فلسطين التاريخ / أعلام بيت المقدس
علماء وفقهاء ومحدثون من فلسطين " محمد بن أحمد السفاريني "
د. نايف فارس
اسمه ونسبه: هو الشيخ الإمام محدث الشام وأثريه مسند عصره وشامته والحبر البحر النحرير الكامل الهمام الأوحد العلامة والعالم العامل الفهامة أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني الشهرة والمولد النابلسي الحنبلي الزاهد الصوف.
• فائدة: (الصوفية عند المتقدمين تعني الزهد وهي بخلاف الصوفية عند المتأخرين).
مولده:
ولد بقرية سفارين من قرى وأعمال نابلس سنة أربع عشرة ومائة وألف (١١١٤هـ الموافق ١٧٠٢م)، ونشا بها وتلا القرآن العظيم.
رحلاته ومشايخه وطلبه للعلم:
ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم وأخذ عن أعيانها، فأخذ بها عن الأستاذ الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي وشيخ الإسلام الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي وأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين المجلد وأبي المجد مصطفى بن مصطفى السواري والشهاب أحمد بن علي المنيني وأخذ الفقه عن أبي التقي عبد القادر بن عمر التغلبي وأبي الفضائل عواد بن عبيد الله الكوري ومصطفى بن عبد الحق اللبدي، وإسماعيل العجلوني والشيخ مصطفى البكري وحامد العمادي وعبد الله البصراوي وسلطان المحاسني وغيرهم.
وحج سنة ثمان وأربعين، فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة السندي المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة وسمع على صهره محمد الدقاق، وسمع بدمشق على حامد العمادي المسلسل بالأولية وثلاثيات البخاري وبعض ثلاثيات مسند أحمد.
وعاد إلى نابلس فدرس فيها وأفتى، ثم توفي فيها رحمه الله.
فضله ومرتبته العلمية:
وحصل لصاحب الترجمة في طلب العلم ملاحظة ربانية حتى حصل في الزمن اليسير ما لم يحصله غيره في الزمن الكثير ورجع إلى بلده ثم توطن نابلس واشتهر بالفضل والذكاء ودرس وأفتى وأفاد، وألف تآليف عديدة.
وكان عالما بالحديث والأصول والأدب، صاحب تحقيق رحمه الله.
وكان أيضا رحمه الله مؤرخا، مشاركا في بعض العلوم.
وقد كان غرة عصره وشامة مصره، لم يظهر في بلاده بعده مثله، وكان يدعى للملمات ويقصد لتفريج المهمات، ذا رأي صائب وفهم ثاقب، جسورا على ردع الظالمين وزجر المفترين، إذا رأى منكرا آخذته رعده وعلا صوته من شدة الحدة، وإذا سكن غيظه وبرد قيظه يقطر رقة ولطافة وحلاوة وظرافة، وله الباع الطويل في علم التاريخ وحفظ وقائع الملوك والأمراء والعلماء والأدباء وما وقع في الأزمان السالفة، وكان يحفظ من أشعار العرب العرباء والمولدين شيئا كثيرا.
مصنفاته:
لقد كان رحمه الله صاحب تأليف كثيرة وتصانيف شهيرة.
فمن تأليفه:
• شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد بن حنبل في مجلدين سماه «نفثات صدر المكمد بشرح ثلاثيات المسند» أو في مجلد ضخم.
• منتخب كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل حذف منه المكرر والأسانيد.
• شرح نونية الصرصري والتي سماها «معارج الأنوار في سيرة النبي المختار» في مجلدين.
• تحبير الوفا في سيرة المصطفى، في مجلد ضخم.
• مؤلف في مجلدين في السيرة النبوية.
• غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب. جزآن.
• البحور الزاخرة في علوم الأخرة.
• كشف اللثام في شرح عمدة الأحكام، وهو في سفرين، ونسخته موجودة في الظاهرية بدمشق، وعلى النسخة إجازة بخطه ذكر فيها مؤلفاته إلى سنة ١١٦٩ هـ.
• نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار، أودع فيه غرائب فيه نحو سبع كراريس.
• الجواب المحرر في الكشف عن حال الخضر والاسكندر.
• عرف الزرنب في شرح السيدة زينب.
• القول العلي في شرح أثر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أملاه على كميل بن زياد.
• شرح منظومة الكبائر الواقعة في الإقناع.
• نظم الخصائص الواقعة.
• الدر المنظم في فضل شهر الله المحرم.
• قرع السياط في قمع أهل اللواط.
• المنح الغرامية في شرح منظومة ابن فرح اللامية، وهو شرح منظومة ابن فرح في الاصطلاح.
• التحقيق في بطلان التلفيق.
