دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

أزمة الكهرباء في غزة.. ورقة ضغط يتقاذفها السياسيون





أزمة الكهرباء في غزة... ورقة ضغط يتقاذفها السياسيون


خاص-مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

6 ساعات في أحسن الأحول هي مدة وصول التيار الكهربائي لبيوت سكان قطاع غزة، منذ ما يقارب 12 عاماً، وهو ما زاد من معاناة أهالي القطاع الصحية، وساهم في تراجع اقتصادهم بشكل كبير، وتسبب في وفاة عدد من أطفالهم نتيجة استخدام البدائل كالشموع.

وبرزت أزمة الكهرباء في قطاع غزة بعد تولي حركة "حماس" زمام الحكم في القطاع، حيث تم استخدامها كورقة ضغط عليها من قبل الكيان الصهيوني والأطراف المحاصِرة مقابل الحصول على إنجازات سياسية.

ويحتاج قطاع غزة من الكهرباء 600 ميغا وات، في حين أن المتوفر من جميع المصادر وهي محطة توليد الكهرباء 140 ميغا في حالة تم تشغيل المولدات الأربعة الموجودة فيها عند توفر الوقود، و125 ميغا من الخطوط الصهيونية وتم تقليصها إلى 50 مؤخرًا بطلب من السلطة الفلسطينية، و20 ميغا وات من الخطوط المصرية، حسب الناطق باسم شركة الكهرباء في غزة محمد ثابت.

ومجموع الطاقة المتوفرة حاليًّا في قطاع غزة 135 ميغا وات، قادمة من الخطوط الصهيونية التي تعمل بقدرة 70 ميغا، فيما خطوط الكهرباء المصرية دائمًا متعطلة، أما محطة التوليد فتعمل بقدرة 65 ميغا وات في ظل عدم توفر الوقود، حسب الناطق الرسمي باسم محطة التوليد.

ويحتاج قطاع غزة إلى 600 ميغا وات في فصل الصيف وأقل منها في الشتاء، فيما بلغ عجز الطاقة فيها نحو 465 ميغا وات.

محطة التوليد

محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة وهي الوحيدة، وأكثر مصادر الطاقة في القطاع حيث يعود تأسيسها إلى عام 1998 بموجب قرار رئاسي، بالتعاون مع البلديات والمجالس المحلية، على أن تكون حكومية وملكاً لسلطة الطاقة الفلسطينية، وتقع في مخيم النصيرات، وسط القطاع.

تأسيس الشركة وقتها، جاء باتفاق بين سبع شركات محلية وأجنبية، برأس مال قدره 11 مليون دولار، وهم: "شركة اتحاد المقاولين لوائل خوري"، و"البنك العربي" ومديره حينها شكري بشارة وزير المالية الحالي في الحكومة الفلسطينية، و"شركة فلسطين للتنمية والاستثمار (باديكو) لمنيب المصري"، و"الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية لمحمد رشيد"، و"شركة العقاد للتنمية الفلسطينية المساهمة الخصوصية لطارق العقاد"، و"الشركة العربية للاستثمار القابضة لظريف البرادعي"، و"شركة السعيد المحدودة لسمير الشوا".

حصلت تلك الشركات حسب "اتفاق تنفيذ" مع السلطة الفلسطينية، على الحق الحصري لإنتاج الطاقة في فلسطين، لمدة 20 عاماً مقابل بناء وتشغيل محطة لتوليد الكهرباء سعتها 560 ميغاوات، تنفذ على أربع مراحل، قدرة كل منها 140 ميغا وات.

واشترط العقد الموقع بين شركة غزة وسلطة الطاقة، بأن تقوم الأخيرة بشراء الطاقة مرة أخرى من الشركة، وتقوم هي بجباية الفاتورة بهامش ربحي من المواطنين، وتكون قد حصلت على ثمن الفاتورة مرتين.

وتوصلت السلطة إلى اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بحيث يتكفل الأخير بدفع تكلفة السولار اللازم لتشغيل محطة كهرباء غزة (بواقع 2.2 مليون لتر من السولار الصناعي)، والمرة الثانية من الفواتير المحصلة من المواطن الفلسطيني. وتم التوقيع بمبلغ إجمالي مدفوع من الاتحاد الأوروبي.

وحسب بنود الاتفاق تلتزم السلطة بتوفير شبكة لنقل الكهرباء، وشبكة لتوزيع الكهرباء من خلال تأسيس شركتين إحداهما للنقل وأخرى للتوزيع، كذلك تقدم كافة الإعفاءات الجمركية والضريبية للشركة في كل ما يخص أنشطتها وأرباحها وأرباح المساهمين (أي أن ضريبة "البلو" تفرضها السلطة الوطنية على سلطة الطاقة وعلى الوقود القادم من رام الله إلى المحطة في غزة.

ضريبة باهظة

ضريبة "البلو" وهي أبرز الأسباب التي ساهمت في زيادة أزمة انقطاع التيار الكهرباء عن غزة، بحيث يتم فرضها على الوقود اللازم لتشغيل الكهرباء في المحطة، ويبلغ متوسط قيمتها قرابة 3 شيكل على كل لتر من الوقود وبنسبة أقل (2.7 شيكل) على الوقود اللازم لتوليد الطاقة.

