فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

أسطول الحرية والمنحة الربانية

 

 

أسطول الحرية والمنحة الربانية

 

مصر- مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

الشيخ/عادل يوسف العزازي -حفظه الله-

 

 إن الأحداث عبر التاريخ تبدو مؤلمة موجعة ، لكنها في الحقيقة تكون علامة وبداية لخير لايدركه المتأملون، لأنها في الحقيقة سنة الله - عزوجل – التي لاتتغير.

 ففي حادثة الإفك ، وهي من أشد الأحداث في العصر النبوي ، حيث ماجت المدينة كلها لهذه الأكذوبة التي اخترعها المنافقون شهراً كاملاً ، وقصدوا بذلك ضربة قوية في عرض النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – ليكون ذلك سبيلاً للقضاء على الإسلام ومع ذلك قال الله - تعالى -: (إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)

 وفي يوم بدر حيث صمم أبو جهل ألا يرجع حتى يهزم محمداً - صلى الله عليه وسلم – وتغنيه القينات ويشرب الخمور ويتحدث به العرب ، والمؤمنون إذ ذاك قلة لقد كانت النتيجة كما وصفها الله - تعالى - : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)

 وفي يوم أحد حيث أصاب المسلمين ماأصابهم ، مما يؤلمهم ويزيدهم غما وهما لكن الله - عز وجل – يطمئنهم بإيمانهم فيقول : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

 ولما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم – العمرة ، ومنعه المشركون ، كان الصلح بينهم على شروط فيها تجني طرف المشركين في منعهم عن البيت للطواف ، ثم اجحافهم في شروط الصلح . ومع هذا قال الله عن هذا الصلح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)

 وهكذا في كل محنة تبدو المنحة ، ولو استطردت الأمر لطال ، لكن أقف أمام أسطول الحرية متأملاً ، موقناً أنها بداية منحة ، فقد تبلور لهذه الأحداث بعض الحقائق :

 أولاً : أنه لا يخيب مع الدعاء أحد ، فمن الذي حرك هذه القلوب ، وجمعهم من نحو أربعين دولة ، بكل عزم وتصميم على إغاثة المحاصرين من إخواننا من غزة ؟ إنه الله الذي بيده  كل شئ ، وقلوب الخلق بين إصبعيه.

 ثانياً : ومن العجيب أنهم ليسوا جميعاً مسلمين ، بل فيهم المسلم وغير المسلم ، فالله ينصر دينه كيفما شاء ، وقد ينصره بغير المسلم ، وهذا أشبه بما حدث للنبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه بحصارهم في شعب أبي طالب ، فإننا نرى أن الذين طالبوا بفك الحصار ، وتمزيق الصحيفة  كانوا من كفار قريش أنفسهم .

 ثالثاً : أن الله فضح العدو اللئيم الغادر حيث إنه تعامل مع الأسطول بطريقة دنيئة خسيسة ، وقد أدهش العالم كله صنيعه هذا ، لكن الحقيقة أن هذا الصنيع ليس بمدهش إلا لمن يجهل حقيقة اليهود ، أما من يعرفهم بحقيقتهم ، فإنه  إنما يحمد الله لإظهار ما لا يعلمه الناس عنهم ، فهم أهل الغدر والخسة ، وهذه طبيعة انطوت عليها نفوسهم ، وتوارثوها ، وأصبحت صفات قهرية عندهم ، ومن المستحيل أن تهذب نفوسهم ، أو أن تتخلق بالأخلاق الحسنة ، لأنه عندئذ لايكون يهودياً.

 ويكفيك دليلاً على هذه الخسة والدناءة ما ورد في كتبهم في وصفهم حيث جاء في سفر ارميا: (إن شعبي سفيه لا يعرفوني ، وإنما هم حمقى لا فهم لهم ، وهم أذكياء في الشر ولا دراية لهم في الخير)

 فإذا كان هذا هو وصفهم في كتابهم ، فماذا ينتظر المنصف منهم ؟ فإذا ما ارتقينا في بيان أصدق مصدر في وصف هؤلاء وهو القرآن الكريم ، وجدتهم بأوصاف من أرذل الأوصاف ، فقد كذبوا على الله وسبوه بأن يديه مغلولتان وأنه فقير ، وقتلوا الأنبياء ، ونقضوا العهود ، ولهم مع نبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام – من الخديعة والحيل ما لا يعلمه إلا الله ، ولولا ضيق المقام لاستطردت في بيان ذلك.

 رابعاً : أظهر الموقف مدى جبن اليهود ، حيث أنهم كبلوا ركاب الأسطول وقيدوهم ، مع أنهم عزل ، ومعهم نساء ، بل وأطفال ، ومن عجيب جبنهم ، أنهم لما سمحوا لهم بالذهاب لدورات المياه لم يفكوا عنهم القيود كما ذكر الأخ أحمد دهشان أحد الذين كانوا على متن السفينة .

 خامساً : إن هذا الأسطول رسالة عالمية ليتحرك الجميع لنصرة الحق ، وإنه بداية لدمار اليهود ، فهي سنة الله فيهم : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)

فهذه والله هي بداية الأوان ليبعث الله عليهم من يحقق وعيده فيهم بعد عتوهم وتجبرهم فهذه بداية البشرى ، ولكن علينا بالدعاء إلى الله - عزوجل -الذي بيده مقاليد الأمور.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلي الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

كتبه

عادل بن يوسف العزازي

جمهورية مصر العربية

 

.