القدس والأقصى / خطب مقدسية
صلاح الدين وفتح بيت المقدس
الشيخ محمد المنجد
إمام وخطيب وداعية، له الكثير من الرسائل العلمية والدعوية والأشرطة
خريج إدارة صناعية - الجمهورية العربية السورية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين وسيد المجاهدين صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد حق جهاده، فكانت سيرته صلى الله عليه وسلم بحق لم يمر ببشرية مثله أبداً ولن يمر؛ كان قدوة بعبادته وتقواه وخشيته وتعليمه وجهاده صلى الله عليه وسلم، وتدرج في دعوته للناس فكان مستضعفاً في مكة، وجعل يدعو الناس إلى الإسلام، حتى أذن الله له بالهجرة إلى المدينة بعد سنوات استضعاف طويلة، ثلاثة عشرة سنة مستضعفاً لا يستطيع الجهاد حتى هاجر إلى المدينة وأسس ذلك المجتمع المسلم ، فشاء الله تعالى بالجهاد { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير }(الحج/39) فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل السرايا، ويجهز البعوث، ويقود الجيوش، حتى آخر لحظة من حياته، مات صلى الله عليه وسلم جاهداً مجاهداً، وسار من بعده خلفاؤه على هذا النهج في حرب المرتدين، وحروب فارس والروم، حتى أذن الله بأن تضعف هذه الأمة مرة أخرى، وأن ترجع ضعيفة بعد قوتها الأولى، ولكن الله رحيم بعباده، فلما جاءت جيوش الصليبيين إلى بلاد الشام كانت أكبر نكسة أصيب بها المسلمون وأعظم الخطوب خطراً منذ حرب المرتدين، ثم بعد ذلك جاءت نكسة التتر ثم بعد ذلك جاء الكفار في العصر الحديث بغزوهم العسكري والفكري.
والله سبحانه وتعالى لا يترك هذه الأمة بلا رحمة، بل إنه أذن عز وجل أن يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها(أخرجه أبو داود والطبراني)، ولذلك كان التجديد، وأحاديث المجدد من البشائر التي ينبغي أن يتمعن فيها المسلم لأنها تبعث في النفس الأمل في أوساط الضعف والهزيمة، مثل الأوساط والهزيمة التي يعيشها المسلمون هذه الأيام، ولكن هذه الأمة كالغيث لا يدري خير أوله أو آخره(رواه البزار والطبراني) «الخير فِيَّ وَفِي أُمَّتِي إلى يوم القيامة» فبعث الله المجددين في كل فرع من فروع الدين، فكان منهم من جدد في جميع فروع الدين ، وكان منهم من جدد في جوانب الفقه، أو التفسير، أو الحديث، وكان منهم من جدد في جوانب الجهاد، ولذلك تمر بعض القرون بالأمة الإسلامية لا يمكن أن يكون المجدد فيها واحداً بل ربما يكون مجموعة من الناس تجدد في وقت واحد؛ هذا يجدد من جهة، وهذا من أخرى، وهذا من ثالثة حتى يكون عماد الإسلام.
وكان الوقت الذي غزى فيه النصارى بلاد المسلمين، كان وقتاً عصيباً جداً، فإنهم عليهم لعائن الله قام فيهم "بطرس الناسك" يحرضهم على غزو أرض المسلمين، ويقول : إن أرض المسلمين تقطر لبناً وعسلاً، وأعلن بما يسمى بالحرب المقدسة، حتى اجتمع من جيوش الكفرة من النصارى خلق عظيم، غزوا سواحل بلاد الشام فاحتلوا كثيراً منها، وأمعنوا في المسلمين قتلاً، وفي بلادهم وممتلكاتهم نهباً وسلباً، وقام المسلمون من كل مكان من بلاد الشام، يذهبون إلى إخوانهم يستنصروهم فلا معين ولا ناصر، وكان يحكم مصر في ذلك الوقت الدولة الفاطمية الباطنية الرافضية الكافرة، التي لما قام ملوكها قاموا بقتل علماء السنة في مصر، وجعلوا المساجد والأئمة الخطباء والقضاة منهم هم من أتباع المذهب الفاطمي، ينتسبون إلى فاطمة، وفاطمة منهم بريئة رضى الله عنها، وكان هؤلاء من خياناتهم أنهم كانوا يتعاونون مع النصارى، وهكذا الباطنيون في كل عصر ومصر يكيدون لأهل السنة، ويتعاونون حتى مع الشيطان الرجيم في سبيل القضاء على ملة الإسلام، وما كانوا يقلون خطراً أبداً عن النصارى، بل أن شرهم مستطير، وبلاءهم عظيم.
وقيض الله لأمة الإسلام في هذه الفترة ثلاثة من ملوك المسلمين العظام تتابعوا واحداً بعد واحد؛ «محمود زنكي» «ونور الدين» «وصلاح الدين الأيوبي» رحمهم الله جميعاً، والذي سنتحدث عن سيرته وعن تجديده في جانب الجهاد، وسنركز على جانب الجهاد.
"صلاح الدين" بشر يصيب ويخطأ، قد يكون له زلة، ولكن لا شك كما قال شيخنا عبد العزيز بن باز -حفظه الله، لما سألته عن هذا الرجل وعما قيل فيه سلباً وإيجاباً، قال : لا شك أنه من مجددي الإسلام في الجهاد، وجهوده في القضاء على اليهود والنصارى عظيمةً جداً لم يكن فيها أحد مثله في القضاء على هاتين الطائفتين في وقت واحد.
ولد "صلاح الدين" -رحمه الله تعالى- في "طلعة تكريت" 532هـ.
اسمه يوسف بن أيوب بن شاذي وهو كردي ليس عربي، ولقبه "صلاح الدين".
انتقلت أسرته إلى "الموصل"، ثم رافق والده الذي عين حاكماً على "بعلبك" ودرس فيها أنواعاً من العلوم، وتعلم الصيد والفروسية ثم لحق بعمه "أسد الدين ابن شيركوه" في "حلب"، وأبدى "صلاح الدين" في منصب شحنكية دمشق مهارة وقدرة كبيرة، ثم رجع إلى حلب، واهتم به "نور الدين" لملامح الفطنة التي رآها عليه، ثم أن عمه "أسد الدين شيركوه" قد اصطحبه معه لمصر، لأوامر من "نور الدين" وكان "نور الدين محمود" يسعى إلى تحقيق الوحدة الإسلامية بين الشام ومصر، لجعل الصليبيين بين شقي الرحى.
