القدس والأقصى / حقائق مقدسية

المؤسسات العاملة من أجل الأقصى في قائمة الإرهاب

المؤسسات العاملة من أجل الأقصى في قائمة الإرهاب

د.عيسى القدومي

مع تزايد الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى، والتضييق على التواجد العربي في القدس، وتصعيد الاعتقالات للعاملين في المسجد الأقصى، وإصدار أحكام تمنعهم من الصلاة فيه، وإغلاق المؤسسات الفلسطينية العاملة من أجل الأقصى وأبناء القدس؛ فوجئ الكثيرون بإدراج الولايات المتحدة الأميركية "مؤسسة القدس الدولية" و"مؤسسة وقفية رعاية الأسرة الفلسطينية اللبنانية" على لائحة ما يسمى بـ "الإرهاب"، بزعم علاقتهما بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وجمع أموال لصالحها.

فقد أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بيانا مفاده: إدراج المؤسستين على القائمة لأنهما "تخضعان لسيطرة حماس وتعملان بالنيابة عنها وتقدمان الدعم المالي لها"- على حسب زعمها- وأشارت الوزارة إلى أن المؤسستين تم إنشاؤهما بهدف تقديم الدعم إلى عائلات مقاومي حركة حماس وأسراها في سجون إسرائيل، وبهدف جمع الأموال للبرامج والمشروعات التي تجري في الأراضي الفلسطيني.وبموجب القرار تجمد أصول المؤسستين الواردة أسماؤهما على اللائحة الموجودة في الولايات المتحدة أو التي تخضع لسيطرة أشخاص أميركيين ويمنع الأميركيون من التعامل معهم.

وتعليقًا على القرار الأمريكي بوضع مؤسسة القدس الدولية على قائمة الإرهاب أصدرت المؤسسة بياناً جاء فيه: متابعة لقرار وزارة الخزانة الأمريكية في 4/10/2012 بإدراج مؤسسة القدس الدولية على "لائحة المنظمات الإرهابية" حسب التصنيف الأمريكي، عقدت لجنة المتابعة في مجلس إدارة المؤسسة اجتماعًا طارئًا، وأصدرت البيان التالي:

1. تؤكد مؤسسة القدس الدولية أن هذا القرار هو قرار سياسي جائر ولا يستند إلى أي أدلة أو حقائق، وهو انصياع للإملاءات الإسرائيلية على الإدارة الأمريكية، وامتداد للقرار الإسرائيلي الصادر عام 2009 والقاضي بحظر المؤسسة.

2. فمؤسسة القدس الدولية هي مؤسسة مدنية مستقلة لا تتبع دولة أو حزبًا أو حركة أو أي جهة، وهي عضو مراقب في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية، ويضمّ مجلس أمنائها شخصيات عربية وإسلامية وعالمية من المشارب الفكرية والسياسية والدينية والعرقية المختلفة، وهي تشكّل نموذجًا وحدويًّا قلّ نظيره في الأمة العربية والإسلامية حيث التقت هذه الشخصيات والرموز بما تمثل بأشخاصها أو هيئاتها التي تنتمي إليها على هدف سامٍ وهو نصرة القدس وأهلها في مواجهة حملة التهويد الشرسة التي يهدف الاحتلال الإسرائيلي من خلالها إلى تشويه وجه المدينة العربي والإسلامي، وتدمير تراثها الحضاري والإنساني.
 
إنّ أعمال المؤسسة معلنة ومعروفة لدى الجميع، فهي تتركز في تنفيذ المشاريع التنموية داخل مدينة القدس في قطاعات التعليم والصحة والإسكان ورعاية المقدسات والرعاية الاجتماعية وغير ذلك من القطاعات الحياتية التي يسعى الاحتلال إلى تدميرها لإنهاك وضرب المجتمع المقدسي الثابت في مدينته رغم ضراوة المعركة الإسرائيلية عليه. كما تعمل المؤسسة في مجال الإعلام والأبحاث حيث تصدر العديد من التقارير المعلوماتية والإخبارية والنشرات التعريفية والتثقيفية التي توضح أبعاد المشروع الصهيوني في القدس وتكشف مخاطره وجرائمه. وتعمل أيضًا في مجال العلاقات وتأطير وتنسيق الجهود المختلفة لنصرة قضية القدس.

