القدس والأقصى / حقائق مقدسية

الأرشيف العثماني ...وكنوز تاريخ القدس

الأرشيف العثماني ...وكنوز تاريخ القدس

إعداد / عيسى القدومي

الوثائق عماد التاريخ وشاهد عيان على الأحداث التاريخية ومادة المؤرخ , وحين تنعدم الوثائق أو يتعذر وجودها فعلى المؤرخ أن يصمت لأنه يفقد الدليل الذي يغني عن البيان , فالمؤرخ بلا وثيقة في رحاب التاريخ كالقاضي ينظر قضية في محكمة تغيب عنها شهود الدفاع والادعاء.

يقول الكاتب (أوزوريس) المتخصص في التاريخ : " على الرغم من أهمية الوثيقة إلا أنها لا تصنع التاريخ ولا يمكن إصدار حكم صريح, فالوثيقة هي الكلمة وهي رغم كونها الوحدة الأساسية في كتاب المؤرخ الذي لا تقوم صناعته إلا بها، إلا أنها مع ذلك ليست مفيدة في حد ذاتها حين توضع عشوائيا جوار أخرى. فالكلمات ما لم تنظم لا تؤلف جملة مفيدة كما أن الجمل المفيدة في ذاتها لا تصنع كتابا ما لم تنسق وفق خطة محكمة بمعرفة ودراية وصولا إلى المعنى المنشود.

   ويعد الأرشيف العثماني من أهم المراجع التاريخية ، ومصدراً أساسياً في فهم ودراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكافة الأقطار والأقاليم التي كانت واقعة ضمن حدود الدولة العثمانية ؛ وبالأخص المعلومات حول مدينة القدس . بل ويؤكد متخصصون أن الأرشيف العثماني هو الأكبر في العالم ، ويصفه البعض بأنه بحر من الوثائق والسجلات والمعلومات التي تروي ملامح التاريخ الكامل لخلافة امتدت حدودها عبر قارات ثلاث لأكثر من ستة قرون.

وأهمية الوثائق العثمانية الموجودة بأرشيف اسطنبول اليوم تنبع من احتوائها الكثير فيما يتعلق بالقدس وفلسطين وبمخططات الصهيونية العالمية للاستيلاء على القدس وفلسطين قبل حوالي قرن من الزمان  .

 ففي جلسة بعنوان " دور الإعلام العربي والدولي في قضية القدس " على هامش أعمال الملتقى القدس الدولي الذي عقد في اسطنبول في الفترة 15-17 نوفمبر 2007م ، آلمني ما سمعت من الباحث التركي أحمد زكى أوزجير المتخصص بالوثائق العثمانية ، والذي يعمل بالأرشيف العثماني كذلك ، من ازدياد عدد الأكاديميين اليهود والباحثين والمختصين الذين ينقبون في وثائق الأرشيف العثماني المتعلق بالقدس وفلسطين ، وتضاءل عدد العرب والمسلمين المهتمين بهذا الشأن . 

وأوضح الباحث "أوزجير" أن الدولة العثمانية أولت اهتمامًا كبيرًا بالأوراق والوثائق والمكاتبات والسجلات حيث بدأ هذا الاهتمام في عصر السلطان مصطفى - القرن الثامن عشر- بإنشاء الخزينة الخاصة بالوثائق ثم أنشئ الأرشيف أو خزينة الأوراق في عهد السلطان عبد المجيد ، مما يبرز الأهمية التي أعطتها الدولة للأوراق الرسمية وقيود السجلات والمكاتبات " .

 وأضاف "أوزجير" : " أن الأرشيف يحوي 100 مليون وثيقة متعلقة بالعالم العربي ، ويتضمن خزينة كبيرة من الوثائق والأوراق المتعلقة بالقدس وفلسطين،  وأعتقد أنها أهم الوثائق التاريخية الخاصة بالقدس ". ثم أردف "أوزجير" : " إن أهمية هذه الوثائق أنها تبرز الحقوق التاريخية للمسلمين هناك وتؤكد عدالة حكمهم وقت الدولة العثمانية حيث لم يكن هناك مكانا للتفرقة بكل أنواعها  وكانت الإدارة تتعامل بعدل مع غير المسلمين من النصارى واليهود وإن عقد مقارنة واحدة بين ما  كان من شكل وقرارات الإدارة في تلك الأزمنة وبين ما يحدث اليوم  على أيدي اليهود للمسلمين أو غيرهم في القدس وفلسطين كفيلاً بإبراز الفرق" .

