فلسطين التاريخ / تقارير

ماذا تخبئ الأيام للأسرى الفلسطينيين ؟ !!

ماذا تخبئ الأيام للأسرى الفلسطينيين ؟ !!

 

خاص مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

يكثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مفاجأة أعدتها حركة المقاومة الإسلامية حماس تنتظر الأسرى , وقد باتت تلك القضية محل حديث الناس ومثار جدل بينهم , بل أن الأمر تطور ليصل الحديث عن هذا الموضوع إلى داخل السجون فالأسرى الآن في مرحلة ترقب وانتظار , وحديث دائم في طبيعة الأيام القادمة  والأخبار الواردة من هنا وهناك .

فما هي المفاجأة , وما سر كثرة التصريحات ومن أعلى المستويات التي تبشر بقرب التحرير  ودنو أجل الخلاص والفكاك خصوصا في هذا الوقت , وماذا ينتظر الأسرى في قابل الأيام ؟

أسئلة يحاول مركز بيت المقدس الإجابة عنها في هذا التحقيق عبر نقاط محددة ..

أصل الموضوع

عصر اليوم الثالث من العدوان الصهيوني الغاشم على غزة أعلنت كتائب القسام بأن مجاهديها تمكنوا بفضل الله تعالى من إسقاط طائرة صهيونية  مقاتلة من طرازF16  كانت تجوب سماء قطاع غزة , وعقب سقوط الطائرة استنفرت الكتائب مجاهديها للبحث عن حطام الطائرة , وأشلاء وجثث الجنود الصهاينة الذي كانوا على متن الطائرة المسقطة .

ما هي إلا دقائق وإذ بأجواء القطاع تمتلئ بالطائرات المقاتلة التي بدأت تحلق بحذر شديد , وأخذت تطلق صواريخ حقدها , وكل أهل غزة علموا بأن اليهود قد أصيبوا في مقتل [1].

نفي وإثبات في يوم واحد لحادث واحد من جهة واحدة

 ومع غروب شمس هذا اليوم ( اليوم الثالث من العدوان ) وبعد ساعات من سقوط الطائرة  أعلنت بعض وسائل الإعلام الصهيونية بأن طائرة من طراز  F16قد أسقطت وأن الطيَّارَيْن في عداد المفقودين بعد انقطاع الاتصال بهما , ولكن ما هي إلا ساعات قليلة وإذ بوسائل الإعلام الصهيونية تنفي الخبر وتقول بأنه لم يتم إسقاط طائرة في هذا اليوم .[2]

حرب إعلامية ونفسية

بعد ساعات من نفي الكيان الصهيوني إسقاط الطائرة سارعت وسائل الإعلام لرصد تصريحات قيادة حماس والتي كان جوابها موحدا ولم يُسجل أي اختلاف في تصريح أحد منهم وهو ( لا ننفي ولا نؤكد ) [3] !!!

بعد يوم من هذه الأحداث خرج الناطق باسم القسام في مؤتمر صحفي وُصف بالهام جدا وأعلن فيه تبني كتائب القسام إسقاط طائرة صهيونية , وسقوطها في عرض بحر المنطقة الوسطى " وسط قطاع غزة " وأكد بأن العدو الصهيوني سيضطر بالاعتراف  بخسارته وإسقاط الطائرة في وقت لاحق رغما عن أنفه !!

وعرضت الكتائب خلال المؤتمر الصحفي فيديو يظهر فيه ضرب أحد مجاهديها للطائرة ثم توقف التسجيل ولم يتضح هل أصاب الهدف , وما هي طبيعة الهدف , وأين سقط الهدف ؟ !!

بعد ساعات من مؤتمر القسام حشد الكيان الصهيوني  قوة كبيرة وهائلة من سلاح البحرية الصهيوني , وبحسب شهود العيان فإن عشر طائرات من طراز هيلوكبتر وأباتشي رافقت سلاح البحرية الصهيوني وأخذت تجوب بحر المنطقة الوسطى طولا وعرضا ( المنطقة التي أعلن القسام إسقاط الطائرة فيها ! )  , وكانت حركتها تَشِي بأن هناك شيئا تبحث عنه , وطبيعة الطائرات التي كانت ترافق البوارج والسفن الحربية تستخدم لنقل القتلى والجرحى , ولكن على ما يبدو فإن الكيان الصهيوني لم يعثر على شيء من ذلك , بل أن بارجة له قد دمرت من قبل المجاهدين الفلسطينيين بعد استهدافها بسبعة صواريخ أرض بحر .

بعد تلك الوقائع كان الحديث للميدان وللمقاتلين فيه , فكان اشتداد الحرب وشهدت غزة ضراوة الأحداث وشدتها إلى أن مضت أيام على هذا الحال ,  ومن ثم تم التوصل لتهدئة برعاية وضمانة مصرية وتم النزول فيها والخضوع لمطالب المقاومة الفلسطينية كاملة .

