فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
الأسباب العشرة في غباء اليهود باختيارهم فلسطين أرضا لهم
جهاد العايش
دولة اليهود كيان متآكل لا يقوى على البقاء، هذه حقيقة جلية، وليست غائبة إلا على من لا ينظر إلى الأمور إلا من ركن واحد، هي ليست دولة واعدة، ولا حاضرة منسجمة، ولا حضارة ضاربة جذورها في عمق التاريخ، وليس لها شيء من عبقه، هي لقيط مجهول النسب، لها بريق كاذب لمن انخدع بها ممن ينسبون لها زورا وبهتانا، أو ممن يلهثون وراءها ويظنون أن فيها المنجى و الملجأ وإليها المرتجى!!
جاء كثير من اليهود إلى فلسطين، وهم على وجل يقدمون خطوة ويؤخرون خطوات، فرح مشوب بالخوف يسوده ترقب من المجهول إلى دولة تم صناعة الولاء لها صنعا، لم يربطهم بها أي رابط من تاريخ أو نسب أو لغة أو دين، وما أدل على ذلك الهجرة العكسية لهم من فلسطين إلى أوطانهم، لأقل الأسباب والتخوفات الأمنية، ليتركوا وراءهم جنات دنيوية صنعها لهم ساستهم، وبذلوا لأجلها كل غال ونفيس، ومهما أعد ساسة يهود ليهود، فإنهم سيكونون أمام حقائق لا يمكن تجاوزها، أو الحيدة عنها مهما وظفوا لها كل الأسباب المادية، أو المعنوية، لتخفي وراءها غباء يهود وساستهم في اختيار فلسطين وطنا قوميا لهم، وإليكم عشرة منها:
١ - وظيفية الشعب والدولة اليهودية: يرى الغرب في اليهود أنهم نفايات بشرية سامة، تسمم الفكر والأخلاق، يجب التخلص منهم وفي وقت مبكر، بعد أن أدرك بعض ساسة الغرب ومفكريهم وبمكر شديد كيف لهم أن يتخلصوا من الفيروس البشري اليهودي؛ لقد تعاملت كل الأمم التي ابتليت بوجود اليهود بين ظهرانيها على أنهم وسيله لا غاية يمكن ركوبها لتحقيق أهدافها المرحلية أو الاستراتيجية ففي عصور ما قبل الميلاد استعملهم الرومان والفرس وسائل جيدة للدفاع عن حاميتهم في فلسطين وفي القرون المتأخرة وإبان سقوط الدولة العثمانية والذي ينظر له الغرب على أنه الجزء الأوروبي الأخير الذي بقي فيه الإسلام تزامن مع سقوط هذه الامبراطورية تذليل صعوبات هجرة اليهود إلى فلسطين وبخدمات أوروبية منقطعة النظير والسبب في ذلك أن أوروبا تملك فائضا بشريا يهوديا يجب التخلص منه بأسرع وقت وبأقل التكاليف، هذا من جانب ومن جانب آخر تكون قد نجحت بوطئ أقادام أوروبا من جديد في المشرق الإسلامي بأفضل وسيلة وهم اليهود الذين سيكونون مصدر تأزيم مستمر في المنطقة يستنزف أموال وجهود وأرواح المسلمين .
لقد ارتضى اليهود في فلسطين أن يكونوا جيشا مأجورا لصالح الغرب فكانت دولتهم الأعلى نسبة من بين جيوش العالم بالنسبة إلى عدد السكان لتصل إلى 11%.
نعم تكفل الغرب بنفقات مالية باهضة لأجل اليهود وكل ذلك ليتحقق لهم الخلاص من اليهود، بطريقة يسعد بها اليهود ويظنون أن بها خلاصهم.
لقد ضاقت بهم روسيا وبولندا وغيرهما، فأصبحتا من أكثر المناطق استيعابا لليهود، مما حدا بهم إلى هجرات متتالية إلى دول أوروبية أخرى، أدركت بعد برهة من الزمن أن الوافد الجديد إليهم ليس مما يطاق من البشر، وقبل فوات الأوان أعلن ذلك وبكل وضوح وجرأة «مارتن لوثر» مؤسس البروتستانتية الذي ضخ الروح الجديدة لخدمة اليهود لكنه أعلنها وبعد فوات الأوان فقال: «هذه نصيحتي بإيجاز إلى أمرائنا الحكام الكرام وسادتنا الأجله والصفوة المراده، هي أن نتخلص جميعا من عبء اليهود الشيطاني المتغطرس المتحكم» (1).
وبمكر شديد سعى الغرب إلى إعادة تصدير اليهود، وما يحملون معهم من وباء وانحطاط في الأخلاق، إلى المشرق الإسلامي وتحديدا إلى فلسطين، تلك الوجهة، والقبلة التي توافق عليها كلا الطرفين، فبدا قادة الصهيونية وبكل حماس في «الترانسفير» الطوعي لقطعان اليهود، دون أن يدركوا أبعاد هذا القرار التاريخي الاستراتيجي الجريء والخطير، وترانسفير غير طوعي ليهود آخرين جاؤوا مرغمين، لا يعنينا كثيرا في هذا المقام عن طرق وكيفية إرغامهم، لكن دون أن يدرك اليهود مع ما فيهم من مكر أن ما حيك لهم من الغرب وقيادتهم الصهيونية التي كانت كل منطلقاتها مبنية على الحقد والكراهية، وغاياتها التي بررت كل وسيلة.
حتى الصهيونية التي تغنوا بها كانت مرحلة زمنية وليس عقيدة راسخة في قلوب أصحابها وعبر عن حالهم بن غوريون - أول رئيس لحكومة اليهود - فقال: «إن الحركة الصهيونية كانت دعائم لإقامة البيت القومي، وأنه بعد إقامة الدولة، يجب فكها».
نعم هو مقلب وورطة وأزمة تاريخية لن تنفك عن اليهود ما بقوا في فلسطين، وفخ وقعوا فيه ولن يخرجوا منه بسلام، ففلسطين المحاطة بعمقها التاريخي الإسلامي والعربي، بالنسبة لليهود فخ فامتداد فلسطين الديموغرافي مع من حولها من دول تحيط بهم يطلق عليها دول الطوق وغيرها عرفت بأصالتها العربية، وأصوليتها الإسلامية منذ فجر تاريخ البشرية والإسلام، لقد أتى اليهود على أمة كانت في لحظة غفلة من أمرها، ولم يدركوا أن هذه الأمة ليس كل أمرها غفلة.
نعم لقد نجحوا في جعل اليهود ودولتهم جماعة وظيفية، أو بمفهوم عالم المقاولات والتجارة «مقاول في الباطن»، يحقق للغرب أهدافه الاستعمارية بأقل التكاليف المادية والبشرية والاعتبارية، ويكونوا نيابة عنهم رأس حربة وفوهة مدفع يقاتلوا ويحققوا الأهداف القريبة والبعيدة وكل ذلك مقابل تأمين الحماية والدعم المادي الامحدود لدولة اليهود.
