغٍ أو غيرِ سائغٍ، فلا يجوزُ أن يُزالَ لِـمَا فيه مِن ظُلمٍ وجورٍ ـ كما هو عادةُ أكثرِ النُّفوسِ؛ تزيلُ الشرَّ بما هو شَرٌّ منه، وتزيلُ العُدوانَ بما هو أعْدى منه ـ ، فالخروجُ عليهم يُوجِبُ مِنَ الظُّلمِ والفَسادِ أكثرُ مِنْ ظُلمِهِمْ، فيَصبِرُ عليه كما يَصبِرُ عند الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ على ظلمِ المأمورِ والمنهي في مواضع كثيرةٍ كقوله: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}(لقمان : 17)...".([47])

وتجدُ نفسَ المعاني عندما تقرأ عبارات الإمام ابن باز رحمه الله: "الخروجُ على وُلاةِ الأمورِ يُسَبِّبُ فساداً كبيراً وشرّاً عظيماً؛ فيختَلُّ به الأمنُ، وتضيعُ الحقوقُ، ولا يَتَيَسَّرُ ردعُ الظالمِ ولا نصرُ المظلوم".([48])

وهكذا كلامُ كِبارِ أهل العلمِ الرّاسخين فيه، والعارفينَ بالواقع المعرفةَ الصحيحةَ التي تراعي مآلَ الأمورِ، لا مجرّدَ النظرةَ القاصرة على بعض المصالح الآنية، أو ما هو دون هذه المصلحة الكبرى.

- بل يُردُّ المتشابهُ إلى المحكَمِ:

فالنصوصُ الشرعيةُ منها المحكمُ ومنها المتشابه، ويُرَدُّ فهمُ المتشابهِ إلى المحكم، فلا زلنا نرى مَن يستندُ في استدلالاته على نصوصٍ متشابهة، ويَحْمِلُونها على المعنى الذي يوافق أهوائهم، ولا يردُّونَها إلى النصوصِ المُحكمة، كأنْ يستدلُّ أحدُهم بنصٍّ عامٍّ دون الرجوع إلى ما يُخصِّصه من نصوصٍ صحيحةٍ، فتراهم يُعمِّمون الحكمَ مُتجاهلين أن الحكمَ خاصٌّ بأحوالٍ دون أخرى، وكذا تراهم يتعاملون مع المطلق دون الرجوع لما يُقيّده، وللمُجْملِ دون الرجوع لِما يُفصِّلُهُ، وكلُّ هذا يدخلُ في اتِّباع المتشابه الذي حذَّرَ منه النبيُّ r بقوله: ((فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ)).([49])

لذا تجدُ أنَّ أهلَ الحقِّ والأثر، أهلَ السُّنّة والجماعة، في جميع العصور والأزمنة يتميّزون عن كلِّ مَن سواهم من الفرق برجوعهم في كل المسائل إلى جميع النصوص الشرعية الصحيحة، وردِّ المتشابه منها للمحكم، وهذا مسلكٌ دقيقٌ زلَّت فيه قدمُ الكثير، نسأله تعالى أن يهدينا لِما اختُلف فيه من الحق بإذنه.

ومن الأمثلة في هذه المسألة: تسرُّعُ البعضِ بإلقاء حكمٍ واحدٍ على كلِّ مَن تعامل مع الكفار، دونما تفريق بين التَّوَلِّي، والموالاة، والاستعانة، فالتَّوَلِّي: كفرٌ، والموالاة: فِسقٌ دون الكفر، والاستعانةُ غيرُ جائزةٍ إلا بشروط.

فهذا تفريقٌ دقيقٌ غفلَ عنه الكثيرُ، وفيما يلي نصُّ كلام الشيخ صالح آل الشيخ في هذه المسألة:([50])

"* أما التولِّي؛ فهو الذي نَزَلَ فيه قولُ اللهِ جلَّ وعلا: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{(المائدة:51)، وضابط التولي: هو نصرةُ الكافرِ على المسلم وقتَ حربِ المسلم والكافر، قاصداً ظهور الكفار على المسلمين، فأصل التولي: المحبةُ التامة، أو النصرةُ للكافر على المسلم، فمَن أحبَّ الكافرَ لدينه؛ فهذا قد تولاَّه تولياً، وهذا كفر.

* وأما موالاةُ الكفّارِ في مودَّتِهِم، ومحبَّتُهم لدينِهم، وتقديمُهم، ورَفعُهُم، وهي فسقٌ وليست كفراً، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ{(الممتحنة:1)، قال أهل العلم: ناداهم باسم الإيمان، وقد دخل في النداء مَن ألقى المودَّةَ للكفار، فدلَّ على أنَّ فِعلَه ليس كُفراً، بل ضلالٌ عن سواء السبيل، وذلك لأنه ألقى المودَّةَ، وأسرَّ لهم؛ لأجل الدنيا، لا شكّاً في الدين.

ولهذا قال النبي r لِـمَن صنع ذلك: ((مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟)). قال: واللهِ مَا بِي إلا أنْ أكونَ مُؤمِناً باللهِ ورسولِهِ، أردتُّ أنْ تكونَ لي عندَ القَوْمِ يَدٌ يَدفَعُ اللهُ بها عَن أهْلِي ومَالِي... الحديث، أخرجاه في الصحيحين.([51])

فمِن هذا يتبيَّن أن مودَّةَ الكافرِ والمَيلِ له لأجلِ دُنياه ليس كُفراً إذا كان أصلُ الإيمانِ والاطْمِئنانُ به حاصلاً لِـمَن كان منه نوعُ موالاة.

* وأما الاستعانةُ بالكافرِ على المسلمِ أو استئجارُه؛ فهذا قال أهلُ العلم بجوازه في أحوالٍ مختلفة؛ يفتي أهل العلم في كل حال، وفي كل واقعة، بما يرونه يَصِحُّ أن يُفتى به.

وأما إعطاء الكفار أموالاً صدقة أو للتآلف أو لدفع الشرور فهذا له مقام آخر، وهو نوع آخر غير الأقسام الثلاثة". أ.هـ.

(3) ولا تكنْ حَطَباً للفتنةِ بالفعل:

تقدَّم معنا التحذيرُ من تشرُّبِ الفتنة بالقلب، ومِن تأجيجها بالكلمة، ونتحدّثُ هنا عن التحذير من الخوض في الفتنة بالفعل، ونخصُّ منه أعلاه وأخطره، وهو: سفكُ دمِ امرئٍ مسلم: فقد قال الله تعالى: }وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً{(النساء:93).