وكان من أهداف "نور الدين" رحمه الله، أن يوحّد بلاد المسلمين لحرب النصارى، وهو يعلم علماً تاماً أنه لا يمكن أن يحارب المسلمون النصارى وهم متفرقون، وفي هذا درس عظيم لكل من يظن أن يبدأ بالأعداء الخارجيين قبل الأعداء الداخليين،
أراد "نور الدين" رحمه الله إسقاط الخلافة الباطنية لما زعموا أنها خلافة، وعيّنوا لها خلفاء باطنيين في مصر، أراد ضمها إلى نفوذ أهل السنة والجماعة مرة أخرى، واستغل "نور الدين" خلافاً حصل بين وزيرين من الدولة الفاطمية فأرسل "أسد الدين" مع ابن أخيه "صلاح الدين" في جيش إلى "مصر" ثم عاد مرة أخرى في عام 562هـ ومعه ولد أخيه "صلاح الدين" أيضاً، وحدثت معركة مهمة بين "شاور" الخائن والصليبيين من جهة، و"شاور" من الباطنيين في "مصر" الذي استنجد بالصليبيين، حدثت معركة مع الصليبيين وبين جيش المسلمين بقيادة "أسد الدين شيركوه" و"صلاح الدين" انتهت بانتصار أهل السنة بقيادة "أسد الدين شيركوه" وخرج "أسد الدين" من "مصر" ليعود إليها، ويصبح وزيراً للخليفة الفاطمي الذي لم يبق له تقريباً إلا مجرد الإسم، وقتل الخائن شاور في عام 564 هـ، وشاء الله أن يموت "أسد الدين شيركوه" في 564هـ ويتولى بعده "صلاح الدين" الوزارة .
وظن الخليفة الفاطمي، أن صِغَر "صلاح الدين" يقدح فيه، فقد تولى منصب الوزارة في 564هـ، وكان عمره 32 سنة، ولكن "صلاح الدين" خيب ظن ذلك الخليفة الفاطمي، وقام بإصلاحات كثيرة منها:
1- إلغاء ضرائب الفاطميين.
2- بذل الأموال للناس في أوقات الشدّة حتى أحبوه.
3- صد غارات شنها الصليبيين على دمياط عام 565هـ.
4- أسس المدارس وحصن المدن والموانئ والثغور المصرية وبنى قلعة "المقطم" المشهورة.
5- اكتشف خيانة الفاطمي فتخلص منها وبدأ بمشروع مهم جداً وهو عزل قضاة مصر الباطنيين الفاطميين وتولية قضاة بدل منهم من أهل السنة والجماعة.
6- ألغى "حي على خير العمل" من الأذان التي اخترعها أولئك الباطنيون في "مصر" .
وهذا الأزهر، المسجد الذي بناه الباطنيون الكفرة والذي يعتقد كثير من المسلمين أن "جوهر الصقلي"(انظر ترجمته في الأعلام للزركلي 2/148) بطل إسلامي مع أنه زنديق ملحد من هؤلاء الباطنية، ولكن رد كيدهم في نحرهم فكان ذلك المسجد منارة لأهل السنة في "مصر" كما طهره "صلاح الدين" رحمه الله تعالى.
7- تمكن "صلاح الدين" بإخلاصه وحماسه وحنكته من إلغاء الخلافة الفاطمية الباطنية في مصر في أول جمعة من محرم 567هـ، وصار الخطيب من يوم الجمعة يدعو للخليفة العباسي على المنابر، وتوفي آخر خليفة فاطمي في 10 محرم من هذه السنة دون أن يعلم أن دولته قد سقطت لأن "صلاح الدين" أخفى ذلك عنه.
ثم قام الباطنيون بعدة محاولات لاغتيال هذا القائد المسلم، للإصلاحات الكثيرة منها مؤامرة عمارة اليمني، وعبدالصمد الكاتب، وداعي الدعاة في 569هـ، واتصل بالإسماعيليين لاغتيال "صلاح الدين"، وكان الإسماعيليون مشهورين بتدبير محاولات الإغتيال من مصر، واتصل بالصليبيين لغزو "مصر" لإشعال الفتنة في الداخل، وكان حول "صلاح الدين" أناس مخلصون يقظون، فكان أحد رجال "صلاح الدين" داخلاً في بطن هذه المؤامرة ليستكشف أحوالها، وأحبطت قبل أن تنفذ، عرف الصليبيون اكتشاف المؤامرة فرجعوا ومرت معارك في البر والبحر بين صلاح الدين وملك صقلية في أواخر 569هـ انتهت بانتصار "صلاح الدين".
وفي 568هـ وافت المنية "نور الدين محمود" رحمه الله، وتولى ولده بعد ذلك، وقام الطامعون بالاستيلاء على دولة "نور الدين محمود" التي كانت في بلاد الشام في حلب ودمشق فتمهدت الأمور "لصلاح الدين" لدخول دمشق وضمّها لمصر ليكملوا خطتهم خطة "نور الدين محمود" وهي توحيد بلاد الشام ومحاصرة الصليبيين، وأرادوا بعض طلاب الدنيا ممن كانوا مع "نور الدين" بالاستعانة مع الإسماعيليين في محاولة أخرى لاغتيال "صلاح الدين" رحمه الله، وأوشكت المؤامرة أن تنجح لولا أن الله قدر اكتشافها، ففشلت بعد أن جرح "صلاح الدين" في تلك المؤامرة.
واستطاع "صلاح الدين" أن يوحّد بلاد الشام تحت رايته، وكان خلال ذلك يحاول عدم خوض معارك مع بعض الطامعين في الإمارة من المسلمين لاستبقاء الدم الإسلامي بالقوة لحرب النصارى.
حاول الإسماعيليون مرة أخرى قتل "صلاح الدين" في عام 570 و 571 للهجرة، للإندساس في جيشه، حتى وصلوا إلى خيمته حتى أن أحد هؤلاء الباطنيين وصل وفي يده سكيناً ومنشراً ولكن الله قيض من الحراس من قتله، وأحبطت محاولته، وهو يحاصر قلعة إعزار بحلب.
هذا دليل على أن الباطنيين المنافقين الذين يزعمون الإسلام خطر على المسلمين في كل زمان ومكان، وأنه يجب كشفهم والقضاء عليهم، وما ضُرب الإسلام منذ خلافة "عثمان" رحمه الله وحتى هذه الأيام بمثل ما ضرب من الباطنيين، ابتداءاً "بعبدالله بن سبأ" وانتهاءاً بهم الآن وهم يدبّرون المؤامرات تلو المؤامرات للقضاء على أهل السنة .
وقد قام "صلاح الدين" بتأديبهم، وكان من طرق "صلاح الدين" في مواجهة بعض الأمراء من المسلمين الطامعين في السلطة. أن يقول: من جاءني راضياً سلمت له بلاده على أن يكون من أتباعي في جهاد الصليبيين، فكان واضحاً عليه رحمه الله أنه لا يريد الدنيا، ولا يريد الملك لنفسه، وإنّما يريده ليوحّد المسلمين لحرب النصاري، ومع الأسف من أن بعض الطامعين في الدينا من المسلمين قاموا بعقد المعاهدات مع النصارى وبعضهم دفع 10 آلاف دينار ذهب سنوياً للنصارى، وسلمهم بعض ثغور المسلمين، وأطلق بعض أسرى النصارى مقابل الإستعانة بالنصارى، في حرب "صلاح الدين"، وهكذا يفعل حب الدنيا الأفاعيل، وعندما لا يكون الولاء والبراء، متمكناً بقلب المسلم ، فإنه يفقد توازنه، مثل هؤلاء الناس لم يكن الولاء والبراء متحققاً في نفوسهم، فصاروا يوالون الكفار ويعادون المسلمين،.