• لواقح الأفكار السنية في شرح منظومة الإمام الحافظ أبي بكر بن أبي داود الحائية، وهو في مجلد.
• تحفة النساك في فضل السواك.
• الدرة المضية في اعتقاد أهل الفرقة المرضية.
• سواطع الأثار الأثرية بشرح منظومتنا المسماة بالدرة المضية، جزآن.
• تناضل العمال بشرح حديث فضائل الأعمال.
• الدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات، اختصر فيه موضوعات ابن الجوزي في مجلد ضخم.
• رسالة في بيان الثلاث والسبعين فرقة والكلام عليها.
• اللمعة في فضائل الجمعة.
• الأجوبة النجدية عن الأسئلة النجدية.
• الأجوبة الوهبية عن الأسئلة الزعبية.
• شرح على دليل الطالب، ولم يكمل.
• تعزية اللبيب بأحب حبيب.
وله ثبت ألفه لما استجازه من دمشق العلامة شاكر العقاد، قال في عقود اللآلي: «فأجازه وأرسل إليه كراسة جعلها كالثبت له، وذكر فيها بعض مشايخه وأسانيده ومروياته وبعض المسلسلات وسنده في الصحيحين والمسانيد وغير ذلك، إجازة مطولة جامعة شافية مشتملة على الأسانيد العالية والمرويات الغالية»، اهـ.
وغير ذلك من المؤلفات الكثير.
وأما الفتاوى التي كتبها في كراس أو أقل أو أكثر، فكثيرة ولو جمعت لبلغت مجلدات، وله رحمه الله تعالى من الأشعار في المراسلات والغزليات والوعظيات والمرثيات شيء كثير.
إجازاته:
وقال الحافظ الزبيدي في ترجمته من «المعجم المختص»: «كتبت إليه أستجيزه فكتب إلي إجازة حافلة في عدة كراريس حشاها بالفوائد والغرائب، وكان وصول هذه الإجازة في عام 1179هـ، ثم كاتبته ثانيا عام ١١٨٢ه وأرسلت إليه الاستدعاء باسم جماعة من الأصحاب منهم المرحوم عبد الخالق بن خليل والسيد محمد البخاري وجماعة من أهل زبيد، فاجتهد وحرر إجازة حسنة حشاها بفوائد غريبة في كراريس»، اهـ.
وممن استجاز له السيد مرتضى من الزبيديين المشار لهم: شيخه وعمدته السيد سليمان الأهدل وكذا لأخيه السيد أبي بكر وعثمان الجبيلي وغيرهم، وفي ترجمة عبد القادر بن خليل المدني من معجم الزبيدي المذكور: «استجزت له من شيخنا السفاريني، فكتب له إجازة طويلة في خمسة كراريس فيها فوائد جمة» اهـ.
• قال عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات:
نروي ما له من مؤلف ومروي من طريق الحافظ مرتضى الزبيدي وعبد القادر بن خليل كدك زاده والسيد محمد بن محمد البخاري نزيل نابلس والشيخ شاكر العقاد الدمشقي والسيد سليمان الأهدل وغيرهم كلهم عنه. ونتصل به مسلسلا بالحنابلة عن البرهان إبراهيم الخنكي الحنبلي اعتقادا، عن محمد بن حميد الشركي، عن الشهاب أحمد اللبدي النابلسي وعثمان بن عبد الله النابلسي، كلاهما عن عبد القادر بن مصطفى بن محمد السفاريني عن أبيه عن جده. ح: وأخذ ابن حميد عن عبد الجبار بن علي البصري عن مصطفى الرحيباني عنه.
ح: وأعلى منه عن شيخ الحنابلة فيزمانه عبد الله القدومي بمكة، عن حسن بن عمر الشطي، عن مصطفى بن سعد الرحيباني، عن الشمس السفاريني. قال السفاريني في إجازته للعقاد:
«ليس كتاب متداول بين الناس إلا ولنا به أسانيد نتصل بها إليه وذلك ضمن ثبت شيخ مشايخنا الشيخ عبد الباقي الأثري، وكذا ضمن ثبت شيخنا عبد القادر التغلبي، وضمن أثبات شيخنا العارف عبد الغني النابلسي، وإثبات شيخ مشايخنا إبراهيم الكوراني، فإني أرويها بواسطة عدة من مشايخي من أجلهم عبد القادر التغلبي» اهـ.
عقيدته:
كان العلامة السفاريني سلفي العقيدة متبعا للأثر نابذا للتقليد البليد على نهج السلف معظما طريقتهم داعيا إليهم منافحا عنهم وعن طريقتهم الرضية المرضية.
وكان ناصرا للسنه قامعا للبدعة كما قال عنه الجبرتي.