وخطبَ النبيُّ r النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)) أَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟)) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ ((لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).([52])

وقال r: ((لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)).([53]) 

وقال r بينما يطوف بالكعبةِ: ((مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا)). ([54])

- ولا تظنَنَّ الإذنَ بالمقاتلةِ إذناً بالقتلِ:

نعم، يجوز الدفاعُ عن النَّفسِ والمالِ والدِّينِ والأهلِ ضدَّ الصائلِ أو الكافرِ لقولِ رسولِ اللهِ r: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)).([55]) ، لكن هذا لا يعني المبادرةَ بقتلِهِ، وإنَّما الدفعُ بالأدنى ما أمكن لذلك سبيلاً، وإلا فالقتال، فقد ثبتَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ t أنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: ((فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ)). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: ((قَاتِلْهُ)) قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: ((فَأَنْتَ شَهِيدٌ)). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: ((هُوَ فِي النَّارِ)).([56])  قال الإمامُ الشوكانيُّ: فيه مِنَ الفقهِ أنَّهُ يَدفَعُ بالأسْهلِ فالأسْهَل.([57])

-  ثمّ إنَّ الإذنَ بالمقاتلةِ للجوازِ لا للوجوبِ:

قال الإمامُ الصنعانيُّ: "فهل يجوزُ له ـ أي لِـمَن يُرادُ أخذُ مالِهِ ظُلماً ـ الاستسلامُ وتركُ المنع بالقتال؟ الظاهر: جوازه، ويدلُّ له حديثُ: ((فَكُنْ عبدَ اللهِ المَقتُولَ)). ([58]) فإنَّه دالٌّ على جوازِ الاستسلامِ في النفسِ، والمالِ بالأولى، فيُحملُ قولُهُ هنا : "ولا تُعْطِهِ" على أنه نهيٌّ لغيرِ التَّحريمِ.([59])

- وليس قتالُ الصائلِ على إطلاقِهِ:

فنجدُ الكثيرَ توسّعوا في استخدام حديث الإذن بقتال الصائل، وأخذوا يُجيزون القتل لحالاتٍ بعيدةٍ عن معناه.

لذا كان لا بدَّ من التنبيه لاستثنائين لا يُباحُ معهما القتال:

أ ) شرطةُ السلطان:

قال ابنُ المنذر: والذي عليه أهلُ العلم أنَّ للرَّجلِ أنْ يَدفعَ عمَّا ذُكِرَ إذا أريد ظلماً بغير تفصيل، إلا أنَّ كلَّ مَن يُحفَظُ عنه مِنْ عُلماءِ الحديثِ كالمُجمعينَ على استثناءِ السُّلطانِ، للآثارِ الواردةِ بالأمرِ بالصَّبرِ على جورِهِ وتركِ القيامِ عليه.([60])

ب) في حال الفتن بين المسلمين:

 فالمشروعُ هنا: اتِّخاذُ سلاحٍ لا يقتلُ.

قال أبو مسلمٍ أُهْبَانُ حينما كان يُخاطبَ عليّاً رضيَ اللهُ عنهما: إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ r عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَّخِذُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ.([61])

وعَنْ أَبِي مُوسَى t عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ فِي الْفِتْنَةِ: ((كَسِّرُوا فِيهَا قَسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ، وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ)).([62])

وعن أَبَي بَكْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ((إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ)). قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: ((يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)).([63])

ـ فيا أخي الكريم! كُن مفتاحاً للخيرِ، وإياكَ أن تكونَ مفتاحاً للشر؛ قال رسول الله r: ((إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)).([64])

 

رابعاً: الالتزامُ بالعدلِ والإنصافِ في الأمرِ كلِّه.

 

يقول الله تعالى: }وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى{(الأنعام152)، وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{(المائدة8). فبيَّنتِ الآياتُ مِن أنه لا بد من العدلِ وإقامة الشهادة للهِ في جميع الأقوال والأفعالِ، وفي الحكم والقضاء والقصاص.

ومِنَ العدل والإنصاف:([65]) قَبولُ الحقِّ مِن كلِّ أحد ولو كان بعيداً بغيضاً، وردُّ الباطلِ على كلِّ أحدٍ ولو كان حبيباً قريباً، ذلكم لأنَّ الحقَّ ضالةُ المؤمن أنَّى وجده تمسّك به، وإنّ من مداخل الشيطان على بعضهم: عدمَ قَبول الكلام ـ بل وحتى سماعه ـ إذا جاء مِمَّن يُخالفُهُ في منهج أو رأي، وعلى النقيض من ذلك تراه يفتح صدره ـ قبل بيته ـ لسماع مَن يوافُقُ توَجُّهَه، ناهيك عن قَبول كلامه دون التحري فيه، وهذا عياذاً بالله من اتباع الهوى.

قال رجلٌ للصحابيِّ أبيٍّ بنِ كعبٍ t: عِظنِي، ولا تُكثِرْ عليَّ فأنْسَ. فقال له: "اقْبَلِ الحقَّ مِمَّن جاءكَ بهِ وإنْ كانَ بعيداً بغيضاً، واردُدِ الباطِلَ على مَن جاءَكَ بهِ وإن كان حبيباً قريباً".([66])

ولشيخ الإسلام رحمه الله كلامٌ قيّمٌ حول هذا المعنى، وذلك في معرضِ حديثه عن اليهودِ في تركهم متابعة النبي r لأنه ليس من قومهم، فقال: ((...وقال تعالى: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الحَقُّ ...{ الآية (البقرة:91). بعد أن قال: }وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ{(البقرة:89). فوصفَ اليهودَ بأنهم كانوا يعرفون الحقَّ قبلَ ظهور النبيِّ الناطقِ به، والداعي إليه، فلما جاءهم النبيُّ الناطقُ به مِن غير طائفةٍ يَهوونها لم ينقادوا له؛ فإنهم لا يقبلون الحقَّ إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.

وهذا يُبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفةٍ معينةٍ في العلم أو الدين، من المتفقِّهة أو المتصوِّفةِ أو غيرهم، أو إلى رئيسٍ معظَّمٍ عندهم في الدين ـ غير النبي r ـ فإنهم لا يَقبلون مِنَ الدِّين لا فقهاً ولا روايةً إلا ما جاءت به طائفتُهم، ثم إنَّهم لا يعلمون ما تُوجِبُه طائفتُهم، مع أنَّ دينَ الإسلامِ يُوجِبُ اتِّباعَ الحقِّ مُطلقاً، روايةً وفقهاً، مِن غير تعيين شخص أو طائفة غير الرسول r)).([67]) 

خامساً: لزوم الجماعة والاعتصام بحبل الله، والسمع والطاعة لولاة الأمر إلا في معصية.

- خطورةُ الفُرْقةِ:

إنَّ مِن أكبر الأمور التي فتكت بسواعدِ قوى الأمة، وشتَّتت جهودَها، هي: الاختلاف والتفرُّق، قال الله تعالى: }وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{(الأنفال:46). وقال تعالى: }وَلا تَكُوْنُوا مِنَ المُشْرِكِيْنَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{ (الروم:32)، بل أمرَ اللهُ تعالى نبيَّهُ أن يتبرّأ من الذين فرّقوا دينَهم، فقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ{ (الأنعام:159).

وبالمقابل فإنَّ مِن أكبر عوامل نُهوض وعزِّ الأمة: الاتحادَ في طاعة الله، قال الله تعالى: }وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ{(آل عمران103).

وقال الرسولُ r: ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ)).([68])

وقال r: ((مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ؛ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)).([69])

 

-  لا مَفَرَّ مِنَ الفُرقةِ إلا بالعمل بالكتابِ والسنة.

نعم فقد يتفاجئُ البعضُ بأنَّ السببَ الرئيسَ للفرقةِ هو: (مخالفةُ أوامرِ اللهِ ورسولِهِ r)، وإلا فلماذا قَرَنَ اللهُ في آيةٍ واحدةٍ بينَ الأمرِ بطاعتِهِ وبينَ النَّهيِ عن التَّنازُعِ، فقال تعالى: }وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ (الأنفال:46).

