دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

قَضِيَّةُ اللَّاَجِئِينَ الْفِلَسْطِينِيِّينَ: التَّأْصِيلُ الشَّرْعِيي وَالتَّكْيِيفُ الْقَانُونِي

 

 

 

قضية اللاجئين الفلسطينيين: التأصيل الشرعي والتكييف القانوني



بقلم/ محمد رفيق مؤمن الشوبكي

 

تمهيد:

        عندما أصبح عمري سبع سنوات أخذني والدي إلى المدرسة الابتدائية، وأجلسني على كرسي في وسط الصف، وطلب من المُدرِّسة أنت تهتم بي وغادر، وبعد فترة وجيزة قالت لنا المدرسة: مطلوب من كل واحد منكم غداً أن يسأل والديه عن البلد الأصلية لعائلته لنسجلها كبيان عنكم في سجلاتنا، فقلت في نفسي: أليست غزة هي بلدتي الأصلية؟، فوقفت وأجبت المُدرِّسة: بلدتي غزة، فقالت: اسكت، لو كنت من غزة، لما جئت لتدرس في مدرسة للاجئين، فلم أفهم من حديثها شيئاً، وعندما وصلت إلى البيت لم أجد أبي، ووجدت أمي وجدتي، فسألتهما: ما هي بلدتنا الأصلية ؟ ، فقالت جدتي: إننا من يافا، وهُجِّرنا منها وثيابنا على السطح قد نشرناها، وخرجنا ظانين أننا سنعود بعد ساعات ... روت لي جدتي القصة كاملة، رغم أني لم أكن بوعي كبير يُمكّنني من فهم كل شيء، إلا أني يومها عرفت معنى اللجوء، وشعرت بالظلم الكبير الواقع علينا نحن اللاجئين منذ سنين طويلة؛ ولذا قررت أن أكتب هذا المقال لأبين فيه مفهوم اللاجئ الفلسطيني، وأسلط الضوء على التأصيل الشرعي والتكييف القانوني لقضية اللاجئين وحق اللاجئين في العودة والتعويض.

أولاً: مفهوم اللاجئ الفلسطيني:

1- تعريف اللاجئ الفلسطيني:

        على الرغم من أن قضية اللاجئين الفلسطينيين من القضايا القديمة التي مر عليها أكثر من نصف قرن، إلا أنه لم يتم الاتفاق على تعريف موحد للاجئ الفلسطيني على المستوى الدولي، غير أنه تم تعريف اللاجئ الفلسطيني بعدة تعريفات من جهات مختلفة، نذكر أهمها فيما يأتي:

أ‌-     تعريف الأونروا –وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-:

        عرفت الأونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه: " أي شخص كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال المرحلة الممتدة من حزيران/يونيو 1946م إلى 15 أيار/مايو 1948م، وفقد مسكنه وسبل عيشه نتيجة نزاع سنة 1948م، ولجأ في عام 1948م إلى واحد من البلدان التي تقدم فيها الأونروا خدماتها، وأن يكون مسجلاً في نطاق عملياتها ومحتاجاً"[1].

        ومما يلاحظ على هذا التعريف؛ أنه ذا صبغة اقتصادية، فلم يتحدث عن قضية اللاجئين كقضية سياسية. وكذلك يظهر منه أن الأونروا لا تعترف إلا باللاجئين المسجلين في سجلاتها، وكذلك لم يتضمن عدداً كبيراً من اللاجئين الذين هاجروا قبل التواريخ المحددة.

 

ب‌- تعريف الصليب الأحمر الدولي:

        عرف الصليب الأحمر الدولي اللاجئ الفلسطيني: " أيّ شخص كان مقيماً في فلسطين إقامة دائمة وكان له فيها شغل رئيسي، حرم منه نتيجة الصراع بشأن فلسطين، وليس لديه موارد كافية لضرورات الحياة الأساسية، يعتبر لاجئاً يستحق الإغاثة من وكالة الأمم المتحدة "[2].

        ومما يلاحظ على هذا التعريف أيضاً؛ أنه إنساني واقتصادي من الدرجة الأولى، ركز فقط على اللاجئين الذين يحتاجون إلى الإغاثة من الأمم المتحدة.