٢ - السبب المادي: لقد ظن اليهود، وبالدعم اللامحدود، والمقدم لهم وبلا حساب من أمريكا وغيرها، والتي أسهمت في بناء دولة لهم تملك ترسانة عسكرية تنافس كل نظرائها في المنطقة العربية برمتها، ومكنتهم من تشييد مساكن لهم من وراء الجدر، وفي المغتصبات المحصنة، أنها ستقيهم من هجمات المطالبين بحقهم، لقد نسي أو تناسى هؤلاء أنه لم يبق حصن أو جدار عرفه التاريخ كان قد شيد لحماية المعتدي إلا وقد انهار على رؤس أصحابه، وبأيديهم قبل غيرهم.
لقد أوضح سبحانه وتعالى أن من أسباب بقاء دولة يهود سببين رئيسيين لا ثالث لهما بينهما الله قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (آل عمران:١١٢).
{بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ} وهي المواثيق والعهود التي تقطع مع اليهود {وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} وهو الدعم البشري لهم من أنصارهم كأمريكا وغيرها التي تغدق عليهم المال حتى تقوى دولة ما يسمى إسرائيل على البقاء بل والتميز والتفوق العسكري عن سائر دول المنطقة إذن فلولا دعم أمريكا لما بقيت دولة اليهود في المنطقة.
ومن بدايات الدعم الأمريكي لدولة اليهود كان ذلك لحظة الاعلان عن تأسيس ما يسمى إسرائيل عام ١٩٤٨م، فقد وافق الرئيس الأمريكي حينذاك «ترومان» وبطلب من بن غوريون قرض عاجل وميسر بقيمة «١٣٥» مليون دولار لاستيعاب المزيد من المغتصبين الجدد.
كما تتلقى دولة الكيان اليهودي مساعدات سنوية تصل إلى ثلاثة مليارات دو لار كمساعدات أمريكية مباشرة ومن غير أن يطلب منها كشف حساب بالمصروفات.
وذكرت صحيفة «كريتسان ماينس» الأمريكية، أن إسرائيل كلفت أمريكا منذ عام ١٩٧٣م ١٦٠٠ مليار دولار.
لقد تعاظمت قوة اليهود بسبب الدعم المادي المنقطع النظير لهم فاتكل اليهود على السبب المادي أيما اتكال، فحققوا جل أحلامهم ونسوا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (الأنفال:36).
إن دولة اليهود هي من أبرز دول العالم التي تعيش على المساعدات، ومن غير المساعدات لا تقوم لها قائمة وأهم المساعدات هي المساعدات الأمريكية، التي لن تدوم طويلا فهي تعاني عجزا في ميزانيتها، فكيف بدولة يهود لما تفقد الدعم والسخاء الأمريكي المنقطع النظير!!
3- مغامرات يهودية فاشلة في تحدي شعب فلسطين المسلم: لقد أمر نبي الله موسى عليه السلام بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة - فلسطين - قائلا لهم كما أخبر سبحانه وتعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:٢١).
فأجابوه وكعادتهم بلغة الجبناء المذعورين المرعوبين من العماليق الفلسطينيين الجبارين، ومن غير حياء أو احترام لنبي الله موسى عليه السلام، الذي أقامه الله بين ظهرانيهم، ويسر لهم سبل النصر على أعدائهم من تابوت يتقدمهم، ينصرون به فيه سكينة ورحمة، من غير خوف أو خشية أو رهبة في قلوبهم من الله، فقالوا كما أخبر سبحانه وتعالى على لسانهم: { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (المائدة:22) .
لقد اضطرهم الأمر ومن شدة خوفهم من الفلسطينيين الأولين الذين كانوا على الكفر وهم من كانوا يوصفون بالأمة المسلمة، وببني إسرائيل تشريفا لهم، وكان بين أظهرهم نبي الله موسى عليه السلام يقود مسيرتهم، غير أنهم استهزؤوا بالله تبارك وتعالى ورسوله، فقالوا كما أخبر سبحانه وتعالى: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24).
كيف ليهود اليوم التجلد والصمود في وجه الفلسطينيين بعد أن دانوا برسالة الاسلام، وتسلحوا بالقرآن وما تمتعوا به من جلد وعنفوان عرفوا به بالقرآن على لسان بني إسرائيل لما قالوا عنهم: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} (المائدة:22)، وعرفهم التاريخ بالعماليق، إن الفلسطينيين اليوم هم من يصدق فيهم قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال: «الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا..» رواه سلم، وهذا مصداق قول ربنا فيهم: {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} (الحشر:13).
اليهود يعلمون حق اليقين أنهم تورطوا بمواجهة شعب من أعتى الشعوب، وأعندها وأشدها شكيمة وصلابة، فكما بين ذلك ربنا في محكم كتابه كما ذكرنا آنفا، ها نحمن اليوم نرى من يؤكد ذلك منهم وبعد عقود من الزمان مضت في مواجهة أهل فلسطين، فهذا وزير خارجية الكيان اليهودي الأسبق «شلومو بن عامي» معلقا على الأحداث التي تلت اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك: « إن الفلسطينيين قد أثبتوا أنهم مقاتلون أشداء لا يمكن الاستخفاف بهم مطلقا»، وقال: «لقد علمنا ما كان يجب أن نعلمه منذ زمن أن تصميم الشعب الفلسطيني على رفض العيش تحت الاحتلال سيدفع أبناءه إلى الاستبسال من أجل التخلص من واقع بائس» وهذه نخبة من أقوال قادة ورؤساء من ملل الأرض وأجناسها المختلفة، يؤكدون جلادة هذا الشعب :
• قال هتلر حاكم ألمانيا النازية المتوفى عام ١٩٤٥ م: « أعطني جنديا فلسطينيا وسلاحا ألمانيا وسوف أجعل أوروبا تزحف على أناملها».
• قال الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة: « فلسطين لا تحتاج إلى رجال، فرجالها أهل ثبات وحق، فلسطين تحتاج إلى سلاح».
• وقال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي من عام ١٩٧٣ م إلى عام ١٩٧٧ م: « لم أجد في حياتي أعند من رجال فلسطين».
• وقال فيديل كاسترو رئيس كوبا منذ العام ١٩٥٩ م: «اليهود حمقى لأنهم احتلوا دولة شعبها لا يكل ولا يمل».
• وقال أحمد بن بله وهو أول رؤساء الجزائر عام ١٩٦٢ م: «فلسطين لن تنكسر ما دام فيها هذا الشعب الجبار».
• وقال الملك فيصل بن عبد العزيز أحد ملوك الدولة السعودية المتوفى عام ١٩٧٥ م: « فلسطين عائدة والقدس عائد ورجالها خير رجال».