بل وتأمَّل كيفَ جعلَ الحبيبُ المصطفى r المخرجَ مِنَ الاختلافِ الذي ـ سيأتي مِن بعده ـ بالتَّمسُّكِ بسنَّتِهِ r وسُنَّةِ الخلفاء الرَّاشدين، فقال r: ((..فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ..)).([70])

كذلك مَن سبقنا مِنَ الأممِ لَـمّا تركتِ العملَ بما أمَرَهم اللهُ تعالى، كان بضمن ما عُوقبوا به أن أوقعَ اللهُ بينهم العداوةَ والبغضاء، قال الله تعالى: }وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ{(المائدة:14). قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: "فهذا نصٌّ في أنَّهم تركوا ما أُمِرُوا به، فكان تركُهُ سبباً لوقُوعِ العداوةِ والبغضاءِ المُحرَّمَين".([71]) وفي موضعٍ آخر حيثُ كان كان شيخُ الإسلام يتحدَّثُ عن الخلافِ الكبيرِ الواقعِ بين فلاسفة اليونانِ والهندِ وغيرِهم مِمَّن هم ليسوا من أهل الملل، قال رحمه الله: "فكلُّ مَن كانَ إلى مُتابعةِ الأنبياءِ أقربُ كان الخلافُ بينهم أقلُّ".([72])

-  فهمُ نصوصِ الوَحيينِ لا يَخرجُ عن سبيل السلفِ.

إن الالتزامَ بالكتاب والسنة يُشترطُ فيه أن يكونَ على سبيلِ ومنهجِ وفَهم الصحابةِ وسائرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فلا يُقدَّمُ فَهْمٌ لخَلَفِيٍّ ـ كان مَن كان ـ على مَا اتَّفقَ عليه السَّلَفُ الصَّالحُ رضوان الله تعالى عليهم، قال الله تعالى: }وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً{(النساء:115)، ولا شكَّ أن سبيل المؤمنين الذي ارتضاه الله تعالى هو سبيلُ الصحابةِ رضي الله عنهم؛ فهم الذين نزل عليهم القرآن، لذا نقل ابن أبي جمرة قول العلماء بأن المراد بـ "المؤمنين" في الآية: الصحابة والصدر الأول، وقال r: ((أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)).([73])

وأكَّدَ كثيرٌ مِنَ العلماءِ ـ المتقديمن قبل المتأخرين ـ على ضرورةِ التزامِ سبيلِ السّلفِ وفَهمِهم، وطَرْحِ ما خالفه، أذكر على سبيل التمثيل لا الحصر قولَ الإمام أبي حنيفة (المتوفَّى 150هـ): "عليك بالأثر وطريقة السلف"([74])، وقال الإمامُ الأوزاعيُّ (المتوفَّى 157هـ): "عليك بآثار مَن سلف، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول".([75])

-  لزومُ الجماعةِ:

تقدمت معنا في فقرة (خطورة الفرقة) العديدُ من الأحاديثِ التي تحثُّ على الجماعةِ ونَبذِ الفُرقةِ، وهنالك الكثيرُ غيرُها تُبَيِّنُ بمجموعِها خطورةَ هذا الأمرِ، نذكرُ منها: قولَ النبيِّ r: ((مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ؛ فَلَا حُجَّةَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ؛ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)). ([76])

- معنى الجماعة:

تُطلَقُ على الجماعةِ المنتظِمةِ بِنَصبِ الإمامةِ، ونَقل الطبريُّ([77]) الاختلافَ في أمرِ الجماعة، وقولَ بعضِهم إنَّها الصحابة،([78]) وقولَ غيرِهم إنّهم أهلُ العلم، ثم قال: "والصوابُ أنَّ المرادَ: لزومُ الجماعة الذين هم في طاعةِ مَن اجتمعوا على تأميرِهِ، ثمَّ مَنْ نكثَ بيعتَه خَرَجَ عن الجماعة". قال: "وفي الحديثِ أنَّه متى لم يكنْ للنِّاسِ إمامٌ فافترَقَ الناسُ أحزاباً فلا يَتْـبَع أحداً في الفُرْقة، ويعتزل الجميعَ إنِ استطاعَ ذلك؛ خشيةً من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزّلُ ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يُجمعُ بين ما ظاهرُه الاختلافُ منها".([79])

-  وليستْ أيُّ وَحدَةٍ:

لم يأمر اللهُ تعالى بمطلق الوحدة، وإنما قيَّدها بقوله: (بِحَبلِ اللهِ) وهو: القرآنُ والسُّنَّةُ، وإلا فلا يمكنُ شرعاً ولا عقلاً اتحادُ قومٍ قد اختلفوا في أصل دينِهِم (الوحيين)، وكانت لهم عقائدُ متباينة، لأنهم ـ والحالُ هذه ـ ستكونُ قلوبُهم شتَّى، وإن حَسِبتَهم جميعاً.

-  فلا تعني الجماعةُ الأكثرَ عدداً.

فلا يَدلُّ مطلقُ الكثرةِ على الحقِّ ـ كما قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى ـ بل إنَّ الجماعةَ مقترنةٌ بطاعة الله تعالى، ويُبيِّن لنا الصحابيُّ عبدُ الله بنُ مسعودٍ t هذا لمّا سأله عمرُو بنُ مَيْمُون: وكيف لنا بالجماعة؟ فأجابه: "يا عمروُ بنُ ميمون! إنَّ جمهورَ الجماعةِ هي التي تُفارقُ الجماعةَ، الجماعةُ ما وافقَ طاعةَ الله، وإن كنتَ وحدك".([80])، ويؤيده ما قاله الإمام إسحاقُ بن رَاهويه: "الجماعةُ: عالِمٌ متمسِّكٌ بأثرِ النبيِّ r وطريقه، فمَن كان معه وتبعه فهو الجماعة".([81])

وذكرَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ هذا المعنى ثم قال: "وقد شذَّ الناسُ كلُّهم زمنَ أحمدَ بنِ حنبل، إلا نفراً يسيراً، فكانوا همُ الجماعةُ، وكانت القضاةُ حينئذٍ والمُفتون والخليفةُ وأتباعُهُ كلُّهم همُ الشَّاذُّونَ، وكان الإمامُ أحمدُ وحده هو الجماعةَ.([82])

- السمع والطاعة لولي الأمر :

والنصوصُ في ذلك كثيرةٌ متواترةٌ، بل تشملُ كذلك مَن كان مِنَ الوُلاةِ خارجاً عن هدي وسُنَّةِ النبي r، ففي حديث حذيفة t الذي سأل فيه رسولَ الله r عن الخير والشر، وفيه أنه قال: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ r: ((نَعَمْ)) قال: كَيْفَ؟ قَالَ: ((يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ)) قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: ((تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)).([83])

وقال r: ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا، فَمَاتَ عَلَيْهِ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).([84])

إلى غيرِ ذلك من النصوصِ حتى بلغَ الأمرُ أنْ عَدَّ العلماءُ ذلكَ من الأصولِ، فقال شيخُ الإسلامِ: "ولهذَا أَمَرَ النَّبِيُّ r بِالصَّبرِ على جَوْرِ الأَئِمَّةِ؛ ونَهَى عنْ قِتَالِهِم ما أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَقَالَ: ((أَدُّوا إلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ وَسَلُوا اللهَ حُقُوقَكُمْ)). ([85]) ... ولهذا كانَ مِنْ أُصُولِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ: لُزُومُ الجَمَاعَةِ، وَتَرْكُ قِتَالِ الأَئِمَّةِ، وتَركُ القِتَالِ فِي الفِتنَةِ".([86]) وتقدَّم معنا أنّ ذلك لسلامة وأمن المسلمين، وليس دِفاعاً عن ظلمِ وجورِ الحاكمين.

