فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
كفاية الأحرار بنصرة أسطول الحرية المغوار
م. مبتسم الأحمد
تبقى فلسطين قضية الأمة النابضة، ومدادها المتواصل، وعطاؤها خبت جذوة الأمة وقوتها، وإن قامت ... قامت المستمر، إن خبت... معها الدنيا بأسرها، ذلك أن الله قضى أن تكون محور الصراع بين الحق والباطل على مر التاريخ، وأن تكون قضية الأمة المركزية في الصراع مع يهود ومن والاهم.
ويبقى علماؤها مشعل الهداية فيها، يسيرون بها من أجل عزتها ورفعتها، يحيون مواتها، ويبعثون نهضتها من جديد، هم منارتها يأخذون بيدها نحو بر الأمان وشاطئ العزة والكرامة بالحكمة والرأي السديد، بعيدا عن عواطف هوجاء، أو حس بليد...
كتب الله عليهم أن يقوموا بأمر الدين ويبلغوه، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، فهم شامة الدنيا وعبيرها الذين يشعلون النور ويضيئون الطريق للأمة لكي تسير في الطريق الصحيح، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (1).
وارتباط العلماء الربانيين بواقع أمتهم حتم لازم، إذ لا سبيل للأمة أن تنهض من كبوتها إلا بهم، فهم الدليل الهادي لها على مر العصور والأزمان، وقضية فلسطين قضية حية فاعلة في قلب الأمة لا تنتهي فصولها طالما كان لأعداء الله صولة وجولة فيها، ونوازلها أكبر من أن يستوعبها عامة الناس، ولا ينبري لها إلا من توقد قلبه ألما وحرقة لهذا الدين ورزقه الله الفهم والبصيرة والعلم الواسع، ومقاصد الشريعة ومدارك الأمور ومآلاتها، وليس لهذا المضمار إلا العلماء الربانيين.
ولما طال حصار غزة، واشتد وقع الظلم على أهلها، انبرى لنصرتها فتية من أعراق عدة، ومذاهب متنوعة، وأديان مختلفة، اجتمعوا من أماكن شتى، وأقطار متفاوتة، جمعهم الله تعالى الذي يؤلف بين القلوب ثم عدالة القضية التي ينصرونها "... وإن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر" (2) الحديث، وإن كان عامتهم من المسلمين ممن احترفت أفندتهم وتاهت نفوسهم ليعونوا من أنصار الله، بعد أن عجزت دول وتخاذلت أخر، طلبوا نصرتها وأخذوا بالأسباب، وقدموا ما استطاعوا، طلبا لرفع الظلم ونصرة المظلوم، وفضح الظالم، في مسيرة سلمية خاضت عباب البحر، وشقت هديره... وحق لهم أن يكون لهم قصب السبق، فقد وعدوا بالفضل والكرم والعطاء لمن كان مخلصا مسلما محتسبا. فقد روى أبو داود رحمه الله بإسناده عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" المائد في البحر، الذي يصيبه القيء، له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين" (3).
ولما كان قطع السبيل على أعداء الله من الواجبات المحتمات، ونصرة المستضعفين المظلومين من شعائر الدين، وكان الجهاد ماض إلى قيام الساعة، انبرى أهل العلم والفضل لتحرير هذه المسألة، وبيان الموقف منها، طريقتهم في هذا التأصيل، وتوجيه الأمة، وجمع كلمتها، وقيادتها نحو عزتها وكرامتها، وحتى لا يكون للمتربصين بهذه الأمة موضع يفتنون الناس فيه، أو يوهنون من عزيمتها ونهوضها، وحتى يقطعون الطريق على من أصابهم الوهن! أو ألجمهم العجز! أو سلموا للعدو في كل مضمار!
ولسنا هنا لسوق كل ما صدر عن علمائنا وأئمتنا ومشايخنا من مواقف وتصريحات وفتاوى، فذلك مما يطول وليس هذا مقامه، ولكن حسبنا أن نخط كلمات، ونسطر مدادا من أقوالهم تكون نبراسا لكل ناشد للحرية - في زمن فشت فيه العبودية للظلم والقهر والذل - لعلها تزيل الركام عن الأعين، وتسحب البساط من تحت من لا يرى سوى القذى في أعين إخوانه.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو دل ذليل عزا يعز الله به الاسلام وذلا يذل الله به الكفر " (4).
