دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

الوقف الإسلامي وضرورة إحياؤه وإدارته

الوقف الإسلامي وضرورة إحياؤه وإدارته

عيسى القدومي

 

إحياء سنة الوقف ، وأعادت الوقف إلى ما كان عليه مسؤولية مجتمعية ، ووجود الجمعيات الخيرية الإسلامية والمؤسسات التطوعية - في وقتنا الحالي - والتي تتمتع منها بمستو عالٍ من ثقة المتبرعين ساهم في بناء وقفيات بمبالغ كبيرة ؛ وامتلكت تلك المؤسسات أصول وقفية تؤهلها لبناء مستقبل آمن للعمل الخيري ومشاريعه المستقبلية، إذا ما أحسنت استخدام وإدارة تلك الوقفيات.  

ونحن على يقين أن البشرية لم تعرف نظاماً اقتصادياً كما لنظام الوقف في الإسلام من أحكام وإتقان ، فسنة الوقف هي نظام إسلامي شُرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ، وحقق الوقف منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى القرن الثاني عشر للهجرة نجاحات ونماء وقوة ، أبهرت العالم أجمع في شتى المجالات . وكان الوقف في العهود الإسلامية الزاهرة يقوم بما تحمل أعباءه عدة وزارات مجتمعة كوزارة الشئون الاجتماعية والعمل ، والصحة والتربية والتعليم العام ، والإسكان والتعمير والدفاع والري فضلا عن وزارة الأوقاف .

ومما شجع على الوقف في العهود الإسلامية أن هناك أوقافا كتب لها الاستمرار مددا طويلة تبلغ القرون، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن العماد في شذرات الذهب في وفيات سنة 946هـ أن شهاب الدين أحمد بن بركات بن الكيال الدمشقي الشافعي كان ناظرا على أوقاف الصحابي الجليل سعد بن عبادة.  وما من عهد من العود الإسلامية إلا امتاز بإبداعات وقفية تفي بحاجات وضرورات لازمة لعدهم.

ووثائق وقف في العهود الإسلامية تدهشنا دقة التفاصيل والشروط التي وضعت لإحكام النظام في تلك الأوقاف ، ففي المدارس كانت وثيقة الوقف بمثابة اللائحة الأساسية للمؤسسة التعليمية حيث تضم الأسس التربوية للتعليم والشروط التي يجب أن تتوفر في القائمين بالتدريس ومواعيد الدراسة والحقوق والواجبات وما إلى ذلك من التنظيمات الإدارية والمالية ؛ وحدد الواقفون عدد المدرسين والطلاب ومخصصاتهم ومكافأتهم، ومن له الحق بالسكن الداخلي وكذلك نوع الطعام كميته وطريقة توزيعه وتقديمه .

وبدراسة سريعة لحال المساهمة في الوقف في أيامنا هذه نجد أن الكثير من المتبرعين يرغبون في تخصيص صدقاتهم للوقف ، حيث يحبس الأصل ويصرف من الريع على أبواب الخير التي يحددها المتبرع ، أو يتركَ الواقف الخيار للهيئات والمؤسسات الإسلامية لتحدد المصرف الذي تختاره حسب الحاجة والأولوية في الإنفاق، وقد درج الفقهاء عند الكلام عن شروط الواقفين على القول : " إن شرط الواقف كنص الشارع" ، في وجوب إتباعه والعمل به ، وشددوا على احترام إرادة الواقف والشروط التي نص عليها في وثيقة الوقف.

ولتحقيق مقاصد الوقف العامة من إيجاد مورد دائم ومستمر لتحقيق غرض مباح من أجل مصلحة معينة لكسب الأجر والمثوبة من الله تعالى. وكذلك المقاصد الخاصة من ضمان بقاء الأصل ودوام الانتفاع به ، والتراحم والتكافل ، والحفاظ على الأموال من العبث ، وتأمين مستقبل من أوقف لهم ، واستمرار النفع للموقوف عليه ؛  لا بد من معايشة التطوير والنظم والأساليب الإدارية ، لأن الأوقاف الناجحة ضرورة لتلبية حاجات المجتمع ، إشاعة التراحم والمحبة ، الحماية من الجرائم والانحرافات ، وحل مشكلة الفقر ، وإقامة المشروعات الدعوية ، والوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين مع توفير الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم.

