فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

مزاعم اليهود في الجولان السورية في الوضع الحالي

الجـولان الـتي تبلغ مـساحتها 1800 كيلو متر مربع تمثل أهمية كبرى للسوريين واليهود على السواء، ولهذا يشتد النزاع في فصله الأخير حولها، وقد كانت لها على مر التاريخ أهميتها بسبب ارتفاع هضبتها وغناها بالماء، وموقعها الجغرافي الذي شكل منها في العصور المختلفة محطة مهمة من النواحي العسكرية والتجارية، وإطلالتها على بحيرة (طبرية) عذبة الماء جعلها محط التنافس منذ القِدَم، ولهذا كانت ساحة للمعارك في التاريخ القديم بين الفراعنة والكنعانيين، وبين المصريين والآشوريين.

 

ويزعم اليهود أن موسى عليه السـلام اسـتـقر فيها بعد خروجه من مصر كما يقول الحاخام (موئي حولان).

 

ولما جاء الإسلام وتوجه نظر المسلمـيـــن إلى فتح بيت المقدس، كانت منطقة (الجابية) على أرض الجولان هي مكان اللقاء الذي جمــع بين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنهما ـ للتنسيق من أجل اســتـمـرار الجـهــاد على أرض الشام تحت إمرة أبي عبيدة ـ رضي الله عنه ـ.

 

وقد سكنت الجولان في العهد التركي أعداد كبيرة من الشركس والتركمان، ولما حصلـت النكبة عام 1948م نزح إلى الجولان عدد كبير من الفلسطينيين، أما عندما سقطت في يـــد الـيـهـود فـي حــرب 1967م، فقد ملؤوها بالمستوطنين اليهود بعد أن أخلوها من العرب المسلمين باستثناء الدروز الذيـن لا يُحسَبون لا على المسلمين ولا اليهود ولا النصارى! وإن كانوا لليهود أقرب ولاءً وخلقاً.

 

لـقـد وضع اليهود أعينهم على الجولان، حتى قبل أن يقيموا دولتهم؛ ففي عام 1918م ـ وقبــل أن يعلن (بن جوريون) الدولة بثلاثين عاماً ـ أكد بأن الدولة اليهودية عندما تقوم لا بد أن تـضم ما أسماه (سنجق سوريا) أي الجولان وما وراءها، وقد طالبت المنظمة اليهودية العالمية فـي رسالتها لمؤتمر السلام المنعقد في باريس في 3/2/1919م، بأن تضاف إلى الدولة اليهودية حـيـن إقامتها منطقة جبل الشيخ على مرتفعات الجولان نظراً لأهميتها الحيوية أمنياً ومائياً، وبـعـد ذلك بعام ألحَّت الحركة الصهيونية على لسان زعيمها في ذلك الوقت (حاييم وايزمن) عـلـى بريـطـانـيـا لكي تجعل الجولان ضمن أجزاء الكيان اليهودي المزمع إقامته، وكان ذلك في رسالة بعثها وايزمن لوزير الخارجية البريطاني في 15/4/1920م.

 

ولكن يبدو أن الأجواء الدولية لم تـكـن تسمح في ذلك الوقت ـ ولا قريباً منه ـ بتحقيق ذلك المطلب الصهيوني الملحّ، فلما قامت الدولة، وتأسس الجيش، واستعدت (إسرائيل) للتوسع والانتشار، جعلت الجولان على قائمة أولوياتها عندما تحين الفرصة.

 

وجاءت الفرصة: وذلك عندما حـصـل تـسـخـيـن استفزازي في عام 1967م على الجبهة السورية من قِبَلِ بعض الفصائل الفسلطينية التي استعملها البعث السوري تحت شعار: (شعبية المعركة) ذلك الشعار الذي هددت به سوريا إسرائيل بأن تنقل الحرب إلى داخلها، وكان ذلك في وقت تألق فيه نجم عبد الناصر في مــصـر بـعـد أن نصَّبته الجماهير العربية المخدوعة زعيماً فرداً سيحرر فلسطين بل العرب جميعاً ويلقي بـ (إسرائيل) في البحر! ولم تكن الذريعة القادمة من سوريا كافية فقط لدخول اليهود إلـى أراضـيـها واحتلالهـم للجـولان، بل كانت فـرصـة لا تعوض لتحقيق هدف آخر كان أخطر وأكبر وأوْلى في نظر اليهود من الجولان، وهو جر عبد الناصر إلى معركة لم يكن راغباً فيها ولا قادراً عليها ضد (إسرائيل) وهذا ما حدث تمـامـاً فـي حرب الأيام الستة التي حُطِّم فيها الجيش السوري والجيش المصري، وهما دعامة الجيوش العربية.

