فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

انتصار غزة بشارة للمؤمنين وذل لليهود المجرمين

محمد الناجي / خاص مركز بيت المقدس

22-11-2012

آن الأوان لأكتب هذه الكلمات بمناسبة انتصار المؤمنين من أهل غزة في معركة الأيام الثمانية التي خاضوها مع العدو الصهيوني الغاشم الذي يمتلك قوة وترسانة لها ثِقَلُها, ويُعرف عن جيشه بأنه الجيش الذي لا يُقهر ولا يُهزم !

قد يعجب البعض حينما نتحدث عن انتصار غزة في وقت حل فيه الدمار الكبير بأهل غزة , واستشهد وجرح المئات, وشرد الآلاف من بيوتهم بفعل قصف المأوى الذي كان يأويهم , ولكن ثمن العزة والكرامة, وضريبة الجهاد في سبيل الله لا تُقاس بهذه المفاهيم , وإنما تقاس بما حققه المجاهدون في فلسطين بعد مضي تلك الأيام الثمانية من إنجازات رائعة , وتعزيز خيار الجهاد في سبيل الله كخيار وحيد لتحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها ومن شرقها إلى غربها بدون تنازل أو تفريط أو تضييع أو مساومة , وهذا الانتصار سيكون له ما بعده بإذن الله , وهو ما سأبينه خلال  البنود التالية :

 

أولا : إن هذا الانتصار الذي حققه أهل غزة ـــ بفضل الله سبحانه وتعالى ـــ لم يكن هو الأول وإنما سبقه انتصارات ولعل من أبرز تلك الانتصارات  معركة 2008 / 2009 م  , والتي اصطلح عليها " حرب الفرقان " حين شن الكيان الصهيوني الحرب المجنونة على غزة وسقط آلاف الشهداء والجرحى , ولكن انتصرت المقاومة وانتصرت غزة بدليل :

أ‌-       أن المقاومة الفلسطينية في غزة لم تحقق أي هدف من أهداف الاحتلال التي جاء من أجلها غازيا وهي الإفراج عن الجندي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية " جلعاد شاليط " ولم يُفلح في ذلك, وكان الهدف الأساس من وراء تلك الحملة العسكرية هو وقف إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني الغاصب ولم ينجح الكيان الصهيوني في ذلك بل أطلقت المقاومة الفلسطينية صواريخها حين كان يلقي رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت بيان إيقاف الحرب من جانب واحد ؛ وفي ذلك إشارة ودلالة إلى أنه لم يحقق أهدافه التي جاء من أجلها .

ب‌-    استطاع أهل غزة والمقاومة الفلسطينية ـــ بفضل الله سبحانه وتعالى ـــ استعادة عافيتها بعد تلك الحرب وخرجوا من تلك الضربة أقوى وأكبر إعمالا لمبدأ " الضربة التي لا تُمِيتُنا تزيدنا قوة " وهذا ما كان ففي الوقت الذي كانت صواريخ المقاومة يصل أبعد مدى لها 40 كم , ها هي اليوم بعد أربع سنوات تصل صواريخ المقاومة إلى مدى 85 كم بحول الله وقوته .

وهذه رسالة لوزيرة الخارجية الصهيونية السابقة " تسيبي ليفني " التي شنت يوم أمس الحرب على نتانياهو ونعتته بأنه شخص فاشل ومهزوم ... , ولكن في حقيقة الأمر كلهم مهزومون فهي من قبله قد انهزمت .

ثانيا : إن معركة الفلسطينيين مع العدو الصهيوني والتي استمرت لمدة ثمانية أيام أثبتت بما لا يدع مجالا للشك انتصار الفلسطينيين الساحق والكاسح , وانهزام المحتل واندحاره وهو يذل أذيال الهزيمة من خلال :

 

1-     لم يحقق الاحتلال الصهيوني أي هدف من أهدافه التي أعلن الحرب لتحقيقها فالعدو الصهيوني جاء ليوقف الصواريخ التي تتساقط على الأراضي المحتلة والتي تبعد عن قطاع غزة 40 كم ففاجأته المقاومة الفلسطينية بصواريخ يصل مداها 85 كم !! , وجاء ليعزز قوة الردع التي ضعفت في الآونة الأخيرة ــــ على حد زعم الاحتلال ـــــ فتآكلت قوة الردع وانتهت حين رضخ الاحتلال الصهيوني صاغرا لشروط وطلبات المقاومة , واستجدى العالم بأسره ليتدخلوا لدى مصر لتضغط على غزة لتوقف إطلاق النار .

