دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

لماذا الجدار الفاصل ؟ ولم هذا الألم الحاصل؟

لماذا الجدار ؟ لماذا جدار الفصل الذي تبنيه اليهود اليوم على أرض فلسطين من بلاد الشام ؟ لماذا الجدار الذي هو بطول 620 كم والذي يعزل الضفة الغربية من فلسطين من جهاتها الشمالية والغربية والجنوبية ؟

 

 لماذا هذا الجدار والذي يتفرع منه جدار ثانوي يعزل مدنا وقرى فلسطينية مثل طولكرم وبعض قراها ؟ لماذا الجدار الذي يقضي على 832 كم مربع من مساحة الضفة الغربية البالغة 5855 كم مربع ؟ لماذا الجدار الذي يعزل 126 تجمعاً فلسطينياً ؟ لماذا الجدار الذي يضم 102 مستعمرة يهودية مبنية على 99.5 كم مربع من أراضي الضفة الغربية ويلحقها بما يسمى بدولة إسرائيل؟ لماذا هذا الجدار بالذات وقد سبقه جدار وجدار وجدار ... ؟ الإجابات على هذه الأسئلة المتعددة متعددة يمكن مطالعتها على صفحات الجرائد والمجلات أو متابعتها في الإذاعات والفضائيات.لكن يبقى السؤال هو السؤال ـ وكأني بمطالعة صفحات الجرائد والمجلات ومتابعتي للإذاعات والفضائيات لم أجد الجواب ـ : لماذا الجدار الفاصل ولم هذا الألم الحاصل ؟ و الجواب الواحد، الجواب الذي يغفل عنه الكثير أو يتغافل عنه الكثير  وهو فعل الإنسان حين يختار طريق الضلال :

 

إن هذا الجدار يذكرني بقصة خلق آدم واستكبار إبليس ، ويذكرني بقصة التاريخ التي عاشتها الأرض المقدسة وتعيشها إلى قيام الساعة ، وكأن لهذا الجدار صرخة مدوية لا يسمعها إلا العالمون ، لقد سبق هذا الجدار عبر التاريخ جدر مثله فككها الحق وأعاد للأرض المقدسة بالذات مجدها وعزها وعادت تنبض بالحياة عادت تنبض بـ (لا إله إلا الله) .عادت للأرض المقدسة هيبتها وجمالها ورحيقها ، عاد الهدوء وعاد السلام ، فالأرض المقدسة أرض المسجد الأقصى ، أرض الأنبياء والرسل ومنبر إعلاء كلمة الله ، كلمة الحق ، فهي أرض الفاتحين المصلحين ، وهي أرض السلام ، وإذا كان الرسل قد بعثوا من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، فمعنى هذا أن الرجوع إلى هديهم يعني الخروج من المآزق إلى الفرج .

 

ومن سنة الله تعالى على هذه الأرض المقدسة وقد أخبر عنها التاريخ أن يكون الابتلاء للناس من أجل أن يرجعوا إلى دين الله  فإذا آثروا الاعوجاج جاء ما هو أسوأ .

 

أخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن ابْنَ مَسْعُودٍ ـ رَضِي اللَّه عَنْه ـ قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَالْكَهْفِ ، وَمَرْيَمَ ، وطه ، والأنبياء ، إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلادِي .وقوله : "من العتاق الأول" أي: من النفائس القديمة ، والعتاق : جمع "العتيق" وهو القديم الكريم النفيس ، قال ابن حجر في "الفتح" (8/388) ومراد ابن مسعود  أنهن من أول ما تعلم من القرآن ، وأن لهن فضلاً لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم . لذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة فيما أخرجه الترمذي ، وأحمد ، "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمَر وبني إسرائيل"، وقال الألباني صحيح .

 

وفي حادثة الإسراء خبر مهم صحيح وهو صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إماماً في النبيين والمرسلين في المسجد الأقصى ، فالمعنى المستفاد من هذا الخبر هو بركة الدعوة إلى التوحيد، وبركة المكان . لذلك فمن نفائس ما في هذه السورة أن ذكر الله في مطلعها معجزة الإسراء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى الذي باركه وبارك ما حوله ـ يعني بلاد الشام ـ .

ولما كان المسجد الأقصى محل إقامة كثير من الأنبياء والمقصود بذلك أنبياء بني إسرائيل ، فهو محل هجرة أبيهم إبراهيم ـ عليهم السلام ـ الذي من نسله إسحاق ومن ورائه يعقوب ـ إسرائيل ـ وهو محل إسراء محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو من نسل إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهم السلام ـ فقد جاء في السورة ما يبين وحدة الرسالات الربانية للناس ، ومن أمثلة هذه الوحدة ذكر بعض العناصر المادية والمعنوية العقدية والتشريعية والخلقية الجامعة بين رسالة موسى عليه السلام ، المطالب بها بنو إسرائيل ـ تلك الأمة التي سبقت أمة محمد ـ حتى إنهاء العمل بها ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين الرسالة الخاتمة ، رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين .

ولما كانت بني إسرائيل أمة سبقت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يقتدى فيها بالأمثال ، لذلك جاءت الكثير من الأخبار من خلالها من أجل الاعتبار ، فلم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث عن بني إسرائيل إذ كانت هذه الأخبار مما يؤده الشرع ويستقيم معه الفهم فقال : "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" . قال مالك : المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن ، أما ما علم كذبه فلا ، قاله في "الفتح".

ومن هذه الأخبار الصحيحة :

عَن الْحَارِثَ الأشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ؟ فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ (بني إسرائيل) فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَامْتَلأ الْمَسْجِدُ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ. وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ. وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ. وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ.

 

أخرجه أبو يعلى في "المسند"، وفي "المفاريد"، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن طهمان في "مشيخته"، وابن خزيمة في "صحيحه"، وعبد الرزاق في "المصنف"، والحاكم، والترمذي، وغيرهم، من طرق عن زيد بن سلام ( ابن ابي سلام ) أن أبا سلام وهو ممطور الحبشي حدثه أن الحارث الأشعري حدثه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره".

 

والشاهد على ما تقدم ما ثبت في سنن أبي داود ، وأحمد ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يُصْبِحَ مَا يَقُومُ إِلاَّ إِلَى عُظْمِ صَلاةٍ ".

 

قال في النهاية : عظم الشيء أكبره ، كأنه أراد لا يقوم إلا إلى فريضة .

 

قلت : وفي معنى الحديث ما يبين عظيم تتبع أخبار بني إسرائيل لما فيها من فائدة من أجل اعتبار ما في قصص بني إسرائيل مما يعين من انتهج منهج السلف الصالح في الفهم ، من زيادة في فهم الدين والواقع ، لأن كثيراً مما وقعت فيه بني إسرائيل تقع فيه أمة محمد لذلك تطلب الأمر زيادة في تتبع فهم ما كانوا عليه .

 

ومن ذلك ما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر ، أو ذراعاً بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قالوا اليهود والنصارى ؟ قال فمن!.

 

ومما قاله أيضاً وهو صحيح : "افترقت اليهود على إحدى أواثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة .

 

وفي السنة الكثير من الوقاية الناجعة النافعة لأمة محمد في أخبار بني إسرائيل مما يعين أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا تسلك في طريقتها في العبادة ما سلكته بني إسرائيل من انحرافات حتى أدى ذلك في النهاية بسبب انحرافاتها وبدعها أن خرجت عن دين الله تعالى ـ الإسلام ـ واتبعت الأهواء والبدع والخرافات والضلالات وزاغت عن الفطرة السليمة ، حتى صاروا ـ كما نرى ـ يهوداً مغضوبا عليهم ، ونصارى ضالين ؛ خارجين عن ملة الإسلام ؛ ملة إبراهيم ؛ ملة موسى وعيسى ـ عليهم السلام ـ ، فصدق فيهم قول العلماء "البدعة بريد الكفر" .

 

وتأكيداً على ما سبق فإن الله تعالى أنزل على موسى التوراة ـ وهو كتاب عظيم فيه الهدى والخير والرشاد ـ وهو عمدة كتب بني إسرائيل ـ ومعلوم أن الله تعالى قد نوه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، يشهد على ذلك ما جاء من قوله في سورة الأعراف : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ..(157) .

 

من أجل ذلك الاقتران في الذكر والأهمية ، أي ذكر أمة بني إسرائيل ، وذكر أمة محمد ، واجتماع الأنبياء والمرسلين جملة واحدة يؤمهم محمد صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى محل إقامة الأمة السابقة ، وأهمية ما كان في التوراة التي تناولته أيادي المبتدعة الفاسقين والكفرة الضالين من بني إسرائيل حتى أخرجوه عن الحق الذي نزل به جبريل ، وبذلك بنوا جداراً فاصلاً بين الحق والباطل واختاروا الباطل عن عمد وإصرار.

 

فكان لا بد لأمة محمد من الاعتبار من هذه الحوادث المؤلمة التي ألمت ببني إسرائيل حتى أخرجتهم عن دائرة الإسلام التي كانوا عليها ، ومن هنا فلنا العبرة ، لذلك قال الله تعالى في السورة عقب بيان عظم حادثة الإسراء : (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً(2) . فاستمر كتاب الله التوراة هدى للصالحين من بني إسرائيل حتى هجره خلفهم الأخير ، واتبعوا أهوائهم وبدعهم وشهواتهم .

 

قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ : "كثيراً ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتهما ، لأن كتابيهما أفضل الكتب ، وشريعتهما أفضل الشرائع ، ونبوتهما أعلى النبوات ، وأتباعهما أكثر المؤمنين".