 

تصريحات مثيرة وتضاربات كبيرة

بعد أن وضعت الحرب أوزارها واستعاد الناس عافيتهم لم يكن بوسعهم إلا أن يستذكروا تلك اللحظات وأن يربطوا الوقائع والتصريحات ويحللوها , وما أعاد ذاكرتهم إلى الوراء وإلى قضية احتمالية أسر جنود الصهاينة هو التصريحات التي أعقبت إعلان التهدئة والتي كان لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ خالد مشعل نصيب الأسد منها ..

* عند إعلان التهدئة خرج خالد مشعل برفقة رمضان شلح بمؤتمر صحفي تحدث فيه حول قضايا عدة كانت متوقعة وطبيعية ( العدوان بتفاصيله , جولات المفاوضات والمحادثات الغير المباشرة , الصمود الأسطوري لأهل غزة والإشادة به , تحقق مطالب فصائل المقاومة , خسارة العدو .... ) ولكن ما لم يكن متوقعا أن وعد بتبييض السجون الصهيونية في القريب , وبَشَّرَ الأسرى باقتراب الفرج .

* مشعل ومن قطاع غزة  وفي خطابه الشهير الذي ألقاه بمناسبة انطلاقة حركته أكد على قرب تحرير الأسرى وأن الفرج قادم .

* خلال زيارة مشعل الأولى والتاريخية لقطاع غزة  التقى والدة الأسير حسن سلامة[4] وأقسم لها بالله العلي العظيم ثلاثا بأن ابنها سيخرج من الأسر قريبا !! , ولم يكتف مشعل بذلك بل التقي بها مرة أخرى قبيل سفره  وسلمته وثيقة وعهدة من ابنها الأسير تم تسريبها من داخل سجنه .

* هذا الحدث لا يمكن قراءته بمعزل عن حضور والد الأسير الكبير عبد الله البرغوثي[5] حفل انطلاقة حماس وتصريحه لوسائل الإعلام بأن ابنه الأسير  أبلغه بأن بحوزة مشعل مفاجأة للأسرى سيتم الإفصاح عنها في الوقت المناسب .  

وهذا الحدث يدفعنا لأن نقرأ ما وراء السطور ونتساءل لماذا حسن سلامة وعبد الله البرغوتي , ولم في هذا الوقت تحديدا ؟ !

وأمام تلك التصريحات المتفائلة والحذرة في نفس الوقت خرج الدكتور موسى أبو مرزوق عن صمته وأوضح بأن كل تلك التصريحات هي عبارة عن وعود وآمال ومن باب التفاؤل فقط ! , وأنه ليس بحوزة القسام في هذا الوقت  أي مفاجأة في هذا الخصوص , نافيا أن يكون القسام قد أصاب طائرة  خلال العدوان وإنما أصاب الصاروخ خزان الوقود الاحتياطي للطائرة !![6]

الضبابية والغموض

الأستاذ ناجي البطة المحلل السياسي والخبير في الشأن الصهيوني أوضح لــ "  مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية "  بأن كل هذه التصريحات والمؤتمرات عبارة  عن حرب نفسية وإعلامية تفرضها حركة حماس ضمن المعادلة الجديدة التي رسمتها عقب العدوان على غزة .

وحول إمكانية أسر حماس لجنود طيارين قال :  إن هناك عدة سيناريوهات وكل الأمور محتملة ولا شي مستبعد في ظل الضبابية والغموض الذي يكتنف الموضوع , وإن كانت نسبة  علمية أسر كتائب القسام لجنود صهاينة تستوي في نظر الباحث مع عدمها .

الاحتمال الأول : أن حماس لديها جنود صهاينة أحياء أو أمواتا ( بصرف النظر عن ذلك ) وأن هناك مفاوضات تسير تحت الطاولة مع الجانب الصهيوني وبوساطة مصرية حول هذا الموضوع . ولعل زيارة الأستاذ خالد مشعل لقطاع غزة جاءت برعاية مصرية قطرية تركية لترتيب بعض الأمور ولحلحتها في هذا الملف , وهذا ما يفسر سماح الكيان الصهيوني زيارة مشعل لقطاع غزة برفقة عدد من قيادات حماس ورفض الزيارة لآخرين !!

وما يؤكد ذلك اجتماع خالد مشعل مع الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار والحديث معهم حول هموم الأسرى , وكانت نظراته توحي بأن هناك شيئا ما يلوح في الأفق ـــ بحسب الأستاذ ناجي البطة ـــ .