2-      أسس هذا الانتصار لما هو أهم في المرحلة المقبلة , وهو تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني من خلال توحد فصائله على كلمة سواء وعلى أساس يضمن الحفاظ على تلك الانجازات وعلى الثوابت والمبادئ وحقوق الشعب الفلسطيني , وهذا ما نراه قريبا بإذن الله تعالى , وهو ما تحققت بداياته من خلال نزول الفصائل مجتمعة إلى الشارع احتفاءً بالنصر المبين .

 

3-     أظهر العدوان على غزة هشاشة وضعف الجبهة الداخلية لدى العدو الصهيوني وانقسامهم وهذا ما يصدقه قول ربنا سبحانه وتعالى : ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) , فلقد تعالت أصوات المعارضة المنادية بضرورة إقالة الحكومة لفشلها في إدارة المعركة , بل الأمر تعدى ذلك وخرج سكان بئر السبع وبعض المدن الأخرى احتجاجا على تلك الحرب التي لم تحقق أي هدف من أهدافها .

 

 

4-     أعاد العدوان على غزة للقضية الفلسطينية هيبتها ومكانتها ومركزيتها بين أوساط الأمة الإسلامية التي نُعَوِّل عليها بعد الله والتي نعتبرها عمق الفلسطينيين الاستراتيجي , ولقد أينعت ثمار الربيع العربي على أهل غزة فكان التضامن مع غزة , وكانت النصرة لأهل غزة , وكانت زيارة رئيس الوزراء المصري ومعه عدد من الوزراء المصريين , ووفد اتحاد الأطباء العرب , ووزير الخارجية التونسي ووفد مرافق له , ووفد ليبي رفيع المستوى , وأمين عام جامعة الدول العربية وبرفقته عشرة وزراء من وزراء الخارجية للدول العربية , ووزير خارجية تركيا, ووفد تضامني مصري مؤلف من 500 متضامن , ووفد من الأحزاب المصرية والشخصيات الاعتبارية, وكل تلك الوفود قدمت لغزة تحت أزيز الرصاص وعلى وقع هدير الطائرات وأصوات المدافع وقصف الصواريخ .

5-      المتتبع لخطاب دولة الاحتلال بعد انتهاء المعركة يقرأ فيه روح الانهزام والإحباط وهو ما بدا واضحا على وجوههم وفي كلماتهم ؛ بينما شعر الجميع بالعزة والكرامة حينما ترجلت الفصائل الفلسطينية لتعلن انتصار الأمة من أرض الكنانة " قاهرة المعز " , وكانت الضربة الأخيرة للمقاومة بفضل الله سبحانه وتعالى فلقد أطلق المجاهدون  على الكيان الصهيوني 5 صواريخ وصلت إلى أبعد مداها قبل إعلان التهدئة بدقيقة واحدة , لتثبت للجمهور الصهيوني بأن المقاومة بخير , وأن الكيان الصهيوني كاذب وفاشل فيما يدعيه وما ينطق به .

 

6-     كشفت المعركة الأخيرة ضعف جيش الاحتلال الصهيوني وأنه عبارة عن قوة إستخباراتية أكثر من قوة عسكرية , وهو ما بدا واضحا حينما نفذ بنك الإفلاس , ولم يجد الاحتلال الصهيوني أي هدف يضربه فراح يتصل بالمواطنين الغزيين ويحثهم على الإبلاغ عن أي أهداف من شأنه أن يضربها , وهذا ما أفصحت عنه القناة الثانية الصهيونية بقولها بأن جيش الاحتلال يعاني من ضعف في الجهد الاستخباراتي بعد القضاء على كثير من المتعاونين ومطاردتهم وقتلهم .

