فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

حرب غزة حقائق لابد أن تعرف

 

حرب غزة حقائق لابد أن تعرف

 

غزة – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية – الشيخ: بسام الصفدي

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأتم تسليم ، أما بعد :

       فهذه الذكرى السنوية الأولى للحرب على غزة قد أطلت علينا ، ولا زالت الجراح والمآسي تشتعل في قلوبنا ، وتعتمل في نفوسنا ، وقد كشفت هذه الحرب الستار عن حقائق ، وأبانت عن أمور لا ينبغي للمسلم بحال أن يُغفِلها ، أو يتجاهلها في ظل الصراع مع أعداء الله تعالى ، وإليك بيان بعضها :

أولاً : إن هذه الحرب وما سبقها وما تلاها من أحداث داميات يؤكد ما هو مؤكد ومستقر عندنا أن اليهود قوم غدر وخيانةٍ ونكث للعهود ، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، وأن التعايش معهم مستحيل ممتنع لا سبيل إليه ، فحل قضية فلسطين لا يكون إلا بالقتال والجهاد في سبيل الله ، وإن أي خطاب للكفر لا يستخدم هذه اللغة هو لغو من القول ، وزور من العمل ، وتكذيب لعشرات النصوص التي تخبر عن حتمية الصراع ، ووقوعه بين فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان ، وإن الهرولة والجري خلف السلام (أي الاستسلام) قد جر على أمتنا وشعبنا الويلات ، وما زلنا نحصد العلقم من زرع السلام الخبيث ، وإن الحديث عن السلام مع قوم حاربوا الله ورسله وأنبياءه ظاهره : الاستسلام ، والاعتراف بالكيان المسخ ، والتطبيع معه ، بل وحمايته والدفاع عنه ، وباطنه : نسف شعيرة الجهاد في سبيل الله وتعطيلها ، وتمييع عقيدة الولاء والبراء وتبديلها ، وإنشاء جيل ضائع تائه ، ليس له هم إلا بطنه وفرجه ، هكذا يريدون ، وهكذا يخططون ، ولكن الله ناصرٌ دينَه ، غارس فيه غرساً يستعملهم في طاعته ، ويقيمهم على نصرته ، قد آمنوا بوعد الله الحق ، وكفروا بوعد السلام المفترى .

ثانياً : إن كل مرحلة من مراحل الصراع مع هذا العدو الكافر المجرم تحتم علينا أن نتشبَّث بإسلامية الراية ، وبُعد المعركة العقدي ؛ وذلك أن قضية فلسطين قضية إسلامية قبل كل شيء ، فلا ينبغي أن يُتعامل بها بغير أحكام الشريعة ، ولا أن يقاتل فيها تحت راية غير راية الشريعة ، ومن تأمل جهاد الصحابة ومن بعدهم أول الأمر في بلاد الشام ، ثم ألقى نظرة سريعة على بشائر النبي r لأهل بيت المقدس في آخر الزمان ، وإخباره بنطق الحجر والشجر ( يا مسلم ، يا عبد الله ، يا عبد الرحمن ) عَلِمَ أن نصرة الله تعالى لعباده الموحدين أول الزمان وآخره إنما كانت وستكون حين تُخاض المعارك تحت شعار العبودية لله ، وتحت راية الإسلام .

        وإن الالتفات عن هذا الأصل العظيم ، والانغماس في أوحال التحالفات الوطنية والقومية والدولية ينتهي بنا إلى الضياع والخسران ، والسبيل : اعتصام بوحي الله ، وتوحُّد عليه ، والتفاف حوله ، وقد يكلفنا هذا المخاطر والتضحيات لكنْ حسبُنا أن الله معنا ، وأننا سائرون على هداه ، فلن يضيعنا ، ولن يُسْلمنا إلى عدونا ، وإن التضحية في سبيل الله وشرعه خير وأحسن عاقبة في الأولى والأخرى من التضحية في سبيل تيهٍ وضلال ،  تنتهي بنا إلى ذل الدنيا وعذاب الآخرة .