ت‌- تعريف الجانب الفلسطيني خلال جلسة مجموعة العمل الخاصة باللاجئين:

        عرف رئيس جلسة الجانب الفلسطيني للوفد الفلسطيني- الأردني المشترك خلال الجلسة الأولى لمجموعة العمل الخاصة باللاجئين في أوتوا في أيار 1992م اللاجئين الفلسطينيين بأنهم: " كل الفلسطينيون وذرياتهم الذين طردوا من أو أجبروا على ترك بيوتهم في الفترة بين تشرين الثاني 1947م (خطة التقسيم) وكانون الثاني 1949م (اتفاقيات هدنة رودس) من المنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيل في كانون الثاني عام 1949م "[3].

        ومما يلاحظ على هذا التعريف؛ أنه لم يشمل الفلسطينيين الذين هُجِّروا من أراضيهم قبل 1947م، وكذلك لم يُشر حق اللاجئين في العودة والتعويض.

ث‌- تعريف دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية:

        عرَّفت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية اللاجئ الفلسطيني بأنه: " أي شخص كان في 29/11/1947م أو بعد هذا التاريخ، مواطناً فلسطينياً وفقاً لقانون المواطنة الفلسطيني الصادر في 24/7/1925م، والذي مكان إقامته الطبيعية في فلسطين، في مناطق أصبحت لاحقاً تحت سيطرة دولة إسرائيل، وذلك بين 15/5/1948 – 20/7/1949م، وأجبر على ترك مكان إقامته بسبب الحرب ولم يستطع العودة إليه جراء ممارسات السلطات الإسرائيلية، والذي كان خارج مكان إقامته في 29/11/1947، أو بعد هذا التاريخ ولم  يتمكن من الرجوع إليه بسبب الحرب أو الإجراءات الإسرائيلية، وفقد مصدر رزقه حتى 20/7/1948م، لنفس السبب سواء أكان أحد سكان القرى الحدودية في الضفة، وسلبت أرضة وأصبحت تحت سيطرة إسرائيل، أو كان أحد أفراد القبائل البدوية أو شبه البدوية، ونسل اللاجئين الفلسطينيين وأزواجهم وزوجاتهم وفق التعريف سواء كان هؤلاء على قيد الحياة أم لا "[4].

 

        ومما يلاحظ على هذا التعريف؛ أنه ذكر دولة إسرائيل وهذا بمثابة الاعتراف بها كدولة، وكذلك لم يتضمن حق اللاجئين في العودة والتعويض.

ج‌- تعريف المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة:

        عرف قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين رقم (1) لسنة 2008م اللاجئ الفلسطيني بأنه: "هو كل فلسطيني حال و/أو يحول الاحتلال الصهيوني دون تمتعه و/أو ذريته بحق الإقامة الدائمة في بلدته الأصلية من فلسطين التاريخية ، وبكامل حقوق المواطنة فيها، دون النظر إلى تاريخ بدء حرمانه من هذا الحق ، أو طريقة حرمانه باللجوء أو النزوح أو التهجير أو الطرد أو الإبعاد أو التغييب أو التجنيس أو المنع أو استخدام أي وسيلة تحرمه من حقه في العودة"[5].

        ويعد هذا التعريف من أفضل التعريفات؛ كونه لم يحدد تاريخ محدد لاعتبار الفلسطيني المُهجَّر لاجئاً، إضافة إلى أنه أشار إلى حق العودة، غير أنه لم يُشر إلى حق اللاجئين في التعويض كما تفتضيه العدالة، وتنص عليه قرارات الأمم المتحدة.

2- الفرق بين اللاجئ والنازح:

        إن من الضرورة هنا الإشارة إلى الفرق بين اللاجئ والنازح، فمصطلح النازح ظهر على إثر الهجرة الثانية التي تعرّض لها الفلسطينيون بعد حرب 1967م، وأطلق عليهم هذا التعبير لتمييزهم عن الذين هجروا خلال سنوات 1946-1948م، وهناك من أصبح منهم لاجئاً ونازحاً، فمنهم من كان مقيماً في أراضي 1948م وهاجر للإقامة في أراضي 1967م، واضطروا بعد 1967م للهجرة الجديدة، ومنهم من اضطر للنزوح من القرى والمناطق الحدودية إلى مناطق داخلية. ويعرف البعض النازحين بأنهم: "المواطنون الذين شرّدوا من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة القتال عام 1967م، وهم من غير لاجئي 1948م، ولم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بعد العام 1967م "[6].