وهذا بحد ذاته يسجل انتصارا لأجهزة الأمن الفلسطينية التي حققت ردعا مناسبا للمتعاملين والمتعاونين مع الاحتلال الصهيوني وأظهرت قوة في التعامل معه ؛ لدرجة أنها قامت بإعدام سبعة على مسمع ومرأى أهل غزة في سابقة لم يكن معمولا بها في السابق , ولقد آتت أكلها بفضل الله سبحانه وتعالى إذ سلَّم العديد من العملاء أنفسهم خلال تلك المعركة  , وهذا ما صرح به الدكتور "  إسلام شهوان :  الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية .

7-     يقولون : الحق ما شهدت به الأعداء , وهنا سأسرد بعضا من التصريحات الصهيونية لأصحاب القرار في الدولة العبرية , مع التنويه بأن هذه التصريحات أولية , والقادم الذي ينتظر حكومة نتانياهو صعب وخطير .

ــــــ شاؤول موفاز وزير الجيش الصهيوني الأسبق , ورئيس المعارضة الصهيونية , ورئيس حزب كاديما يقول : ( إسرائيل لم تستعد قوة الردع, ولم تحسم المعركة وستحسمها في جولة قريبة ) .

وفي تصريح آخر يقول:  ) أن حماس انتصرت في هذه الجولة وإسرائيل هي الخاسر الأكبر(.

ـــــ الرئيس الجديد لحزب البيت اليهودي نفتالي بينت بحسب الإذاعة العبرية يقول : ( إن وقف إطلاق النار خيب آمال مواطني دولة إسرائيل ) .

ـــــ وزير الجيش الصهيوني المهزوم " إيهود باراك يقول في تصريحات لإذاعة الجيش عقب وقف إطلاق النار :  )لن نستطيع وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ، إلا في حال احتلال كامل للقطاع وهذا أمر مستحيل ( .

باراك نفسه يقول ولنفس الإذاعة : " أنا لست مشتاقاً إلى غزة ، فأنا كنت هناك منذ اندلاع الانتفاضة الأولى ، ونحن لسنا بحاجة إلى أن نعود إلى أزقة بيت لاهيا أو في جباليا" .

ويضيف الخائب قائلا : " فإن صورة النصر التي يبحث عنها البعض قد تنقلب رأساً على عقب عند تدمير أول مدرعة بجنودها أو تفجير أول عبوة تنفجر في سرية من مقاتلينا" .

ـــــ وصف حزب الاتحاد القومي إعلان نتنياهو وقف إطلاق النار بأنه كان مسرحية هزيلة ومحزنة، وهو يحاول تبرير خضوعها المهين دون أي نجاح  .

ـــــ عضو الكنيست بن آري : وقف إطلاق النار هو رفع الراية البيضاء أمام حركة حماس .

ــــ القناة العاشرة  الصهيونية: نتانياهو الذي دعا قبل أعوام لإسقاط حكم حماس في غزة يوقع معها اتفاقا سيقويها.

ـــ تسيبي ليفني  :لأول مره في تاريخ إسرائيل الإسرائيليون يكتبون على الشاشة وقف إطلاق النار الساعة التاسعة وينتظرونه بفارغ الصبر .

وبعد كل هذا ماذا عسانا فاعلين ؟

1- أن نقف لله عز وجل خاشعين خانعين شاكرين له سبحانه وتعالى على ما منَّ به علينا من نصر وعزة وكرامة , وأن ننسب الفضل لله فهو صاحب الفضل أولا وأخيرا , وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون .

2- عدم التكبر والغرور, والحذر أن تأخذنا العزة وتلهينا عن هدفنا , فالبوصلة والطريق إلى القدس , وغزة أول الطريق وليست نهاية المطاف , وعلينا الاستعداد الجيد والإعداد الصحيح للجولات القادمة , وما هذه المعركة إلا خطوة وبداية معركة التحرير بإذن الله سبحانه وتعالى .

3- في غمرة الفرح و السرور والبهجة التي تعتري كل إنسان مسلم فإننا نوجه دعوة لعموم الشعب الفلسطيني بالتوحد بين فصائله على خيار الجهاد والعزة, وعلى أساس الكتاب والسنة بفهم أخيار الأمة .

.