القدس والأقصى / فضائل

فضيلة صخرة بيت المقدس.

خــطأ شـائـع

فضيلة صخرة بيت المقدس

 

    من الأخطاء الشائعة حول المسجد الأقصى أن للصخرة المبني عليها القبة الذهبية والتي تسمى ( مسجد قبة الصخرة ) - والتي تركز عليها وسائل الإعلام الإسلامية والعالمية على أنها هي المسجد الأقصى - أن لها قداسة خاصة ، وقد ظهر من بعض المسلمين المغالاة في تقديس الصخرة ووصل الأمر بهم إلى حد التجاوز والإفراط حيث قيل في صخرة بيت المقدس :-

 

 

1.   كان عليها ياقوتة تضيء بالليل كضوء الشمس ولا تزل كذلك حتى خربها بختنصر.

2.    أنها من صخور الجنة .

3.    تحول صخرة بيت المقدس مرجانة بيضاء .

4.    إليها المحشر ومنها المنشر .

5.    سيد الصخور صخرة بيت المقدس .

6.    مياه الأرض كلها تخرج من تحت الصخرة .

7.    صخرة معلقة من كل الجهات .

8.    عليها موضع قدم محمد صلى الله عليه وسلم .

9.    وعليها أثر أصابع الملائكة .

10.          الماء الذي يخرج من أصل الصخرة .

11.          أنها على نهر من أنهار الجنة .

12.          المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة ببيت المقدس .

13.          عرش الله الأدنى ، ومن تحتها بسطت الأرض .

14.          الصخرة وسط الدنيا ، وأوسط الأرض كلها .

15.          عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم منها إلى السماء ، وارتفعت وراءه ، وأشار لها جبريل أن اثبتي .

16.          لها مكانة كالحجر الأسود في الكعبة .

وقد أنكر علماء المسلمين هذا التعلق بالصخرة ، وبينوا أنها صخرة من صخور المسجد الأقصى ، وجزءٌ منه ، وليس لها أية ميزة خاصة .

 

    فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى مجلد 27 كتاب الزيارة ص12) :

 

(( أما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة ، وما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثر عمامته ، وغير ذلك : فكله كذب ، وأكذب منه من يظن أنه موضع قدم الرب ، وكذلك المكان الذي يذكر أنه مهد عيسى – عليه السلام – كذب ، وإنما كان موضع  معمودية النصارى، وكذا من زعم أن هناك الصراط والميزان ، أو أن السور الذي يضرب بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد ، وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعاً )) .

 

   والصخرة لم يُصَلِّ عندها عمر رضي الله عنه - ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة ، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر ، وعثمان ، وعلي ،  ومعاوية ، ويزيد ، ومروان ، وبنى عليها عبد الملك بن مروان القبة .

 

وقال رحمه الله: ((إن عمر بن الخطاب لما فتح البلد قال لكعب الاحبار : اين ترى أن أبني مُصَلى المسلمين ؟ قال : ابنِهِ خلف الصخرة  : قال خالطتك يهودية ، بل أبنيه أمامها ، فان لنا صدور المساجد . فبنى هذا المصلى الذي تسميه العامة  " الأقصى "  ولم يتمسح بالصخرة ، ولا قبّلها ولا صلى عندها ، كيف وقد ثبت عنه في الصحيح : ( أنه لما قبل الحجر الاسود قال : والله اني لأعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا إني رأيت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك ) .

 

 

 

وقد ضعف الإمام ابن القيم كل الأحاديث الواردة في الصخرة ، فقال في المنار المنيف ( 87 ، 88 ) : ( وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى ، والقَدَم الذي فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين ، الذين يروجون لها ليكثر سواد الزائرين ، وارفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود ، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام ، ولما  أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t ان يبني المسجد الأقصى استشار الناس : هل يجعله أمام الصخرة ، أو خلفها ؟ فقال له كعب يا أمير المؤمنين : ابنه خلف الصخرة ، فقال يا ابن اليهودية ، خالطتك اليهودية ! بل أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون ، فبناه حيث هو اليوم ) .