        ويعرف النازحون بحسب اقتراح الوفد الفلسطيني في مفاوضات اللجنة الرباعية بأنهم: "أولئك الأفراد وعائلاتهم وأسلافهم الذين غادروا في الضفة الغربية غزة أو كانوا غير قادرين على العودة إلى منازلهم كنتيجة لحرب 1967م "[7].

        ويعتقد الباحث بأن اللاجئ الفلسطيني: هو كل شخص فلسطيني هُجر من أرضه قسراً نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في أي فترة كانت، وكُفل له حق العودة والتعويض وفقاً للشريعة الإسلامية والقانون الدولي.

ثانياً: التأصيل الشرعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين:

        إن حقوق الإنسان في الإسلام هي من الثوابت التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، فهي ليست حقوقاً سياسية ودستورية فحسب، بل هي واجبات دينية يكلف بها الفرد والمجتمع، كل في نطاقه، وفي حدود المسؤولية التي ينهض بها[8].

        ويمكن الاستدلال على أن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم حق مقدس في الشريعة الإسلامية لا يجوز التنازل عنه، من خلال مجموعة من الأدلة الشرعية:

1- من القرآن الكريم:

أ‌-     قال تعالى: )وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ([9].

وجه الدلالة: أوجب الله عز وجل علينا في هذه الآية الكريمة أن نُخرِج من ديارنا مَن أخرجنا منها، وسيطر عليها بالقوة، خاصة وأننا أُخرجنا منها بغير حق، فالله يقول: (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) هذا أمر، وكل أمر للوجوب، فإذا أَخرَجنا العدو، واعتدى على أرضنا وطردنا منها؛ فالواجب علينا أن نخرجه من حيث أَخرَجنا، وكيف يتحقق هذا الإخراج مع وجود فكرة التنازل عن حق العودة؟ [10]

ب‌-قال تعالى: )انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ( [11] .

وجه الدلالة: اتفق السلف والخلف وفقهاء المذاهب الأربعة على وجوب النفور للجهاد إذا دخل الكفار بلاد المسلمين، ولما كان النفور فرضاً وواجباً لاسترداد أرض فلسطين من اليهود المغتصبين، فإن من المسلم به أن التنازل عن حق العودة إلى الديار التي هُجِّروا منها قسراً محظور ومحرم، وأن حق العودة حق شرعي وواجب تبذل له الأموال والأنفس[12].

ت‌-ويقول سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ([13].

وجه الدلالة: أن الآية نهت عن الخيانة والنهي يقتضي التحريم، فالأمانات والحقوق لا يجوز التصرف بها إلا وفق شرع الله سبحانه وتعالى، وبالتالي إذا كان التنازل عن الأرض والحقوق الخاصة يؤدي إلى ضياع المصالح العامة والمقدسات، فهو خيانة لله وللرسول وخيانة للأمانة وهو محرم شرعاً[14].

 

 

2- من السنة النبوية:

    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، قَالَ: " أَمَا وَاللَّهِ لأَخْرُجُ مِنْكِ، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّه، وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ "[15].

وجه الدلالة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخرج من مكة وهو خارج وقف على أطلالها متأثراً، وهنا إشارة إلى حب الوطن الذي هو من صفات الإنسان الشهم، ومن صفات المسلم المتمسك بدينه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للمساومات والضغط فلم يتنازل وبقيت قضية العودة إلى مكة في قلبه؛ حتى كان العود والنصر في فتح مكة، والواجب كذلك على الفلسطينيين أن يبقوا مجاهدين وأن لا يتنازلوا عن حق العودة إلى ديارهم ومقدساتهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين[16].

    من أقوال المختصين:

أ- "حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم ليس حقاً شخصياً، بل حقاً للأمة، فيجب على الأمة كلها أن تحفظ حقها كله كاملاً ولا تتنازل عنه تحت أي ظرف وإلا فإنه معصية الله ورسوله والتفريط والتضييع، وإن كان جيل عجز عن استرداد الحق، فلا يحق له أن يصادر حق الأجيال القادمة في استعادة الحق ... قل: عجزت، وتنح جانباً، فلست أنت ولا أحد من الخلق نهاية التاريخ حتى يتنازل عن حق الأمة "[17].

