دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
المرتكزات الأساسية للوحدة الفلسطينية
المرتكزات الأساسية للوحدة الفلسطينية
غزة – باسم خليل
إنَّ وحدة المجتمع المسلم و اجتماعه حول قضايا الإسلام المعاصرة لتحقيق العبودية لله تعالى لشيء رائق وما أحوجنا إلى مثل هذا الفهم عند شباب المسلمين والذي بغيابه دخلت أمة الإسلام في خضمِّ الفتن والمتاهات مما أدَّى ذلك إلى تأخر التمكين لأمة التوحيد التي لطالما بذلت حُشاشة نفسها لتحقيق هذا الهدف المنشود وهو تعبيد الناس لربِّ العالمين وفق الشريعة الإسلامية السمحة فهل عقل شباب أمة الإسلام هذا المعنى فَيَتَرَيَّثُوا في خطواتهم اتجاه تحقيق هذا الهدف ؟
إنَّ المسلمين في العالم الإسلامي اليوم يواجهون تحديات خطيرة تستهدف عقيدتهم وكيانهم ووحدة صفهم وذلك وفق مخطط مدروس تعمل على تنفيذه معاهد ومؤسسات وحركات وجمعيات هدفها تشويه صورة الإسلام والمسلمين وإثارة قضايا تجعل المسلمين في دوامة الردود والانفعالات و كان من أبرزها:
1 ـ هيمنة القوى العظمى صاحبة الأسلحة المُدمِّرة والفتاكة على زمام الأمور من أجل بسط نفوذها وإكمال سيطرتها على موارد الشعوب ومُقدَّراته.
2 ـ بث السموم وترويج الأفكار المنحرفة ونشر القِيَم الأخلاقية الفاسدة و التي تؤثر على عقول الأجيال و الشباب و خاصة المسلمين منهم .
3 ـ وجود فئة من الشباب الملتزمين المندفعين نحو معالجة الأمور بتهور ومغالاة دون تريث و فهم و غرضهم في ذلك تغيير الواقع إلى ما هو أحسن مع عدم تملكهم الحد الأدنى من الكفاءة والتأهيل الشرعي مما جرَّ بذلك الويلات على المسلمين
إن الإسلام دين ائتلاف واتفاق ودين وحدة واجتماع وإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة كلها تدعوا إلى الأخوّة والوئام والاندماج والانسجام وتمنع من التقاتل والتناحر والتشرذم والنصوص الشرعية في هذا الموضوع أكثر من أن تُحصى .
والاختلاف والتنوع سنة من سنن هذا الكون وإنما يكون الاختلاف مذمومًا إذا كان ناتجاً عن اتباع الهوى والتعصب الممقوت لشخص أو جماعة .
و إذا نظرنا إلى و حدة الصف بين المسلمين وجدناها ترتكز على محاور لا تنفك إحداها عن الأخرى وهي:
أولا: وحدة الصف المسلم و نَبْذِ الانقسام من الجانب الشرعي
إن الإسلام يربط بين المسلمين برباط عقائدي وثيق ويقيم بين كافة أتباعه علاقة وطيدة و هي علاقة [ الأخوة الإيمانية ] الذي ينصهر فيها كل من نطق بالشهادتين مع اختلاف أعراقهم و أجناسهم و تباعد بلادهم و أقطارهم
يقول الله عزوجل: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [ الحجرات10 ] ويقول أيضا: ( إِنَّ هـٰـذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَّاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء:92 ] .
ولقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالاجتماع و نهانا عن التفرق قائلاً:
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَّلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِه إِخْوَانًا ) [ آل عمران 103 ].
والمراد من الاعتصام بحبل الله هو التمسك بعهده، و اتباع كتابه العزيز، وإقامة حروفه وحدوده والتأدب بأدبه؛ و عدم التفرق معناه لزوم جماعة المسلمين، وتعاون بعضهم مع بعض وهي من قواعد الإسلام، وإنَّ التفرق مذموم .
و عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ثم شبك بين أصابعه "(متفق عليه)
قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه. شرح صحيح مسلم : 16/139
ويقول المناوي رحمه الله: المراد: بعض المؤمنين لبعض كالبنيان أي الحائط لا يتقوى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه كما أن بعض البنيان يُقوِّي بعضه ثم شبك بين أصابعه تشبيهًا لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البنيان المُمَسِّك بعضُه ببعض يشد بعضه بعضًا. فيض القدير : 6/252
و عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم " (رواه مسلم)
و التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها ، فالذين دخلوا في الإسلام أصبحوا إخوانًا، فهم أولياء بعضهم بعضًا لا يصدهم عن ذلك اختلاف أنساب وتباعد مواطن. وقد امتن الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها من حالة العداوة التنافس والتقاتل إلى الأخوة والتضامن .
و يقول أيضا " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى " (رواه البخاري ومسلم) .
فلقد شبَّه النبي صلى الله عليه و آله و سلم المسلمون جميعًا كأغصان شجرة واحدة انبثقت من أصل واحد ، فلا فرق بين أسود و أحمر ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى .
ويقول الإمام ابن تيميه رحمه الله: وكان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة و مناصحة، بما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين.
نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يُعْذَر فيه، فهذا يُعامَل فيه معاملة أهل البدعة .
وقد تجَلَّت مظاهر إتحاد المسلمين وتضامنهم في كافة العبادات فالصلاة فُرِضَت جماعة، وخصص شهر الصيام لكافة المسلمين مهما تباعدت البلاد وتناءت الأقطار، وفريضة الزكاة تؤدى بروح التكافل وحسب نظام واحد في المقادير والأنصبة ، و الحج أيضًا يؤدى في زمان واحد ومكان واحد يجتمع فيه المسلمون من كافة أنحاء العالم .
ثم إن الصلاة فيها انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار وجوف من الليل.
فلم يكن السلف الأقدمون يتصورون الصلاة من غير جماعة فقد غضب الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه يومًا على تخلف بعض الناس عن صلاة الجماعة فلما سئل عنه قال: " والله ما أعرف من أمة محمد (صلى الله عليه و آله وسلم ) إلا أنهم يصلون جميعًا " . فتح الباري ج 2/162
قال الإمام الشافعي رحمه الله: و إذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاةُ صلوا فرادى ولا أُحِبُّ أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعله السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم ، قال رحمه الله: وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون هذا اختلاف وتفرق كلمة . (الأم : 1/154)
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال لها: " لولا أن قومكم حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابًا يدخل الناس منه وبابًا يخرجون " .
وقد استدل البخاري رحمه الله وغيره على أن الإمام قد يترك بعض الأمور المختارة لأجل تأليف القلوب ودفع نفرتها .
و في هذا الوقت العصيب الذي تمر به أمة الإسلام و قد تكالبت قوى الشر عليها فهي تمارس الضغوط لتذويب كيانها وإخراجها من خصائصها ومميزاتها ولا تملك الأمة قوة رادعة لتلك الدسائس والمؤامرات، في هذا الوقت العصيب قد ازدادت مسؤوليات علماء الأمة ودعاتها لأداء دورهم التاريخي:
أوّلاً : في إنقاذ الأمة مما تعانيه من تحديات وما يحيط بها من أخطار .
ثانيًا : بوضع الضوابط الشرعية الدقيقة وبيان شروط الإفتاء في الدِّين وإيضاح أحكام الشريعة للمسلمين ، خاصة في القضايا التي تتعلق باستباحة أرواح الناس وأعراضهم وممتلكاتهم .
ثالثاً : بوضع الحد لظاهرة الغلو والتطرف التي تكاد تقضي على الأخضر واليابس والتي دخلت في مرحلة تخريب بيوت المسلمين بأيديهم .
رابعًا : بتأصيل [ الوسطية ] وتقعـيد قواعدها وضبط أصولها ، حتى لا تكون الدعوة إلى الوسطية انبطاحًا أمام الآخرين وتفريطاً في حقوق المسلمين ، و يكون ذلك بما يلي:
1 ـ أن يكون الحكم بالتوسط داخلاً ومندرجا تحت أصل من أصول الدين.
2 ـ وأن لا يعارض ما هو ثابت بالضرورة من أمور المسلمين .