وأول هذا الأمر لشيخ الحرم المدني، فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي حفظه الله- من طيبة الطيبة فـ (المدينة كالكير، تنفي خبثها، وتصنع طيبها) (5) حيث قال: "لا يزال العدوان بكل أنواعه مسلطا على الشعب الفلسطيني الأعزل من هؤلاء المعتدين، وإذا لم يوقف المجتمع الدولي هذا العدوان والظلم والحصار فلن يبقى من هذا الشعب المظلوم إلا قليل، ألا ترون ما يحاك لهم من حرب إبادة في كل مكان.. وما تعرضت له السفن التي تحمل المساعدات الانسانية من اعتداء مقيت منعها من مساعدة غزة الجريحة وفك حصارها الظالم".. وأضاف: "هذا الاعتداء سيتكرر في المستقبل إن لم يضع المجتمع الدولي حدا لانتهاك حقوق الإنسان من قبل الصهاينة الظالمين...." وطالب: "بسرعة فك الحصار عن غزة الجريحة التي مازالت تتعرض لأبشع عدوان وحصار عرفه التاريخ أزهقت بسببه نفوس لا يعلم حصرها الا الله ما بين أطفال ونساء وشيوخ، وهدمت جراءه بيوت وأتلفت ممتلكات دونما ذنب مقترف ... " (6)
ومن الحرم المكي أرض الله الحرام - متعلق الأفئدة ومقصد القلوب - أكد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - في خطبة الجمعة:" إن على العرب والمسلمين أن يعوا أن الحصار المفروض على غزة ليس حصارا لأهل غزة فحسب وإنما هو حصار على كرامة الأمة وإرادتها وتحد لكل حرف العالم "، وأشار الشيخ صالح إلى أن: "فك الحصار عن أهل غزة فرض كفائي على الأمة، وأمانة في عنق كل حر شريف في هذا العالم، ويجب ألا تدخر الأمة وسعا في ذلك وأن تستنفد كل قواها السياسية والاقتصادية لرفع الظلم وفك الحصار وإنهاء الاحتلال، مشيرا إلى أن الرضا بهذه الحال مؤذن بعقوبة معجلة من الله وهو مؤشر على ضعف الإيمان ". وقال الشيخ:" لا يمكن لأحد أن يغفل عن مشهد الحصار في فلسطين والاحتلال المستمر والتحدي السافر لكل مبدا وقانون، إذ يأبى القتلة إلا أن يستمروا في القتل ويوما بعد يوم يؤكدون على أرض الواقع ما وصفهم به القرآن بأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا".. وأضاف: "لابد من وقفة نسجل فيها تقديرنا لكل أحرار العالم وشرفاء الشعوب من كل عرق ممن انعتق من أسر الإعلام الصهيوني والتضليل العالمي ليعلن رفضه للظلم وشجبه للاعتداء ومطالبته بفك الحصار عن أهلنا في غزة ولعلها بداية لصحوة الشعوب المغيبة عن الظلم الذي طال ليله واشتدت ظلمته " (7).
أما فضيلة الشيخ الدكتور سعد الشثري - حفظه الله - فقد وجه رسالته لأهل الإسلام عبر تواصله مع صحيفة (حرف) لبيان فعل الصهاينة الأخير لأسطول الحرية والجريمة النكراء التي ارتكبوها بحق إخواننا المستضعفين في غزة، فكتب يقول: "الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وبعد: فان حادثة ضرب سفينة إغاثة الملهوفين حلقة من حلقات الاعتداء الاسرائيلي على البشرية بدون مراعاة للأخلاق ولا للعهود ولا للمروءات التي أقرتها الأديان والمواثيق الدولية، ويجب على العالم كل بحسب قدرته الوقوف أمام استمرار هذا الظلم، فقتل من هب لإشباع الجائعين وكسوة العارين من أبشع الجرائم الإنسانية على مدى العصور، وإن سكوت العالم عن هذا الخزي وعدم مناصرتهم للحق وصمة عار على عصرنا الحاضر وصلى الله على محمد" (8).