ب‌-
قال الشيخ/ عكرمة سعيد صبري –مفتى القدس والديار الفلسطينية-: " إن أخذ التعويض عن الأرض الفلسطينية المباركة كبيعها سواء بسواء، فلا يجوز شرعاً أخذ التعويض من العدو عن الممتلكات من الأراضي والبيوت والحوانيت (الدكاكين)؛ لأن الأرض الفلسطينية هي أرض وقفية مباركة مقدسة، فمن يأخذ التعويض عن الأرض يُعد خارجاً عن جماعة المسلمين وتاركاً للدين ويجب مقاطعته، ولا يجوز حين وفاته تغسيله ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين شأنه شأن البائع".

 أما عبارة (حق العودة والتعويض معاً) فهي جائزة شرعاً أي أن اللاجئ الذي هجّر من بلاده له الحق في العودة إلى دياره كما له الحق أيضاً في المطالبة بالتعويض عن التشرد وعن الأضرار والمعاناة والخسائر التي لحقت به وبأولاده وأحفاده. فالفرق شاسع بين التعويض عن الأرض وبين التعويض عن الأضرار والمعاناة. في حين أن عبارة (حق العودة أو التعويض) على التخيير غير جائزة شرعاً؛ لأن المحظور قائم فيها حيث إن التعويض عن الأرض محرم شرعاً بل يُعد كبيرة من الكبائر. أما الذي لا يرغب في العودة إلى بلده فليس له الحق بأخذ التعويض عن الممتلكات مطلقاً مهما كانت الأسباب ومهما كانت المبررات. إزاء ذلك يمكنه أن يوكل شخصاً أميناً بإدارة ممتلكاته أو أن يوقفها أو أن يتبرع بها إلى جهة خيرية أمينة وإلى منفعة عامة. مؤكدين أن العودة حق مقدس وواجب شرعي ولن يسقط مهما طال الزمان وتوالت الأجيال. وستبقى أرض فلسطين لأهلها ولجميع المسلمين إلى ما شاء الله وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وبهذا أفتي، والله تعالى أعلم. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل "[18].

ثالثاً: التكييف القانوني لقضية اللاجئين الفلسطينيين:

        تمثل قضية اللاجئين واحدة من أبشع قضايا التهجير المستمرة التي شهدها العالم على مر العصور، فثلاثة أرباع الفلسطينيين البالغ عددهم أحد عشر مليونًا هم لاجئون، وهم يمثلون تقريباً 43% من إجمالي لاجئي العالم[19].

        ونقول وللأسف: إن الأمم المتحدة تتحمل وزراً كبيراً بشأن هذه القضية نتيجة إصدارها قرار (181) القاضي بتقسيم فلسطين، فهذا القرار الأخير منح الاحتلال الإسرائيلي غطاءً دولياً لتهجير الفلسطينيين، فقامت العصابات الصهيونية بطرد حوالي 30 ألف نسمة من الفلسطينيين المقيمين فيما كان مخصصاً للدولة اليهودية حسب قرار التقسيم وتبعها ما بين شباط وآذار 1948م 75 ألف نسمة[20]، وأمعن الاحتلال الإسرائيلي في تهجير الفلسطينيين بالآلاف إلى أن أصبحت أعداد اللاجئين الفلسطينيين تقدر بالملايين، وهذه الأعداد في ازدياد إلى يومنا هذا.

        ولقد نصت اتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية على حق كل إنسان في العودة إلى بلده، وأهم هذه المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي نص على أنه: "لكل فرد حق مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده"[21]

        وكذلك أصدرت منظمة الأمم المتحدة قرارات متعددة بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وأبرز هذه القرارات قرار (194) لسنة 1948م، والذي تنص المادة (11) منه على أنه: "تقرر الجمعية العامة أن عودة اللاجئين الراغبين في العودة إلى أوطانهم  والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يسمح لهم بذلك في أول فرصة عملية ممكنة، وأنه يجب دفع تعويض لممتلكات الذين لا يرغبون في العودة ودفع تعويضات للخسارة والضرر الذي أصاب الممتلكات لأصحابها وإرجاعها إلى أصلها من قبل الحكومات والسلطات المسؤولة بناء على قواعد القانون الدولية والعدالة ".

        كما أن منظمة الأمم المتحدة أكدت عشرات المرات على حق العودة، وأنه حق غير قابل للتصرف، وأنه شرط أساسي لممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير[22]. وقد نص المشرع الفلسطيني في قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أن: " حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم وتعويضهم عما لحق بهم من معاناة هو حق ثابت ومقدس لا مساومة عليه ولا مقايضة به وهو خارج نطاق الاجتهاد أو التفسير أو الاستفتاء "[23].