وبعد هذه الطائفة الموجزة من الأقوال، نهمس في أذن يهود ونقول لهم:
ويل لكم من شر قد اقترب، لقد أوقعتم أنفسكم في شباك شعب لن يسكت عن حقه مهما طال الزمان، أو ادلهمت الخطوب، حينها ستكون نهايتكم مؤسفة، وستعلمون حق اليقين قوله سبحانه وتعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء:227).
4- السبب الشرعي: إن أرض فلسطين ميراث الأنبياء الشرعي لأتباعهم المؤمنين، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105).
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
فقد أخبر المولى عز وجل عن توجه إبراهيم وابن أخيه لوط عليهما السلام لما خرجا من أرض الكلدانيين في العراق يفرون بدينهم إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الانبياء:71). حينها لم يكن إسرائيل (يعقوب) عليه السلام، ولابنيه قد جاءوا بعد إلى فلسطين.
ثم جاءت بعد ذلك المحاولات اليائسة لبني إسرائيل من دخول الأرض المقدسة حال وجودهم في التيه مع نبيا الله موسى وهارون عليهما السلام، وعقوبة الله لبني إسرائيل وحرمانهم من دخول الأرض المقدسة تعنتهم، ورفضهم دخولها، واضطرابهم على أنبيائهم، أربعين سنة، وسبب وتقلبهم المستمر بين الكفر والإيمان.
ونبي الله موسى ومن غير كلل ولا ملل يأمرهم رهبة، ويحثهم رغبة على دخول الأرض المقدسة، لكن دون جدوى كما أخبر سبحانه وتعالى علي لسان موسى عليه السلام: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:٢١).
وقالوا وبكل عناد مجددين رفضهم دخول الأرض المقدسة، كما أخبر سبحانه وتعالى عنهم: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24).
وحال الله بينهم وبين الأرض المقدسة لما عصوا أوامر نبيهم حتى قبض الله روح موسى وأخيه هارون عليهما السلام في التيه، وخلفه يوشع بن نون، فحبست له الشمس حتى دخل الأرض المقدسة فاتحا بإذن الله ومعه نفر قليل من بني إسرائيل، كما جاء ذلك في حديث البراء بن عازب: (كنا وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه الا مؤمن بضعة عشر وثلاث مائة) (2) أخرجه البخاري.
ثم أكمل داود مسيرة يوشع بن نون عليهما السلام، فكانت هي البدايات الحقيقية لدخول نفر قليل من بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة.
لا بد وأن يفهم اليهود ومن دون عناد، أو تكبر أن الإسلام دين جميع الأنبياء، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم شريعة ناسخة وخاتمة لسائر الشرائع السابقة «اليهودية والنصرانية» قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (آل عمران: 19).
وقد أخبر المولى عز وجل حاسما الموقف وقاطعا الطريق على اليهود، ودعواهم الكاذبة في يهودية أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمرن:67).
وقد أقر جميع الأنبياء بالإسلام، وقد أخبر المولى جل فسلطانه على لسان أنبيائه الكرام تصريحهم بالإسلام، وإن تعددت شرائعهم، فقال سبحانه على لسان كل نبي تصريحه بالإسلام:
عن نوح عليه السلام: قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس:72).
وعن إبراهيم عليه السلام: قال تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:١2٨).
وعن يعقوب عليه السلام: قال تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (البقرة:123).
وعن يوسف عليه السلام: قال تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف:١0١).
وعن موسى عليه السلام: قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (يونس:84).
وعن سليمان عليه السلام: قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} (النمل:٢٠).
هذا ما جاء في كتاب ربنا، ونحن نؤمن به جملة وتفصيلا، ولا نفرق بين أحد من رسله، فينبغي لهم أن يذعنوا إلى ذلك كما أخبر ربنا تبارك وتعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:84).
قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت:46).
أما موقف اليهود من الأنبياء الذين أقروا لهم بنبوتهم كما جاء ذلك في توراتهم، وتلمودهم اللذين بين أيديهم اليوم، وما يؤمن به اليهود من أنبياء، وكيف امتلأت كتبهم المقدسة - كما يزعمون - بالطعن والذم الوضيع الذي لايليق بعموم البشر فضلا عن أنبياء زعموا أنهم أنبياءهم، لنعرف من هو المؤمن والمتبع الحقيقي لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذين استوطنوا هذه الأرض فكانت وبأمر من الله جل جلاله ميراثا شرعيا للأتباع الحقيقيين لهم.
فكيف للمحب أن يقول أسوا الأقوال وأقذعها التي ليس في محبوبه فضلا عن كونهم يزعمون أنه نبيهم؟! هل يستحقون وصف الله لهم قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105)، لقد خص الله الأرض المقدسة وغيرها من أرض بمن وصفهم بـ {عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، هل هؤلاء صالحون مصلحون، أم أنهم فاسدون مفسدون لم يعرف التاريخ أفسد منهم؟!
نحن المسلمون أولى الناس بهؤلاء الأنبياء وغيرهم من أنبياء عليهم السلام جميعا، جاء ذكرهم في الكتاب أو السنة، أو لم يأت ذكرهم بل نحن الأتباع الحقيقيون لهم، ونؤمن بهم وبعصمتهم جميعا من أولهم أبو البشر آدم عليه السلام مرورا بكل الأنبياء الكرام إلى آخرهم وخاتمهم محمد صلى الله علنه وسلم قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:68).
فال تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} (يوسف:38).
نعم نحن أولى منهم بالأرض المقدسة «فلسطين»، لأننا الورثة والأتباع الحقيقيون لجميع أنبياء الله، الذين توارثوا أرض فلسطين، وورثوها لأتباعهم المحبين لهم المؤمنين بهم المبجلين لهم، جيلا بعد جيل إننا كمسلمين ومن صلب عقيدتنا وركنها الأصيل نؤمن برسل الله أجمعين من غير أن نفرق بين أحد من رسله، نعم هي المعادلة التي ينبغي على أهل الأرض ومؤسساتهم إدراكها، والسير في فلكها، وبناء الثوابت والحقوق عليها، أن وعد الله وميراث الأرض التي أعطاها الله لإبراهيم ويعقوب عليهما السلام لا تستحق بالنسب كما يظن اليهود، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة:124).
وكما جاء عن رسولنا الكريم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنة قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: » انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جننا بيت المدراس - وهو المكان الذي يدرس فيه كتابهم - فقام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم يا معشر يهود أسلموا تسلموا فقالوا قد بلغت يا ابا القاسم فقال ذلك أريد ثم قالها الثانية فقالوا قد بلغت يا ابا القاسم ثم قال الثالثة فقال اعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله» (3) أخرجه البخاري.
وهذا ما نادى به موسى عليه السلام فيما أخبر به سبحانه وتعالى على لسانه: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128).
إنه قانون الله ومعادلته التي ينبغي العمل بها، وعلى اليهود أن يدركوها جيدا.