-  والسمعُ والطاعةُ مُقيَّدٌ بما إذا لم يَأمُرْ بمعصية:

فإنْ أمَرَ السلطانُ بمعصيةٍ فلا سمعَ له ولا طاعة في تلك المعصية، فقد قال النبيُّ r: ((السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ)).([87])

وبيانُ ذلك أنَّ ما يأمرُ به الولاةُ على أحدِ ثلاثة أحوال:

1ـ أنْ يكونَ موافقاً لأمرِ الله ورسوله r، فهذا تجبُ طاعتُه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(النساء:59).

2ـ أن يكونَ مُخالفاً لأمرِ اللهِ ورسوله r، فهذا نقولُ فيه: سمعاً وطاعةً لله ورسوله r، ومعصيةً لهم.

3ـ أن يكونَ غيرَ موافقٍ ولا مُخالفٍ لأمرِ الله ورسوله r، فهذا تجبُ طاعتُه، لمطلقِ أمرِ اللهِ تعالى ورسولِه r بذلك.([88])

- وعدمُ طاعةِ الولاةِ في المعصيةِ لا يقتضي نزعَ يدِ الطاعة:

بل نتركُ طاعتَهم فيما أمروا من معصيةٍ فحسب، قال رسولُ الله r: ((أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ)).([89])

-  كيفيةُ إنكارِ الرعيّةِ على السلطان: ([90])

لا شكَّ أنَّ مِن أعظمِ أنواعِ الأمرِ بالمعروفِ كلمةَ حقٍّ عندَ سُلطانٍ جائر، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النّبيِّ r أنه قال: «أَفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ([91]) عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ».([92])

فإذا ارتكَبَ السُّلطانُ مُنكرًا فللرعية معه ثلاثُ حالات:

الأولى: أنْ يَقدِرَ على نُصحِهِ وأمرِهِ بالمعروفِ ونهيِهِ عن المنكرِ، مِن غيرِ أنْ يَحصُلَ منه ضَرَرٌ أكبرُ مِنَ الأوَّلِ، ولا مُنكرٌ أعظمُ مِنَ الأوَّلِ، ففي هذه الحالةِ يجبُ نُصْحُهُ، وكيفيةُ النُّصْحُ يجبُ أنْ يكونَ بالموعظةِ الحسنةِ مع اللُّطفِ؛ لأنَّ هذا هو مَظِنَّةُ الفائدة، وناصِحُهُ وآمِرُهُ في هذه الحالةِ مُجاهِدٌ سالمٌ مِن الإثمِ، ولو لم يَنفَع نُصحُهُ.

الثانية: أنْ لا يقدرَ على نُصحِهِ، لأنَّه يَبطِشُ بِمَنْ يأمُرُهُ، أو لأنَّ نُصحَهُ يؤدِّي إلى حصولِ مُنكرٍ أعظمَ وضَرَرٍ أكبرَ، وفي هذه الحالة يكون الإنكارُ عليه بالقلوب، وكراهيةِ مُنكرِهِ والسَّخَطِ عليه، وهذه الحالة هي أضعفُ الإيمان.

الثالثة: أنْ يكونَ راضيًا بالمنكرِ الذي يَفعلُهُ السُّلطانُ ومُتابِعًا له عليه، وفي هذه الحالةِ يكونُ شريكَهُ في الإثمِ والوِزْرِ.

وقد دَلَّ الحديثُ الصحيحُ على هذه الحالاتِ الثلاثِ للرَّعية مع السلطان، وهو حديثُ أمِّ سلمةَ رضي الله عنها أن النَّبيَّ r قال: «أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ».([93]) فقوله r: «فمَنْ كَرِهَ» أي بقلبِهِ، ولم يستطعْ إنكارًا بيدٍ ولا لسانٍ، فقد برئ من الإثمِ، وأدَّى وظيفتَهُ، وقوله: «ومَن أنْكَرَ فقد سَلِمَ» أي: مَن أنكر بحَسَبِ طاقَتِهِ فقد سَلِمَ مِن هذه المعصية، وقوله: «ولكنْ مَن رَضِيَ وتَابعَ» أي: مَن رضي بالمعصيةِ وتابع عليها فهو عاصٍ كفاعلها.

 

-  ضوابط النصيحة للسلطان:

1) الإسرار:

علَّمنا نبيُّنا r الكيفيةَ الصحيحةَ لمناصحة ولاة الأمور فقال r: ((مَنْ أرادَ أنْ يَنصَحَ لِذي سُلطانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانية، ولكنْ لِيأخذ بيده، ثمَّ لِيخلُ به، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلاَّ أدَّى الذي عليه)).([94])

وذكر الإمامُ أحمدُ عند روايته لهذا الحديثِ سببَ إيرادِهِ، فروى بسنده من طريق شُرَيْحٍ الحَضْرَمِيِّ وَغَيْرِهِ قالَ: جَلَدَ عِيَاضُ بنُ غَنْمٍ([95]) صَاحِبَ دَارِيَا([96]) حِينَ فُتِحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بنُ حَكِيمٍ([97]) القَولَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ، ثمَّ مَكَثَ لَيَالِيَ فَأَتَاهُ هِشَامُ بنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيهِ، ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبِيَّ r يَقُولُ: ((إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا أَشَدَّهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ)).([98]) فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هِشَامُ بنَ حَكِيمٍ! قَد سَمِعنَا ما سَمِعتَ، وَرَأينا ما رَأيتَ، أوَلَمْ تَسمَعْ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ)). وَإِنَّكَ يَا هِشَامُ لَأنتَ الجَرِيءُ إِذ تَجتَرِئُ عَلَى سُلطَانِ اللهِ فَهَلَّا خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ، فَتَكُونَ قَتِيلَ سُلْطَانِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى!. ([99])

ولنأخذ تطبيقاً عملياً لإسرارِ السلفِ الصالح في نصيحتهم للولاة، فقد أخرجَ صاحبا الصحيحين بسندَيهما عن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنه أنه قيل له: لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا([100]) فَكَلَّمْتَهُ!. قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ".([101])

2) إخلاصُ القصد:

كما ويجبُ على مَن دخلَ على الأميرِ أو السُّلطانِ للإنكارِ أو الموعظةِ أنْ يكونَ قصدُه خالصاً لله تعالى، ولْيَحذَر وليتفطَّن أن يقعَ فيما يأتي:

أ ـ أن يكونَ قصدُه التَّعرُّفَ بالسُّلطانِ وطلبَ المنزلةِ عندَه.