والولاء والبراء من أساسيات العقيدة، لا يمكن للمسلم أن يجاهد دون أن يتمكن الولاء والبراء من قلبه.
وجلس "صلاح الدين الأيوبي" تسع سنوات من عام 570هـ إلى عام 579هـ، من أجل توحيد بلاد المسلمين حتى ضم مصر والشام وإقليم الجزيرة وأخضع الموصل ليصبح أقوى ملوك الشرق قاطبة.
وأما تجديد "صلاح الدين" في الجهاد، فلم يكن يخبط خبط عشواء وإنما كان رحمه الله يعلم عظم المهمة التي انتدب نفسه لأجلها، ويعلم بأن هؤلاء النصارى ليسوا من السهولة أبداً، لذلك عندما ندقق في إصلاحات "صلاح الدين" في الجهاد، تعلم علم اليقين أن الرجل كان يعد العدة المناسبة للكفرة ويطبق قوله جل وعلا { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }(الأنفال/60)، ولذلك فإنك لتستغرب أشد الاستغراب من تلك العقلية الفذة التي هيأها الله سبحانه وتعالى لترسيخ صفوف المسلمين، وتطمأن اطمئناناً فعلياً لعناية الله عز وجل بهذه الأمة، وأنت تتمنى وتتمعن، في تخطيط "صلاح الدين" لإعداد الأمة للجهاد، الرجل ما كان يعد نفسه وأهل بيته فقط، ولا المدن التي كانت حوله فقط كان يعد الأمة الإسلامية كلها لحرب الصليبيين.
وابتدأت المسألة من جوانب الاصلاح، والجيوش، والجند، وإعداد الدواوين والأسلحة، والإقتصاد، والذخائر، والعتاد، والمؤن، والخطط الحربية، وسنأتي على كل ذلك، لنبين عظم تلك العقلية التي قيضها الله تعالى لنصرة دينه.
Ø جعل الإقتطاعات الزراعية لخدمة الجهاد، وكان يقطع الأراضي الزراعية والقرى للقادة الحربيين على عادة "نور الدين" سابقاً ولكن مع تطويرات إضافية وكان يأخذ الإقطاع من كل أمير يهمل في واجباته، وكان يعطي الأرض لهذا القائد العسكري ممن معه فيستفيد منها لا يتملكها هو ولا يورثها لأولاده، ويستفيد من محاصيلها وخيراتها مقابل الخدمات الحربية .
فمثلاً لابد لهذا الأمير الذي أقطعه الأرض أن يقدم العساكر في وقت الحرب وأن ينفق على عساكره وأن يعدّها، وأن يلحق بالسلطان على رأس فرقته الحربية إذا طلب منه ذلك، وأن يرسل العتاد والسلاح والجند، وكذلك على هذا الأمير الذي أقطع هذه المقاطعة أن يراقب تحركات الأعداء، ويقر الأمن الداخلي في الإقطاع الذي أعطاه إياه.
Ø وكان لدى "صلاح الدين" رحمه الله ديوان جيش منظم لضبط الإقطاعات في أسماء الجند، رواتبهم ومراتبهم، ويصدر هذا الديوان إحصائيات دورية فيها أعداد الجند وقدراتهم، وكان هذا الديوان يصرف على العمائر، والتحصينات، وبناء الأسوار، والقلاع، وكان فيهم مسؤولون يحاسبون أمراء الإقطاعات، على تقصيرهم، ويرفعون بشأنهم "لصلاح الدين" رحمه الله.
Ø وأما بالنسبة لجانب الأسلحة والمؤن والعتاد فإنه كان -رحمه الله- يحرص على إعداد ما يكافئ المهمة واهتم بها جداً حتى طلب من أحد رجاله أن يؤلف كتاباً بهذا الموضوع، من أنواع السلاح، وطرق صناعته، واستخدام السلاح، الذي يناسب الغرض المنشود، من الأثقال، والأحمال، من العدد، الواقية والدروع السابغة، والنصال، والخوذ، والتروق، والترانق، والمنجنيقات العربية، والتركية، والإفرنجية، وكان لدى "صلاح الدين" خبراء بالمنجنيقات .
وطوّر المسلمون سلاحاً مهماً جداً خلال الحروب الصليبية بفضل الله ثم بدعم "صلاح الدين" وهو سلاح النفط، جمع "صلاح الدين" من أجله النفاطين والزراقين، النفاطين الخبراء في هذا النفط، وطوّروا سلاحاً وهو خليط من خلطة من الزيوت والنورة المطفأة والنفط والصمغ والكبريت والخل وشحوم الحيوانات ونخالة الحنطة، تخضع لعمليات شبه كيميائية لها طرق، حتى تصبح هذه الخلطة، مثل الألغام المتفجرة تقريباً، وكانت هذه الخلطة ترمى من المنجنيقات، وترمى بواسطة النشاب وعلى ظهور الخيل، وتوضع في قشر البيض، بعد إخراج ما في البيضة، توضع الخلطة داخل هذه البيضة ويغلق عليها وترمى من أقواس مخصوصة.
كما صمم أنواع من سلاح النفط يسير على الماء دون أن ينطفئ، ليصطدم بمراكب العدو ويحرقها ويغرقها في عرض البحر، أشبه بالألغام المائية البحرية الموجودة الآن، وساعد الخليفة العباسي الذي أسدى له "صلاح الدين" خدمات جليلة بإرسال حملات من النفط، ومعه جماعة من الخبراء، وجماعة من "الزراقيين": خبراء الرمي، و"النفاطين": خبراء النفط بالتركيبة، فكان عندهم هذه الزراقات والأنابيب الخاصة لرمي هذه المواد الملتهبة.
وكان من الأسلحة التي استخدمها المثلثات، والمسدسات، والمثلثات: عبارة عن حديدة لها شوكتان شوكة تغرس في الأرض والأخرى على ظهر الأرض، والمسدسات: ثلاث شوكات في الأرض وثلاث على سطح الأرض، حتى إذا داسته خيول الأعداء نفرت وآذت إيذاءً شديداً ووقعت على الأرض ووقع من عليها، وكانت ترمى في الطرق التي من المتوقع أن يسلكها الأعداء.
وطوّر المسلمون كذلك سلاح الدّبابات، و"الدّبّابة" كانت عبارة عن بناء من الخشب، تصميم يغلف بقطع من القماش والستائر المبلولة بالخل والخشب المضادة للنيران، وكانت تسير على عجلات خشبية، وكان يستتر في داخلها الجند، أو تملئ بالمواد الملتهبة لتدفع دفعاً إلى الأسوار لتدمرها، وكانت تحمي من بداخلها والستائر قد صنعها المسلمون لحماية الأبراج والسفن والدبابات والمنجنيقات، هذا بخلاف السيوف والرماح والدروع والتروس، وكان لدى جنود "صلاح الدين" المطارق لتهشيم خوذ الأعداء، وضربهم على رؤوسهم.