وأشار أوزجير " إلى أن هناك أعدادًا كبيرة تتعلق بوثائق القدس وفلسطين في العهد العثمانى الأخير خاصة أيام السلطان عبد الحميد الثاني - توفى 1918م - حيث كان وقتها السعي لإقامة الدولة العبرية على أشده وهذه الوثائق تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك في أن الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني لم يقدما أي شبر من فلسطين أو فرطا في القدس رغم الضغوط التى مورست على الدولة".

وكان خاتمة قوله : " غير أنه مع الأسف رغم كل هذه الثروة الوثائقية لا تجد الاهتمام اللازم من الباحثين في العالم الإسلامي ، والأجانب وخاصة الباحثين اليهود هم الأكثر إقبالاً عليها منا " ! .

ماذا تحوي السجلات والوثائق العثمانية ؟

أول من لفت النظر إلى الثروة الهائلة التي تضمنها الوثائق العثمانية الرسمية هي الجمعية التاريخية العثمانية التي أسست في فترة ثورة سنة 1908 . فقد أعلنت هذه الجمعية عند تأسيسها أن من بين أهدافها دراسة الوثائق الأرشيفية ونشرها . وقد نشر عبد الرحمن شريف أول رئيس للجمعية مقالة في مجلة الجمعية المسماة ( تاريخ عثماني أنجوميني مجموعة سي ) سنة 1911 حول الوثائق العثمانية أعلن فيها خطة أولية لنشر الوثائق وتصنيفها .

والوثائق والسجلات العثمانية المحفوظة في الأرشيف العثماني خاصة في مدينتي استنبول وأنقرة تضم نوعين أساسيين من مصادر المعلومات هما: السجلات الرسمية للدولة العثمانية والوثائق ؛ والسجلات كالمراسلات من السلاطين إلى الولاة والقضاة والحكام في أنحاء الدولة ، والمراسلات الموجهة إلى ممثلي الدولة في البلدان المختلفة ، وتضم كذلك معلومات مفصلة عن السكان والمدن والأمور المالية لها وأنواع الأراضي والأوقاف منها .

أما الوثائق: فتتضمن مراسيم وقوانين ورسائل ووقفيات تتعلق بفلسطين بشكل عام وبمدينة القدس تحديداً ، وللجامعة الأردنية جهد مشكور في  تصوير عدد من سجلات المحكمة الشرعية في القدس وهي محفوظة في مركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة، ونسخاً مصورةً لسجلات دائرة الأراضي في القدس يرجع إليها الباحثون في الدراسات المتعلقة بملكية الأراضي في المدينة المقدسة . وفي مجال تحقيق الوثائق ونشرها فإن أبرز الجهود ما قام به الدكتور كامل العسلي رحمه الله ، حيث حقق ونشر عدداً من وثائق المحكمة الشرعية في القدس بالاعتماد على سجلات المحكمة وأوراق ومخطوطات بعض العائلات المقدسية .

وعدد كبير من تلك السجلات والوثائق مازال محفوظاً في متاحف الدول التي حكمها العثمانيون مثل بلغاريا ورومانيا والمجر وباقي دول البلقان ومصر وسورية والدول العربية الأخرى ويحتفظ بعدد منها أيضاً في مكتبات الأمم المتحدة

الأرشيف العثماني وسلب فلسطين :

تكشف لنا آلاف الوثائق المحفوظة في الأرشيف العثماني باسطنبول الحيل التي اتبعها اليهود الأجانب بالتواطؤ مع يهود فلسطين ويهود سائر الولايات العثمانية لاغتصاب الأراضي الفلسطينية من أصحابها رغم منع الدولة بيع العقارات لليهود الأجانب ، ومنعها لهم من الاستقرار فيها بأي شكل من الأشكال .