وقال الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر المشرف على (موقع المسلم) - حفظه الله- "إن مبادئ الحرية والعدالة التي يفتخر الغرب بحملها تساقطت تحت ضربات أسطول الحرية
الذي قادته تركيا إلى قطاع غزة وتعرض لمجزرة صهيونية بشعة أسقطت قتلى وجرحى " وأضاف:" إن سقوط المبادئ لا يقدر بثمن، فعندما يسقط المبدأ تسقط الدولة، ولا تعود دولة سقطت مبادئها، الغرب الآن يتساقط وهذا تفاؤل عظيم"، ودعا فضيلته "إلى التفاؤل والعمل وعدم اليأس لنصرة هذا الدين فالإسلام صانع الحياة" (9).
أما الشيخ د. يوسف الأحمد فقد تحدث على قناة الأسرة الفضائية في البرنامج المباشر (يستفتونك) عن (أسطول الحرية) التي اغتالتها الأيدي الصهيونية، حيث وضح الشيخ:" أن الحل الأوحد لهذه الجرائم الصهيونية بداية من احتلال فلسطين وحصار غزة إلى (مجزرة الحرية) هو الجهاد في سبيل الله، وإعداد العدة مستشهدا بالآية الكريمة:
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} (10).
وفي ذات السياق تحدث الشيخ عن اليهود: "بأنهم ما تجرأوا بالقتل إلا بسبب أمن العقوبة والذل والهوان الذي أصاب المسلمين بسبب تركهم الجهاد في سبيل الله تعالى، مستدلا بالحديث الشريف: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم، حتى ترجعوا إلى دينكم" (11).
وجاء بيان أكثر من ٧٠ عالم وطالب علم من العالم العربي والإسلامي (12) ، على رأسهم فضيلة الشيخ العلامة: عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله، وفضيلة الشيخ ا. د. عبد الله بن حمود التويجري حفظه الله، حول مذبحة أسطول الحرية تتويجا لهذه المواقف وتأييدا لها، وقد "تضمن الدعوة إلى الجهاد واستهداف عمق الكيان اليهودي، وتحميل المتخاذلين تبعة التضييق على أهل غزة والمساهمة في حصارهم، إضافة إلى ذم لغة المفاوضات مع العدو اليهودي، مؤكدا ضرورة رجوع الأمة إلى التمسك بدينها وتطبيق الشريعة، كما دعا البيان إلى بذل الوسائل الأخرى السياسية والقضائية والحقوقية".
كما أجاب فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن عبد الخالق - حفظه الله - عن الموقف من قافلة الحرية التي انطلقت بحرا لكسر الحصار عن أهل غزة، فقال: "يجب أن يعلم الجميع أن الشعب الفلسطيني في غزة شعب محاصر، وهو واقع تحت الظلم، وفي سجن كبير يمنع عنه كل أسباب الحياة، ولا يعترف بهم أحد، ونصرتهم ورفع الحصار عنهم واجب على كل مسلم في العالم، وما قام به هؤلاء هو نوع من النصرة الواجبة، وهو أقل القليل الواجب لرفع الظلم والحصار، وهو نوع من الجهاد، ولعل الله يكتب لمن قتل منهم من المسلمين الشهادة" وأضاف: "ما قام به هؤلاء هو من الواجب المتحتم على كل مسلم في نصرة إخوانه المظلومين بكل أشكال النصرة، وهذا العمل وإن كان فيه نوع من الخطر والمغامرة، إلا أن أثره كبير، وسيكون فيه خير كبير في المستقبل بإذن الله، وكما حدث في غزة من اعتداء فانه عاد بالخير الكبير على الأمة وعلى أهل غزة "(13).