3 ـ أن لا يؤدي التوسط إلى مفسدة أكبر بدل تحقيق مصلحة مقصودة .
4 ـ أن لا يكون الحكم بالتوسط في القضايا الشرعية منصوصة الحدود والمعالم .
ثانيا: وحدة الصف المسلم و نَبْذِ الانقسام من الجانب الأخلاقي
لقد كان لأصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم اعتناء بالغ بهذا الأمر، وكان الخلاف في الرأي يحصل بينهم، ومع ذلك كانت النفوس صافية نقية ، وقد خالف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عمر بن الخطاب في مسائل بلغت المائة ـ كما ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين ـ ومع ذلك فحين أتى ابن مسعود اثنان أحدهما قرأ على عمر، والآخر قرأ على غيره، فقال الذي قرأ على عمر: أقرأنيها عمر ابن الخطاب، فجهش ابن مسعود بالبكاء حتى بلَّ الحصى بدموعه، وقال: اِقرأْ كما أقرأك عمر فإنه كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أصيب عمر انثلم الحصن.
إنها النفوس التي صفت وتسامت على حظوظها، فلم يجد الهوى بينهم مكاناً، وحين يحصل بينهم ما يحصل بين البشر لا يمنعهم ذلك من العدل، ولا يقودهم إلى تتبع الزلات وملاحقة العثرات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «والخير كل الخير في اتباع السلف الصالح والاستكثار من معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيه، والاعتصام بحبل الله، وملازمة ما يدعو إلى الجماعة والألفة، ومجانبة ما يدعـو إلى الخلاف والفرقة، إلا أن يكون أمراً بيناً قد أمر الله ورسوله فيه بأمر من المجانبة فعلى الرأس والعين، وأما إذا اشتبه الأمر: هل هذا القول أو الفعل مما يعاقب صاحبه عليه أو ما لا يعاقب؟ فالواجب ترك العقوبة» مجموع الفتاوى 6/505
و يجب على من أراد توحيد الصف المسلم أن يتحلى بأخلاق رفيعة ومن بينها:
أولًا: الحرص على تقوية الأواصر والصلات:
مما يعين على وحدة الصف أن تتقوى الأواصر والصلات بين الدعاة والمصلحين، ويمكن أن يتم ذلك من خلال العلاقات الشخصية، والتزاور والاجتماع، وإقامة المشروعات المشتركة، والتعاون على الأعمال الدعوية والاحتسابية ، مع ما في ذلك من تحقيق للمحبة والمودة فإنه يفتح المجال للنقاش حول أمور الخلاف حين يوجد الخلاف، فتكون هناك جسور مفتوحة يمكن التواصل من خلالها، أما حين لا يتم التواصل إلا عند الخلاف والنقاش فالغالب أنه يصعب أن يتحقق المراد.
ثانيا: الاعتدال في الحكم على الأخطاء:
لا يمكن أن يسلم البشر من الوقوع في الخطأ، ومهما بلغ الإنسان من العلم والتقوى والورع فهو عرضة للجهل والهوى والزلل؛ فالبحث عمن لا يزل ويقصِّر من البشر بحث عن محال ، كما أن الخطأ يتفاوت أمره فثمة فرق بين الكبيرة والصغيرة والكبائر تتفاوت فيما بينها والخطأ في المسائل الظاهرة ليس كالخطأ في المسائل الخفية، ومخالفة الدليل الصريح الصحيح ليست كمخالفة دليل محتمل أو فتوى عالم من العلماء.
وحين يترجح بيان خطأ عالم أو داعية فينبغي الاعتدال في ذلك ومجانبة الغلو والشطط ، وكثير من مواطن الافتراق والاختلاف تنشأ من مجانبة الاعتدال فيشعر المنتقِد أنه ما دام على الحق فهذا يسوِّغ له أن يقول ما يشاء وأن يفعل ما يشاء.