وحول السرية المطلقة التي تكتنف هذا الموضوع قال الباحث ناجي البطة : بأن مثل تلك الأمور تحتاج لسرية كاملة لضمان نجاح المفاوضات وعدم التشغيب والتخريب من قبل أي طرف من الأطراف , وأضاف بأنه لربما اشترط الكيان الصهيوني السرية وعدم تسريب أي خبر يتعلق بهذا الملف وهذا ما يفسر صمت حماس مع الاحتفاظ لنفسها بحق التلويح وإرسال رسائل البشارة فقط , ( واللبيب بالإشارة يفهم ) .

 

الاحتمال الثاني : أن حماس ليس بحوزتها أي شيء , وأن تصريحاتها من قبيل الحرب الإعلامية والنفسية التي ما فتئت توجهها للاحتلال الصهيوني .

وأيضا هذا الاحتمال من شأنه أن يحقق إنجازا لفصائل المقاومة خاصة بأن أي معلومة في هذا الصدد لها ثمن بل ثمن باهظ , فمثلا عند نفي الفصائل حيازتهم لجثث جنود يقابله إطلاق سراح عدد لا بأس به من الأسرى .

وختم المحلل السياسي الأستاذ / ناجي البطة تحليله  بأن العدو الصهيوني قد اعترف باستهداف القسام لطائرة عسكرية بحسب اعترافه الأولي ( وهو الخبر الصحيح ) , وعليه فإن الاحتلال يواجه ضغوطا داخلية ـــ غير معلنة ـــ مفادها إما نفي الخبر وتكذيبه ولا يتم ذلك إلا بنقيضه عبر إثبات أن الجنود ما زالوا على قيد الحياة وهذا لم يحدث , أو أنهم قد فقدوا وتم العثور عليهم لاحقا وهذا لم يحدث أيضا , أو أنهم فقدوا وما زالوا مفقودين , وإذا كانوا مفقودين فأين هم وما هو مصيرهم , وهل ما زالوا على قيد الحياة أم قتلوا ؟!! أسئلة ستجيب عنها الأيام القليلة القادمة .

 


[1] - بات من المعلوم بأن الاحتلال الصهيوني إذا ما تعرض لضربة موجعة فإنه يقوم بتنفيذ أعمال تأخذ طابع التخبط والعشوائية والقهر , ولعل إقدام الكيان الصهيوني على استهداف المساجد والملاعب والوزارات والمؤسسات , وقطع الطرق وضرب الجسور واستهداف البيوت يفسر ذلك . وهذا من شأنه أن يعيد بنا الذاكرة للوراء عندما تم أسر الجندي جلعاد شاليط والردود الصهيونية العسكرية التي أعقبت عملية الأسر .

[2] - هذا ما أعلنته القناة الصهيونية الثاني والعاشرة وبعض الإذاعات العبرية المختلفة , ولكن ما يفسر تراجعهم ونفيهم هو فرض قانون الرقابة العسكرية على الإعلام الذي يفرضه الكيان الصهيوني على وسائل الإعلام أثناء الحرب حتى لا يشعر الخصم بالنشوة والظفر , وحتى لا يؤدي إلى زعزعة الجبهة الداخلية .

[3] - حيث صرح الأستاذ عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحماس على حساب الفيسبوك الشخصي الخاص به وقال : " باختصار لا ننفي ولا نؤكد " , أما مشير المصري الناطق باسم حماس والنائب عنها في البرلمان قال لقناة القدس : " ليس لدينا ما نقوله  لا نثبت ولا ننفي , وعلى العدو أن يوقف عدوانه فورا " .

[4] - الأسير حسن سلامة من محافظة خانيونس معتقل منذ العام 1996 م , وهو صاحب عمليات الثأر المقدس التي نفذت ردا على اغتيال الشهيد يحي عياش , وقد حكم عليه الاحتلال الصهيوني بالسجن المؤبد 48 مرة  , ويعد صاحب أكبر حكم بين أسرى قطاع غزة , وهو أحد الستة الذين رفض الاحتلال الإفراج عنهم في صفقة وفاء الأحرار .

[5] - الأسير عبد الله البرغوتي مهندس القسام وصاحب أكبر وأقوى العمليات الاستشهادية التي نفذت في قلب الكيان الصهيوني , وصاحب أكبر حكم في تاريخ الاحتلال إذ حكم عليه بالسجن المؤبد 68 مرة , وهو أحد الستة الذين تعنت الاحتلال بحقهم , ووصل الحال بالقاضي الصهيوني أن يقرر بأنه لو رحل الكيان الصهيوني عن كل فلسطين يجب عليه أن يصطحبه معه ولا يطلق سراحه !!

[6] - تصريحات أبو مرزوق أدلى بها خلال استضافته عبر برنامج ( هنا فلسطين  ) على شاشة  قناة الأقصى الفضائية .

.