         إلا أنه يُلاحظ عدم وجود نية حقيقية لدى الأمم المتحدة نحو تنفيذ هذه القرارات، وإلزام الاحتلال الإسرائيلي بها، ومما يؤكد على ذلك إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بناء على قرار الجمعية العامة رقم (302)، وهذا ما يتضح معه أن المزاج الدولي يتجه نحو إيجاد حلول اقتصادية لدمج اللاجئين الفلسطينيين وليس إعادتهم لوطنهم. وكذلك إصدار رقم (242) لسنة 1967م الذي ينص على تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين،  يعني غض النظر عن عودة اللاجئين وتعويضهم[24].

        ومن الجدير بالذكر أن التهجير القسري للفلسطينيين مخالف لاتفاقيات جنيف، حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أنه: " يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه "[25].

وتعد جريمة التهجير القسري للفلسطينيين من جرائم الحرب وفقاً لاتفاقيات جنيف ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، فتنص المادة (85/5) من البرتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لسنة 1977م، والتي جاء فيه: " تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ولهذا اللحق "البروتوكول" بمثابة جرائم حرب "[26].

وكذلك يصنف نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية التهجير القسري للفلسطينيين على أنه من الجرائم ضد الإنسانية، فينص على أنه: "  لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية " جريمة ضد الإنسانية " متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم: ... د) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان ... يعني " إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان " نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة, بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي "[27].

 

 

 

الخاتمة

        بعد الحديث عن مفهوم اللاجئ الفلسطيني، والتأصيل الشرعي والتكييف القانونين لقضية اللاجئين الفلسطينيين، توصل الباحث إلى جُملة من النتائج والتوصيات، نذكرها على النحو التالي:

1- النتائج:

أ‌-     اللاجئ الفلسطيني: هو كل فلسطيني هُجر من أرضه قسراً نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في أي فترة كانت، وكُفل له حق العودة والتعويض وفقاً للشريعة الإسلامية والقانون الدولي.

ب‌-حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم له تأصيل شرعي في الكتاب والسنة، وهو من الحقوق المقدسة في الشريعة الإسلامية التي لا يجوز التنازل عنها.

ت‌-أصدرت الأمم المتحدة الكثير من القرارات المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنه لا يوجد لديها نية حقيقية نحو تنفيذ هذه القرارات، وإلزام الاحتلال الإسرائيلي بها.

ث‌-التكييف القانوني لقضية اللاجئين الفلسطينيين أنها جريمة جنائية دولية تعرف بجريمة "التهجير القسري للاجئين الفلسطينيين"، وهي جريمة حرب وفقاً لاتفاقيات جنيف ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، كما أنها من الجرائم ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.

 

2- التوصيات:

أ‌-     ضرورة التمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض في كل المحافل الدولية.

ب‌-الضغط على الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، خصوصاً بعد حصول فلسطين على مركز عضو مراقب في الأمم المتحدة.

ت‌-رفع دعاوى أمام المحاكم الوطنية للدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف؛ كون فلسطين من الدول المنضمة حديثاً لاتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكول الأول لها.

ث‌-تقديم ملف للمحكمة الجنائية الدولية حول جريمة التهجير القسري للاجئين الفلسطينيين باعتبارها جريمة حرب ومن الجرائم ضد الإنسانية لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على هذه الجريمة النكراء، ففلسطين تملك الصلاحية لذلك بعد أن أصبحت عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.

ج‌-  القيام بحملات إعلامية تفضح الاحتلال الإسرائيلي، وتبين مدى بشاعة جرائمه المتكررة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني.

ح‌-  الوقوف في كافة المحافل الدولية للمطالبة بحق الفلسطينيين في محاكمة المجرمين الإسرائيليين، وكذلك حقهم في التعويض العيني والمالي والمعنوي.

خ‌-  إعداد لقاءات وندوات ومؤتمرات وحملات إعلامية لإبقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية، وللمطالبة بحقهم في العودة والتعويض، والعمل على إيجاد الوسائل للوصول إلى هذا الحق، وحل هذه القضية حلاً عادلاً.