ومن خلال هذه الوثائق يتبين لنا أن الأساس الذي قامت عليه دولة الاحتلال الصهيوني أساس غير قانوني أصلاً لأن الأراضي التي أقيم عليها ذلك الكيان قد اغتصبت من أصحابها الشرعيين بطرق غير قانونية ، والوثائق العثمانية الموجودة في الأرشيف العثماني تثبت ملكية الفلسطينيين لأراضيهم وديارهم التي أخرجوا منها.

 ومع أهمية هذه الوثائق يشتكي "كمال خوجة" الخبير المتخصص في أرشيف الدولة العثمانية – في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط - من قلّة اهتمام العالم العربي بترجمة الوثائق التي تخصه والموجودة في الأرشيف العثماني، موضحًا أن هناك نحو 100 مليون وثيقة تخص المنطقة العربية من بين 250 مليون وثيقة تكون الأرشيف العثماني، مشيرًا إلى أن أكثر الوثائق إثارة للاهتمام تلك المتعلقة بمنطقة الحجاز والبصرة ومصر وبلاد الشام .

وبسؤاله عن ماهية أكثر الوثائق في الأرشيف العثماني التي تفاجئ العرب بأشياء لا يعرفونها، أو الأكثر إثارة للاهتمام؟ أجاب "خوجة " : " أكثر الوثائق التي تقع في هذا الإطار، الوثائق المتعلقة بفلسطين، ووثائق أخرى أيضًا متعلقة بتاريخ الحجاز والبصرة والحركة القومية العربية. ففي بعض كتب التاريخ العربي التي تعتمد في مصادرها على الوثائق الغربية تكرار لفكرة أن العثمانيين فرطوا في أراضي فلسطين، وأن الشعب الفلسطيني نفسه باع أراضيه تحت الحكم العثماني. وهذا الادعاء تكذبه الوثائق التاريخية المتاحة لنا. وأعني بالوثائق المراسلات بين الولاة والسلطان العثماني. فكلها تظهر أن الدولة العثمانية لم تقم ببيع أراضي الفلسطينيين، بل كانت شديدة الحرص عليها، ومنعت منعًا باتًا بيع أي أراضٍ لليهود، بل وحتى منعت إسكان اليهود في فلسطين، فبعدما كان مسموحًا لليهود بالزيارة لمدة شهر أو شهرين منعت الدولة العثمانية ذلك " .

الدعم اليهودي للباحثين في الأرشيف العثماني :

  يقول المختصون في الأرشيف العثماني إن المؤسسات العلمية في الكيان العبري قد استقطبت وجندت عشرات الأكاديميين والباحثين والعلماء ، ومع الأسف فإن منهم أتراك وأوروبيون يتلقون الدعم المالي والمعنوي من الكيان الصهيوني ، لتصب أبحاثهم في مجرى الخدمات التي يقدمونها للادعاءات الصهيونية. ويعرف بعضهم في الأوساط العلمية بتجارة التاريخ علناً ، للبحث والتنقيب في هذا الأرشيف الضخم ووفِرت لهم كل الإمكانات ... وكان لبعضهم دور في إتلاف بعض تلك الوثائق عمداً ... وهذا ما أكده عدد من أشهر العلماء الأتراك بتورط الباحثين في إتلاف عدد من الوثائق المهمة لصالح الكيان الصهيوني !!.

  فمعظم الباحثين الذين استفادوا من الأرشيف هم من الباحثين الأجانب . وبعض هؤلاء تناولوا ما يتعلق ببلادهم دون البلاد العربية . ومن الباحثين الذين استعرضوا ما كتب عن البلدان العربية وقاموا ببعض الدراسات المتعلقة بها برنارد لويس الذي كتب بعض الأبحاث في هذا الشأن منها : ( الأرشيف العثماني كمصدر لتاريخ البلدان العربية ) و ( دراسات في الأرشيف العثماني ).