ب ـ أو أنْ يقصِدَ مِنَ الإنكارِ أو الموعظة طلبَ المَحْمَدَةِ مِنَ النّاس وشكرهم وثاءهم عليه لصنيعه، أو أن يقصد الشهرة والسمعة، فيُقالُ عنه: أنَّه أغلَظَ للسُّلطانِ، وأقدم عليهِ بالكلام، ولم يبالِ بشيءٍ، فيصيرُ مُعظَّمًا عندَ النّاس، ويخشاه أبناءُ جِنسِهِ.

فالوقوع في مثل هذا قد يُعرِّضُ الناصِحَ لمكروهٍ في الدنيا؛ بالحبس أو الضرب أو القتل، وهو غير مأجور، بل آثم مأزور، وهو يظنُّ أنه مجاهدٌ ومِن أفضل الناس، وذلك لأنَّ أساس الأعمال الإخلاص.([102])

-  ولا يتوقَّفُ الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُّ عن المنكر:

وما تقدّم لا يتنافى مع إنكار المنكرِ إن ظهر في المجتمعات ـ كما قد يظنُّ البعضُ ـ بل واجبٌ على العلماءِ والدُّعاةِ النهيُّ عن أيِّ مُنكرٍ يرونَهُ، وبالأسلوبِ الحكيمِ الحسن، فهذا لا يتعارضُ مع ما ذكرنا، فلا يُشترطُ كي أنْهَى عن المنكرِ وأحذِّر الناسَ منه أن أُهيَّجَ الناسَ على حُكّامهم، وإنما لذلك أساليبُ مُجدية ذكرها أهلُ العلم ليس هذا مجالُ بسطها، لكني سأذكر على سبيل التمثيل من كلامِ الإمامِ ابنُ عثيمين رحمه الله حيث قال: ((إنّ بعضَ النَّاسِ لِغَيرته على دينِ الله عزّ وجلّ، إذا رأى هذه المنكراتِ، وأنَّ هذه المنكراتِ المتفشِيَةَ في النّاسِ مما يوجدُ في الصُّحُفِ أو يُسمَعُ في بعضِ الإذاعاتِ، أو يُشاهدُ عن طريقِ الدّشوش مثلاً، .. ويَرَى أنَّ الحكومةَ مُقصِّرةً في هذا الشيءِ، ثمَّ يَذهبُ يُشيعُ مَساوئَ الحكومةِ بين النَّاسِ، ويُوغِرُ الصُّدورَ عليها، والحقيقةَ أنَّ هذه جادّةٌ خاطئةٌ جداً، ومخالفةٌ للشرعِ، وخطيرةٌ على المجتمع، وسببٌ للفتن، ولو أنَّه سَعَى في إصلاحِ المجتمعِ نفسِهِ، لكان خيراً له، فمثلاً ما يُبثُّ في الإعلام ... يُحذِّرُ الناسَ منه؛ يقول: ... احذروا مِن كذا، ومِن كذا، احذروا مِنَ الرِّبا مثلاً، والمجتمعُ إذا صَلُحَ، فإنّ ولاةَ الأمرِ جزءٌ من المجتمع، لا بدَّ أنْ يصلُحوا، إما اختياراً وإما اضطراراً)).([103])

- وبعلاج المرضِ يزولُ العرضُ.

فظلمُ ما هو إلا عَرَضٌ ـ حالُه كحال تسلُّط الأعداء على الأمة، وتفشي العداوة والبغضاء بين المسلمين ـ كلها أعراض ظهرت عن مرضٍ في الناس، ألا وهو بعدهم عن الكتاب والسنة، ونقضهم لعهد الله وعهد رسوله، وكثرة الغش وأكل المال بالباطل بينهم، وتأمَّل قولَ النبي r: ((..خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ المَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهِ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)).([104]) حديثٌ عظيمٌ مُعجِزٌ يُبيّنُ أن العلاجَ الحقيقي إنما هو علاجُ المرض الذي دبَّ في الناس اليوم مِن تركهم للكتاب والسنة؛ فبزواله تزول الأعراض.

فمِن مجموع ما تقدَّمَ يتبيَّنُ أنَّ المرادَ بالنُّصحِ لولاة الأمور هو: حبُّ صلاحِهم ورُشْدِهم وعَدلِهم، وحبُّ اجتماعِ الأمة عليهم، وكراهةُ افتراقِها عليهم، والتديُّنُ بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغضُ لمَن يرى الخروج عليهم، وحبُّ إعزازهم في طاعة الله تعالى، ومعاونتهم على الحق، وتنبيههم في حالة المعصية في رِفقٍ ولُطفٍ، ومجانبةُ الوثوب عليهم.

-  عقوبةُ من أطاعَ الولاة عند مصلحته فحسب:

قال رسول الله r: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ ... ورَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً، لا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ..)).([105])

قال شيخُ الإسلام: "وطاعةُ ولاة الأمور واجبةٌ لأمرِ الله بطاعتهم، فمَن أطاع الله ورسولَه بطاعةِ ولاة الأمر لله فأجرُهُ على اللهِ، ومَن كان لايُطيعهم إلا لما يأخذُهُ مِنَ الوُلايةِ والمالِ؛ فإنْ أعطَوه أطاعهم، وإنْ منعوه عصاهم، فما لَهُ في الآخرة من خَلاق".([106])

 

سادساً: عليكم بالحِلْمِ، والتَّأني، والرِّفق، وإيَّاكم والعَجَلَة:

 

قال الله تعالى: }وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً{(الإسراء:11)، وقال r لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: ((إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلْمُ وَالْأَنَاةُ))([107])، وقال r: ((إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)).([108]) فكم هم الذين تسرّعوا وتعجّلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فكان الندمُ، ولاتَ حينَ مندَم.

 

سابعاً: دعاء الله عز وجل، والتضرع إليه:

 

قال الله تعالى: }فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا{ (الأنعام: من الآية43)، فالدعاء سلاح عظيم تسلح به الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام، وأتباعُهم من الصالحين، فلنُجْهِد فيه أنفسنا.

فلا زالَ أصحابُ الغارِ يتضرَّعونَ إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة لمّا نزلت بهم الصخرةُ على فم الغار الذي أَوَوا إليه، حتى فرّج اللهُ كربَهم، }إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ{(الأعراف:56).

وقال الله تعالى:  }وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{(الأعراف:94).

قال الإمامُ ابنُ كثير: ((يقول تعالى مُخبرًا عما اختبرَ به الأممَ الماضية، الذين أرسلَ إليهم الأنبياءَ بالبأساءِ والضّراءِ، يعني بالْبَأْسَاءِ: ما يصيبُهم في أبدانِهم مِن أمراضٍ وأسقام. وَالضَّرَّاءِ: ما يصيبهم مِن فقرٍ وحاجةٍ ونحوِ ذلك، "لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ" أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم.

وتقديرُ الكلام: أنَّه ابتلاهم بالشدَّة ليتضرَّعُوا، فما فعلوا شيئاً مِنَ الذي أراد اللهُ منهم، فقلب الحالَ إلى الرَّخاءِ لِيَختبرهم فيه؛ ولهذا قال:  "ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ" أي: حولَّنا الحال من شدَّةٍ إلى رَخاء، ومِن مَرضٍ وسقم إلى صحة وعافية، ومِن فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك، فما فعلوا.