في مقام يجمع الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم كل أنبيائه من غير استثناء، ليتسلم منهم الراية بإمامته لهم في المسجد الاقصى، إعلانا للأمة بأسرها بالمهمة التي أنيطت بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته باستلام زمام قيادة وخلافة الأرض المقدسة.
إن استحقاق أرض فلسطين استحقاقا شرعيا وقانونيا لن يكون إلا لمن استوفى شروط الإيمان كاملة، ومنها الايمان بكامل أنبياء الله جل جلاله، وبخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، دون طعن أو ذم بأحد منهم، ففي عهد بني إسرائيل علق موعود الله لهم بالأرض بعد استيفاء شرط الإيمان، ولما كانوا على جادة الحق متبعين لأنبيائهم، متمسكين بعهد الله، استحقوا التفضيل فكافآهم الله بوراثة الأرض،
قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} (الأعراف:137).
٥ - العمق الإسلامي العالمي لقضية فلسطين: تشير آخر الإحصاءات الرسمية لعام ٢٠١٠م الصادرة عن منتدى Pew لدراسات الدين والحياة العامة، ومقره واشنطن، أن عدد المسلمين في العالم نحو مليار و ٥٧٠ مليون مسلم تقريبا، ويشكلون ربع عدد سكان العالم الذي يبلغ حاليا نحو ٦٨ مليار شخص، وأن نسبة 20% من المسلمين يعيشون في منطقة المشرق الإسلامي، والتي تتواجد فيها أهم مقدسات المسلمين عبر التاريخ، الكعبة المشرفة في مكة، ومسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في مدينة بيت المقدس.
وتشير آخر الدراسات إلى أن عدد اليهود في العالم قد انخفض بنسبة 3%، مقارنة بالمعطيات التي نشرت في السنة الفائتة، ويقدر عدد اليهود في العالم اليوم بـ ١٢,٩ مليون.
وتوقع وزير داخلية الكيان الصهيوني، وزعيم حزب «شاس» المتدين «إيلي ييشاي» أن يفقد اليهود تفوقهم العددي داخل فلسطين لصالح العرب بعد نحو ثماني سنوات.
وقد بالغ كثير من المختصين بالقول بأن تعداد يهود العالم سينخفض ما بين خمسة أو ستة ملايين في عام ٢٠٢٥م.
حتى أطلق بعض المختصين من علماء الاجتماع على هذه الظواهر باسم «موت الشعب اليهودي» أو «الابادة الصامتة»، والذي أشار فيها إلى ظاهرة تناقص أعداد اليهود في العالم إلى درجة اختفاء بعض تجمعات اليهود في أوروبا وغيرها، وتحول بعض تلك التجمعات إلى جماعات صغيرة لا أهمية لها من الناحية الاحصائية.
إن نظرة سريعة لهذه الاحصائيات، ومدى المقارنة بين عدد المسلمين وعدد اليهود، يدرك بعدها كل عاقل وللوهلة الأولى مدى حجم ما يتمتع به اليهود من غرور أوقعهم في فخ احتلال فلسطين، التي غرسوا أنفسهم بها عنوة في بقعة تشكل للمسلمين في العالم أجمع قدسية خاصة، لا يصرفهم عنها أي صارف مهما كلفهم ذلك من ثمن.
لقد نسي اليهود أو تناسوا أن المليار ونصف المليار مسلم المنتشرين في العالم أجمع يدينون بالإسلام، وكتابهم القرآن شعارا يعتزون به، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، فيه آيات تقدس أرضهم في فلسطين، وأية مطلع سورة الإسراء، يقول فيها سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الإسراء:1).
على اليهود أن يدركوا أن قلوب المسلمين في العالم وإلى قيام الساعة نابضة، وبعقيدة راسخة فلسطين، وأنها للمسلمين أجمعين استودعوها عند الفلسطينيين، وإن فرط بها الفلسطينيون أخذ المسلمون في العالم زمام مبادرة الحفاظ عليها.
لقد أيقنت ذلك تماما في لحظات عشتها في تركيا، وتعرفون جيدا من هي تركيا! ذلك البلد الأعجمي الذي رباه أتاتورك على كره العرب والمسلمين، لكنه - أي التركي - لما يتفاجأ أن محدثه الذي أمامه فلسطيني يحتضنه وأحيانا يجهش في البكاء عنده، لا أتكلم عن فترة حكم بها الإسلاميون تركيا، ولا عن شعب عنده الكثير من الثقافة القرآنية!!
وبهذا على اليهود لزاما أن يتقبلوا عزاءنا لهم، لخسرانهم الجولة القادمة بإذن الله.
6- السبب الديموغرافي: لقد تنادت المؤسسات الرسمية وغيرها في الكيان اليهودي، محذرة مما أسموه «بالقنبلة الديموغرافية»، لقد عجزت المحاولات اليهودية من تغيير البنية السكانية الفلسطينية، وإضعاف تفوقها مقابل المعدل السكاني اليهودي في فلسطين، لقد عمل اليهود وبكل ما ملكوا من قوة علمية وعسكرية في تعظيم الكثافة اليهودية في فلسطين، على حساب الوجود الفلسطيني المسلم على أرضه، ومارسوا لتحقيق هذه الغاية طرقا ووسائل شتى لم تتوقف منذ أن احتلوا فلسطين عام ١٩٤٨م من طرد، وقتل، وسجن، بل وتسميم لأرحام الفلسطينيات، أملا بإضعاف خصوبتهن، لكن كانت قدرة الله لهم بالمرصاد، لقد أودع الله في المرأة الفلسطينية قدرة إنجابية تفوق نظيرتها اليهودية التي هيئت لها أسباب الراحة، والإمكانيات العظيمة، التي تكفل بل وتشجع على الإنجاب وتكافئ عليه .
ومع كل المحاولات والجهود المبذولة لرفع مستوى خصوبة المرأة اليهودية، فإنها تعتبر قليلة بالمقارنة مع خصوبة المرأة الفلسطينية، فقد نجحت المرأة الفلسطينية بتوفيق من الله وبركاته في ما يسمى «بالمعركة الديموغرافية» داخل فلسطين التاريخية، حيث بلغ معدل خصوبة المرأة الفلسطينية على سبيل المثال لعام ٢٠٠٦ م، ٦ مواليد لكل امرأة فلسطينية في مقابل مولودين لكل امرأة يهودية.
وتشير الإحصاءات أن الشعب الفلسطيني مجتمع فتي غالبيته من الأطفال، فقد ذكر جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني، بتاريخ 4/٤/2010م، أن عدد الأطفال دون سن ١٨ عاما بلغ نحو مليون وتسعمائة ألف، وتشكل هذه الفئة حوالي 42% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم ٣,٩ مليون فرد في منتصف عام ٢٠٠٩م.