ثالثاً : لقد أبانت هذه الحرب وأخواتها أن الكفار والمشركين رغم اختلافهم فيما بينهم إلا أنهم يتحدون ويجتمعون وتلتقي مصالحهم حين يكون العدو مسلماً ، وحين تكون الحرب على الإسلام ؛ وذلك لاعتقادهم أن الإسلام هو الخطر الأكبر الذي يتهددهم جميعاً ، ويُنذر بهلاكهم وسحقهم ، ومن رأى اجتماعهم في الحرب على العراق وأفغانستان أدرك ذلك يقيناً ، وقد تختلف سياساتهم ، وتتغير أدوارهم في هذه الحرب أو تلك ، غير أنها في النهاية تصب في الحرب على الإسلام وأهله ، كل يلعب فيها دوره ، ويأخذ مكانه وموقعه ، فياليت قومي يعلمون .

رابعاً : أن الله جل وعلا بين أن من مقاصد نزول القرآن وتفصيل الآيات استبانَةَ سبيل المجرمين ، ومعرفةَ مكرهم وخبثهم وكيدهم بأهل الإسلام ، فقال (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) ، ولا ينبغي للمسلم بحال أن يُغفِل هذه الحقيقة في صراعه مع الكفر وأهله ؛ وذلك أن غياب هذه الحقيقة والجهلَ بها ينتهي بالإنسان إلى الضياع والضلال والانحراف عن سبيل الأنبياء والمرسلين ، فالتحالفات المعقدة اليوم بين أهل الكفر والباطل توجب على المسلم أن يبقى حذراً يقظاً يميز بين القريب والبعيد ، والموالي والمعادي ، والموافق والمخالف ، فإن كثيراً من حركات الجهاد في عالمنا أتيت من قِبَل هذا الباب .

         فكم من دولة أو هيئة أو مؤسسة استُغيث بها بغية الخلاص والإنقاذ ، وهي في الحقيقة أصل البلاء ، وسبب الشقاء ، وليس بخافٍ أن فقه المحنة قد يُلجأ فيه إلى شيء من هذا ، ولكنه يؤخذ بوِزَان ، ولا ينبغي بحال أن يَحرف الإنسانَ عن منهجه ، ويدفعَه إلى التنازل والمهادنة والمساومة على الأصول والثوابت والمسلَّمات ، وقد أحسن من قال :

                ومن يكن الغراب له دليلاً       يمر به على جيف الكلاب

خامساً : إن الواجب على المسلمين في ظل هذه الحرب الشرسة التي تدار رحاها في كل مكان على شريعة رب العالمين ، وعباده الموحدين أن يتناصروا ويتحدوا في وجه هذا الكفر العالمي الذي كشر عن نابه ، واستباح دماءنا وأموالنا وأعراضنا ، واعتدى على حرماتنا ، فمن استطاع أن يجاهد بنفسه فليفعل ، ومن لم يستطع فبماله ؛ فإن الجهاد بالمال عظيم ، ولقد قدمه الله تعالى على الجهاد بالنفس في غير موضع من كتابه ، حيث قال جل شأنه : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )[الحجرات : 15] ، وقال – أيضاً- : ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [التوبة : 41].

       ومن لم يستطع بماله ، فبقلمه ولسانه ؛ ناصراً ومؤيداً ، أو ذابَّاً ومُنافحاً ، أو داعياً وناصحاً ، أو موجهاً ومرشداً ، فعن أنس t قال : قال رسول الله r :(جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)[أبو داود (2504) وإسناده صحيح] .

       وإن خذلان المجاهدين ، والمستضعفين من المسلمين ، والتهاون في نصرتهم ؛ ذنب عظيم ، وخطر على الأمة جسيم .

       وإن المسلم لا ينقضي عجبه وهو يرى الكفار والمشركين تتحد كلمتهم ، ويجتمع صفهم في قتال المسلمين ، لا يجمعهم في ذلك دين ولا عقيدة في كثير من الأحيان ، وإنما هي مصالح وسياسات ، فكيف بمن أكرمهم الله بهذا الدين ، ومنَّ عليهم بهذه النعمة ، يخذل بعضهم بعضاّ ، ويُسلِمون إخوانهم إلى عدوهم، بل يقفون مع الأعداء ضد إخوانهم من الموحدين ، فهذا –لعمر الله- الكفر الصُّراح ، والردة السافرة .

      عن أبي موسى الأشعري t قال : قال رسول الله r : ( الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)[البخاري (6026) ،مسلم (2585)].

      وعن النعمان بن بشر t قال : قال رسول الله r : (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) [البخاري (6011)] .

 

.