ثالثا: الحكمة في الفصل بين الأشخاص والمواقف:
من الأمور التي ينبغي أن يعنى بها مريد الحق أن يكون حديثه عن الحق أو الباطل متجنباً الأشخاص ما لم يترتب على ذلك مصلحة شرعية ومن المعلوم أنه لا يلزم من وقوع الشخص في الخطأ تأثيمه أو تضليله: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: « وهذا فصل الخطاب في هذا الباب؛ فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفت وغير ذلك: إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله ألبتة خلافاً للجهمية المجبرة وهو مصيب، بمعنى: أنه مطيع لله؛ لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه خلافاً للقدرية والمعتزلة» مجموع الفتاوى 3/421)
رابعاً: الحذر من الانشغال بعيوب الناس:
المسلم مأمور بحفظ لسانه وصيانة أعراض المؤمنين، ومن أعظم الآفات أن ينشغل المرء بعيوب الآخرين، فكيف حين يكون من يُنشغل بعيوبهم من أهل الصلاح والعلم والدعوة، ومم يعرفون بالخير في الأمة؟
وجدير بمن لا يُعرف لهم تصنيف إلا في الرد والتعقيب أن يراجعوا أنفسهم ويتأملوا حالهم؛ فقد يكون مبدأ الأمر غيرة ومنتهاه جري وراء الهوى.
خامسًا: توقير الأكابر:
لقد جاء الشرع بوضع الناس في منازلهم، ومن ثَمَّ فالخطأ منهم ليس كالخطأ من غيرهم، لذا كان لزاماً حفظ منزلتهم ومكانتهم، وحين يصدر الخطأ والزلل منهم فالأمر يختلف عمن دونهم.
قال ســعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ: «ليس مـن شــريف ولا عـالم ولا ذي فضــل إلا وفيــه عيب، ولكــن مـن الناس مـن لا ينبغي أن تذكر عيوبه؛ فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله» الكفاية (ص102) جامع بيان العلم وفضله (2/821)
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين» إعلام الموقعين (3/283)
سادسا: البعد عن تضخيم الخلاف:
لا ينشأ الخلاف من فراغ، وكثير من مواطن الصراع والافتراق بذرتها خطأ وتقصير، يغذيها هوى، أو غلو وتضخيم.
ومن الناس من لا يجيد الاعتدال، فيضخم الخطأ، فيقع في البغي والعدوان، ويعتقد بالتلازم بين الغلظة على من أخطأ والحمية على الدين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وهنا آداب تجب مراعاتها: ـ منها: أن من سكت عن الكلام في هذه المسألة ـ رؤية الكفار ربهم ـ ولم يدع إلى شيء فإنه لا يحل هجره وإن كان يعتقد أحد الطرفين؛ فإن البدع التي هي أعظم منها لا يهجر فيها إلا الداعية دون الساكت؛ فهذه أوْلى. ومن ذلك: أنه لا ينبغي لأهل العلم أن يجعلوا هذه المسألة محنة وشعاراً يفضلون بها بين إخوانهم وأضدادهم؛ فإن مثل هذا مما يكرهه الله ورسوله. وكذلك [أن] لا يفاتحوا فيها عوام المسلمين الذين هم في عافية وسلام عن الفتن، ولكن إذا سئل الرجل عنها أو رأى من هو أهل لتعريفه ذلك ألقى إليه مما عنده من العلم ما يرجو النفع به» مجموع الفتاوى (6/503-504).
سابعا: التفريق بين الخلاف في الرأي واختلاف القلوب:
لا بد أن يحصل الخلاف في الرأي وتتعدد الاجتهادات، لكن من واجب المسلم أن يحذر من أن يؤدي ذلك إلى اختلاف القلوب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من ذلك؛ فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رجلاً قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» رواه البخاري (3217).
ثامنا: فتح المجال للحوار وإشاعة أخلاقياته:
إن مما يقلل الاختلاف والصراع أن يفتح المجال للحوار، وأن يسود بين شباب الصحوة ودعاتها جو الحوار؛ وبدون الممارسة العملية سيبقى الحديث عن آدابه وأخلاقياته حديثا نظرياً.
ومن تأمل واقع السلف رأى ذلك جلياً؛ فكانوا يختلفون ويسود بينهم الحوار والمناظرة والجدل بالتي هي أحسن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله ـ تعالى ـ في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين» مجموع الفتاوى (24/172).