القدس والأقصى / عين على الاقصى

قرار ترامب بشأن القدس: الدوافع والأسباب وسبل المواجهة




قرار ترامب بشأن القدس: الدوافع والأسباب وسبل المواجهة


بقلم/ د. حسام الدجني

قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الصهيوني، تنفيذاً لتشريع سفارة القدس لعام 1995م، وهو تشريع أقرّه الكونغرس الأمريكي في دورته رقم 104 في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1995، حيث يُعبّر بصراحة عن رغبة الولايات المتحدة بنقل سفارتها في "إسرائيل" إلى القدس بدلاً من تل أبيب، والاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني، وذلك في موعد أقصاه أيار/ مايو 1999. وبعد كل هذه السنوات جاء الرئيس ترامب لينفذ وعده الانتخابي ويجعل التشريع السابق واقعاً بعد توقيعه على القرار يوم 6/12/2017م.

وهذا يطرح تساؤلاً عن دوافع وأسباب إصدار ترامب للقرار..؟ وآليات مواجهته..؟

أولاً: الأسباب والدوافع.

ثلاثة أسباب تقف خلف الدافع الحقيقي الذي مهّد الطريق أمام ترامب لاتخاذ قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني وهي:

1.  طبيعة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

2.  العامل الذاتي الشخصي بالنسبة للرئيس ترامب.

3.  العامل الخارجي بالنسبة لقياس ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية.

 

1. طبيعة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل:

تتميز العلاقات الأمريكية الصهيونية بالعلاقات الاستراتيجية، وهذا ليس سراً، فالولايات المتحدة الأمريكية تخصص ما يزيد عن الثلاثة مليارات دولار سنوياً لصالح دعم الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتوفر لها حماية دولية في المنظومة الدولية تجعلها دولة فوق القانون، فأي انتقاد للسياسة أو للسلوك الصهيوني في المنطقة يقف في وجهه الفيتو الأمريكي، وأيضاً ربطت الولايات المتحدة الكثير من الصفقات السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول في العالم بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهناك العديد من الشواهد والدلائل التي تؤكد استراتيجية العلاقات بين الدولتين.

 

 أبعاد التحالف.

 الكيان الصهيوني يبتعد جغرافياً عن الولايات المتحدة بآلاف الأميال، ولكن عمق العلاقة بين الطرفين يعطي مؤشراً بأن دولة الكيان أصبحت الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين، وهذا يستند إلى عدة أبعاد:

أ‌.          التقاطعات الأيديولوجية: يبلغ تعداد سكان الولايات المتحدة الأمريكية (310) مليون نسمة تقريباً، 51.3% بروتستانت، 23.9% كاثوليك، وباقي النسب تتوزع بين عدة ديانات تعبر عن طبيعة التركيبة الاجتماعية للولايات المتحدة الأمريكية والتي أصبح يطلق عليها الدولة التجميعية. الديانة المسيحية تقوم على الإيمان بالكتاب المقدس والذي ينقسم بدوره إلى العهد الجديد (الإنجيل)، والعهد القديم (التوراة)، ومن هنا يأتي التقاطع الأيديولوجي بين المحافظين الجدد (البروتستانت) بالولايات المتحدة الأمريكية وبين اليهود، فهي علاقة يلعب الدين محدداً رئيساً فيها، ومن يصل إلى درجة من الفهم في هذا المحدد يدرك السبب المباشر الذي يقف أمام تقدم عجلة السلام في المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني. ولابد من الإشارة إلى أن الكنيسة الإنجيلية لعبت دوراً مهمًّا في الضغط على ترامب لإصدار قراره من خلال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس. والإنجيليون هم تعبير عن حركة دينية مسيحية تتبناها جماعات من المحافظين البروتستانت، تتميز تعاليمها بالتشديد على المعنى الحرفي لنصوص الكتاب المقدس، الذي تعتبره المصدر الوحيد للإيمان المسيحي.

ب‌.    المصالح السياسية والاقتصادية: هناك مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية تعزز العلاقات الأمريكية الصهيونية، فأمريكا ترى في الكيان الصهيوني دولة وظيفية تقطّع أوصال الأمة العربية والإسلامية، وتفصل المشرق العربي عن دول المغرب العربي، وتعمل على حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية كونها قاعدة عسكرية متقدمة في منطقة الشرق الأوسط، ودولة الكيان تستفيد من تلك المصالح لتعزيز ترسانتها العسكرية، ودفع عجلة اقتصادها بما يؤهلها للسيطرة مستقبلاً على مقدرات المنطقة، ويجعل منها فاعلاً رئيساً في صياغة الخارطة السياسية، بما يخدم المصالح القومية اليهودية.