Ø وأما بالنسبة لتنظيم الجيش فقد كانت مهمة "صلاح الدين" وهي مهمة كبيرة جداً، وبشكل خاص لتنظيم الجيش، فكان لديه أنواع من الجيش منهم "عسكر السلطان"، المتفرغون تماماً للجهاد، الذين يستخدمهم في الإغارة وصنع الكمائن، وكان لديه نوع آخر وهو جند الأمراء الذين يستدعون وقت الحرب فقط، ويستريحون وبعدها يذهبون لأهلهم في وقت الشتاء، وكان صنف ثالث وهم المتطوعة والقوات المساعدة من العلماء والصلحاء والقضاة الذين يهبون كلما استدعاهم صلاح الدين والمتحمسين من المسلمين، وكان لديهم من أبناء القبائل من يدله على الدروب والمسالك، وكان يطعّم جنده بالعناصر الجيدة التي يتخذها من الأقطار الإسلامية المختلفة ويعمد إلى أمراء الإقطاعات أن ينتخبوا له مجموعة كلما أراد أن يدعم جيشه لمعركة مهمة، وهؤلاء المتطوعة من بين هذه الأصناف طبعاً هم أشد الناس بلاء وأحسنهم قتالاً لأنهم لا يأخذون مرتبات وليست لهم أموال تدفع للجهاد، ولذلك كان منهم العلماء والقضاة وكان لوجودهم أثر كبير في تحميس المسلمين، هذا الصنف من المتطوعين شاركوا في اختراع وسائل وطرق جديدة لما حدث في معركة "حطين" عندما أشار بعض المتطوعة بإشعال النار في مناطق فيها حشائش كثيرة يابسة استغلوا اتجاه الريح التي كانت تسير في اتجاه الصليبيين، حتى يجتمع عليهم حر هذه الأعشاب المحترقة مع دخانها مع انقضاض المسلمين عليهم.
Ø وعمد "صلاح الدين" إلى تجميع أساليب القتال فكان عنده نظام تعبئة ونظام اصطفاف، وتنظيم الجيش في داخل الخيام عندما يخيمون حتى إذا صاح قام أهل الميمنة إلى أماكنهم، وأهل الميسرة إلى أماكنهم، وكان لديه حركات استكشاف، وقوات استطلاع وعلامات بينه بين الجنود يعرفون بها وقت الإنقضاض وبدء الهجوم، وكان لديه قضاءٌ داخل الجيش لفصل الخصومات عند حدوثها بين المسلمين.
وكان لديه مجلس مشورة خاص وعام، يرأسه هو، وكان يفتتحه هو، ويأخذ بآراء جنوده وأحياناً يفضل آراء المستشارين على رأيه الخاص مع أنه كان يرى أحياناً أن رأيه هو الأصوب تأليفاً لقلوبهم وتصديقاً لقول الله عز وجل
{ وأمرهم شورى بينهم}(الشورى/38)، ومن افتتاحياته في مجلس الشورى في شعبان عام 598 هـ في حصار "عكا" قوله : «اعلموا أن هذا عدو الله وعدونا أجلب بخيله ورجله وأناخ بكلكله كله، وقد برزوا بالكفر كله إلى الإسلام كله، وقد جمع حشده، وحشد جمعه، واستنفذ وسعه، وإن لم يعالج الآن فريقه المضل داؤه، أعضل داؤه وتعذر غداً لقاؤه».
وكان لديه العيون، والجواسيس كما فعل في كشف خبر مَلِك الألمان، الذي اختلط بعسكره بعض جنود "صلاح الدين".
Ø وكان رحمه الله، يستخدم الحَمام الزاجل في نقل الرسائل كما حصل في حرب "عكا" وكان يستخدم الحرب الخاطفة، والكر والفر، ويرسل المسلمين لحصد غلات الصليبيين - الذين كانوا يملكون المزارع، فيرسل جيوش خاصة لحصد غلات الصليبيين والإتيان بها للمسلمين.
Ø وكان يستخدم أساليب التمويه، والخداع، ويظهر أنه خارج لجهة وهو خارج لجهة أخرى، وكان لديه غارات وتخريب ممتلكات وكمائن، وشن حرب عصابات، كما داهم جماعة من المسلمين أثناء حصار "عكا" 598 هـ سوق الحمام وسبوا عدداً من نساء الفواجر، وكان بعض المسلمين، يتسللون إلى معسكرات الصليبيين لخطف الجنود، وكان من سياساته أنه يتفق مع القادمين من النصارى يطلبون الأمان من "صلاح الدين" يقول لهم : في طريقكم أغيروا على سفن النصارى، وَسَلَبُها بين يديكم، فإذا جاءوها بالسلب أعطى المستأمنين السلب كله، وكان هذا سبب في إسلام شطر منهم.
Ø وكان رحمه الله يعرف كيف يستدرج العدو إلى المكان المناسب وكان يوفر المواد اللازمة لجنوده كالماء والعشب للدواب، ويراعي درجة حرارة الشمس، واتجاه أشعة الشمس، كما حصل في معركة "حطين" وكان يتبع طريقة النوبات، في حصار حصون الأعداء، ويهتم بتحصين المناطق وتسوير المدن التي يخشى عليها من الصليبيين، وتشديد الدفاع عليها ويهتم بحفر الخنادق وبناء الأبراج، وعمل الجسور، وأنشأ دوراً خاصة لصناعة الأسطول الإسلامي في مصر، بعد أن أحرقه الكفار، وكان يجلب أخشاب الصنوبر والأَرْز من "جبال لبنان"، والحديد من جبالها من قرب "بيروت" وحصل من إيطاليا عبر إتفاقية عقدها مع الإيطاليين على معاهدات تجارية استطاع أن يأتي من خلالها بأخشاب ومواد يحتاجها لبناء الأسطول الإسلامي، وكان لديه 80 سفينة في الأسطول، 50 سفينة لحماية سواحل "مصر"،30 سفينة لحرب الصليبيين في بلاد الشام وحماية الحجاج الذين يأتون عن طريق البحر.
Ø وكان يهتم بالحراسة الساحلية في سواحل مصر والشام، وجعل في دمياط سلسلة لإعاقة دخول العدو في حالة الطوارئ، ووضع خطط لإدخال المؤن إلى الأماكن والموانئ المحاصرة، فمن ذلك الحصار المفاجئ، واستخدام القوة لفتح ثغرة في صفوف العدو، مثل ما حدث في حصار "عكا" أو يدخل المؤن قبل ذلك إلى الأماكن المتوقع حصارها ومهاجمة العدو وإشغاله من طرف حتى يتمكن إدخال المؤن من طرف آخر، وكان يهجم هجوم بري لكي يشغل الأعداء عن أسطول المسلمين القادم من "مصر" بالمؤن والذخائر، وأعد "صلاح الدين" ببيروت سفينة محملة بالمؤن 400 جرارة من القمح والميرة والجبن والبصل والنخل، واستخدم المسلمون حيلة عظيمة لإدخال المؤن لميناء عكا، المحاصر وكانت هذه الخطة أن المسلمين على ظهر السفينة المحملة بالمؤن قاموا بما يلي: علقوا الصلبان، في صدورهم ولبسوا ملابس الفرنج، وتزيوا بزيهم، بل أنهم وضعوا الخنازير فوق السفينة بشكل ظاهر، ودخلوا بهذه السفينة بين سفن النصارى التي تحاصر عكا وصاروا يقتربون من مدينة عكا، ويعتذرون للنصارى بأن ريح تدفعهم بهذا الاتجاه، والنصارى يظنونهم أنهم منهم، حتى دخلوا بالسفينة إلى عكا ففرج الله بها عن المسلمين فرجاً كبيراً.
