فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
النائب الذي يريده الناخب.
الإيجابية الوحيدة للتجربة البرلمانية الفلسطينية السابقة هي:- أن الناخب في بلادنا قد خرج أكثر خبرة بمعادن الرجال، وأقدر على اختيار من يصلحون لقيادته وتمثيله، ليس في المجلس التشريعي فحسب، بل في كل المواقع السياسية والاجتماعية والمدنية والعسكرية.
لقد بات الناخب الفلسطيني يدرك أن النائب الذي يستحق صوته هو:-
النائب الذي تؤرقه هموم الناس، ويعلم أن واجبه هو خدمتهم، وحل مشكلاتهم، وتخفيف معاناتهم، وحمايتهم والدفاع عن مصالحهم، ويدرك أنه مسئول ومحاسب على التقصير من الله تعالى يوم القيامة.
النائب الذي يقتدي بعمر بن عبد العزيز الذي رأته زوجته يبكي، فسألته عن سبب بكائه فقال: { يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أسودها وأحمرها، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيت أن لا تثبت لي حجة فبكيت}.
النائب الذي يدرك فلسفة الإسلام في النظر إلى المسئولية، وأنها تكليف وليست تشريف، وأنها كما وصفها النبي-صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر-رضي الله عنه-:{ إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها}.
النائب الذي لا يبحث عن الجاه والشرف والمال من خلال هذا الموقع، بل يدفعه إخوانه إليه دفعاً، فيضطر لقبوله مكرهاً، وهو يستشعر ثقل الأمانة، ويعزم أن يجعل موقعه ميداناً جديداً من ميادين الدعوة والجهاد لنصرة المظلومين، ومحاسبة الفاسدين. ونحمد الله تعالى أن فينا من يدرك هذه المفاهيم ويطبقها، فإني أعرف عدداً من الفضلاء الأمناء الذين اختارهم إخوانهم ليُرشحوا لانتخابات التشريعي القادمة - والتي يتصارع عليها غيرهم بالسلاح أحياناً- فاعتذروا عن قبول الترشيح، ومنهم من أصر على رفضه، ومنهم من قبل مكرهاً محتسباً مستشعراً ثقل الأمانة، وقد سألت أحد الذين أصروا على الرفض فأجابني إجابة ذكّرتني بمعاذ بن جبل-رضي الله عنه- عندما أرسله أبو عبيدة ليفاوض الروم ورفض أن يجلس على فرشهم ووسائدهم الفخمة، فقالوا له:{ لو دنوت فجلست معنا كان أكرم لك}، فكان مما قاله:{ولا حاجة لنا في شرف الدنيا، ولا في فخرها ولا في شيء يباعدنا عن ربنا}.
النائب الذي يُتوقع منه الجرأة في قول الحق ونقد الفاسدين ومحاسبتهم، ومعروف أنه لا يخاف في الله لومة لائم.
النائب الذي جربه الناس في مواطن صعبة، فعرفوا أمانته، وشجاعته، وتضحياته، ومواقفه، فقد سُجن مثلما سُجنوا، وطورد مثلما طوردوا، وقُصف مثلما قُصفوا، ومُنع من السفر مثلما مُنعوا، وأوذي في ماله وولده مثلما أوذوا.
النائب الذي لا يحب أن يَمدح المسئولين الظالمين، ولم يُعهد عليه ذلك، لأن من كان هذا ديدنه فلن يقدم للناس خدمة، ولن يحل لهم مشكلة، وسيقضي مدته في المجلس مادحاً متزلفاً ليغدو وزيراً أو مقرباً.
النائب الذي لا يحب أن يمدحه أحد، ولا يفعل الخير من أجل المدح، لأننا هُزمنا من قبل الذين يحبون المدح ولو كان كاذباً، ونُصرنا من الأبرار الأطهار الذين لا يهمهم إلا رضوان الله تعالى.
