فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

تقرير: المياه.. سلاح إسرائيلي آخر لتهجير الفلسطينيين من أرضهم.

 

تقرير: "المياه".. سلاح إسرائيلي آخر لتهجير الفلسطينيين من أرضهم

 

فلسطين اليوم / تستعد المدرسة الثانوية المختلطة في بلدة الجفتليك في منطقة الاغوار في الضفة الغربية للعام الدراسي الجديد: كتب، ومقاعد، ومياه أيضاً، فالبلدة تعيش في حال جفاف منذ ثلاثة أعوام يضطر معها أهالي البلدة البالغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف نسمة، إلى نقل مياه الشرب إلى بيوتهم من ينابيع متفرقة عبر صهاريج.

تقول مديرة المدرسة نوال كنوري لـصحيفة «الحياة اللندنية»: «أهمية المياه في المدرسة لا تقل عن أهمية الكتب والمقاعد، إن لم تزد، لذلك قمنا بشراء كمية من المياه، ونقلها بواسطة صهريج، وضخها في خزانات المدرسة استعدادا لعودة الطالبات والطلاب».

في هذه القرية الواقعة في الأغوار والتي تقارب درجة الحرارة فيها صيفاً درجات الحرارة في الصحراء، جفت المياه في الأنابيب منذ ثلاثة أعوام بسبب تناقص المياه في الأراضي الفلسطينية. ويعزى هذا التناقص إلى سببين: تراجع كميات الأمطار من جهة، والسحب الإسرائيلي الزائد من مصادر المياه الفلسطينية.

ودفع العطش أهالي هذه القرية (ثلاثة آلاف نسمة) أخيرا إلى التظاهر، فتدفق العشرات منهم إلى مقر «سلطة المياه» في رام الله، العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، يحملون أوعية بلاستيكية، مطالبين بحقهم في مياه الشرب.

لكن المتظاهرين لم يجدوا جواباً لدى المسؤولين في السلطة، فالعطش لم يعد مقتصرا على أهالي هذه المنطقة الحارة، بل امتد ليشمل كل الأراضي الفلسطينية، بما فيها حتى مدينة الرفاه، رام الله، التي لا تصلها المياه سوى مرة واحدة في الأسبوع.

ويواجه الفلسطينيون منذ بدء صيف العام الحالي عطشا استثنائيا بسبب تناقص مياه الأمطار من جهة، وسيطرة إسرائيل على 89 في المئة من مصادر مياهم من جهة أخرى.

والمياه واحدة من قضايا المفاوضات النهائية الصعبة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، الى جانب القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات. ويقول مفاوضون فلسطينيون أن المياه قد تكون عقبة أخرى في طريق التوصل إلى اتفاق سياسي، مشيرين إلى تمسك إسرائيل بكل قطرة مياه تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية.

وتضم الاراضي الفلسطينية ثلاثة مصادر للمياه هي الاحواض الجوفية، وحوض نهر الاردن والينابيع. ويقول رئيس سلطة المياه الدكتور شداد العتيلي ان اسرائيل تسيطر على غالبية مصادر المياه هذه وتضخها الى المدن والتجمعات الاسرائيلية.

وتواجه اسرائيل ايضا مشكلة نقص مياه رغم سيطرتها على مصادر المياه الفلسطينية، اذ اعلنت سلطة المياه في اسرائيل العام الحالي اجراءات طوارئ، وقلصت كميات المياه المتاحة لاغراض الزراعة، ورفعت سعر المياه بنسبة مئة في المئة.

وكان الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي اتفقا عند تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 على ان يستخدم الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة كميات المياه التي كانوا يستخدمونها قبل اقامة السلطة، الى حين التوصل الى اتفاق النهائي. لكن مرت 15 سنة منذ ذلك الوقت من دون ان يتوصلا الى اتفاق، او حتى بوادر تشير الى امكان التوصل الى مثل هذا الاتفاق مستقبلا.

ويقول رئيس سلطة المياه ان عدد السكان يتزايد وكميات المياه تتناقص، مضيفا: «كنا نحصل عند تأسيس السلطة على 118 مليون متر مكعب من المياه سنويا في الضفة الغربية، واليوم تراجعت هذه الكمية الى 105 ملايين متر مكعب بسبب تناقص كميات المياه بينما تضاعف عدد السكان. ويشتري الفلسطينيون 50 مليون متر مكعب اضافي سنويا من شركة المياه العامة الاسرائيلية (مكروت)».

اما في قطاع غزة، فالوضع اكثر سوءا منه في الضفة، فالطاقة الانتاجية لحوض المياه الوحيد في القطاع تبلغ 50 مليون متر مكعب، لكن نظرا الى الحاجة الزائدة عن الكميات المتاحة، فإن اهالي القطاع يضخون كميات اكبر من المياه المتجددة، ما يؤيدي الى زحف مياه البحر الى الحوض، وتالياً ملوحة مياه الشرب.

وتناقصت كمياه الامطار في السنوات الخمس الاخيرة بصورة كبيرة، ما ادى الى تراجع كميات المياه المتجددة في احواض المياه الجوفية الفلسطينية. وتضخ اسرائيل الكميات الاكبر من المياه المتجددة من احواض الضفة وتنقلها الى المستوطنات او الى تجمعاتها داخل «الخط الاخضر» الفاصل بينها وبين الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. فمن الحوض الغربي، تضخ اسرائيل 340 مليون متر مكعب سنويا. ومن الحوض الشمالي الشرقي، تضخ 103 ملايين متر مكعب.

ويطالب الفلسطينيون في المفاوضات بتحييد ملف المياه عن الصراع وتحويله الى ملف انساني يعالج حاجات سكان البلاد كبشر بصرف النظر عن جنسيتهم، يهودا كانوا ام فلسطينيين. وقال العتيلي ان الجانب الفلسطيني طالب في المفاوضات التي انطلقت عقب مؤتمر انابوليس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بتقسيم المياه وفق حاجات السكان. واضاف: «قلنا لهم ان حق الشرب حق اساسي للانسان، اي انسان، مهما كانت جنسيتة، لذلك دعونا نتقاسم المياه وفق هذا الاساس الانساني بعيداً عن السياسة». غير ان الاسرائيليين رفضوا الطلب الفلسطيني. وقال العتيلي ان «المفاوضات ما زالت تتناول المفاهيم ولم يتم تحقيق اي تقدم فيها».

وتقترح اسرائيل على الفلسطينيين حلولا أخرى تخلي مسؤوليتها القانونية وتبقي سيطرتها على المصادر المائية للضفة التي يقول الفلسطينيون ان حصولهم عليها كاف لحل مشكلتهم في الزمن المنظور. وفي مقدم الاقتراحات الاسرائيلية التي عرضت على طاولة المفاوضات، استيراد المياه من تركيا، وتحلية مياه البحر. لكن العتيلي يقول ان الخيارين غير اقتصاديين، اذا ان تكلفتهما تزيد كثيرا عن قدرة السلطة التي تعتمد على الدعم الخارجي في غالبية حاجاتها.

 

.