أما فضيلة الشيخ/ محمد صالح المنجد - حفظه الله - فقد قعد قواعد مهمة لهذا الحدث، ليكون علامات فارقة في طريق تحرير فلسطين ونصرة المستضعفين، فكتب يقول:
١ - اليهود هم اليهود: أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، امتلأت قلوبهم بالحسد والحقد، يرتكبون المجازر تلو المجازر، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} (14). وهذا الحدث من طبيعة النفس اليهودية الساعية للإفساد والقائمة بالإجرام، وقد فعلوا ما هو أكبر من ذلك، فهم قتلة الأنبياء، وسفكة الدماء، كذبوا على الله، وحرفوا كتبه، وأكلوا السحت، ونقضوا المواثيق والعهود.
٢ - ليست بأولى جرائمهم: وقد أخيرنا سبحانه وتعالى بجملة من كبائرهم فقال: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ} (15)، {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا•وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ} (16)، {وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا•أَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} (17).. هذه بعض جرائم اليهود في القرآن، واليوم تلطخت أيديهم بدماء القتلى من مسلمين وغيرهم ممن جاء لنجدة المظلومين المحصورين.
٣ - اليهود لا يراعون في أحد ذمة ولا عهدا: ولا يخافون الله في خلقه، كما أخبرنا تعالى بقوله: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} (١٨)، وقال: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} (19). وقد رأينا ذلك واضحا ف الوحشية اليهودية تجاه أناس عزل من بلدان مختلفة لا يملكون من أمرهم شيئا، وهكذا اليهود {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} (20).
٤ - اليهود جبناء: ويتجلى خوفهم في تسترهم عن أي معلومات تتعلق بالقتلى أو الجرحى الذين تم نقلهم للمستشفيات.
5 - اليهود قوم بهت: زعموا كذبا وزورا وجود أسلحة في السفن المحملة بالمساعدات الغذائية، وتحججوا بأن ركاب السفينة قاوموا بالسلاح، لتبرير جريمتهم.
6- {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} (21) وهذا واضح في استخدام الطائرات والسفن الحربية لمقاتلة أشخاص عزل.
٧ - الاستهداف الإسرائيلي رسالة موجهة إلى المسلمين جميعا: وفحوى الرسالة: حذار ثم حذار من محاولة التفكير في نصرة أهل غزة!!
٨- الأتراك المسلمون يعيدون إلى الأذهان الارتباط بين العثمانيين والأمة الاسلامية، ويوقظ في النفوس الحنين إلى الخلافة الإسلامية التي تحمي حمى المسلمين في كل أنحاء العالم.
٩ - كان واضحا في هذه العملية القصد اليهودي في الانتقام من اليقظة الاسلامية التركية، فقد ساءهم ما يقوم به الأتراك من دور فعال في الدفاع عن حقوق المستضعفين من المسلمين.
١٠ - المسلمون كالجسد الواحد: فالخليط الإسلامي في السفن البحرية (متطوعون من تركيا، الكويت، الجزائر، لبنان، الأردن...) يعكس تضامن المسلمين مع إخوانهم المستضعفين مع تباعد الديار.
١١ - بدا واضحا للعيان الفرق بين الجهود الفعلية التي يقوم بها أهل السنة من قارات العالم، وبين أصحاب الادعاءات الفارغة من أهل البدع الذين يقومون بالتمثيل والعويل وإلقاء الخطب الرنانة في التباكي على القدس، والمتاجرة بقضية فلسطين.
١٢ – {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} (22): فالذين قتلوا في نصرة إخوانهم المسلمين شهداء خاطروا بأنفسهم لإمداد إخوانهم.
١٣- "دعوها فإنها منتنة" (23): لا بد من الحذر من الأصابع الخفية من الذين يكتبون في الشبكة العالمية للتحريش بين الشعوب العربية والإسلامية في هذه الأزمة {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (24)، ويجب الكف عن الملاسنات وتبادل الاتهامات انطلاقا من العصبية البغيضة.
١٤ - الشجب والغضب مفيد، لكنه لا يكفي: فلا بد أن تكون ردة الفعل على قدر الحدث، فهناك دماء سفكت في البحر، ولا بد أن يأخذ الجاني جزاءه.