ولإعادة الوقف لما كان عليه لا مناص من دراسة أسباب تراجع العمل الوقفي والخيري ، وهناك فارق كبير بين جَمع المؤسسات الخيرية للمحافظ الوقفية من المتبرعين ، والذي غدا أمراً يسيراً إن كانت تتمتع تلك المؤسسات بثقة المتبرعين ، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو حسن إدارة تلك الوقفيات والحفاظ على أصولها من التلف والمجازفة .

ولن يتحقق ذلك في ظل ضعف الكوادر المتخصصة في العمل الخيري الوقفي ، وضعف الخطط المرحلية والإستراتيجية ، هذا بالإضافة لقصور وسائل الإعلام الخيري والوقفي ، الحرب على العمل الخيري والوقفي في عالمنا الإسلامي.

ولحل مشكلة الضعف في إدارة الأوقاف لا بد أن تخصص هيئات لتدريس وتدريب الكوادر العاملة في إدارة المؤسسات الوقفية والخيرية والمجتمعية ، ففي العالم الغربي الآن جامعات عريقة ومتخصصة تدرس علوم إدارة المؤسسات الوقفية هذا بالإضافة لمراكز التدريب والمؤسسات الاستشارية . ونحن نملك ولله الحمد نظام وقفي محكم قبل أن يعرف الغرب الوقف ونظمه وآليات نماءه .  

ومؤسساتنا الوقفية بحاجة إلى التخصص والمساهمة في مجال محدد ومتعين لتفي بالحاجات وتنمي المجتمع تنمية حقيقية في الفئة التي هي مجال اهتمامها وعملها  ، وذلك لحماية أصول أموال الوقف وحسن توزيع الإيرادات ، والالتزام بشروط الوقف ، ولرفع الكفاءة الإنتاجية ،  وإعطاء نموذج للواقفين القادمين ، وتفعيل وتوظيف الوقف وفقاً لمتطلبات العصر يلزمه تطوير أساليب جديدة ، و تنويع الأصول الوقفية ، وقبل هذا وذاك  لا بد من التخصص وتوفير الإدارات المدربة.

فلا بد من أعمال الفكر وجعل مراكز دراسات واستشارات ودعمها بالمختصين في جميع الاختصاصات لتقدم التوجيه والتطوير للمؤسسات الوقفية وابتكار أوقاف جديدة تمس حاجة الفئة التي تهتم بهم.

ولتنمية قدرات إدارة مؤسسات المجال الوقفي أدورات ومجالات من ورش عمل ، و الاشتراك في المؤتمرات، ومتابعة المستجدات ، وعقد البرامج تدريبية المتخصصة. وكلما زادت كفاءة العاملين في المؤسسات الوقفية والخيرية التي تدير أوقاف مخصصة زادت معها ثقة الواقفين ، وأكثر قدرة  على التكيف مع المستجدات.

ولن يكون الوقف الإسلامي بأصوله الحالية العصا السحرية التي ستنقذنا من تبعيتنا وحالنا، ما لم يساند ذلك أبعاد ومقومات تجتمع لإنجاحه  ، وأهمها الكفاءة في إدارة  أصولنا الوقفية . وأود أن أنوه بأن هناك دول تشهد صحوة ومواكبة عصرية لمفهوم الوقف وإعادته لوظيفته التي كانت عليه  منها التجربة الكويتية والسعودية والسودانية وبعض الدول الإسلامية الأخرى ، والتي بحاجة أكثر إلى الاستقلالية والتخصصية .

 

.