Ø وكان صلاح الدين رحمه الله يهتم باستثارة الناس للجهاد، ويرسل الرسل والكتب إلى الخليفة العباسي ويطلعه على سير الفتوحات كما حدث في معركة "حطين" وأرسل رسالة إلى البلاد التي لم تكن خاضعة للخلافة العباسية يستنجد بهم كالتركمان في الشرق، ودولة الموحدين في الغرب، كما استعان بخطباء المساجد للدعاء لجيشه بالنصر، وحث الناس على الجهاد.
Ø وكان حريصاً على شن المعارك يوم الجمعة في التوقيت الذي تقام فيه صلاة الجمعة تبركاً بدعوة الخطباء على المنابر، وكان يستعين بالقضاة والفقهاء لتأليب الناس على الجهاد، وفي ساحات المعارك، وفي المدن، التي كان يفتحها، وكان يمشي بين صفوف الجيش بنفسه يحثهم على الجهاد، وينادي يا للإسلام، كما حدث في حِصار "عكا"، وكان من ضمن فقرات الرسالة التي أرسلها إلى ملك المغرب المسلم من الموحدين بقوله له : « أترضى أن يعين الكفر الكفر، ولا يعين الإسلام الإسلام»، يقول له: «هؤلاء الكفار يعينون بعضهم أنت لا ترضى بذلك، أما ترضى أن يعين المسلم المسلم».
هذه نبذة عن التجهيزات التي قام بها "صلاح الدين" لحرب النصارى، ومن هنا نعلم أن الرجل "صلاح الدين" ما قام على الحماس الفارغ أبداً، ولا دخل في المعارك دون أن يعد العدة، ولا ألقى بأبناء المسلمين غنيمة سهلة للكفّار أبداً، رجل يعرف حجم المهمة بل إنّه لم يبدأ بحرب النصارى حرباً جديةً إلا بعدما وحّد بلاد المسلمين، "صلاح الدين" يعلم تماماً من غير توحيد المسلمين لا يتمكن من محاربة النصارى بل أنه تعلم درساً من إحدى المعارك هزم فيها أمام النصارى، أن يستكمل توحيد بلاد المسلمين.
Ø وهذا درس عظيم ينبغي أن يهتم فيه المسلمون في هذا الزمان، وبالذات طائفة الشباب المتحمسين الذين يظنون أن المهم إلقاء النفس إلى العدو فقط، وأن الله ينصر المسلمين بأي شيء ولا يتمعّن في قول الله عز وجل : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }(الأنفال/60)، ليعلم أولئك المتحمسين أن النصر لا يأتي بهذه السهولة، وأن أخذ العدة العسكرية والمعنوية بعد تهيأت الناس عموماً للجهاد تريد أن تجاهد بنفر من المتحمسين الذين تتوق أنفسهم للجنة، وهناك أعداد كبيرة من المسلمين ركنوا للدنيا، ولم يُعَبَّأ الناس للجهاد كيف ستقود هذه المهمة، ولذلك فإننا مع تحركنا للجهاد في سبيل الله، وتشوقنا إلى جنة عرضها السموات والأرض إن شاء الله، وتوكيد العزم بهذا اليوم الموعود فإننا لا يمكن أن ننساق وراء الحماس الفارغ دون إعداد العدّة وتجهيز الأمة، ولابد من التربية الواعية ولابد من توعية العلماء، والدعاة، والخطباء، والمدرسين، كل في مكانه وكل في ثغرته لشحذ الأمة وإعدادهم للجهاد، وليس فقط بالإعداد الحماسي بالخطب، والكلمات الرنانة بل بإعداد العدة العسكرية حقيقة لأجل الوصول لهذا الهدف، وليس المهم أن يحدث طفرة في مكان واحد فقط كلا، وإن لي كلمة بهذه المناسبة أيها الأخوة: إن الله عز وجل إذا وجد من المسلمين صدقاً وإخلاصاً فإنه يوفقهم وينصرهم، وكم كانت رؤوس المسلمين مطأطأة فما رفعت إلا بعد الجهاد، الجهاد هو الذي يحيي في الأمة الروح، وهو الذي يبعثها بعثاً جديداً، وهو الذي يوقظ الطاقات كما سيمر معنا بعد قليل.