وقوله: "حَتَّى عَفَوْا" أي: كثروا وكثرت أموالُهم وأولادُهم، يقال: عفا الشيءُ إذا كثر، "وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" يقول تعالى: ابتلاهم بهذا وهذا ليتضرعوا ويُنيبوا إلى الله، فما نَجَع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا، بل قالوا: قد مسَّنا مِنَ البأساءِ والضّرّاءِ، ثم بعده مِنَ الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الدهر، وإنّما هو الدهر تارات وتارات، ولم يتفطنوا لأمر الله فيهم، ولا استشعروا ابتلاءَ الله لهم في الحالين، وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء، ويصبرون على الضراء ... ولهذا عقب هذه الصفة بقوله: { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } أي: أخذناهم بالعقوبة بغتة، أي: على بغتة منهم، وعدم شعور منهم، أي: أخذناهم فجأة.([109])

ومن الدعاء المهم: الدعاءُ بالهداية إلى الحقِّ، خاصةً وأن الحقَّ قد يختلطُ بالباطل عند كثير من الناس، وهذا من الخطورة ما أن تجدَ الرجلَ يظنُّ أنه على ذغرٍ ومكانةٍ، وفي الحقيقةِ أنه قد مُكرَ به، عافانا اللهُ وإياكم، وقد كان النبي r مع شريف منزلته يتضرَّع إلى ربه بهذا، فكان r إذا قام من الليل يصلي يستفتح بقول: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).([110])

فلا هاديَ إلى الحقِّ إلا الله جلَّ في علاه، وما أحوجنا إلى هدايته سبحانه، خاصةً في أوقات الاختلافات، قال تعالى: }كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{(البقرة:213).

 

 

 

اللهم اهدنا لِما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنك

اللهم عافنا من أن نتكلَّمَ أو نسعى في مال مسلمٍ أو عرضه أو دمه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



([1]) متفقٌ عليه من حديث: ابن عباسٍ، وابنِ عمرَ، جريرٍ، وأبي بَكْرَةَ، رضي الله عنهم جميعاً؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(121، 1739، 1741، 4403-4406، 7077-7080)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(65، 66، 1679). وفي بعضها بلفظ: "ضُلَّالاً" بدل: "كفَّاراً".

([2]) رواه البيهقي، السنن الكبرى، ح(20700)، والخطيبُ البغدادي، شرف أصحاب الحديث، بعدّة طرق، ص:28، واختلف أهلُ العلم في قبوله، ونقل الألبانيُّ تصحيح العلائي لبعض طُرُقه، انظر: تحقيق الشيخ لمشكاة المصابيح، للتبريزي، ح(241).

([3]) بتصرف من كلام فضيلة الشيخ الشريف حاتم العوني، في مقالته "حقوق أهل العلم على الأمة".

([4]) من كلام الشيخ عبد العزيز السدحان، في درسه القيم: "معالم في أوقات الفتن والنوازل"، وقد طُبِعت على شكل كتاب أيضاً.

([5]) نفس المرجع السابق.

([6]) جزءٌ من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما الطويل المشهور، رواه أحمد، المسند، (1/293، 303، 307)، والترمذي، الجامع، ح(2516)، وصحّحه الألباني، صحيح الجامع، ح(7957).

([7]) الهَرْجُ: الفتنة والاقتتالُ واختلاط أمور الناس. انظر: ابن الأثير، النهاية، (5/256)، والنووي، شرح صحيح مسلم، (18/88).

([8]) رواه مسلم، الصحيح، ح(2948)، وأحمد، المسند، (5/27) ولفظُ أحمد: ((العِبادَةُ فِي الفِتْنَةِ كَالهِجْرَةِ إلِيَّ)).

([9]) شرح صحيح مسلم، (18/88).

([10]) الهَرْجُ: الفتنة والاقتتالُ واختلاط أمور الناس. انظر: ابن الأثير، النهاية، (5/256)، والنووي، شرح صحيح مسلم، (18/88).

([11]) قال الإمامُ النَّوويُّ: "مَعْنَى (أُشْرِبَهَا): دَخَلَتْ فيه دُخُولاً تَامًّا، وَالزِمَهَا، وَحَلَّت مِنهُ مَحَلّ الشَّرَاب. ومِنهُ قَوله تَعَالَى : }وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ العِجْل{ أَيْ: حُبُّ العِجْلِ.  شرح صحيح مسلم، (2/172).

([12]) قال القَاضِي عِيَاض رحمه الله: "لَيسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ، لكِنْ صِفَة أُخْرَى؛ لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الإِيمَانِ وسلامَتِهِ مِن الخَلَلِ، وأنَّ الفِتَنَ لمْ تَلْصَقْ بِهِ، وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا، وَهُوَ الحَجرُ الأَمْلَسُ الَّذِي لا يَعْلَقُ بِهِ شَيءٌ".

شرح النووي على صحيح مسلم، (2/172).

([13]) الرُّبْدَة: لوْن بين السَّواد والغُبْرة. أو هي: لونُ الرَّماد.  ابن الأثير، النهاية، (2/455)، والزمخشري، الفائق، (2/418).

([14]) المُجَخِّي المائل أو المنكوس. قالَ ابنُ سراج: لَيْسَ قَولُه: (كَالكُوزِ مُجَخِّياً) تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ منْ سَوَادِهِ بل هو وَصفٌ آخَرُ مِن أَوصَافِهِ؛ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حتى لا يَعْلَقُ به خَيرٌ ولا حِكْمَة. وبَيَّنَهُ بقولِهِ: (لا يَعْرِف مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِر مُنْكَرًا).

ابن الجوزي، غريب الحديث، (1/140)، والنووي، شرح صحيح مسلم، (2/172).

([15]) رواه مسلمٌ، الصحيح، ح(144).

([16]) رواه أحمد، المسند، (5/231)، والترمذي، الجامع، ح(2616)، وصحَّحه الألباني، صحيح الجامع.

([17]) استفدتُ بعضَ هذه الضوابط، وبتصرف من مقال للشيخ عبد العزيز السدحان: "إحذر الإشاعة".

([18]) رواه أحمد، المسند، (4/119)، وأبو داود، السنن، ح(4972)، وصحّحه الألباني، صحيح الجامع، ح(2846).

([19]) رواه مسلم، في مقدمةِ صحيحه، ح(5)، وصحَّحه الألباني، صحيح الجامع، ح(4482).

([20]) فيض القدير، (5/2).

([21]) وردَ معنى "رَدَغَة الخَبَال" في حديثٍ آخر عند ابن ماجه، السنن، ح(3377)، وفيه: قالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَمَا "رَدَغَةُ الخَبَالِ"؟ قَالَ: ((عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)).

([22]) رواه أبو داود، السنن، ح(3597)، وصحَّحه الألباني، الجامع الصحيح، ح(6196).

([23]) ذكره الخطيب، في الجامع لأخلاق الراوي، (2/164-165).