3.تؤكد المؤسسة أن هذا القرار الأمريكي الجائر هو رسالة سيئة لكل الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم المنضوين في دائرة عمل المؤسسة، فالإدارة الأمريكية تتجاهل وتمتهن صوت الأمة الموحّد لنصرة القدس، والمتمثّل بمؤسسة القدس الدولية. وتدعو المؤسسة أعضاء مجلس أمنائها وجميع الهيئات والأحزاب والقوى الحيّة والفاعلة إلى رفض هذا القرار، وتنظيم الفعاليات التضامنية، والمؤتمرات الصحفية، والتحركات السلمية، لإبطال مفاعيل هذا القرار الذي يطال إرادتهم وحقهم في نصرة مدينتهم- القدس، ويرمي في نهاية المطاف إلى قطع الدعم والإسناد عن قدسنا وأهلها الصامدين.

04تدرس المؤسسة الفرص القانونية المتاحة لرفع دعوى قضائية ضد وزارة الخزانة الأمريكية التي أصدرت القرار، فالمؤسسة لديها الإثباتات كافة التي تؤكد عدم صحة الدعوى الأمريكية وكيديتها.

5.تدعو المؤسسة وسائل الإعلام والإعلاميين إلى تكثيف جهودهم لتسليط الضوء على ما يجري في القدس من مخططات إسرائيلية تهدف إلى تشويه الوجه العربي والإسلامي للمدينة المقدسة، وطرد أهلها منها، لا سيما في هذه الآونة التي بدأ فيها الاحتلال بتنفيذ الخطوات العملية لتقسيم المسجد الأقصى، وكثف فيها مخططاته التهويدية من استيطان وهدم لبيوت المقدسيين، وتهجير لأحياء كاملة، وبناء للجدار العازل، وغير ذلك. فدور الإعلام مفصليّ وأساسي في معركة القدس التي سينتصر فيها الاحتلال إن لم يشعر بضغط وردع وكشف لمخططاته واعتداءاته وجرائمه.

6.تؤكد المؤسسة بقاء اجتماعات لجنة المتابعة في مجلس الإدارة مفتوحة لمتابعة التطورات، ودراسة كل السبل الكفيلة باستمرار المؤسسة في أداء رسالتها ومهمتها في نصرة القدس بكل الطرق المتاحة.

وفي بيروت ندد المؤتمر القومي العربي إدراج وزارة الخزانة الأمريكية مؤسسة القدس الدولية على لوائح الإرهاب وتجميد أرصدتها وأصولها المالية، معتبرا أن هذا الإجراء جزء لا يتجزأ من الحملة الصهيونية الرامية إلى تهويد القدس ووضع اليد على مقدساتها الإسلامية والمسيحية.

وربط المؤتمر - في بيان لأمانته العامة - بين هذا القرار الجائر وبين محاولات المستوطنين الصهاينة اقتحام المسجد الأقصى. ووصف قرار لجنة الأديان في الخارجية الأمريكية بالدعوة إلى السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى بأنه استفزاز واضح لأبناء الأمة على اختلاف مواقعها واختبار لمدى التزامهم بقضية القدس خصوصا والقضية الفلسطينية عموما لاسيما بعد التحولات الهامة التي شهدها أكثر من قطر عربي.

ودعا المؤتمر أعضاءه على امتداد الوطن العربي والمهجر وسائر القوى الحية في الأمة من أحزاب ونقابات ومنظمات وشخصيات إلى أوسع تحرك رافض للقرار الأمريكي الجديد والتضامن مع القدس وأهلها ومناصرة فلسطين وشعبها حتى يسقط هذا القرار الجائر وكل القرارات المماثلة.

وأشار البيان إلى أن المؤتمر القومي العربي كان قد ساهم مع العديد من الخيرين من أبناء الأمة في إطلاق مؤسسة القدس الدولية مؤسسة مدنية معنية بصمود المقدسيين والدفاع عن هوية مدينتهم ومقدساتها.