 

والشاهد على هذا الاقتران أيضاً ما قاله الله تعالى في سورة الإسراء ـسورة بني إسرائيل ـ : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9)وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(10).

 

فدل الله تعالى على ما في كتابه العزيز من عظيم الخير والهدى ، فقوله (أَقْوَمُ) أي : أعدل وأعلى ، من العقائد ، والأعمال ، والأخلاق ، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن ، كان أكمل الناس ، وأقومهم ، وأهداهم في جميع الأمور .

 

فلما كان ما في القرآن من الخير والهدى ، ومن خيره وهداه ما قصه الله علينا من فساد بني إسرائيل لنعتبر ونتعظ وأن لا نخالف الرسل فنكون تحت طائلة المسؤولية التي لا عذر فيها لأحد فيما شرعه الله من الجزاء الرباني فقال في السورة: (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15).

 

ومن عدل الله ورحمته أنه لا يعذب حتى يرسل الرسول ليقيم الحجة .

 

ثم قابل الله تعالى في السورة بين من أراد العاجلة وبين من أراد الآخرة ، بين من سقط في الابتلاء وبين من نجح في الابتلاء .

 

لذلك بين الله تعالى في سورة مادة الابتلاء والاختبار في رحلة الحياة الدنيا .

 

ثم عالج الله تعالى موقف الكفار من الإيمان بربهم ، ومن سماعهم للقرآن، فالناس في رحلة الامتحان معرضون للفتن إذا هم تركوا طاعة الله تعالى ، فالفتن عادة من عظيم الابتلاء التي لا يخرج منها سالماً إلا المؤمن ، لذلك جاء التحذير من الله تعالى في سورة الأعراف من أكبر الفتن وهي فتنة الشيطان فقال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ(27) .

 

وكانت حادثة الإسراء بما فيها من أخبار مهمة وما صاحبها من عروج النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته ما أراد الله تعالى إطلاعه عليه ابتلاء للناس في مصداقية محمد صلى الله عليه وسلم ، كما كانت الآيات التي يرسلها الله عز وجل إلى الأولين تخويفاً لذا قال الله تعالى في السورة : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا(59)وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ َطُغْيَانًا كَبِيرًا(60) .

 

فمدار سورة بني إسرائيل كما هو واضح بيان ما في رحلة الامتحان في الدنيا من أمور شرعها الله تعالى لحكمة ، ونواه شرعها الله تعالى لحكمة ، من أجل أن يثبت المخاطب بكلام الله تعالى جدارته في الابتلاء حين سماعه بهذه الشريعة، أو إيثاره الدنيا على الآخرة ، وهذه الرحلة دخلت فيها الأمم السابقة ابتداء من قوم نوح ، فنوح عليه السلام هو أول نبي أرسل لأن قومه كانوا أول من أشرك بالله تعالى ، وانتهاء بأمة محمد صلى الله عليه وسلم التي يجب عليها أن تعتبر ، ولا شك أن أقرب الناس لها في الاعتبار هم بني إسرائيل الذين نزل على نبيهم موسى التوراة كتاب هدى ، فضل خلفهم الأخير وسقطوا في الابتلاء .

 

ومن ثم امتحنت طلائع أمة محمد بحادثة الإسراء تلك الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومن ثم عروجه إلى السماوات العلى وعودته إلى المسجد الحرام  ، والتي صلى أثناءها إماماً في الأنبياء في المسجد الأقصى.  فتبين أن الأنبياء دعوا إلى الله تعالى من مشكاة واحدة ، وأن رسالتهم واحدة ، وأن ابتلاء من أرسلوا إليهم واحد ، ألا وهو توحيد الله تعالى وطاعته وعبادته على الوجه الذي أمر ، ففي التوحيد كل الهدى ، وأنهم دعوا إلى نبذ الشرك، وترك المعاصي ففي الكفر كل الشقاء ، وحذروا من الوقوع في فتن إبليس الذي توعد ذرية آدم أن يضع اللجم في أحناكها ويقودها حيث يريد من معصية الله تعالى ، فناسب أن يأتي الله تعالى بقصة خلق آدم واستكبار إبليس في السورة ليحذر من عظيم فتنته المؤدية إلى الشقاء في الدنيا والآخرة بعد أن أطلق الله تعالى له العنان مما طلبه من غواية الإنسان دون أن يكون له على الإنسان سلطان يمنع إراداته الحرة من اتخاذ القرار السليم في توحيد الله تعالى وطاعته وعبادته على الوجه الذي أمر وبينه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكل هذا نزل في القرآن العظيم ، والقرآن مع ما فيه من تكاليف ربانية إنما هي من باب الابتلاء لا من باب الشقاء فما نزل القرآن على محمد ليشقى .

 

فهلا تفطن المسلمون اليوم للإجابة على السؤال وهو عنوان المقالة : لماذا الجدار الفاصل ولماذا الألم الحاصل

 

 

 

.