كما وضع أوريل هايد (  UrielHeyd  )  وهو باحث يهودي دراسة عن تاريخ فلسطين ضمنها نماذج من الفرمانات العثمانية المتعلقة بفلسطين وذلك في كتابة :

Ottoman Documents on Palestine ( 1552 – 1626 ) 

الذي صدر سنة 1960 . ونشر في كتابة 126 وثيقة تتعلق بفلسطين من الدفاتر المشار إليها ، بعد ترجمها إلى اللغة الإنجليزية . وهو يذكر في أعلى كل وثيقة رقم الدفتر ورقم الوثيقة في الدفتر ، وتاريخ الوثيقة . وتشمل الوثائق المنشورة موضوعات عديدة منها الإدارة والشؤون العسكرية والثورات والقلاع والحصون والضرائب والتجارة والصناعة والأوقاف ، والأشغال  العامة وأماكن العبادة الإسلامية واليهودية والمسيحية .

تزوير الوثائق:

ولا زالت المساعي الصهيونية لتغيير الحقائق الواردة في الأرشيف العثماني قائمة ، ويقول عنها الباحث "إلهان" : إن العديد من الوثائق نشرتها إسرائيل واستعانت بباحثين غربيين لتحريف الوثائق المحفوظة في أرشيف رومانيا والمجر والأمم المتحدة ومن أبرزهم الباحث اليهودي "يوريل هايد" الذي نشر معظم الوثائق في قسم الأوراق الرسمية للدولة العثمانية ويطلق عليها اسم "مهمة دفتري".

فيما تتحدث مصادر مقربة من مديرية الأرشيف التابعة لرئاسة الوزراء عن تورط بعض العاملين في المديرية ببيع وثائق مهمة لعملاء المخابرات الإسرائيليين في بلغاريا عام 1931، وتقول هذه المصادر: إن عبد الرحمن شرف قد حال دون الاستمرار في تلك الجرائم. كما تؤكد أن معظم القائمين على مخازن الأرشيف زاروا الكيان اليهودي أكثر من مرة، والغريب أنهم يعيشون بمستوى معيشي أعلى بكثير من المستوى الذي يمكن لمرتباتهم التي يتقاضونها أن تحققه لهم.

يقول الباحث "بولنت أري"  المتخصص في الأرشيف العثماني بوثائقه التي توصل إليها من دار أرشيف "الباش باقانلق" إن القيود الضريبية التي أعدها العثمانيون اعتباراً من القرن السادس عشر وجددها السلاطين مرة كل ثلاثين عاماً تعتبر خير مرجع لتوثيق أعداد اليهود. ومن التدقيق في الأرقام وبطريق المقايسة، كما يقول أري : أثبت أن سكان القدس كانوا من العرب المسلمين والنصارى، أما الأعداد الواردة لليهود فهي ضئيلة، بحيث لم تعيرها الوثائق الضريبية أي أهمية حتى في التصنيف المبدئي لإيرادات القدس .

وبحثه هذا يدحض ما يدعيه الصهاينة من أنهم كانوا أكثر عدداً في القدس في فترة الحكم العثماني لكنهم اضطروا لتغيير أسمائهم إلى أخرى إسلامية كي يتخلصوا من دفع الجزية للسلطان العثماني !! وهذا ما يظهرهم قلة في تلك الحقبة من الزمن.

ويؤكد " أري " في معرض رده على إدعاء الباحثين اليهود : أن الأرشيف رصد أسماء اليهود الذي غيروا أسماءهم ولا يتجاوز عددهم المئات وجميعهم اختاروا أسماء التعبيد، وورد اسم عبد الله وعبيد لأسماء العائلات اليهودية التي استولت على المراعي ومنعت البدو من العرب الفلسطينيين من رعي مواشيهم فيها.

نماذج من الوثائق العثمانية :

تحت عنوان "المحاولات الأولى للاستيطان اليهودي في فلسطين وموقف الدولة العثمانية من ذلك " كتب "إبراهيم المكي" الباحث في التاريخ العثماني عن وثيقة محفوظة في الأرشيف العثماني تحت رمزMKT/MHM/2/10 بتاريخ 06 ربيع الثاني 1262 الموافق لـ 04 مارس 1846 تكشف أن اليهود الأجانب قد تم منعهم قبل ذلك التاريخ من شراء الأراضي في فلسطين. والوثيقة عبارة عن قرار صادر عن السلطان عبد المجيد لمتصرف القدس يأمره فيه بضرورة استعادة قطعة أرض بالقدس كان قد اشتراها طبيب يهودي بريطاني يدعى الدكتور ماكوياني وذلك ببيعها إلى أي مواطن من مواطني الدولة العثمانية، ذلك لأن امتلاك اليهود الأجانب للأراضي في فلسطين أمر ممنوع وغير قانوني. وتشير الوثيقة كذلك إلى أن الأمر بالمنع قد صدر في وقت سابق لتاريخ الوثيقة المذكور.