 

وقال عبد الله بن هشام صاحب كتابه " تحصيل الأنس لزائر القدس " ( مخطوط )ص 64 :

 

(( قد بلغني أن قوماً من الجهلاء يجتمعون يوم عرفة بالمسجد ، وأن منهم من يطوف بالصخرة ، وأنهم ينفرون عند غروب الشمس وكل ذلك ضلال وأضغاث أحلام )) .

 

    ومما تدل عليه عبارة صاحب المخطوطة : أن هناك تجاوزات لبعض عامة الناس في تقديس المسجد الأقصى .

   وكان رفضاً واضحاً من علماء المسلمين لهذه التجاوزات ، وتحذيراً العامَّة منها .

 

ويقول شيخنا محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عن تقديس الصخرة في المسجد الأقصى :

(( الفضيلة للمسجد الأقصى وليس للصخرة ، وما ذكر فيها لا قيمة له إطلاقاً من الناحية العلمية ، ولا ينبغي تقديس ما لم يقدسه الشرع ، ولا تعظيم ما لم يعظمه الشرع )) .

 

  ومما يذكر في سيرة الصحابة وأئمة المسلمين أنهم إذا دخلوا المسجد الأقصى قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في( اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم جـ 2 ص 817 ) :

 

   (( وأما المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ، وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم : الأقصى . والأقصى اسم للمسجد كله ، ولا يسمى هو ولا غيره حرماً ، وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة  .

 

    فبنى عمر المصلى الذي في القبلة ، ولم يصل عمر ولا المسلمون عند الصخرة ، ولا تمسحوا بها ، ولا قبلوها .

 

   وقد ثبت أن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه، وصلى فيه ، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها ، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع ، وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين ، كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم )) .

 

 

فصخرة بيت المقدس باتفاق المسلمين لا يسن استلامها ولا تقبليها ولا التبرك بها كما يفعله بعض الجهال ، وليس لها خصوصية في الدعاء ، ويجب تحذير المسلمين من هذا الفعل .

ولم يثبت حديث صحيح في فضل الصخرة ، وكل ما قيل فيها لا يصح سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى مسلم في صحيحه عن مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتون من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ، لا يضلونكم ، ولا يفتنونكم )) .

 

   وقد برر البعض ممن كتب في فضائل بيت المقدس التساهل في التدقيق بالأحاديث الواردة من باب أن فضائل الأعمال يعمل فيها بالأحاديث الضعيفة وقد تجاوز البعض حتى نقل المكذوب والموضوع وأخذ من كلام القصاص مما لا ينبغي ذكره .

 

ويقول شهاب الدين أبو محمود المقدسي ( في مخطوطة مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام) وهو يرفض التجاوز في تقديس المسجد الأقصى ، والوصول به إلى ما فوق المنزلة المقبولة في عقيدة الإسلام : (( قاتل الله القصاصين والوضاعين ، كم لهم من إفك على وهب وكعب*، ولا شك في فضل هذا المسجد ، ولكنهم قد غَلَوا )) .

*وهما كعب الأحبار ووهب بن منبه أسلما بعد أن كانا يدينان باليهودية .

 

    والبعض يسرد تلك الأحاديث ولا يشير أدنى إشارة إلى ضعفها ووهنها ، بل ويروونها وكأنها من الصحاح التي لا خلاف فيها .

 

     وتنبيه الناس على أمر صخرة بيت المقدس لا يقلل من فضائل المسجد الأقصى فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز العديد من الآيات التي خصت المسجد الأقصى وبيت المقدس بالبركة والفضيلة ، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الصحاح والسنن الكثير من الأحاديث التي نصت على ما حباه الله  تعالى من الخير والبركة ، وبينت الخصائص التي تميز بها المسجد الأقصى وأرضه لما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة في الشرع الإسلامي.

 

 

          وكما قيل مهما جلست تحدث بفضائل المسجد الأقصى فلن تنتهي إلى ما انتهى الله إليه في قوله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه  هو السميع البصير)) .

 

          فبركة المسجد الأقصى ثابتة بالكتاب والسنة ، ولنا غنى في الصحيح منها عن الموضوع والمكذوب .

 

 

 

والخلاصة : أن كل ما قيل في هذه الصخرة أصله من أهل الكتاب وليس له  أصل في كتب العقيدة الإسلامية ، ولا في الصحيح من حديث النبي  صلى الله عليه وسلم .

 

.