واستنكرت كذلك حركة حماس إدراج وزارة الخزانة الأمريكية مؤسسة القدس الدولية، ومؤسسة وقف رعاية الأسرة الفلسطينية على قائمة الإرهاب، فيما نفت علاقتها بهما. وأكدت حركة حماس أنه لا علاقة لها بالمؤسستين المذكورتين، وطالبت في الوقت نفسه وزارة الخزانة الأمريكية بالتراجع عن هذا القرار الجائر.

ووصفت حماس هذا القرار بـ "الجائر" معتبرة أنه يعمق معاناة الشعب الفلسطيني المشرد داخل فلسطين وخارجها، بفعل الاحتلال وتواطؤ القوى الدولية، وينساق مع أجندة الاحتلال ومخططاته في محاربة الشعب الفلسطيني والمؤسسات الداعمة لحقوقه العادلة.

وأضافت حماس في بيانها "هذه القرار يعد رضوخا لضغوط اللوبي الإسرائيلي وسلوكا منحازا للاحتلال ويعبر عن ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا الشعب الفلسطيني الذي يتعرض يوميا لجرائم وانتهاكات بفعل آلة الحرب الإسرائيلية ومجموعاتها المتطرفة".ودعت الحركة في بيانها منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والمؤسسات والمنظمات الحقوقية إلى التحرك ضد هذا القرار المنحاز للاحتلال ومخططاته.

العداء التاريخي للمؤسسات العاملة من أجل فلسطين والقدس:

هذا العداء ليس بجديد فمنذ أن تبنت بريطانيا المشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود وإلغاء حقوق أهل فلسطين في أرضهم والحلول مكانهم في الفترة مابين 1917 إلى 1948؛ كان الهدف الأول للاحتلال البريطاني دعم إقامة المؤسسات المدنية الصهيونية ودعم العصابات المسلحة وتدريبها وتوفير العتاد لها، ورافق ذلك تدمير العمل المؤسسي الفلسطيني، وعرقلة جميع المؤتمرات والاجتماعات التي عبرت عن رفضها لوعد بلفور ولقرار الانتداب وللمشروع الصهيوني، ولاحقت كل القيادات الإسلامية وتجمعاتهم ومؤسساتهم وكل من التف حولهم؛ وطاردت العمل الجهادي ضد مشروعها على أرض فلسطين ، وعمدت القوات البريطانية إلى إعدام أي مقاوم للتواجد اليهودي والبريطاني في فلسطين .

ووقفت بريطانيا موقفا عدائياً من جميع المجالس والهيئات الفلسطينية، وكان أبرزها الموقف من المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتخبه الفلسطينيون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف والشئون الإسلامية في فلسطين عام 1922م ، فلاحقت رئيسه محمد أمين الحسيني لعرقلة جهوده في الدفاع عن فلسطين وتبيان حقيقة المشروع البريطاني وتمكينهم لليهود لإقامة كيانهم على تلك الأرض المباركة .

وردا على تأسيس المجلس الإسلامي أصدرت بريطانيا في 1922 كتابا أبيض اشتمل على "دستور" فلسطين الذي نص على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من 22 عضواً ، منهم 10 انجليز و8 مسلمين و3 مسيحيين و2 من اليهود على أن يكون المندوب السامي رئيساً للمجلس!!

والعداء استمر كذلك للهيئة العربية العليا لفلسطين وأشاعوا حول المؤسسات الفلسطينية الكثير من الأكاذيب لقطع صلتهم مع امتدادهم العربي والإسلامي للتشكيك في قياداتهم وانتماء مؤسساتهم .

الخلاصة أن مشروع ضرب العمل المؤسسي الفلسطيني مشروع بدأته بريطانيا في ظل انتدابها على فلسطين، وأكملت المسيرة دولة الاحتلال اليهودي، وعملت بمكر وخداع ودهاء لسلب أهل فلسطين من المؤسسات والهيئات والجمعيات، وما زال مسلسل إغلاق المؤسسات المدنية والتطوعية والخيرية والثقافية والعلمية والمؤسسات الفردية وغيرها مستمر .

