دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

أدلة وجوب نصرة المسلمين في فلسطين.

أدلة وجوب نصرة المسلمين في فلسطين

  قال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (التوبة:71).  وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه) .

وقال صلى الله عليه وسلم :(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال : تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره . رواه البخاري من حديث أنس.

وقال تعالى:(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ، إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (الأنفال:72) .

 كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بين بشير وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى لـه سائر الجسد بالسهر والحمى .

وجاء في صحيح مسلم (المسلمون كرجل واحد ، إن اشتكى عينه اشتكى كله ، وإن اشتكى رأسه اشتكى كل).

وقال ابن القيم رحمه الله (ت 751) في (إعلام الموقعين 2/121) : (وأي دينٍ ، وأي خيرٍ ، فيمن يرى محارم الله تنتهك ، وحدوده تضاع ، ودينه يترك ، وسنة رسول الله يرغب عنها ، وهو بارد القلب ، ساكت اللسان ، شيطان أخرس كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق ؟! , وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين ؟ , وخيارهم المتحزن المتلمظ , ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل ، وجد واجتهد , واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه ، وهؤلاء - مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم - قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون , وهو موت القلوب ; فإنه القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى  وانتصاره للدين أكمل .

- وما يقوم به المسلمون في غزة هو من جهاد الدفع الذي يتعين على من يستطيع أن يجاهد العدو أن يجاهده بقدر استطاعته وقد ذكر الإمام ابن قدامة المقدسي في المغني فقال:(ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:

 أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام …الثاني : إذا نزل الكفار ببلد , تعين على أهله قتالهم ودفعهم . الثالث : إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه …) اهـ

- ويقول الإمام ابن القيم _رحمه الله تعالى في (كتاب الفروسية) _: فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمّ وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه: العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق.

ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجباً عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار.

- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شريط له " إذا حاصر العدو بلدك صار الجهاد واجبًا لأنه جهاد دفاع ، لأن العدو إذا حاصر البلد معناها أن أهلها يكونون عرضة للهلاك ، لاسيما في مثل وقتنا الحاضر ، إذا حاصر العدو البلد وقطع الكهرباء وقطع المياه وقطع الغاز وما أشبه ذلك ، معناها أن الأمة سوف تهلك فيجب الدفاع ، ما دام عندكم ما يمكن أن يدافعوا به ،  يجب عليهم أن يدافعوا "" اهـ

- وقال في شريط آخر " أما جهاد الدفاع ، فإن الكفار إذا حاصروا بلدًا من بلدان المسلمين أو دخلوه عنوة ، وجب على جميع المسلمين أن يذودوا عن هذا البلد ، وأن يخرجوا هؤلاء الكفار منها ؛ لأن المسلمين في جميع أقطار الدنيا كلهم أمة واحدة ، وكلهم بلد واحد ، فإذا حوصر بلد من بلدان المسلمين في أي بقعة من الأرض فإن الواجب على جميع المسلمين أن يقوموا بفك الحصار عنهم " . اهـ

وإذا تقاعس أو تقاعد أحد من المسلمين عن نصرة المسلمين في غزة وهو يستطيع مساعدتهم ، فهذا معرض لعقوبة الله عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله ، وأبا طلحة بن سهل الأنصاريين ، يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من امرئ يخذل مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته , وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته , إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته).رواه الطبراني ، فهذا وعيد شديد لجميع المسلمين من حكام ومحكومين وعلماء وعامة عن التقصير والتخاذل عن نصرة المستضعفين في غزة الذي يواجهون الدمار والهلاك والإبادة أمام مرأى من العالم ، وهذا من أسباب ذل المسلمين وضعفهم ، فالكل إلا من رحم الله آثر الحياة الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية .

ومن الأمور المهمة التي يجب التنبه لها ، أن نصرة المسلمين في غزة ليس نصرة لحزب أو جماعة أو فصيل من الفصائل لأن الضرر عام على جميع أهل غزة لا يستثنى منهم أحد ، ومن جانب آخر حتى وإن كانت بعض الجماعات والأحزاب التي نخالفها في كثير من المسائل هي التي تقاتل اليهود ، فيجب علينا موالاتهم ونصرتهم ، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض  ، فالله عز وجل علق المولاة والمعاداة على اسم الإسلام وإن كان المسلمون يتفاوتون في الموالاة على حسب قربهم من الله عز وجل وبعدهم وكذلك قربهم من السنة وبعدهم عنها كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى):" وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ، وفجور وطاعة ومعصية ، وسنة وبدعة ، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير ، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة ، فيجتمع له من هذا وهذا " وكذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الباب المفتوح "البدعة منها ما يُعذر فيه الإنسان ، ومنها ما يصل إلى درجة الفسق ، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر ؛ فأصحاب البدعة المكفرة لا تجوز معونتهم إطلاقا ، وإن تسموا بالإسلام ، لأن تسميهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على البدعة المكفرة ، بعد البيان ، يُلحقهم بالمنافقين الذين قالوا نشهد إنك لرسول الله ، فقال الله تعالى : (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون:1) .

أما البدع المفسقة ، أو التي يعذر فيها الإنسان بعذر سائغ ، فإن بدعتهم لا تمنع معونتهم ، فيعاونون على أعدائهم الكفار ، لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار). (الباب المفتوح ، اللقاء الثاني 1/66 ).

وأيد جميع العلماء الجهاد الأفغاني مع وجود جماعات لديها من البدع والأخطاء الشيء الكثير ، ومع ذلك كان العلماء يفتون بوجوب الجهاد في أفغانستان ضد الشيوعيين .

وكذلك ما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في ثنائه على جهاد صلاح الدين الأيوبي ونصره للمسلمين وإبادته للدولة الفاطمية مع وجود المخالفات العقدية عند صلاح الدين الأيوبي لمنهج السلف ، ومع هذا فالخير الذي جاء به صلاح الدين الأيوبي من وراء جهاده أعظم بكثير من الأخطاء التي وقع بها رحمه الله رحمة واسعة .

ولهذا نصَّ أهل السنة والجماعة على أن الجهاد يكون وراء كل إمام برًا كان أو فاجرًا سنيًّا كان أو مبتدعًا وكذلك الصلاة خلفهم ، لأن المصلحة المتحققة من وراء الجهاد معهم عظيمة وكبيرة ، خاصة إذا كانت النكاية في أعداء الدين الظاهرين المعتدين على حرمات المسلمين .

- ومن واجب النصرة لإخواننا في غزة :

1-الدعاء لهم وهو من أعظم أبواب النصرة ، فإن النصر بيد الله سبحانه وتعالى ، فلما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، فأمده الله بالملائكة ) .

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " متفق عليه واللفظ لمسلم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»  فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . أخرجه البخاري.

2- مساعدتهم ودعمهم بالمال ، فهم في أمس الحاجة للطعام والشراب والدواء، فقطاع غزة يحتاج 900 شاحنة يوميًا لسد حاجات القطاع .

3- محاولة الوصول إلى ولاة الأمور وحثهم على مساعدتهم والوقوف معهم سياسيًا وإعلاميًا ، فلديهم الكثير من الوسائل لمساعدة أهل غزة .

4- تقديم النصيحة لأهل غزة وقادة الفصائل المقاومة ، وإرشادهم إلى ما في لما فيه خير لهم وللمسلمين ، فلا يقولن قائل أنهم يقاتلون اليهود وليس الوقت وقت نصيحة ، فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قالبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولوا صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين.

ونقل ابن حجر عن الخطابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاقب خالداً لأنه كان مجتهداً، وتبرأ من فعله ليعلم الناس أنه لم يأذن في هذا، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله.

وفي الختام: أسأل الله العلي العظيم رب العرش العظيم أن ينصر المجاهدين في غزة وأن يمكن لهم ويسدد رميهم ويثبت أقدامهم ويشفي مريضهم ويحفظهم من بين أيدهم ومن خلفهم وأيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم . اللهم آمين .

.