النائب الذي يُتوقع أن يزهد في المميزات التي يُخص بها من دون الناس، فيرفض أن يأخذ جوازاً دبلوماسياً يمكِّنه من السفر، في الوقت الذي يُحرم فيه معظم أبناء شعبه، ويرفض أن يعبر حاجزاً يُمنع منه الشرفاء، ويرفض أن يكون راتبه ضخماً، في الوقت الذي يُحرم من انتخبوه من راتب الكفاف، ويرفض كل مظاهر الترف التي ستعطى له لتلهيه وتسكته عن القيام بواجباته في خدمة الناس وتقويم الاعوجاج.
النائب الذي جربه الناس فوجدوه مجيداً في خدمتهم، مبدعاً في تطوير مؤسساتهم، ناجحاً في حل مشكلاتهم، قوياً في تبني همومهم، صادقاً في التعبير عن أحاسيسهم، يجيد العمل والإنتاج أكثر مما يجيد الكلام والخطب والوعود.
النائب الذي لم تلوث يده بدماء الناس، ولا بأموالهم، ولا بأعراضهم، فلم يُعهد عليه ظلم ولا غش ولا رشوة ولا احتكار ولا خيانة ولا كذب ولا محسوبية ولا أنانية. فمن وجدت فيه هذه الصفات أو واحدة منها فلن يتوب عنها إذا ما وصل إلى التشريعي، بل سيعرف كيف يوظفها في ظلم الناس وتحقيق مصالحه فقط.
النائب الطاهر المستقيم التقي البعيد عن الحرام الذي يُقدِّم أينما حل صورة مشرقة مشرفة عن الشعب الفلسطيني المسلم المجاهد، فلقد سمعنا عن نواب كانوا يرتكبون المنكرات والمحرمات المخزية في حلهم وترحالهم.
النائب العالم بدينه، المتمسك بعقيدته، المعتز بمبادئ وقيم شعبه وأمته الإسلامية العربية الأصيلة، القادر على الدفاع عنها، الواعي إلى المخططات الماكرة التي تستهدفها، وإلى كيد الأعداء الذين يجعلون من المجالس التشريعية أداة لسن القوانين المتعارضة معها، أو الملغية لها.
النائب الواعي بقضيته، العارف بمكائد الأعداء وطرقهم في تمويت قضيته وسلب حقوق شعبه، المؤمن بفلسطين كلها وطناً ودولة للفلسطينيين، المعتقد أن الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لاسترداد أرضه المغتصبة، والرافض للتنازل عن شبر واحد منها لليهود مهما طال الزمن.
النائب غير القابل للتدجين أو الترويض الذي يُساق إليه معظم الذين يعملون بالسياسة في هذا الزمان، خصوصاً عندما يعملون قريباً من الأنظمة الرسمية الضعيفة الظالمة المتهالكة.
النائب الواعي لكل قضايا أمته العربية والإسلامية، والتي يتفاعل معها ويعيشها ويعدها همه، ويُتوقع منه أن لا ينساها، وأن يحرك جماهير شعبه لتبقى متفاعلة معها، فيرسخ فيهم أننا أمة واحدة.
النائب الذي يُتوقع منه أن يبقى مثلما كان قبل أن يصل إلى منصبه الجديد، فلا يظهر عليه كِبْر ولا ترف ولا انحراف ولا بطر ولا بذخ، ولا نفاق، ولا مهادنة للظالمين.
النائب الذي يعلم أنه على ثغر مهم من ثغور الإسلام، و يعلم أن هناك الكثير من الأعداء الذين سيضخمون هفواته، ويشهرون به، فيحرص أن يبتعد عن كل مواطن الشبهات، وأن لا يؤتى المسلمون من قبله.
النائب الذي يدرك أن هناك الكثير من الأعداء الذين سيعملون على إفشاله، ليبينوا أن مبادئه فاشلة غير صالحة للتطبيق، فيصر على النجاح، ويضاعف الجهود، ويستعين بالله الذي وعد أن يوفق المخلصين الذين يبذلون وسعهم ويتقنون عملهم.
النائب الذي يملك برنامجاً وخطة عمل واضحة طموحة قابلة للتنفيذ، ويُتوقع أن يصر على تنفيذها بالرغم من المعوقات الكثيرة المحتملة.
بقلم: د.خالد يونس الخالدي
.