ولم تتوقف حرب الاحتلال على المؤسسات والجمعيات حتى بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994م ، ذلك عبر القرارات العسكرية بإغلاقها أو مصادرتها أو حرمانها من الرخص واعتبارها خارجة عن القانون، ولم تسلم لجان الزكاة في المجالس القروية من الإغلاق ومصادرة الممتلكات والمداهمة واعتقال أعضائها.

تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية، لماذا ؟

تعد القدس من أكثر المناطق والمدن في فلسطين التي تم تفريغها من المؤسسات الفلسطينية عبر الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الاحتلال بذرائع وحجج هدفها : " طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس " !!

والمؤسسات التي لم يصيبها داء الإغلاق، ساهم الجدار العازل في إخراجها من القدس قسراً !! ونقلت مقراتها من القدس وضواحيها لتستطيع تحقيق ولو الجزء اليسير من أهدافها التي أنشأت من أجلها، بعد أن منع أعضائها من الوصول للقدس ممن لا يحمل هوية مقدسية .

وفي نفس الوقت ساهم الممولين الغربيين لعدد من المؤسسات والمراكز الأهلية المقامة في القدس، بتقديم الإغراءات لنقل المقرات والعمل في مدن الضفة وبالذات في رام الله ، بحجة أن الجمهور المستفيد متواجد فيها ، وصعوبة وصول الأعضاء لها!!

فتجفيف موارد الجمعيات والمؤسسات المقدسية وملاحقة الأجهزة الأمنية والعسكرية اليهودية للعاملين فيها واعتقالهم ومداهمة مقراتهم ومنازلهم لفرض حالة من الرعب والتخويف، وملاحقة التمويل الشعبي لتلك المؤسسات ومحاصرة أنشطتها الخارجية .

لاشك أن تلك المؤسسات والجمعيات لها أثرها على الشارع الفلسطيني والمقدسي بالخصوص، والتي تحسست حاجاتهم وآلامهم، وعملت على تثبيتهم على أرضهم، أريد لها أن تكون ضحية من ضحايا الاحتلال لإذلال هذا الشعب وجعله بلا مقومات للحياة والاستمرار.

ووصل الأمر أن منعوا مراكز المخطوطات في القدس من جلب المواد التي ترمم بها المخطوطات الإسلامية والتراثية مما يزيد من تعرضها للتلف يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى الممارسات الصهيونية للتضييق على المؤسسات العلمية والأكاديمية في القدس .. وفي النهاية تسلب تلك المخطوطات وتصبح أسيرة الجامعة العبرية في القدس .

وقامت سلطات الاحتلال مؤخراً باعتقال مدير المسجد الأقصى الدكتور ناجح بكيرات وفرضت المحكمة اليهودية عليه كفالة مالية على الشيخ بكيرات بقيمة خمسة آلاف شيكل (نحو ألف دولار)، وعدم الاقتراب من المسجد الأقصى لمدة 6 شهور .

ولا شك أن إدراج مؤسسة القدس الدولية على لائحة "الإرهاب" يأتي بسبب نشاطها في فضح ممارسات الاحتلال بالقدس، ودعم سكانها ومساعدتهم على الصمود.إذ أصدرت المؤسسة العديد من التقارير والبيانات التي تندد فيها بأفعال الاحتلال، وتطالب العرب والمسلمين بالتحرك العاجل لنصرة المسجد الأقصى المدينة المباركة. وكان من أحدث  إصدارات مؤسسة القدس الدولية كتاب"البحث عن السراب" وهو كتاب يوثق الحفريات الصهيونية أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه ويوضح الهدف منها منذ بدايتها وحتى آب/أغسطس 2011. وشمل الكتاب ثلاثة محاور أساسية حسب التوزيع المكاني للحفريات تحت وحول المسجد الأقصى في مدينة القدس والمحاور هي:

أولاً: حفريات الجهة الجنوبية.

ثانياً: حفريات الجهة الغربية.

ثالثا: حفريات الجهة الشمالية.

وهذه الإصدارات وتلك الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة القدس الدولية لا تُسعد بتاتاً ذلك الكيان الغاصب الذي أراد أن يعمل بلا رقابة، فعمل على إدراج تلك المؤسسات في قائمة الإرهاب ، فأي إرهاب هذا؟ مقابل قتل البشر وتهويد الحجر وقلع الشجر !!

.