 

وقد ظلت الجولان تحت سيطرة اليهود طيلة ثلاثة عقود، برهن اليهود خلالها على أن أمن سوريا مرهون بمرتفعات الجــولان التي تجعل دمشق في مرمى النيران اليهودية، في الوقت الذي تعتبر الجولان نفسها ضـمـاناً لأمن (إسرائيل) طالما ظلت تحت سيطرتها وتأتي أزمة سوريا الحالية بسبب مقتل الحريري لتضع احتمال توجيه ضربة ربما تكون الجولان هي قاعدة هذه الضربة وتقوم دولة الكيان اليهودي بمهمة أمريكا التي أوهنتها المقاومة العراقية؛ فالدولة العبرية لا ترى أبداً أية إمكانية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بأن تُعاد الجولان كما كانت تحت سيادة سورية كاملة، وإن كان لا بد من إعادتها فلا بد من شروط كالشروط التي وضعت لإعادة سيناء، ومنها:

 

الشرط الأول: ألا تُعاد الجولان إلا منزوعة السلاح، وترتب فيهــا ضمانات أمنيــة تسـوِّي تماماً ـ إن لم تزد ـ بين وضعها قبل الإعادة ووضعها بعدها بالنسبة لـ "الدولة اليهودية"، وقبل أن تجمَّد مفاوضات السلام بـين سـوريا و (إسرائيل) عام 1996م استغرقت الـتـرتيبات الأمنية بشأن الانسحاب من الجولان أكثر الوقت، وكانت هذه القضية سبباً في تحطم جهود وزير الـخـارجــيــة الأمريكي آنذاك (وارن كريستوفر) خلال نحو 20 جولة، كانت (إسرائيل) خلالها تصرُّ ـ إلى جانب نزع السلاح ـ على الاحتفاظ بمحطات إنذار مـبـكـر على جـبــل الشيخ.

 

إن (إسـرائيل) تريد أن تحول المطالب الأمنية إلى وضع استراتيجي يحقق لها مزيداً من التفوق، في الوقـــت الذي تتصلب فيه تجاه تنازلات جوهرية للعرب، هي في رأي السياسة اليهودية تتعارض مع شــعــــار: (إسرائيل واحدة).

 

الشرط الثاني: أن تعترف الحكـومــة السورية بـ (الدولة اليهودية) اعترافاً كاملاً، وتتبادل معها السفارات وتطبِّع معها العلاقات؛ بل إن (الدولة اليهودية) ربـطــــت مـدى الانسحاب بمدى الاستعداد للتطبيع، وأطلقت شعاراً جديداً يقول: "عمـق الانـسحـاب سيكون بعمق السلام"! ومعنى هذا أنهم ـ أي الإسرائيليين ـ لن ينسحبوا انسحاباً كامــلاً ـ كما تطلب سوريا ـ إلا إذا حصلوا منها على تطبيع كامل! وهذا يعني ببساطة إلحاق حزب الـبـعـث العربي القومي السوري بالحظيرة التي سبق أن شنَّع عليها وعلى أصحابها وهي (كامب ديـفـيـد) ، وعند ذلك سيتتابع العرب في دخول بيت الطاعة وولوج عتبة دار السلام اليهوديـة الأمــريـكـية، وعند ذلك أيضاً تكون قد أُغلقت آخر حوانيت الكفاح ودكاكين النضال في سوق ما كان يعرف بـ (القومية العربية)!

 

 

 

 

 

عبد الرقيب العزاني

 

.