وأضاف: تطلعنا وثائق أخرى على تمكن بعض اليهود الأجانب من شراء قطع أرض صغيرة في فلسطين، لكن تلك الأرض لا تسجّل باسم اليهودي ذاته بل باسم قنصلية بلده. وقد جاء في الوثيقة رقم 101/13/MV والتي هي عبارة عن ورقة ضبط خاصة بمذاكرات مجلس الوكلاء مؤرّخة بـ19 جمادى الآخرة 1318 الموافق لـ 14/10/1900 أنه تم السماح لليهودي الأمريكي (سومون بن ناحومان لوفنشتاين) بشراء حقل ودار بالقدس باسم السفارة الأمريكية بإسطنبول، غير أن ذلك السماح كان مشروطاً بأن يتعهّد الشخص المذكور بعدم توطين المهاجرين واللاجئين اليهود الأجانب في أرضه تلك.

ووثيقة أخرى وضع الباحث (إلهان) يده عليها، ويعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، إلى أن القصر العالي منع اثني عشر يهودياً من التعبد بكاء عند جدار في أحد زوايا مسجد عمر وتقول الوثيقة: "بأمر من السلطان المعظم يمنع على اليهود التعبد عند الجدار (يدعون أنه حائط المبكى)".

 وقد تبيّن بعد البحث بأمر السلطان عدم وجود دليل يؤكد الادعاء بأن الجدار المذكور هو من بقايا هيكل سليمان، وتوصل العثمانيون آنذاك إلى أن القدس كانت قد تعرضت للدمار الشامل، بل لحراثتها من قبل الغزاة في القرن الثالث للميلاد، لذا يأمر السلطان في هذه الوثيقة والي طرابلس لمنع اليهود من تلك العبادة " .

من يصنع التاريخ ؟

وعلى الرغم من أن الأرشيف يفتح أبوابه للباحثين والدارسين الذين يتوافدون من كل دول العالم ، إلا أن الجهود العربية والإسلامية التي بذلت للبحث في الأرشيف العثماني متواضعة جداً إذا ما قورنت بجهود الآخرين ... فالأرشيف يحوي خمسة ملايين وثيقة تتعلق بمدينة القدس على وجه الخصوص ، ولا تتعدى نسبة الوثائق التي  تم إدخالها إلى الشبكة العالمية الإنترنت الـ 5%  فقط .

القدس ودور الأرشيف :

الأرشيف العثماني ولا شك له دور في حماية القدس ، ولعل هذا يكون دافعاً للدول العربية والإسلامية والجهات الأكاديمية ومراكز الدراسات المتخصصة التوجيه للبحث في بحر الوثائق والمعلومات المتوافرة لديه ، للنهوض بعبء نشر ذلك التاريخ وتجليته ليكون ذلك وفاءً لتاريخنا ووفاء لأنفسنا وأبنائنا ؛ فلا بدَّ أن تتكاتف جهود مؤسساتنا العلمية والأكاديمية للعمل على مراجعة الأرشيف العثماني وقطع الطريق أمام الأكاديميين اليهود وأتباعهم ، الذين يجمعون ويسرقون و(يحققون) وينشرون تاريخًا جديداً مزورًا يدحض الحقائق وينشر الأكاذيب !! ونحن نقف مكتوفي الأيدي !!

وكيف يسوغ لنا ذلك إذا علمنا أن الوثائق العثمانية تحوي معلومات مهمة عن البلدان العربية ، وهي ثروة تستدعي جهدًا كبيرًا من العلماء والباحثين لاستخراج ما فيها كنوزها وهي معلومات سيضل استخراجها عسيرًا ما لم تصنف جميع الوثائق وترتب ، وهو عمل كبير نرجو أن ينجز في وقت قريب .