وإنه من المناسب هنا أن نستعرض بعض المواقف التي حصلت "لصلاح الدين" وإلا فإن سياق جهاده ضد الصليبيين أمر متعسر في هذه العجالة، ولا يمكن أن نسير على مخططه وغزواته كلها وجهاده والحصون التي اقتحمها والمدن التي حررها، والمعارك التي انتصر فيها والتي حصل فيها شيء من الهزيمة، هذا أمر يصعب ولكن نتأمل في قصة "أرناط" أحد ملوك النصارى هذا الرجل صليبي حاقد ولص، ولا يوجد بين النصارى من هو أشد منه نقضاً للعهود والمواثيق وخائن لأبعد درجة، هذا الرجل أسر في زمن "نور الدين محمود" وبيع في حلب ثم أشترى نفسه، وذهب مرة أخرى إلى النصارى ليكون قائداً من قوادهم، وهذا الرجل النصراني "أرناط" حدث أن جيشاً هزم في "الرملة" لصلاح الدين مِنْ قِبَلْ "أرناط" بعد أن حرر نفسه من المسلمين وذهب، وحصل أن هذا الرجل تزوج من ملكة للنصارى على حصن تسمى "الكرك" في الطريق بين مصر والشام، وصار يغير منه على حجاج المسلمين لدرجة أن "القاضي الفاضل"(هو عبد الرحمن بن علي من عسقلان بفلسطين) أفتى في تلك الأيام أن الحج ليس بواجب على تلك البقعة للذين لا يمرون إلا من هذا الطريق لعدم أمنه، ووصفه بعض علماء المسلمين بأنه أغدر الفرنجة وأخبثها وأنقضها للمواثيق وأنكثها وأحنثها وانتهك عام 577 هـ هدنة معقودة بين المسلمين والصليبيين وجمع جيشه وسار إلى "تيماء" ثم حدثته نفسه هذا "أرناط" الصليبي بالمسير إلى "مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم "ويستولي عليها ويضرب المسلمين في أعز ما يملكون وأقدس المناطق التي يكنون لها في أنفسهم قدراً عظيماً ولكن أمير دمشق مِنْ قِبَل "صلاح الدين" أغار على حصن "الكرك" وَكَبَّدَ النصارى خسائر كبيرة مما أرغم "أرناط" هذا للعدول عن خطته والعودة وعدم غزو "المدينة"، وفي 578 هـ شرع "أرناط" في بناء سفن نقلها مفككة على ظهور الجمال إلى ساحل البحر الأحمر، وركبها وشحنها بالرجال ولم يكن للصليبيين أي وجود في البحر الأحمر مثل هذا وباغت المسلمين في ديارهم على حين غفلة، فقتل ونهب وسلب ثم توجه إلى أرض الحجاز وسار في اتجاه المدينة حتى وصل إلى "رابغ" ولم تكن بينه وبين المدينة إلا مسيرة ليلة واحدة، فعند ذلك أمر "صلاح الدين" أميره على مصر وواليه عليها الملك العادل إلى إعداد أسطول قوي في البحر الأحمر، وتجهيزه بقيادة "الأمير حسام الدين لؤلؤ" من المسلمين الذي تتبع الصليبيين في البحر الأحمر، وضرب أول الموانئ التي احتلوها ثم تتبع سفن الصليبيين واحدة واحدة حتى بلغ "رابغ" وقد قتل معظمهم وأغرق سفنهم وكان موسم الحج قريب، فأرسل "حسام الدين لؤلؤ" أسيرين من الصليبيين إلى "مِنَى" حتى نَحَرَهُما هناك في يوم العاشر من ذي الحجة كما تنحر البُدْنُ هذا انتقام وإرهاب للكفرة وطاف بهم، للاستعراض، في شوارع الإسكندرية والقاهرة، كما أمر "صلاح الدين" بقتلهم بمصر أمام الناس حتى لا تسول لأحد نفسه لغزو الحجاز مرة أخرى، واستطاع "أرناط" الهرب والعودة إلى حصن "الكرك" وبعد عدة هجمات على حصن الكرك هادن صلاح الدين، إلا أنه عاد وغدر وخان ونقض العهد وهجم على قافلة من المسلمين، فغدر بهم وأخذ أموالهم فقتل من قتل وأسر من أسر، فذكَّره بعض المسلمين بالمعاهدة، فقال الصليبي الحاقد، قال كلمة كبرت: (قولوا لمحمدكم يخلصكم)، فأرسل إليه "صلاح الدين" يذكره بما حصل فلم يتذكر هذا الرجل، فكان "لصلاح الدين" موقف أظهر فيه عزة الإسلام ، سنذكره بعد قليل في معركة حطين .
أما معركة "حطين" وهي لابد من الإشارة إليها في هذا المقام، لأنها من أشهر الحوادث إن لم تكن أشهرها هي وفتح بيت المقدس، استطاع "صلاح الدين" بحنكته ودهائه استغلال فرصة خلاف بين الصليبيين ليميل مع جانب ضد الآخر، وأمر أهل "حلب" بعقد معاهدة مع البيزنطيين فضمن عدم وصول امدادات منهم للنصارى، ثم جمّع قواته من مصر ودمشق وحلب والجزيرة والموصل وسار إلى قرب بحيرة طبرية، وعسكر على سطح جبل طبرية المشرف على ساحل "حطين" وكان "صلاح الدين" قبل ذلك قد عمل تعبئة ليتأكد أن المسلمين سيقدمون إليه إذا استنصرهم، واجتمع الصليبيون في تلك الموقعة وكانوا قد هزموا في "صفورية"، واستطاع "صلاح الدين" أن يستدرجهم إلى المكان الذي يريده هو في سهل جبل طبرية الغربي
- وكان جملة من معه 12 ألفاً غير المتطوعة مع "صلاح الدين"، وجمع الصليبيون جنودهم فكانوا قريباً من 50 ألف، التقى "صلاح الدين" وبمن معه من المسلمين،
- في صباح يوم الجمعة 24 ربيع الآخر 583هـ ابتدأ القتال، وفصل بين الجيشين الليل، ثم عاد في النهار للاشتباك مرة أخرى، و"صلاح الدين" يطوقهم شيئاً فشيئاً، ويطوف بين الصفوف يحرضهم على الجهاد، واستمات المسلمون في القتال، وأدرك الناس أن من ورائهم نهر الأردن ومن أمامهم الروم ، لا ينجيهم إلا الله تعالى، واشتدت المعركة واستخدم "صلاح الدين" ومن معه من المسلمين الأسلحة وبالذات أسلحة النفط، حتى منح الله المسلمين أكتاف المشركين، فقُتل منهم في تلك المعركة 30 ألف وأسر منهم 30 ألف وكان من ضمن القتلى والأسرى أعظم ملوك النصارى، وحكامهم وأمراؤهم في تلك الديار، وكان يوماً ميموناً مباركاً، ولَما انتهت الوقعة أمر "صلاح الدين" المسلمين بضرب مخيم عظيم وجعل فيه سريره وعن يمينه أسرة مثلها، وأتى بملوك النصارى في قيودهم بذله مطأطأي الرؤوس وكان بين المأسورين "أرناط" هذا التي تقدمت قصته، هذا الصليبي الحاقد الذي ساقه الله إلى "صلاح الدين" في هذه المعركة و"صلاح الدين" رحمه الله كان يبتهل إلى الله طيلة القتال حتى أنه لما قرب النصر للمسلمين قام ولده ليقول : هزمناهم، قال : أصبر حتى تسقط تلك الخيمة لم نهزمهم بعد، وكانت خيمة ملك النصارى فلما سقطت خيمة ملك النصارى سجد "صلاح الدين" رحمه الله شكراً لله تعالى وبكى من الفرح.
وكان من ملوك النصارى الذين مثلوا أمام "صلاح الدين" الملك جاري وأرناط وابن صاحب طبريه وغيرهم من أكابر الصليبيين فأجلس ملوك النصارى بجانبه وبدأ بملك "جاري" فأعطاه اناء ماء ليشرب فشرب، فلما انتهى"جاري" أعطى صاحبه "أرناط" ليشرب، فغضب صلاح الدين، فقال له: لم أقل لك اسقه لإنه لا يشرب عندي، إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي، ثم إن السلطان صلاح الدين تحول إلى خيمة داخل الخيمة ثم استدعى "أرناط" فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف، ودعاه إلى الإسلام فامتنع، ثم قال له: أنت الذي غدرت وخنت وفعلت؟ فقال ذلك الرجل: هذه عادة الملوك، ثم قال "صلاح الدين" القول المشهور: نعم أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنت قلت (هات محمد يخلصكم) أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخلص المسلمين من شَرِّكَ، ثم ضربه بسيفه على عاتقه، وتتابع من حضره من المسلمين على "أرناط"، فقتل هذا الطاغية ذليلاً بين المسلمين وكانت تلك فرحة عظيمة للمسلمين.