وأوضح مسؤولون في دائرة الإحصاء الفلسطينية، أن الاحصاءات الديموغرافية واتجاهاتها في المجتمع الفلسطيني، تبين أن الأطفال سيشكلون الأغلبية في المجتمع لعدة سنوات قادمة، حيث تعتبر خصوبة المرأة الفلسطينية العالية، ومعدلات وفيات الأطفال المتدنية سببا رئيسا لاستمرار تشكيل الأطفال للأغلبية في المجتمع.
وتفيد البيانات أن الأسرة الفلسطينية تتشكل في وقت مبكر، حيث يبلغ متوسط عمر الإناث عند الزواج الأول ١٩,٥ عاما، و٢٤,٨ عاما للذكور للعام ٢٠٠٨م.
أما في المجتمع اليهودي في فلسطين المحتلة، لا يشكل الأطفال فيهم سوى 29%؛ في مقابل ذلك وصلت نسبة كبار السن الذين تصل أعمارهم إلى ٦٥ سنة وما فوق إلى 10% من مجموع اليهود في فلسطين المحتلة.
ولنا أن نعزو ذلك إلى ظاهرة الإجهاض التي تعتبر دولة الكيان اليهودي الأولى فيها على مستوى العالم، ويمكن النظر إلى حجم هذه الظاهرة بين المجتمع اليهودي في فلسطين بين عامي «١٩٧٩م - ١٩٨٦م»، فقد تم تنفيذ «١٢٩٠٠٠» حالة إجهاض معلن عنها!
وعلى صعيد آخر نشرت دائرة الاحصاء المركزية في «هرتسليا» تقريرا خطيرا، أفادت فيه إلى ارتفاع نسبة الطلاق أمام نسبة الزواج بمعدل 60%، خاصة في المغتصبات اليهودية القابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وجاء في صحيفة «هآرتس» بتاريخ 13/٢/2002م في دراسة أعدها البروفيسور «سيرجيو فرغولة»، رئيس معهد اليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس أن نسبة اليهود في إسرائيل، ومناطق الضفة الغربية، وقطاع غزة تصل اليوم إلى 53% فقط، وستصل النسبة في العام ٢٠٥٠ - كما توقعت الدراسة - إلى 30%.
لقد أسهمت علمانية دولة ما تسمى إسرائيل في انهيار مفهوم الأسرة، ولم يعد لها أي قدسية عند قطاعات كبيرة في المجتمع اليهودي، وفقدت بهذا عماد وقوام لا يقوم أي مجتمع إلا به، ألا وهو الأجيال الواعدة، لقد تجلى واضحا في السنوات الأخيرة في المجتمع اليهودي في فلسطين تحديدا كوارث في كينونة الأسرة اليهودية، تمثلت في تحديد النسل، وتزايد معدلات الطلاق، والعزوف عن الزواج، والاكتفاء بالعشيقات، فضلا عن انخفاض الخصوبة عند المرأة اليهودية التي أصبحت أقل نسبة خصوبة في العالم.
وقد حذر الباحثون والعلماء في الكيان الصهيوني من هذا الوضع، وتوقع بعضهم أن ينخفض عدد اليهود في العالم سنة ٢٠٢٥ م إلى خمسة أو ستة ملايين نسمة فقط، وهي كارثة حقيقية تهدد الوجود اليهودي خصوصا إذا ما علمنا أن نقص الخصوبة وخفضها الشديد عند المرأة اليهودية، يقابله زيادة عالية جدا في معدل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وهو الأمر الذي يقلق الحكومات الصهيونية المتعاقبة. ودلت معطيات جديدة أن انخفاضا كبيرا حدث على عدد اليهود في العالم خلال ربع القرن الأخير.
وجاء في تقرير صادر عن «معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي»، ومقره القدس المحتلة أنه خلال ٢٧ عاما انخفض عدد اليهود بـ ٢,٣ مليون نسمة، حيث يبلغ الآن ٧,٧٦ مليون فقط كما يزعمون.
وإني لأعجب من هؤلاء اليهود، وفي ظل عدم الزيادة الديموغرافية الطبيعية لهم فضلا عن الديانة اليهودية غير المؤهلة فطريا وعقليا لاستجلاب وكسب الأخرين إليها، أضف إلى ذلك انغلاقها وعدم السماح للغير باعتناقها، إذا كيف سيزيد عددهم وكل موانع الزيادة حاصل!
إننا نؤكد وبكل يقين أن الكارثة التي تسبب بها الصهاينة الأوائل، والتي لم يدركوا أبعادها، وستسبب الوبال والعناء لخلفهم التي ستقع عليهم مسؤولية الحفاظ على دولة ستزول لا محالة قريبا وبإذن الله.
٧ - السبب الجغرافي: فلسطين حلقة وصل جغرافية طبيعية بين آسيا وأفريقيا، والوصول لها سريعا برا أو بحرا فضلا عن الجو من دول عربية وإسلامية شتى هو متاح وبيسر، بل وحدودها مع الدول المجاورة يعطي للمناورة العسكرية فرصا متعددة بأشكال تكتيكية، واستراتيجية متعددة، حتما سترهق وتزعج اليهود، وستسبب لها الأرق والقلق، ما دام لها وجود في فلسطين، لعلنا نقول وبكل جرأة، مسكين من يظن أن اليهود يسكنون فلسطين، وقد قرت أعينهم واطمأنت أفئدتهم، وهدأ بالهم بالعيش الآمن في فلسطين.
لا بد وأن نذكر اليهود، وأظنهم إن جهلوا أو تجاهلوا ذلك، أن الدول المحيطة بفلسطين دول إسلامية عربية أصيلة، ما يزيد عن منتصف عدد سكانها من الأجيال الشابة تقريبا، لن تنزع جلدها، أو تبدل دماءها، والدفاع عن فلسطين أمر يجري في عروقها، فكيف لليهود أن يظنوا أن بمقدورهم أن ينزعوا عقيدة هي في سويداء قلوب أهلها، والله وبالله وتالله لن يقدروا على ذلك آبدا.
المساحات الجغرافية التي سيطر عليها اليهود عام ١٩٤٨م ثم عام ١٩٦٧م من أرض فلسطين وغيرها كانت أكبر من حجمهم، وهي لقمة كبيرة غص بها اليهود، وهم يحاولون استدراك الخطأ، وإخراج أجزاء منها، علهم بذلك يقوون بالحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، إن وراء ذلك الإصرار العنيد من الفلسطينيين في الحفاظ على جغرافيتهم التاريخية، ومن ورائهم تأييد ودعم شعوب الأرض قاطبة التي ترى عدالة قضية فلسطين وأهلها، لقد سيطر اليهود على الأرض التي أصبحت فيما بعد سجنا وعزلة حقيقية لهم، لم تشفع لهم التحالفات، والمعاهدات، والاتفاقيات السلمية من تطبيع وجودهم بين ظهراني العرب والمسلمين، لقد أدرك مفكروهم وكثير من ساساتهم، أن هناك حسابات وسياسات واستراتيجيات، وأن ما سلبوه من أرض فلسطين له تبعات لابد وإعادة النظر بها، وبما ينبغي الاستغناء، عنه وما ينبغي الإبقاء عليه.