وتحتوي تلك الوثائق على معلومات مهمة تعطينا فكرة عن الثروة التاريخية الكبيرة المخبوءة التي يمكن أن يجنيها الباحثون في تاريخ البلدان العربية وبلاد الشام من دراسة مجموعة : ( مهمة دفتر لري) مما يمكنهم من تصحيح كثير من الأخطاء في كتابة التاريخ العربي الحديث ، واكتشاف حقائق جديدة في مختلف المجالات .

فهذا التاريخ ولا سيما ما يتعلق منه بفلسطين والقدس والمسجد الأقصى ، حري بنا أن نقف أمامه وقفة احترام وتقدير ، لأنه تاريخ صنعه أسلافنا وعلماؤنا ؛ وأن تتخذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على ما تبقى من تاريخنا المسلوب ومن ذلك على سبيل إجمالاً لا حصرًا : 

أن يقدّم الدعم الكامل لتلك الجهود العاملة على الوثائق والسجلات المتعلقة بالعالم العربي والإسلامي وبالأخص في القدس وفلسطين ، لأنها عنوان الصراع بين اليهود والمسلمين .

 العمل على توفير صور الوثائق والسجلات للدارسين والباحثين وطلبة الدراسات والمحققين للعمل عليها والاعتناء بها ، وفهرستها ونسخ صورها على أقراص (سي دي) ،  وعمل فهرسة دقيقة لها ، وكشف السرقات التي تمت على تلك الوثائق والسجلات .

 إعادة دراسة الوثائق والسجلات التي عمل عليها محققون ودارسون يهود ، ومستشرقون قريبون من وجهة نظرهم  لتنقيتها من الأكاذيب والدسائس المقصودة لسلب المسجد الأقصى وأرض المسرى.

  الاهتمام بالمكتبات الشخصية والتي تحوي العديد من تلك الوثائق والسجلات ، وكذلك التي مازالت محفوظة في متاحف الدول التي حكمها العثمانيون مثل: بلغاريا ورومانيا والمجر وباقي دول البلقان ومصر وسورية والقدس ، وألا نهمل مكتبات الأمم المتحدة والتي تحوي عددًا لا بأس به من تلك الوثائق .

 عقد برامج ودورات متخصصة لكيفية الاستفادة من الأرشيف العثماني وانتقاء طلبة علم من النبهاء وتدريبهم وتفريغهم للاهتمام بذلك التاريخ.

  عمل موقع على "الإنترنت" تنشر فيه الفهارس وصور الوثائق والسجلات وأماكن وجودها ، وكل ما يتعلق بها .

توفير التفرغ العلمي للأكاديميين والباحثين ... وترتيب زيارات ميدانية لمراكز الأرشيف العثماني في تركيا وغيرها من البلدان .

التعاون مع المؤسسات والمراكز العلمية و الجامعات المهتمة بهذا المجال ، والحث على المشاركة في تنفيذ المشروع والتكليف ببعض أعماله ...

حث طلبة الدراسات العليا في تخصيص دراساتهم ورسائلهم للبحث في ذلك التاريخ والتراث الضائع...!!!

العمل على تبنى الجامعات العربية والإسلامية مشروع تكليف طلبة الدراسات العالية في أقسام التاريخ والسياسة والشريعة بقيام كل منهم بدراسة في وثائق الأرشيف تمت بصلة إلى موضوع الرسالة التي يتقدّم بها الدارس .

وختامًا نقول :

الأرشيف العثماني إما لنا إن أًحسنا وسارعنا في الاستفادة منه قبل أن تعبث به أيادي سراق الأرض والتاريخ ، أو أن يصبح وثائق لإثبات حق من لا حق له ، بعد أن تعبث أياديهم الخبيثة بصفحات ذلك الأرشيف ، ويتلف منه ما أرادوا إخفاءه من الحقائق ...

أسأل الله تعالى أن يعيننا على حفظ تاريخنا وتراثنا وحقوقنا ،،،

العدد الخامس – مجلة بيت المقدس للدراسات

.