([24]) قد يعترض البعضُ بأن هذا مُعارِضٌ لقول النبيِّ r: ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ الجَمَهُ الله بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ)).(رواه أبو داود، السنن، ح3658، وصحّحه الألباني، صحيح الجامع، ح2714)، ويُجابُ بأنه ورد في روايةٍ بلفظ: "من كتم علماً عن أهله" ـ على ضعفٍ فيها ـ قال المناوي: "واحتُرِزَ بقولِهِ: (عن أهله) كَتْمُهُ عن غيرِ أهلِهِ فمطلوبٌ بل واجبٌ، فقد سُئل بعضُ العلماءِ عن شيءٍ فلمْ يُجِب"، حتى قال: "وقولُهُ تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَكُم} تنبيهٌ على أنَّ حِفظَ العِلمِ عمَّنْ يُفسِدُهُ أو يَضرِبُهُ أولى، وليسَ الظلمُ في إعطاءِ غيرِ المستحقِّ بأقلَّ مِنَ الظلمِ في منعِ المستحق". فيض القدير، (6/212).

([25]) متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(6018، 6019، 6135، ...)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(47، 48).

([26]) البخاري، الصحيح، ح(6830).

([27]) البخاري، الصحيح، ح(3928).

([28]) تفسير السعدي، ص:190.

([29]) إلى آخر ما قاله عمرُ t فيما يتعلَّقُ بخلافة أبي بكر الصِّدِّيق t. البخاري، الصحيح، ح(6830).

([30]) متفقُ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(1477)، ومسلم، الصحيح، ح(1715، 593).

([31]) التمهيد، (21/289).

([32]) زَعِيمٌ: أي: ضَامِنٌ وكَفِيل. العظيم آبادي، عون المعبود (13/108).

([33]) رَبَض الجنة: أي ما حولها خارجاً عنها، تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. العظيم آبادي، عون المعبود (13/108).

([34]) رواه أبو داود، السنن، ح(4800)، والطبرانيُّ، المعجم الكبير، (8/98) ح(7488)، وحسّنه الألبانيُّ، صحيح الترغيب والترهيب، ح(2648).

([35]) رواه مسلم، الصحيح، ح(55).

([36]) متفق عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(6103، 6104)، ومسلمٌ، واللفظ له، الصحيح، ح(60).

([37]) رواه البخاري، الصحيح، ح(6105، 6653).

([38]) رِدْءاً، أي: مُعيناً وناصراً. ابن منظور، لسان العرب، (1/84).

([39]) رواه البخاري، التاريخ الكبير، (4/301)، وابن حبان، الصحيح، ح(81)، وصحَّحه الألباني، السلسلة الصحيحة، ح(3201).

([40]) استفادها الكاتبُ من مقال: "درء الفتنة عن أهل السنة" لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، بتصرف.

([41]) وخلاصةُ نَواقِضُ الإِسْلام العشر التي ذكرها الإمامُ محمدُ بن عبدِ الوهَّاب:  1) الشرك بالله، ومنه الذبح لغير الله. 2) جعلُ الوسطاء بينهم وبين الله؛ يدعونهم ويسألونهم الشفاعة ويتوكلون عليهم. 3) عدمُ تكفيرِ المشركين، أو الشكُّ في كفرهم، أو تصحيحُ مذهبهم. 4) اعتقادُ أنَّ غيرَ هدى النبي r أكملُ مِن هديه، أو أنَّ حكمَ غيرِهِ أحسنُ من حكمِهِ. 5) بُغضُ شيءٍ مما جاء به الرسول r ولو من العمل به. 6) الاستهزاء بشيءٍ من دين الرسول r أو ثواب الله أو عقابه. 7) فعلُ السحر أو الرِّضى به. 8) مظاهرةُ المشركين، ومعاونتُهم على المسلمين. 9) اعتقادُ أنَّ بعضَ النّاسِ يَسعُهُ الخروجُ عن شريعة محمد r كما وَسِعَ الخضرَ الخروجُ عن شريعة موسى عليه السلام. 10) الإعراض عن دين الله تعالى، وعدمُ تعلُّمِهِ، وعدمُ العملِ به. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.  مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان، الرسالة التاسعة: نَواقِضُ الإِسْلام، (1/385).

([42]) أوضح العلماءُ هذه الأسبابَ في كتبِ الاعتقاد، وفرَّعُوا مسائلها في: "باب حكم المرتد" مِن كتب الفقه.

([43]) وردَ في ذلك الحديثُ المتفقُ عليه، "الإيمانُ بضْعٌ وسبعونَ [وفي بعض الروايات:(وستون)] شُعبةً .. الحديث"؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(9)، ومسلم، الصحيح، ح(35).

([44]) وفصَّل ذلك الإمامُ ابنُ القيِّمِ رحمه الله في كتابه: الصلاة وحكم تاركها، ص:70.

([45]) متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(7056)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(1709).

([46]) من كلام هيئة كبار العلماء، حول خطورة التسرع في التكفير والقيام بالتفجير، مطويةٌ نشرها القسم العلمي بمكتبة الفرقان.

([47]) مجموع الفتاوى، (28/179-180).

([48]) ذكره فضيلة الشيخ بازمول، "السنة فيما يتعلّق بولي الأمة"، ص: 49-50.

([49]) متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(4547)، ومسلم، الصحيح، ح(2665).

([50]) من مقال "الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن" للشيخ صالح آل الشيخ، الضابط الثامن.

([51]) وهو جزءٌ مِن حديثٍ طويل يذكرُ عليٌّ t فيه أنَّ النبيَّ r أرسَلَه مع غيرِهِ من الصحابة، لاتِّباعِ أثرِ امرأةٍ مِن المشركين لأنها كانت تحملُ كتاباً من الصحابِيِّ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى المُشْرِكِينَ، فوجدوه معها ـ بعد إنكارٍ ـ وعادوا به لرسول الله r، فقال عمَرُ: يا رسولَ اللهِ! قَد خانَ اللهَ ورسولَهُ وَالمُؤمنينَ، فَدعني فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ r: ((مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟)) قَالَ حَاطِبٌ: وَاللهِ ما بي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤمنًا بالله ورَسُولِهِ r؛ أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِندَ القَومِ [أي: المشركين] يَدٌ [أي: يدُ نِعمةٍ ويدُ مِنَّةٍ]؛ يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهلِي ومَالِي، ولَيسَ أَحَدٌ مِنْ أَصحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهلِهِ ومَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: ((صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا)). فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: ((أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ)) فَقَالَ: ((لَعَلَّ الله اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الجَنَّةُ)) أَوْ ((فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)). فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(3007، 3983، 4274، 4890، 6259، 6939) ومسلم، الصحيح، ح(2494).

([52]) رواه البخاري، الصحيح، ح(1739).

([53]) رواه الترمذي، الجامع، ح(1395)، والنَّسائيُّ، المجتبى، ح(3987)، وصحَّحه الألبانيُّ، صحيح الجامع، ح(5077).

([54]) رواه ابن ماجه، السنن، ح(3932)، وقال الألباني: صحيح لغيره. صحيح الترغيب والترهيب، ح(2441).

([55]) رواه الترمذي، الجامع، ح(1421)، والنَّسائيُّ، المجتبى، ح(4094)، وصحَّحه الألبانيُّ، صحيح الجامع، ح(6446).

([56]) رواه مسلم، الصحيح، ح(140).

([57]) نيل الأوطار، (6/58).

([58]) الحديث رواه أحمد، المسند، (5/110)، والطبراني، المعجم الكبير، (2/177)، ح(1724). وقال شعيب الأرنؤوط: رجاله ثِقات.

([59]) سبل السلام، (1/184).