وهذا كله ظاهر جدا في كتبه وقد قال في الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية مرجحا مذهب السلف على من سواهم:
اعلم هديت أنه جاء الخبر عن النبي المقتفي خير البشر
بأن ذي الأمة سوف تفترق بضعا وسبعين اعتقادا والمحق
ما كان ف نهج النبي المصطفى وصحبه من غير زيغ وجفا
وليس هذا النص جزما يعتبر في فرقة إلا على أهل الأثر
ولهذه المنظومة السفارينية في العقيدة السلفية شروحات عدة أشهرها شرح العلامة العثيمين ومن ثم فهنالك شرح للشيخ الفوزان وهنالك شرح لها للشيخ عبد الله بن جبرين.
صفاته وثناء العلماء عليه:
وصفه معاصره المرادي في سلك الدرر: بالشيخ الإمام والحبر البحر النحرير الكامل الهمام الأوحد العلامة والعالم العامل الفهامة صاحب التأليف الكثيرة والتصانيف الشهيرة.
• حلاه الوجيه الأهدل في النفس اليماني فقال: مسند الشام الحافظ الكبير.
• وحلاه مفتي الحنابلة بمكة، الشمس محمد بن حميد الشركي المكي في طبقات الحنابلة المسماة بالسحب الوابلة قائلا: المسند الحافظ المتقن
• وحلاه أيضا الحافظ أبو الفيض الزبيدي في معجمه المختص فقال: شيخنا الإمام المحدث البارع الزاهد الصوف.
وقال فيه: «كان ناصرا للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه ملازما لنشر علوم الحديث محبا في أهله».
وقال فيه أيضا في ألفية السند له:
مسند عصره الإمام المعتلي...
الأثري الزاهد السجادا... بعلمه قد رفع العمادا
وقال الحافظ الزبيدي عنه أيضا في إجازته لحفيد المترجم عبد الرحمن ابن يوسف بن محمد السفاريني:
وجده محمد بن أحمدا... شيخ الحديث قد هدا وسددا
قد كان عمر الله في نابلس... بقية الأخيار عالي النفس
أوحد من كانت له العناية... في حفظ هذا الفن فوق الغاية
وقال الحافظ أبو الفيض الزبيدي عنه بعد وفاته: ولم يخلف بعده مثله.
ويصفه الجبرتي في عجائب الأثار فيقول عنه:
شيخا ذا شيبة منورة مهيبا جميل الشكل ناصرا للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد ملازما على نشر علوم الحديث محبا في أهله، ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان وأربعين إلى أن توفي يوم الاثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس، وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير، ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الأسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله رحمة واسعة.
ولما ترجم له الكتاني في فهرس الفهارس قال:
السفاريني هو الإمام محدث الشام وأثريه مسند عصره وشامته.
قال عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات:
ويظهر لي أنه لا يبعد عد المترجم - يقصد السفاريني رحمه الله - فحفاظ القرن الثاني عشر لأنه ممن جمع وصنف وحرر وخرج وأخذ عنه واستجيز من الأقطار البعيدة حتى من مصر والحجاز واليمن.
من شعره:
وله رحمه الله شعر لطيف، منه قوله:
من لي بأن أنظر إلى... خشف بليل معتكر
وأضمه من غير شف ... كالضمير المستتر
وقوله:
الصبر عيل من القلا... والنفس أمست في بلا
والجفن جف من البكا... والقلب في الشجوى غلا
وشكا اللسان فقال في... شكواه لا حول ولا
وقوله:
أحبة قلبي تزعموا إن حبكم... صحيح فإن كنتم كما تزعموا زوروا
وأحيوا فتى فت الغرام فؤاده... وإلا فدعوى حبكم كلها زور
- وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار مما هو مشهور في أيدي الناس.
• من تعقيباته في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد:
قال رحمه الله معقبا على حفر الخندق في غزوة الخندق:
وكان الخندق بسطة ونحوها وكان سلع الجبل خلف ظهورهم، والخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، وكان قد عمل فيه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه -رضي الله عنهم- مستعجلين.
ثم قال في الهامش تعليقا على هذه الأماكن:
المذاد: هو أطم لبني حرام غربي مساجد الفتح، وذباب: كغراب اسم جبل بالمدينة، وراتج:
اسم أطم أيضا. أهـ.
وفاته:
وكانت وفاته في شوال سنة ثمان وثمانين ومائة وألف للهجرة (1188هـ الموافق ١٧٧٤م)، بنابلس ودفن بتربتها الشمالية رحمه الله تعالى.
• المصادر:
1. سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي.
2. عجائب الآثار للجبرتي.
3. طبقات الحنابلة للغزي.
٤. معجم الكمال للغزي.
٥. معجم الحافظ مرتضى.
6. الأعلام للزركلي.
7. فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات للكتاني.
مجلة بيت المقدس للدراسات- العدد الحادي عشر
.