لقد تعاظم حلم الصهاينة المؤسسين لدولة اليهود في فلسطين، لتمتد من الفرات إلى النيل، وها هي قد انسحبت من سيناء بتاريخ ٢٤ /٤ /١٩٨٢م، وجنوب لبنان بتاريخ 8/٦/2000م، وغزة بتاريخ 15/٨/2005م، وقريبا سنسمع انسحابها من الضفة الغربية والجولان وغيرها من مناطق حتى تنحصر دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل!! خلف جدار بنوه ليحاصروا به شعب فلسطين فإذا به منتهى الحدود الجغرافية لدولة إسرائيل، لتنحصر دولتهم وأحلامهم خلف جدار بنوه، لنعلم يقينا أن ما يسمى بدولة إسرائيل هي فعليا وبالمفهوم الطبي «ميتة سريريا».
لقد غفل أو تغافل هؤلاء عما جاء ذكره في توراتهم محذرا لهم من هذه الأمة التي ستنقض عليهم كما جاء في التوراة: «هو ذا شعب مقبل من أرض الشمال، وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الأرض، قابضون على القوس والحربة قساة لا يرحمون، صوتهم كهدير البحر، وعلى الخيل راكبون مصطفون كرجل واحد للمعركة ضدك يا بنت صهيون» (أرمياء6:22،23).
إن الذي يطالب العالم بيهودية دولته عليه أن يعمل بما جاء بما يسمونه بالكتاب المقدس «التوراة» الذي ينبغي له أن يكون دستورا لدولتهم وهو ليس كذلك لهذه اللحظة، لكن ظني بهم وكعادتهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويسوقون الغباء على من ساقوهم من صهاينة إلى فلسطين ليكونوا حطبا لمعركة كتب فشلها سلفا إن شاء الله .
٨- ورطة تأسيس الدولة اليهودية: لقد أسهمت الحركة الصهيونية المشؤومة في نظر كثير من اليهود فتوريطهم بتأسيس دولة سيتحمل أغلب اليهود ردحا من الزمن تبعات الحفاظ عليها.
لقد استدرجت الصهيونية رغبة ورهبة جمهرة غفيرة من يهود العالم إلى فلسطين، حتى حدا بكبرائهم إلى التحايل على توراتهم وتوصياتهم في مؤتمراتهم، وندواتهم لحث أكبر قدر ممكن من يهود العالم لاستيطان فلسطين؛ فقد واجهت الحركة الصهيونية عند بداية تفكيرها بتأسيس دولة قومية تجمع يهود العالم صعوبة بالغة في اقناع وكسب تأييد الحاخامات ووجهاء اليهود في الاستجابة لدعوتهم؛ لكن وبعد جهود حثيثة قام بها «ثيودور هرتزل» ومن معه، ومن خلال مؤتمرات متلاحقة استطاعوا حشد التأييد لفكرتهم في تأسيس دولة لليهود في فلسطين.
ونجحت الحركة الصهيونية في تغيير مسارات كثير من المناهضين لها، وجعلهم في صفها ويتكلمون بلسانها.
وكعادة اليهود في سرعة تقلبهم في مواقفهم، بدأ ما يسمى بالمؤتمر يغير اتجاهه، ويتخذ موقفا أكثر تفهما وتعاطفا مع الحركة الصهيونية، حتى أعلن برنامج كولومبوس عام ١٩٤٧م الذي أكد أن من واجب كل يهودي أن يسهم في تعمير فلسطين، لا كملجأ للمحتاجين، وحسب بل كمركز لليهودية في العالم (4).
بعد ذلك تمايزت الآراء اليهودية، فمنهم من أيد الفكرة برمتها، ورأى في ذلك خلاصا للشعب اليهودي مما هو فيه من شتات وبطش الشعوب له، ومنهم من طالب بتفكيك الدولة اليهودية وارجاع الحق إلى أصاحبه، واعتبروا ذلك خروج على تعاليم التوراة والتلمود.
واعتبر كثير من الحاخامات أن ذلك انحراف عن العقيدة اليهودية، وما تسلل إليها ما أسموه ببدعة الدولة اليهودية، فهي دولة ملعونة غضب الله عليها وطلقها إلى الأبد وهي رجسة الخراب أو وحشة الخراب وغير ذلك من مصطلحات ومفردات الذم والقدح الكثيرة، التي جاء وصفها في التوراة، فهي زانية «دنست الأرض بزناها.. تحمت كل شجرة خضراء زنت... زنت مع أخلاء كثيرين.. زنت مع الحجر والخشب» (أرمياء3:2-9).
«إنك لو اغتسلت بالنطرون، وأكثرت من الأشنان، لا تزالين ملطخة بإثمك، يقول السيد الرب: كيف تقولين لم أتنجس؟» (سفر ارمياء22:2).
وأن الرب طلقها كما جاء في التوراة: «إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل طلقتها فأعطتها كتاب الطلاق» (أرمياء8:3).. فكيف لدولة ربهم اتهمها بالزنى والنجاسة وأنه أعلن طلاقه منها يعودون إليها!
لذا صدر عن مؤتمر بتسبرج قرارات سميت باسم المؤتمر «١٦ -١٨ نوفمبر عام ١٨٨٥م»؛ الذي حضره ١٨ حاخاما إصلاحيا، وهو المؤتمر الذي أصدر قرارات صريحة ترفض فكرة عودة اليهود إلى فلسطين واستعادة العبادة القربانية (5).
وفي عام ١٨٨٩م أسس «إسحق ماير وايز» منظمة يهودية تتبع اليهودية الاصلاحية، وتضم الحاخامات الاصلاحيين في الولايات المتحدة وكندا، تجتمع في مؤتمرات دورية، وهي جماعة مثل كثير من الجماعات اليهودية المعادية للحركة للصهيونية التي تتسم باختفاء النزعة القومية فيها، بل والبعد عن استخدام اللغة العبرية كأصل في الديانة اليهودية.
ويؤكد الحاخام «يسرائيل ديفيد فايس» أحد أشهر الحاخامات اليهود المعادين للصهيونية، والناطق الرسمي باسم منظمة «ناطورى كارتا»، أنه يعارض قيام «دولة إسرائيل»، والفكر الصهيوني، وأن «إسرائيل» إرهابية، وينبغي محاكمة قادتها أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، ولن يكون هناك سلام أو استقرار في العالم إلا بإزالة «إسرائيل».