[1] رأفت مرّة، دليل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مركز العودة الفلسطيني، لندن، 2006م، ص20.

[2] سامر عبده عقروق، تعريف اللاجئين الفلسطينيون، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2006م،

 https://www-old.najah.edu/ar/page/3510  ، تاريخ دخول الموقع: 19/8/2016م.

[3] مصطفى أبو الخير، حق اللاجئين الفلسطينيين في التعويض في القانون الدولي، بحث مقدم إلى المؤتمر الفكري والسياسي الثالث لحق العودة، 2010م، ص6.

[4] منظمة التحرير الفلسطينية- دائرة شؤون اللاجئين، تعريف اللاجئ الفلسطيني، http://www.plo.ps/category/89/1/ ، تاريخ دخول الموقع: 20/8/2016م.

[5] راجع: قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين رقم (1) لسنة 2008م، المادة (1).

[6] عصام عدوان، مفهوم اللاجئ الفلسطيني بين القصور والشمول، مجلة التاريخية الفلسطينية، مركز التاريخ والتوثيق الفلسطيني، العدد الأول، غزة، 2010م، ص29. الهيئة الفلسطينية لحماية حقوق اللاجئين، ورقة عمل: الأونروا وأزمتها المالية وتأثيرها على اللاجئين الفلسطينيين، سبتمبر 2003م.

[7] مركز المعلومات الوطني الفلسطيني "وفا"، حقوق اللاجئين في ظل التسوية الراهنة،

 http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4030 ، تاريخ دخول الموقع: 15/8/2016م.

[8] رابعة حسن، التربية على حقوق الإنسان في الإسلام، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد (557)،  الكويت، نوفمبر 2011م، ص10.

[9] سورة البقرة: من الآية (191).

[10] أسامة سعيدان وإيمان الأحمد، الحكم الشرعي لحق العودة والتعويض عنه، بحث تخرج في دبلوم دراسات اللاجئين، أكاديمية دراسات اللاجئين-لندن، ص18.

[11] سورة التوبة: الآية (41).

[12] محمد أحمد عبد الغني، التأصيل الشرعي لحق العودة والتعويض، شبكة الألوكة للنشر، السعودية، 2003م، ص18-19.

[13] سورة الأنفال: الآية (27).

[14] سعيدان والأحمد، مرجع سابق، ص19.

[15] ابن حنبل، أحمد بن محمد الشيباني، مسند الإمام أحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2001م، حديث 18715، (31/10).

[16] نواف التكروري، التأصيل الشرعي لحق العودة، موقع دائرة شؤون اللاجئين،  http://drah.ps/ar/index.php?ajax=pdf&id=309 ، 17/8/2016م.

[17] أحمد نوفل، أحكام فقهية حول حق العودة، موقع هيئة علماء فلسطين في الخارج، http://palscholars.com/index.php?ajax=preview&id=3182 ، 18/8/2016م.

[18] عكرمة صبري، فتوى بعنوان: " التعويض عن الأرض كبيعها لا يجوز شرعاً "، موقع هيئة علماء فلسطين في الخارج، http://palscholars.com/index.php?ajax=preview&id=3075 ، 18/8/2016م.

[19] سلمان أبو ستة، خطة العودة: حقيقة تنتظر التنفيذ، ورقة مقدمة لندوة: اللاجئون الفلسطينيون في الوطن العربي، الدوحة، 2012م، ص5.

[20] نعمان عمرو، أثر مشاريع التوطين الإسرائيلية على حق العودة للفلسطينيين، جامعة القدس المفتوحة، رام الله، 2007م، ص3.

[21] راجع: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، المادة (19/2).

[22] راجع: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3089) لسنة 1973م، وقرارها رقم (3236) لسنة 1974م، وقرارها رقم (169/35) لسنة 1980م.

[23] راجع: قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين رقم (1) لسنة 2008م، المادة (2).

[24] محمد محسن صالح، فلسطين: دراسة منهجية في القضية الفلسطينية، مركز الإعلام العربي، القاهرة، 2003م، ص443-448.

[25] راجع: اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م، المادة (49/1).

[26] أكد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف (جرائم حرب)، فتنص المادة (8) من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998م على أنه: " ... تعني جرائم الحرب: أ- الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949م، أي: أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة ... ".

[27] راجع: نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998م، المادة (7).

.