القدس والأقصى / عين على الاقصى

قدسيَّة فلسطين | الشيخ/محمد صالح السيلاوي

قدسيَّة فلسطين

الشيخ/محمد صالح السيلاوي

 قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ), قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

ففي هذه الآيات البشرى بوعدٍ من الله أنَّه تبارك وتعالى ينصر أنصاره, وهذا الوعد قد أكّده سبحانه وتعالى - وهو أصدق القائلين - بثلاث مؤكِّداتٍ لفظيَّة ورابعٍ معنويٍّ.

أمَّا المؤكِّداتُ اللَّفظيَّة: فالأوَّل: واو القسم. والثَّاني: اللام الموطِّئة للقسم. والثَّالث: النُّون. وكلاهما يفيد التَّوكيد.

وأمَّا التَّوكيد الرَّابع والمعنويّ: قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

وإنَّما يأتي المتحدِّثُ بالتَّوكيد لطمأنة السَّامع بصدق حديثه, بحيث إنَّ السَّامع قد يستبعد أو يشكّ في صحّة الكلام، فإذا أكّده له المتحدِّث حصل له الثِّقة والطمأنينة به.

فإنَّ قضيَّة المسلمين الكبرى والتي تتفرعَّ عنها كثير من مصائب المسلمين اليوم، هي قضيَّة فلسطين، والصِّراع مع اليهود وأعوانهم من الصِّليبيين.

وتستمدُّ قضيَّة فلسطين قدسيَّتها من وجود المسجد الأقصى فيها، ومن كونها مهبط الوحي والرِّسالات, وقد ذكر الله تعالى أنَّ أوَّل بيت وضع للنَّاس هو المسجد الحرام, قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ), ثم بيَّن النَّبيُّ الكريم أنَّ المسجد الأقصى قد بُني بعد المسجد الحرام بأربعين سنةٍ, فقد جاء عن أبي ذر - رَضِيَ الله عنه - قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً» أخرجه الشيخان البخاري ومسلم. وقد تمَّ كلُّ هذا في بداية سكنى الأرض، في عهد آدم - عليه السَّلام -

وتستمدُّ فلسطين قدسيَّتها من وصف الله تعالى لها بأنَّها أرضٌ مباركةٌ، وذلك عندما هاجر إليها إبراهيم ولوط، قبل وجود بني إسرائيل, كما في قول الله تعالى:(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:71] . وعندما خرج موسى ببني إسرائيل من مصر أمر قومه بما أمره الله به وفرضه عليه فقال في سورة المائدة قال: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) ، وهذا يثبت أنَّ فلسطين أرضٌ مقدَّسةٌ قبل بعثة موسى، وقبل دخول بني إسرائيل بقيادة يوشع بن نون - عليه السَّلام - بعد انقضاء مدَّة التِّيه التي حكمها الله عليهم لإبائهم من دخولها مع موسى.

وتستمدُّ فلسطين قدسيَّتها عندما أُسري بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، وعُرج به إلى السّماء منه أيضًا, ولاشكَّ أنَّ هذه الحادثة كانت لها من الدَّلالات القويَّة في ربط المسجد الأقصى وفلسطين بالمسجد الحرام في مكَّة, وفي ربط رسالة النبي صلى الله عليه وسلم برسالات الأنبياء من قبله، وعلى رأسهم إبراهيم وموسى وعيسى..

والمطلوب من المسلم أن يؤمن بجميع الأنبياء، وأن يعلم أنَّ الكفر بنبيٍّ واحدٍ منهم هو كفرٌ بهم جميعًا، قال تعالى:(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهۦ). وغير ذلك من الآيات الدَّالة على وجوب الإيمان بهم جميعاً.

ولقد بيَّن رسولنا في مواقف كثيرةٍ من سنَّته وسيرته مكانة إبراهيم وموسى وعيسى، وأنَّ أهل الإسلام أولى النَّاس بهم, وقال مرَّة في ذلك « أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ » رواه الشيخان البخاري ومسلم.

كما  تحدَّثت سورتي الأنبياء والمؤمنون عن معظم الأنبياء، وذكرت تفاصيل دعوتهم، ثمَّ أشارت كلتا السورتين إلى أنَّ جميع الأنبياء أمةٌ واحدةٌ، ففي سورة الأنبياء قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وفي سورة المؤمنون قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).

ومن دلالات الإسراء المعراج أنّه لما كان الرَّسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء وسيِّدهم وإمامهم - كما تمَّ ذلك له في الإسراء والمعراج - كذلك فإنّ أمَّته التي تعمل بشرعه وسنَّته هي الوارثة لأمم الأنبياء جميعا.

نشرت صحيفة إسرائيليَّة فتوى حاخام إحدى المستوطنات في الخليل قوله:" إنَّ إعمار أرض إسرائيل هو واجب توراتي وإن كان ثمة مخاطر بأن تُسلِّم أرض إسرائيل في المستقبل بسبب وقف البناء, فمسموحٌ لمتعهِّدٍ من الأغيار العمل يوم السبت", والأغيار هم غير اليهود..

وهذه الفتوى ليست جديدةً  من حاخامات اليهود، فهي تذكِّرنا بما أخبر الله به ورسوله عنهم، عندما حرَّم الله عليهم الشُّحوم أن يأكلوها، فقاموا بتحويلها إلى الطِّلاء والزيوت، ثم باعوها، وأكلوا ثمنها, وعندما حرَّم الله عليهم الصَّيد يوم السَّبت.

وليس جديدًا أن تُحتلَّ فلسطين وتُسلب أو تخرّب وتدمَّر.. فقد احتلّ الصّليبيون بيت المقدس قرابة المائة عام، وربَّما ظلُّوا في بعض بلاد الشَّام قرابة المائتي عام. وفعلوا مثل ما فعل اليهود اليوم: هدموا، وصادروا، وبنوا، وطاردوا، وقتلوا، وسجنوا, ومع ذلك فإنَّ المسلمين لم ينسَوْا بيت المقدس، حتَّى استعادوا بيت المقس من أهل الصَّليب، ونحن لم ولن ننسى بيت المقدس، وسنظلّ على العهد حتى يأتي أمر الله، مهما تخاذل المتخاذلون، وأرجف المرجفون، وخان الخائنون.

إنّ يهود اليوم يعلمون أنَّ معركتهم ليست مع القوميين، ولا مع الوطنيِّين، أو العلمانيِّين، أو اليساريِّين، ولا أمثالهم, فهم يعرفون أنَّ خصومهم هم الذين لا تُفرِّقهم المذاهب والآراء، ولا تحدُّهم الحدود الوهميَّة، ولا الجنسيَّات، وهم الَّذين يعملون لنصرة دين الله وتوحيده في جميع الأرض وسيضعون ما يسمى بالشرعيَّة الدوليَّة تحت أقدامهم, ويرفعوا راية التّوحيد والإسلام، راية لا إله إلَّا الله محمد رسول الله.

.