كانت معركة "حطين" تمهيداً لدخول "صلاح الدين" لبيت المقدس لأن هذه الهزيمة المنكرة مهدت الطريق، ولكن "صلاح الدين" بحنكته لم يدخل بيت المقدس مباشرة، وإنما دخل لفتح البلاد الساحلية حتى يمنع أي قادم لتعزيز الصليبيين من النصارى عن البحر، ويقطع الطريق حتى يحاصر بيت المقدس تماما، ثم اتجه بعد ذلك إلى بيت المقدس، وقد اجتمع فيه من النصارى خلق عظيم ممن هربوا من معركة حطين ومن غيرها، وفيهم النساء والأولاد والجيوش والأسلحة واستغل النصارى الفرصة فعززوا الأسوار والحمايات، وحاصرها "صلاح الدين" -رحمه الله- حصاراً عظيماً حتى خرب السور، وَهَمَّ الجنود المسلمون بالدخول، فخرج قائد النصارى "باليان" يلتمس الصلح من "صلاح الدين"، و"صلاح الدين" يقول: لا يمكن أن يكون صلح معكم حتى أفعل بكم ما فعلتم بالمسلمين لما دخلتموها، حتى أن ملك النصارى هذا جاء إلى "صلاح الدين" ليقول له: أيها السلطان؛ اعلم أننا في هذه المدينة خلق كثير، وهم يكرهون الموت ويرغبون الحياة، فإذا رأينا لا بد أنكم داخلون علينا، فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا ولنحرقن أموالنا وأمتعتنا ولا نترككم تغنمون منها شيئاً ونقتل أهلينا حتى لا تسبوا رجلاً ولا امرأةً ونخرب الصخرة والمسجد الأقصى، ثم نقتل من عندنا من الأسارى المسلمين في بيت المقدس، فاستشار "صلاح الدين" أصحابه فأشاروا عليه بالصلح الذي يكون من نتيجته تسليم المدينة، وأن تكون كأنها هي نفسها شروط فتح المدن عنوة، لأن صلاح الدين قد أقسم أن يفتح هذه المدينة عنوة، وعند ذلك صالحهم "صلاح الدين" مقابل فداء يدفعونه فجعل على كل رجل عشرة دنانير يستوي فيها الفقير والغني، وعلى المرأة خمسة دنانير، وقيل أنه جعل للطفل ديناراً واحداً، وأخليت المدينة لصلاح الدين فدخلها، وخرج النصارى بالفدية منها، وسلموها لصلاح الدين رحمه الله.
ولما كان يوم الجمعة التالية لجمعة الفتح لأنه دخلها يوم جمعة لكن صلوا ظهراً لأنهم ما تمكنوا من صلاة الجمعة، وحضر المسلمون للحرم الشريف(ينظر كلام شيخ الإسلام في الفتاوى 26/117 في أنه ليس بحرم) فغص بالزحام وتسامع الناس من سائر الأطراف، بفتح بيت المقدس وتوافدوا من كل صقع وفج، وتوافدوا ليحظوا بمشاهدة هذا الفتح العظيم فاجتمع من أهل الإسلام عدد لا يقع لهم إحصاء، وامتلأت ساحات المسجد بالخلائق واستعبرت العيون من شدة الفرح وخشعت الأصوات ووجلت القلوب، وأخذ الخطباء لذلك الموقف أهبَّته، ليخطبوا والسلطان ساكت لم يُعِّين خطيباً، حتى إذا حان وقت الخطبة قدم القاضي محي الدين ابن زنكي للخطبة فقام فخطب على المنبر في هذا الحشد العظيم خطبة بديعة جداً، استهلها بقوله تعالى {فقطع دابر القوم الذين ظلموا}(الأنعام/45)، وكانت خطبة عظيمة، بكى الناس فيها في ذلك المكان وضج المسجد على كُبره بالبكاء، وشكر الناس الله عز وجل، على هذا الفتح العظيم وأرسل صلاح الدين الرسل والكتب والبشائر، إلى أنحاء العالم الإسلامي، وصدَّر كتابه إلى الخليفة بقوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}(النور/55)، ثم عمد صلاح الدين رحمه الله إلى بيت المقدس، فأحدث فيه إصلاحات كثيرة فمثلاً كان النصارى قد أدخلوا بعض المسجد الأقصى في أبنيتهم وبنوا على وجه المحراب جداراً وجعلوه مخزناً واتخذوه مستراحاً، كما بنوا على الصخرة كنيسة وستروها بالأبنية وملأوها بالصور، ونصبوا عليها المذبح وبنوا مكاناً للرهبان، وأقاموا على رأس قبة الصخرة صليباً كبيراً مكان الهلال، ولما دخل صلاح الدين أزال كل ما عمل الصليبيون في هذا المكان من الأمور المستحدثة، وكسرت الصلبان وحولت الكنائس إلى مساجد، وجعل بيوت عظماء النصارى استراحات ومضافات لفقراء المسلمين، ولما اقتلع الصليب تسلق بعض المسلمين إلى أعلى القبة واقتلعوا الصليب، الذي سقط متكسراً فصاح الناس كلهم المسلمون والمشركون، فأما المسلمون فصاحوا فرحاً، وأما النصارى فصاحوا توجعاً وتألماً.
ثم بدأ بعمارة المسجد الأقصى وتحسينه وتوسيعه، وخص المحراب باهتمام زائد عكس ما فعل به أولئك النصارى وأتى بمنبر كان "نور الدين محمود" صنعه في حلب كان يتمنى أن يخطب عليه في بيت المقدس أتى به "صلاح الدين" وجعله في بيت المقدس ليخطب عليه وكذلك حصن هذه المدينة مرة أخرى حتى لا تعود إلى الكفرة. ولم تعد إليهم إلا بعد أن دخلتها هذه الشرذمة من اليهود.
ولابد أن نقول أيها الأخوة إن صلاح الدين رحمه الله تعالى كان يتمتع بأخلاقيات عالية جداً، فكم عفى عن أناس وكم ترك أناساً يخرجون ولم ينتقم منهم، كما فعلوا هم بالمسلمين من قبل، حتى أن بعض المستشرقين اضطروا للاعتراف بمنة صلاح الدين في الكتب التي ألفت حديثاً، والمقارنة بين معاملة صلاح الدين ومعاملة غيره .
ومن القصص المشهورة التي تروى عن صلاح الدين في رحمته. بعض المسلمين لما دخلوا خيام العدو ليسلبوا رجالاً فسلب بعضهم طفلاً رضيعاً له ثلاثة أشهر وأتوا به خيمة السلطان ثم ذهبوا به، وباعوه، ولما فقدته أمه وهي في معسكر النصارى، باتت مستغيثة بالويل والثبور طيلة تلك الليلة، حتى وصل خبرها إلى ملوك النصارى فأشفقوا عليها وقالوا لها اذهبي إلى صلاح الدين إنه رحيم القلب، قد أذنا لك بالخروج فاطلبيه فإنه يرده عليك، فذهبت المرأة إلى صلاح الدين وأتى بترجمان يترجم بينها وبينه، فلما عرف وبكت أمامه بكاءاً شديداً وعرف قصتها رقَّ لها ودمعت عينه، وأمر بإحضار الرضيع، فوجدوه قد بيع، فاشتراه صلاح الدين من ماله الخاص ودفع ابنها إليها فبكت وضمته إلى صدرها، والناس ينظرون ويبكون، ثم حُملت على فرس وألحقت بعسكرها هي وطفلها.