كما أصدر اللوبي اليهودي الجديد في أوروبا الذي يطلق على نفسه اسم «جي كول» بيانا بمناسبة مرور ٦٢ عاما على النكبة، بعنوان «نداء إلى العقل»، وقع عليه قرابة الخمسة آلاف يهودي أوروبي على رأسهم شخصيات مرموقة، رفضوا فيه تحدث «إسرائيل» باسم يهود العالم، وطالبوهم وقف الاستيطان، واحترام حقوق الإنسان، وإنهاء احتلالها غير الشرعي، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وفي مقابلة تلفزيونية أجراها Neil Cavuto من محطة فوكس الإخبارية الأمريكية الشهيرة مع رجل الدين اليهودي الأرثوذكسي «الراب» Yisroel Weiss ووصفتها القناة: بأنها مهمة للغاية؛ قال: هذه وجهة نظر متفق عليها عبر المائة سنة الماضية، أي منذ أن قامت الحركة الصهيونية بخلق مفهوم، أو فكرة تحويل اليهودية من ديانة روحية إلى شيء مادي ذي هدف قومي، للحصول على قطعة أرض، وجميع المراجع قالت إن هذا الأمر يتناقض مع ما تدعو إليه الديانة اليهودية، وهو أمر محرم قطعا في التوراة لأننا منفيون بأمر من الله.
وبعيدا عن كل ما سبق ما زالت عقدة زوال إسرائيل متجذرة في وجدان كل يهودي مقيم في فلسطين، بل وكل قائد وسياسي ومفكر يهودي اغتصب فلسطين فأقوالهم وأفعالهم شاهد عيان على ذلك، فانظر ما حذر منه «إسرائيل هاريل» المتحدث باسم المستوطنين أثناء انتفاضة ١٩٨٧م، حين بدا الإجماع الصهيوني بخصوص الاستيطان يتساقط، من أنه إذا حدث أي شكل من أشكال الانسحاب والتنازل «أي الانسحاب من طرف واحد»، فإن هذا لن يتوقف عند الخط الأخضر «حدود ١٩٤٨م»، إذ سيكون هناك انسحاب روحي يمكن أن يهدد وجود الدولة ذاتها (6)، وأخبر رئيس مجلس السامرة الإقليمي رئيس مجلس الوزراء لدولة الصهاينة شارون في مشادة كلامية معه « إن هذا الطريق الدبلوماسي هو نهاية المستوطنات، إنه نهاية إسرائيل» «هآرتس١٧ يناير/ كانون الثاني ٢٠٠٢م ».
و نختم بما جاء ذكره في صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «إن الجمهور في إسرائيل لم يعد يؤمن من جهته بأن الجيش الإسرائيلي أقوى جيش في العالم، والإسرائيليون اليوم أقل تفاؤلا، وأكثر خوفا ولم يعودوا يؤمنون بالقوة العسكرية كثيرا».
9- شعوب العالم يكرهون اليهود: أبى اليهود إلا أن تكون لهم دولة يقضوا بها مضاجع دول العالم وشعوبها، إنهم مسعروا الفتن مشعلوا الحروب، حكى الله سبحانه وتعالى عنهم ذلك وبين حقيقة معدنهم وسجيتهم، وعرف ذلك من شعوب الأرض كل من اكتوى بنارهم وفسادهم، لقد تميز اليهود بشمولية الفساد وتنوعه بين شبهة وشهوة، بل ربنا جل في علاه ما طعنت به ملة من ملل الأرض كما طعنت واعتدت عليه اليهود، فضلا عن اعتدائهم على كتبه ورسله وسائر خلقه، وهذا كتاب ربنا عز وجل يعرفنا بباقة متنوعة من ألوان الفساد التي يمارسها اليهود قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة:64).
لقد ضاقت بهم أوروبا ذرعا، ومن تصرفاتهم حتى غدت لهم تسميات مشينة مختصة بهم، فقد أطلقوا عليهم «أصحاب المذهب الشيطاني، أو المرابون»، بل كانت تسميتهم بيهود هي بحد ذاتها منقصة في حقهم، أو من سلك مسلكهم أو فعل شيئا من أفعالهم.
ونقلا عن موقع مفكرة الاسلام بتاريخ: ٢4/١٠/2010م، ذكرت مصادر صحفية إسرائيلية أن البروفيسور الأمريكي «هاوكار سيديك»، المحاضر المعروف في جامعة «لينكلن» الأمريكية طالب في تصريحات له بتدمير إسرائيل لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وجاء في تقرير مكتب التحقيقات الفدرالي للولايات المتحدة الأمريكية لعام ٢٠٠٨م، أن الجرائم التي ارتكبت على أساس الكراهية الدينية كانت بنسبة: 65و7% ضد اليهود، و7,7% ضد المسلمين، وتوزعت باقي النسب على عقائد أخرى ليست هي مجال البحث.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن هذه الاحصائية كانت بعد أحداث ١١ سبتمبر، وما حملته من تشويه للإسلام والمسلمين، فضلا عن امتلاك اليهود الألة الاعلامية في أمريكا تحديدا، وهي التي توجه ثقافة الانسان الأمريكي، وتصوغ عقله تجاه أطماع اليهود، ووجودهم في أعلى المناصب في كثير من المؤسسات الرسمية للحكومة الأمريكية، فضلا عن امتلاك اليهود سلسلة من أكبر الشركات الأمريكية، الذي يمثل وبصورة أخرى عصب الاقتصاد الأمريكي، ناهيك عن وجود أكبر كثافة يهودية في الولايات المتحدة متساوية تقريبا مع ما هو موجود في الكيان اليهودي في فلسطين ، إذ يمثل ثلث يهود العالم، وأما الثلث الثالث فهو موزع على دول العالم بنسب متفاوتة، إلا أن الاحصائية وبكل غرابة أظهرت نسبة عالية من كره الشارع الأمريكي للشخصية اليهودية .
لقد أكد اليهود وفي جملة من أدبياتهم الدينية، والتاريخية، وغيرها، أن اليهود تعرضوا لألوان من الاضطهاد على أيدي شعوب العالم، وعبر تاريخ طويل يصل إلى قرابة ١٧٠٠ سنة، بين عامي ٢٥٠م و١٩٤٨م، تنوعت فيها ألوان العذاب من طرد وقتل وإبادة وتحويل قسري للديانة وغير ذلك.
إن عشرات الدول الأوروبية والتي ليس من بينها دولة إسلامية كلها مارست عملية طرد اليهود، والتضييق عليهم، وهذا يدل على الكره المتأصل عند هؤلاء للعنصر اليهودي، وما ذلك إلا بسبب ما عانته هذه الشعوب، وعبر ردح من الزمن من سلوك يهودي مشين.
إنها ورطة جلبها ساسة يهود لأنفسهم وشعبهم، بعد أن كانوا مستوري الحال في حارات خاصة بهم في الدول العربية، أو «جيتو»، وهي كذلك أشبه بالحارات المغلقة لا يسكنها إلا هم في أوروبا، يترك لهم مطلق الحرية في تنظيم شئونهم الدينية، وغيرها ويرتضي بذلك ادارات الدول التي يقطنونها، دون أي تدخل بشيء من ذلك لكنه النهم الذي لا حدود له الذي أوقع اليهود فيما لا تحمد عقباه.