ت‌.   اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة: يتحكم اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من وسائل الإعلام والشركات الكبرى ورأس المال، وهذا يؤهله لأن يكون لاعباً في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة لصالح الكيان الصهيوني.

2.  العامل الذاتي الشخصي بالنسبة للرئيس ترامب.

أراد الرئيس ترامب أن يكون رئيساً مختلفاً عن الرؤساء السابقين للولايات المتحدة، وعمل على تحقيق ذلك، وساهمت الماكينة الإعلامية في الولايات المتحدة بقصد أو بدون قصد على تحقيق وتعزيز العنصر الذاتي، وساعدت خلفيته الاقتصادية كرجل صفقات في تنفيذ ذلك، وأعتقد أن العديد من الشخصيات الاقتصادية المتصهينة أو الصهيونية عملت على توظيف العامل الذاتي في خدمة أهداف المشروع الصهيوني، وضغطت على ترامب لاتخاذ قراره مستفيدةً من العامل الذاتي للرئيس ترامب وإدارته المنحازة للكيان الصهيوني.

 

3.  العامل الخارجي بالنسبة لقياس ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية.

الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات وقبل اتخاذ أي قرار تعمل كافة المؤسسات على تقدير الموقف وقياس ردود الأفعال والتداعيات لهذا القرار، وبالتأكيد أن الإدارة الأمريكية تعلم أن تداعيات قرارها بشأن القدس لا يتجاوز الزوبعة في فنجان لأسبوع أو أسبوعين، وبعدها تعود الأمور لما كانت عليه، وهذا يستند لتشخيص الواقع الفلسطيني المنقسم على ذاته، والعربي المنشغل في همومه وفتنه وفساده وفقره، والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي سيتأثرون من ضعف الموقف العربي والفلسطيني وبذلك سيمرر ترامب أولى صفحات صفقة القرن التي تخدم دولة الكيان الصهيوني وأهدافها التوسعية في المنطقة.

 

ثانياً: سبل مواجهة قرار ترامب.

نجحت الدبلوماسية الفلسطينية ومن خلفها الدبلوماسية العربية والإسلامية وكل الدول التي تحترم القانون الدولي والحق الفلسطيني في استصدار قرارات أممية بشأن القدس ذات أهمية ومنها قرار صدر تحت بند متحدون من أجل السلام، وهذا يمنح الفلسطينيين مساحة للمناورة القانونية لإحراج ترامب في محكمة العدل الدولية والمحاكم الأمريكية، كون أن قرار ترامب يخالف اتفاقيات جنيف الأربع. ورغم أهمية ما سبق إلا أننا نمتلك أوراقاً لا تقل أهمية عن الحراك الدبلوماسي منها:

أ‌.     الشروع فوراً في إنهاء الانقسام وتداعياته على أساس اتفاق القاهرة 2011م، وتوحيد الصفوف وتشكيل حكومة إنقاذ وطني كخطوة أولى باتجاه بناء استراتيجية وطنية لمواجهة التحديات التي تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني.

ب‌.         عقد الإطار القيادي المؤقت أو المجلس المركزي واتخاذ قرارات صادمة للاحتلال وللإدارة الأمريكية مثل: سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإعادة تعريف دور السلطة الفلسطينية بما يؤسس لوقف كامل للتنسيق الأمني، وبذلك تبدأ الانتفاضة الشعبية بشكل متصاعد تواجه أي تواجد للاحتلال بكل الوسائل والطرق.

ت‌.       العمل من خلال كل مكونات المجتمع الدولي على دعم الحراك الجماهيري في العواصم والميادين.

ث‌.     العمل على توعية الجمهور الأمريكي من خلال كشف الوجه الحقيقي للعنصرية الصهيونية تجاه غير اليهود من خلال ما جاء في التلمود والكتب المقدسة الأخرى.

ج‌. تعزيز ثقافة المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأمريكية والصهيونية، لصالح منتجات محلية أو عربية أو تركية أو ماليزية أو حتى صينية أو روسية أو أوروبية.

ح‌.  تفعيل وتعزيز دور الجاليات والأقليات المسلمة في الولايات المتحدة لتعرية السياسة الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، وكذلك التركيز على كذب الروايات التاريخية الصهيونية بالحق التاريخي في فلسطين والهولوكوست وغيرها.

خ‌. ضغط الشعوب العربية والإسلامية على أنظمتها لحثِّها على سحب الاستثمارات والأموال المكدسة في البنوك الأمريكية.

 

 

 

.