وصلاح الدين رحمه الله تعالى ،بعد ذلك أكمل الفتوحات، ولكن جاءت حملة صليبية ثالثة، عظيمة جداً، أعظم من الجنود والجيش الذي أتى به النصارى من قبل، وكان عليها ملوك فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرهم ، البابا في ذلك الوقت عمد إلى حيلة ووسيلة خبيثة لتحرير النصارى وبصورتين.
الصورة الأولى رَسمَةٌ تبين قبر المسيح الذي يزعمون أنه في كنيسة القيامة في بيت المقدس، صوَّر القبر وصوَّر عليه فَرَسٌ عليه فارس مسلم وقد وطأ قبر المسيح، والفرس يبول فوق القبر، َرَسَمَ هذه الصورة ثم طيف فيها على بلدان النصارى.
ورسمت رسمة أخرى يصور فيها عيسى عليه السلام وجعلوه مع صورة أعرابي يضربه وقد جرحه أو قتله، والمبين في هذه الصورة أن الأعرابي هو محمد صلى الله عليه وسلم، فطيف بهذه الصورة وبغيرها من الدعايات وحتى استجمعت جيوش عظيمة للكفار كان تعداد الجيش الألماني فقط 300 ألف، ولكن الله عز وجل بمنه وفضله جعل شرهم مقتصر فقط في عكا ولم يأخذوا عكا من المسلمين إلا بجهد جهيد، وهزموا بعد ذلك هزائم متوالية انتهت بعقد صلح الرملة الذي كان قبل وفاة صلاح الدين بوقت قليل ولم يأخذوا من بلاد المسلمين إلا هذه المنطقة ومناطق أخرى صغيرة جداً حتى جاء بعد ذلك الظاهر رحمه الله فأخرجهم من آخر معاقلهم من عكا وطهرت بلاد المسلمين من النصارى بالكلية.
صلاح الدين رحمه الله أيها الأخوة، كان رجلاً مغرماً بالجهاد كان رجلاً يتوقد حماساً للجهاد في سبيل الله كان إذا أراد أحد أعوانه أن يتقرب إليه إلى السلطان، يتكلم معه في أمور الجهاد ومحاسن الجهاد وفضائل الجهاد، وأمر صلاح الدين الكتّاب والعلماء بتأليف كتب عن الجهاد وفضائل الجهاد كما ألف له العماد الأصفهاني والقاضي الفاضل وبهاء الدين بن شداد.
ومن تعلقه بالجهاد أنه قال للقاضي ابن شداد وهو يسير معه في إحدى الغزوات متى يَسَّر الله فتح بقية الساحل قسمت البلاد وأوصيت بركب هذا البحر إلى جزائر الكفار أتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت.
بهذه النية الصالحة تم لهذا الرجل استرداد بلاد المسلمين، وهذا الرجل كان يشارك في الجهاد بنفسه، ما كان يجلس في غرفة القيادة مغلقاً عليه الباب، ويوجه.
ويقول الذهبي رحمه الله تعالى لعله وجبت له الجنة في رباطه في هذين العامين، لأنه أصابه مرض دمامل في جسده دمامل يتألم منها إذا جلس على الفرس، ومع ذلك جلس عليه وتحمل يصابر الألم طيلة ليلتين وكان يقول: إذا ركبت الفرس زال عني ألم الدمامل.
كان رحمه الله تعالى أيضاً يجدد سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد وكان يحمس حتى صبيان المسلمين على الجهاد، وهناك قصة لطيفة ذكرت عندما طال القتال جداً بين المسلمين والنصارى في بعض المواقع سئموا القتال، فقال بعض النصارى لبعض المسلمين إلى كم يتقاتل الكبار وليس للصغار حظ نريد أن يطلع الصبيان، صبي منا وصبي منكم، فأخرج صبيان من المسلمين، إلى صبيان من الإفرنج واشتد الحرب بين الصبيان فوثب أحد الصبيين المسلمين لأحد صبيان الكافرين، فاختطفه، وضرب به الأرض، وقبضه أسيراً، واشتد به ليأخذه حتى سار وراءه واحد من الإفرنج، قال هو أسير، هو أسير، اشتريه منك، بعنيه فباعه بدينارين.
من الأشياء أيضاً أن صلاح الدين رحمه الله أدنى منه العلماء، كان في جيش صلاح الدين ليس محاربين فقط، كان فيه العلماء ولذلك استدعى العلماء والعلماء أيضاً تحمسوا للِّحاق بركب صلاح الدين وكان يسمع منهم الحديث والأسانيد والأحكام، وهيء الله له بطانة صالحة من هؤلاء العلماء وكان منهم الشيخ علي بن إبراهيم بن النجا الأنصاري الحنبلي وكان منهم الحافظ القاسم بن علي بن الحسن بن العساكر ومنهم من العلماء المجاهدين الفقيه عيسى الهتكاري أسر ثم افتداه صلاح الدين بـ 60.000 دينار من النصارى، لتعلم عظم مكانة العلماء عند صلاح الدين ومنهم الشيخ أبو عمر المقدسي لا يترك معه معركة إلا حضرها والشيخ عبدالله اليونيني الملقب "بأسد الشام" وكان أمَّاراً بالمعروف لا يهاب الملوك، ومن العلماء المشهورين جداً الذين كانوا مع صلاح الدين الحافظ عبدالمغني المقدسي، والعالم المجتهد الرباني ابن قدامة المقدسي صاحب كتاب المغني المشهور قاتل آل قدامة مع صلاح الدين، وكان يقرب هؤلاء الفضلاء ويغدق عليهم بالعطاء.
ونقف هنا أيها الأخوة عند مسألة مهمة جداً، وهي درس في غاية الأهمية يظن بعض الناس أن وضع المسلمين الأن لا يحله إلا ظهور قائد رباني، وبعض المساكين يعتقدون أننا نجلس ننتظر أن يظهر قائد رباني حتى يرفع الراية ليسير المسلمون وراءه، هذه السطحية الموجودة عند بعض الناس الذين يظنون أن مشكلة المسلمين هي وجود قائد، ويقولون إذا ظهر القائد انتهى كل شيء، هؤلاء المساكين الذين يعيشون على هذا الوهم ما قرأوا التاريخ، هل يوجد من القادة عظيم بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ هل يوجد في البشر كلهم قائد مثل موسى عليه السلام ؟ موسى عليه السلام الذي قاد بني اسرائيل على أساس أنهم أسلموا معه إلى بيت المقدس وطلب منهم اقتحامها ماذا قالوا ؟ { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا}(المائدة/24)، الله عز وجل عاقبهم وضرب عليهم التيه أربعين سنة وحرموا من دخول بيت المقدس، كان م
.