([60]) ذكره الصنعاني، سبل السلام، (1/184)، والمباركفوري، تحفة الأحوذي، (4/565).

([61]) رواه الترمذي، الجامع، ح(2203 وابن ماجه، السنن، ح(3960)، وقال الألباني: حسن صحيح. صحيح سنن ابن ماجة، (2/1309).

([62]) رواه الترمذي، الجامع، ح(2204)، وصحّحه الألباني، صحيح الجامع، ح(1221).

([63]) رواه مسلم، الصحيح، ح(2887).

([64]) رواه ابن ماجه، السنن، ح(237)، وحسّنه الألباني، صحيح الجامع، ح(2223).

([65]) من كلام الشيخ السدحان، في درسه: "معالم في أوقات الفتن والنوازل".

([66]) ذكره أبو نُعيم، حلية الأولياء، (9/121)، وورد بنحوه عن ابن مسعودٍ t، رواه ابن أبي الدنيا، الصمت، ص:229.

([67]) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 8.

([68]) رواه الترمذي، الجامع، ح(2165)، وصحّحه الألباني، صحيح الجامع، ح(2546).

([69]) رواه مسلم، الصحيح، ح(1848).

([70]) رواه الترمذي، الجامع، ح(2676)، وأبو داود، السنن، ح(4607)، وصحّحه الألبانيُّ، السلسلة الصحيحة، ح(2745).

([71]) مجموع الفتاوى، (20/109).

([72]) مجموع الفتاوى، (13/227).

([73]) رواه الترمذي، الجامع، ح(2165)، وصحّحه الألبانيُّ، صحيح الجامع، ح(2546).

([74]) ذكره: عبد الله الأثري، الوجيز في عقيدة السلف، ص: 156، ونسبه إلى الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه.

([75]) رواه الآجري، الشريعة، ح(124).

([76]) أحمد، المسند، (2/ 70، 93، 97، 123)، وصحَّحه شعيب الأرنؤوط.

([77]) كما ذكره ابن حجر، فتح الباري (13/37)، والمباركفوري، تحفة الأحوذي (6/321).

([78]) ولا شكَّ أنّ الصحابةَ رضوان الله عليهم يدخلون في الجماعة، بل هم رأسُ جماعةِ المسلمين وقدوتُهم، لذا نجد النبي r لمّا سُئل عن  الفرقة الناجية قال: ((الجماعة)) (رواه ابن ماجه، ح3992، وصحّحه الألباني)، وفي موطنٍ آخر أجاب r قائلاً: ((مَا أنَا عليهِ اليَوْمَ وأصْحَابي)) (حسّنه الشيخ سليم الهلالي في "درء الارتياب").

([79]) يشيرُ رحمه الله إلى حديثِ حُذيفَةَ بنِ اليَمانِ الذي يقول فيه: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ r عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ)) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: ((قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ)) قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: ((هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)) قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: ((تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)) قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: ((فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)).

متفق عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(3606، 3607، 7084)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(1847).

([80]) اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح(160).

([81]) أبو نُعيم، حلية الأولياء، (9/239)، والشاطبي، الاعتصام، (1/482).

([82]) إعلام الموقعين، (3/397).

([83]) رواه مسلمٌ، الصحيح، ح(1847).

([84]) متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(7053)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(1849)، واللفظُ لمسلمٍ.

([85]) الحديث متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(7052)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(1843).

([86]) مجموع الفتاوى، (28/128).

([87]) متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(2955)، ومسلمٌ، الصحيح، ح(1839).

([88]) من شريط: "طاعة ولاة الأمور" للإمام ابن عثيمين، بتصرف.

([89]) رواه مسلمٌ، الصحيح، ح(1855).

([90]) استفدتُ في هذه الفقرة من كتاب الشيخ عبد العزيز الراجحي: "القول البيِّنُ الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في الفقرة: (7- كيفية الإنكار على السلطان من قِبَل رعيته).

([91]) وفي بعض الروايات بلفظ: "كلمةُ حقٍّ". كما عند النَّسائيُّ، المجتبى، ح(4209)، وأحمد، المسند، (4/315).

([92]) رواه أبو داود، السنن، ح(4344)، والترمذي، الجامع، ح(2174)، وصحَّحه الألباني، السلسلة الصحيحة، ح(491).

([93]) رواه مسلمٌ، الصحيح، ح(1854).

([94]) رواه ابن أبي عاصم، السنة، وصحَّحه الألبانيُّ، انظر: "ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم"، ح(1096).

([95]) وهو: عِياضُ بنُ غَنْم ـ بفتح المعجمة وسكون النون ـ بنِ زُهيرٍ الفهري، صحابيٌّ هاجر الهجرةَ الثانية إلى أرض الحبشة، في روايةٍ: شهد بدراً وأحداً والخندقَ والمشاهدَ، وكان عاملَ عمرَ على الشام، وقال الزبير: هو الذي فتح بلاد الجزيرة وصالحه أهلُها. مات بالمدينة سنة عشرين.     ابن حبان، الثقات، (3/308)، وابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، القسم الأول، (4/757).

([96]) دَارِيا: قرية كبيرة مشهورة من قرى دمشق بالغوطة. الحموي، معجم البلدان، (2/431).

([97]) وهو: هِشام بن حَكِيم بن حِزام القُرَشيُّ الأسَديُّ، صحابي بن صحابي، كان مهيباً، وكان يأمر بالمعروف في رجال معه، مات قبل أبيه بمدة طويلة.   ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، القسم الأول، (6/538)، والتقريب، ص:572.

([98]) روى الإمامُ مسلم هذا الجزءَ في صحيحه، بسنده عن هِشَامِ بنِ حَكِيمِ قَالَ: مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِم الزَّيْتُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ في الخَرَاجِ. فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا)). صحيح مسلم، ح(2613).

([99]) أحمد، المسند، (3/403  وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، دون قوله : من أراد أن ينصح لسلطان بأمر ...، فحسن لغيره..  قلت: وتقدم تصحيحُ الألبانيُّ له في ظلال الجنة.

([100]) ويراد به الصحابيُّ عثمانُ رضي الله عنه، كما صُرِّح به في روايةِ مسلم..

([101]) متفقٌ عليه؛ رواه البخاري، الصحيح، ح(3267)، واللفظُ له، ومسلمٌ، الصحيح، ح(2989).

([102]) عبد العزيز الراجحي، القول البيِّنُ، بتصرف.

([103]) من كتاب "المنهج الإسلامي في معاملة الحكام" لأحمد التويجري، ص: 66ـ67. وأنصح بالرجوع لباقي كلام الإمام ابن عثيمين، فهو نفيسٌ جداً.

([104]) رواه ابن ماجه، السنن، ح(4019)، واللفظُ له والحاكمُ، المستدرك، ح(8623)، وصحّحه الألبانيُّ، صحيح الترغيب والترهيب، ح(1761).

([105]) رواه البخاري، الصحيح، ح(2672).

([106]) مجموع الفتاوى، (35/16-17).

([107]) رواه مسلم، الصحيح، ح(17، 18).

([108]) رواه مسلم، الصحيح، ح(2594).

([109]) تفسير ابن كثير، (2/311).

([110]) رواه مسلم، الصحيح، ح(770).

.