وتبلغ قيمة ضريبة البلو على الوقود المورد لمحطة توليد كهرباء غزة قرابة40 مليون شيكل شهرياً (11.5 مليون دولار أمريكي شهريًّا) وفق مدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية الفلسطينية لؤي حنش.

وترفض سلطة الطاقة في قطاع غزة استيراد الوقود من وزارة المالية برام الله قبل رفع ضريبة "البلو" التي تشكل نسبة 280% من قيمة الوقود المورد حسب رئيس السلطة الطاقة السابق في غزة فتحي الشيخ خليل.

وتبرر وزارة المالية في رام الله استمرار ضريبة "البلو" على الوقود المورد لقطاع غزة، بسبب الجباية التي تحصل عليها الجهات في غزة وفق القائم بأعمال رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية، ظافر ملحم.

ويوضح ملحم إن حجم الديون لصالح شركة التوزيع على مدى السنوات العشر الماضية، في قطاع غزة، يبلغ حوالي 4 مليارات شيقل، في حين جبت حوالي 2.5 مليار شيقل لم يورد منها شيء إلى الخزينة".

وحسب ملحم فإن الحكومة في رام الله تسدد فاتورة الكهرباء في غزة بنسبة 100%، (400 مليون أثمان الكهرباء المستوردة من الجانب الصهيوني)، و35 مليون من مصر، و96 مليون المشتراة من محطة التوليد، إضافة إلى 250 مليون شيقل قيمة إعفاء الوقود المورد الى محطة التوليد من ضريبة البلو من فترة لأخرى.

ويرى القائم بأعمال سلطة الطاقة بأن إنهاء أزمة الكهرباء في غزة يتمثل في توسعة الربط الكهربائي مع شركة كهرباء (إسرائيل)، وشراء الوقود لمحطة التوليد بدون ضرائب، وتزويد شركة التوزيع بـ40 ألف عداد (حوالي 6 ملايين دولار)، وتحويل أموال الجباية لتغطية أثمان الكهرباء الواردة للقطاع، أو شراء الوقود أو العدادات المطلوبة "الدفع المسبق"، أو تسليم الصلاحيات الكاملة لسلطة الطاقة والموارد الطبيعية".

ورغم حديث ملحم فإن أزمةالكهرباء في قطاع غزة تزداد رقعتها من فترة لأخرى ولا حلول في الأفق، خاصةً في ظل استمرار ضريبة "البلو".

ورقة سياسية

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استخدم أزمة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزة كورقة ضغط سياسية على حركة حماس من أجل الحصول على مواقف لصالحه وهي حل الأخيرة للجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة، حيث رفضت السلطة الفلسطينية  دفع ثمن كميات الكهرباء الموردة إلى القطاع من (إسرائيل)، وهو ما قوبل بموافقة من الكيان الصهيوني الذي قلَّص كميات الكهرباء الواردة إلى قطاع غزة، لتصبح نسبة العجز في الطاقة في غزة إلى أكثر من 70% حسب الناطق باسم شركة الكهرباء محمد ثابت.

وتسببت خطوة الرئيس عباس بتقليص الكهرباء الواردة لغزة انتكاسة جديدة في عدد ساعات قطع الكهرباء، إضافة إلى توقف أحد مولدات محطة التوليد، وتعطل خطوط الكهرباء المصرية، حيث وصلت نسبة وصول الكهرباء إلى 4 ساعات وصل مقابل 16 إلى 18 ساعة فصل حسب ثابت.

وخطوط الكهرباء الصهيونية تعدُّ أحد مصادر الكهرباء لشبكة غزة، بحيث تتعامل السلطات الصهيونية مع السلطة الفلسطينية فيما يخص إمدادات الكهرباء والوقود التي تذهب لغزة لأن الجانب الصهيوني لا يتعامل مع حماس.

وجاء بيان صادر عن وحدة الاتصال العسكري الصهيوني مع السلطة الفلسطينية مفاده بأنَّ  "السلطة الفلسطينية أبلغتنا أنها ستوقف فورا سداد ثمن الكهرباء الذي تمد به (إسرائيل) غزة عبر عشرة خطوط للكهرباء تنقل 125 ميجاوات أو ما يعادل نحو 30 في المئة من احتياجات غزة من   الكهرباء"

وتمد (إسرائيل) شبكة الكهرباء في غزة بـ 125 ميغا وات إضافية عبر 10 خطوط كهرباء، تحصلها (إسرائيل) من السلطة الفلسطينية من خلال فاتورة مقاصة الضرائب التي تجمعها من البضائع التي تدخل قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري.

وبين تلك الإجراءات بين المتخاصمين الفلسطينيين، يعيش سكان قطاع غزة أسوأ أيام حياتهم نتيجة عدم توفر الكهرباء والتي تمثل عصب الحياة للغزيِّين.

.