١٠ – إلههم في كتبهم، غضب عليهم وشردهم وكتب عليهم الجلاء من فلسطين: لا أشك أن اليهود يدركون تماما أنه ليس ثمة شيء يسمى عناية إلهية تحفظهم، فكيف لهذه العناية الإلهية أن تحفظ أسوا عنصر بشري اعتدى على معبوده وإلهه، واتهمه وأنبياءه بأسوأ ما يتهم به شخص مارس كل ألوان الفواحش؟!.
لكن حسبنا في هذا المقام أن نلفت الانتباه إلى ما ذكره إلههم في كتابهم كيف أنه عاقبهم بمن يثخن بهم القتل، ويعمل على تشريدهم، وتدمير بيوتهم ومدنهم، فقد جاءت جملة من أقوال إلههم منها: أنه قد مل من كثرة الندامة بسبب خلق اليهود المعاندين في المعصية، لذا فقد تركهم إلى القتل بالسيف والسحب بالكلاب والأكل والإهلاك من قبل طير السماء ووحش الأرض، وبالتشتيت في أبواب الأرض، تنكيلا بشعبه وإبادة له (أرميا ١٥/ 1-8). وأن من أساليب التنكيل باليهود شعبه المختار ذبح الأطفال وشق بطون الحوامل، وقتل الشيوخ والشباب والعذارى، وملء الدور قتلى من بني إسرائيل (حزيقال9/5-8).
ويسترسل رب إسرائيل بحقده عليهم حتى يبددهم في أمم لم يعرفوها، ويسقيهم ماء العلقم، يعمل فيهم السيف فيفنيهم عن بكرة أبيهم (أرميا ١٣ / ١٧).
ويزيد ربهم من انتقامهم على أورشليم، ومدن يهودا، فتخرب جميعا، بلا ساكن، وبحرقها بالنار، ويملكهم بالوباء، فيموت منهم عشرات الألوف.
إلههم يفنيهم: «فقال الرب على ترككم شريعتي التي جعلتها أمامهم، ولم يسمعوا لصوتي ولم يسلكوا بها، بل سلكوا وراء عناد قلوبهم ووراء البلعيم التي علمهم إياها آباؤهم، لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: ها أنذا أطعم هذا الشعب أفنستينا، وأسقهم ماء العلقم، وأبددهم في أمم لم يعرفوها هم ولا آباؤهم، واطلق وراءهم السيف حتى أفنيهم» (آرميا-١3/١7).
وهذا نبيهم أشعياء يدعو الله عليهم أن يعمي قلوبهم عن الحق، ويثقل آذانهم، ويغمض عيونهم عنه، «أعم قلب هذا الشعب، وثقل آذانه، وغمض عيونه، لئلا يبصر بعينه ولا يسمع بأذنه، ولا يفهم بقلبه، ويتوب فأشفيه» (أشعياء 6/٨-١١).
«فقلت آه يا سيد، الرب حقا أنك خداعا خادعت هذا الشعب وأورشليم، قائل: يكون لكم سلام، وقد بلغ السيف النفس» (أرميا 4/10).
وقد جاء في كتابهم ما يشير إلى ذلك من كلام موسى عليه السلام لهم: «احفظوا وصايا الرب إلهكم، وشهاداته، وفرائضه التي أوصاكم بها، واعمل الصالح في عيني الرب لكي يكون لك خير، وتدخل وتملك الأرض الجيدة التي حلف الرب لآبائك» (الإصحاح ٦ العدد ١٧-١6).
لهذا يجب أن يعلم أن تفضيل بني إسرائيل كان مرده التمسك بعهد الله.. ولكن كعادة بني إسرائيل لم يكن ثمة وقت طويل حتى انقلبوا على أعقابهم، ولم تتحمل طبائعهم الصبر على أوامر الله، فكان منهم الإخلال بشروط موعود الله.
وفي كتابهم ما يؤكد ذلك من قول إلههم لهم: «أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لأجل أنكم لم
تسمعوا لقول الرب إلهكم» (الإصحاح ٨ العدد 17-20).
وجاء في (سفر الملوك الثاني ١٧: ١١-20) «وبهذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل التي عملوها، فرذل الرب كل نسل بني إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه».
فتتبعهم الله سبحانه وتعالى بالمقاتلة والحرب عليهم أينما كانوا قال تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة:30).
فأغضبوا الله لأنهم لم يلتزموا أوامره، فألزمهم ذلة في نفوسهم لا تنتزع منهم أبدا، وألزمهم المسكنة قدرا وشرعا.
قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (آل عمران:١١٢)٠
• وأخيرا نقول: على اليهود ومن والاهم أن يدركوا جيدا أن فلسطين لا تكون لهم إلا بشرط الإيمان بالله جل جلاله، وبجميع أنبيائه والقرآن المنزل على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، حينها يتحقق موعود الله لهم باستخلافهم الأرض المقدسة إن كانوا حقا مؤمنين مسلمين له، عندها يتحقق وعد الله لهم، أو لغيرهم حيث قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55)، فلسطين وعد الله وعهده لا يناله الظالمون، مشروط بالإيمان، جائزتهم في الدنيا الفوز بجدارة وبشهادة الله، بالأرض المقدسة، وهم يحملون معهم صك شرعي من الله .
وعلى اليهود ألا يغتروا بحقبة سيطروا فيها على فلسطين، فإن الأمر لن يطول لأنه بعدها ستكون للمسلمين مع اليهود صولات وجولات.
لابد وأن يدرك اليهود أنهم أوقعوا أنفسهم بالفخ الكبير، وأن خروجهم من فلسطين سيكون بمثابة ولادة عسيرة عليهم وستكلفهم الكثير.
بريق كاذب، وهو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور » رواه مسلم، نعم إن دولة ما يسمى «إسرائيل» هو ثوب زور، أخذ أكبر من حجمه، وهو انتفاشة هر يحكي صولة الأسد ، وأخيرا هل عرف العالم مستوى اليهود في موافقه الصهاينة، ومن وراءهم في احتلال فلسطين، ومحاولاتهم الحثيثة في تغيير تاريخها، وتراثها، وعقيدتها، وهي المحاولات التي سيكتب لها الفشل، وأن على اليهود، وعلى الفور العودة هم وأهليهم من حيث أتوا قبل فوات الأوان .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
• الهوامش.
1- كتاب كذب اليهود، مارتن لوثر ص ١٣٣.
2- رواه البخاري حديث رقم (٣٩5٨)
3- أخرجه البخاري حديث رقم (٦٩٤٤).
4- موسوعة اليهود واليهودية، للمسيري.
5- موسوعة اليهود واليهودية، عبد الوهاب المسيري.
6- الجيروزاليم بوست ٣٠ يناير ١٩٨٨م.
مجلة بيت المقدس للدراسات- العدد الحادي عشر
.