١٥ – {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (25): فمع فداحة الحدث إلا أننا ندعو للتفاؤل، وتلمس جوانب الخير في هذه المصيبة، ومن مظاهر الخير: تعاطف المسلمين من جاكرتا إلى طنجة مع إخوانهم في فلسطين، بالإضافة إلى تزايد الكره العالمي لليهود.. فدول تسحب سفراءها، وأخرى تلغي زيارات رسمية مقررة، وثالثة تستدعي سفراء اليهود احتجاجا، ومؤتمرات هنا واجتماعات هناك، واحتجاجات واستنكارات.
١٦ - عدم اليأس من الدعاء: وقول البعض نحن ندعو من عشرات السنين، فماذا استفدنا.. يدل على انعدام الإيمان في القلب، وعدم معرفة قيمة الدعاء، فلقد أصيبت دولة اليهود بنكبات كثيرة، ومصائب بعض قادتهم فيها عبرة وعظة وما خبر شارون المجرم عنا ببعيد، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (26).
17 – {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (27): تقول إحدى النساء: لقد صرخت تلك المرأة وامعتصماه، ونحن المسلمات اليوم لا نعرف لمن نصرخ. ونقول: إننا نستنجد بالله عز وجل وحده، ونناشده الفرج.
١٨ - تذكير بحصار شعب أبي طالب: نتذكر في هذه الحادثة أن من نقض حصار شعب أبي طالب كانوا كفارا، شعروا بالظلم الواقع على المسلمين، فتنادوا فيما بينهم لتمزيق وثيقة الحصار، فيوجد من عقلاء الكفار من يقيضهم الله للوقوف مع المسلمين والاحتجاج على اليهود، وتحدث لتحركاتهم فوائد ومنافع.
١٩ - قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت: فالناشط الإنجليزي "بيتر فينر" البالغ من العمر ثلاثة وستين عاما يعلن إسلامه من على ظهر سفينة مرمرة إحدى سفن أسطول الحرية، ثبته الله وجعله ممن أسلم على ما سلف من خير.
٢٠ - الوقف الإسلامي عبادة جليلة: ومن مظاهره وصوره الجديدة أن السفينة "بدر "المشاركة في الحملة تم شراؤها بصدقات المسلمين لتكون وقفا على مهمات الاغاثة في الكوارث والنكبات (28).
وأما أرض الكنانة فلم يقصر مشايخها ودعاتها من بيان الموقف الشرعي المؤيد والمناصر لأسطول الحرية، والداعي لنصرة إخواننا المظلومين في غزة وذلك عبر مشاركتهم الواضحة في البيانات التي صدرت ومن خلال الفضائيات المتنوعة.
وقد سجل فضيلة الشيخ/ د. عبدالله شاكر (نائب رئيس جماعة أنصار السنة - مصر) موقفه، فقال: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، لما أصاب إخواننا في قافلة الحرية والنصرة، ممن قامت بقلوبهم غيرة الإيمان والنخوة والكرامة والمروءة، فهبوا لنصرة إخوانهم المحاصرين ظلما وعدوانا، فأهل غزة يعيشون في حصار جائر وظالم منذ ما يقرب من أربعة أعوام، وعندما حاول هؤلاء الأحرار الأبطال الأبرياء القيام بالتضامن وتقديم الإعانات الانسانية، أبى هذا العدو الصهيوني الغاشم إلا أن يقابل هؤلاء العزل بالبارجات والزوارق الحربية وإطلاق الرصاص والضرب، بل والقتل العمد، وداست بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية، بل كل معاني الكرامة الانسانية وحقوق الإنسان التي طاما تشدق بها هؤلاء، وصدق ربنا تبارك وتعالى حين قال {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ...}(29) ، وللأسف تحدث هذه المجزرة البشعة المؤلمة في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان. .
ولذا فإني أدعو إخواني المسلمين جميعا في كل مكان، حكاما ومحكومين، أفرادا ومنظمات، أن ينصروا إخواننا في فلسطين الحبيبة، وأن يقدموا لهم يد العون والمساعدة بكل ما
تحمله الكلمة من معنى، فهذا حقهم علينا فإننا أمة الجسد الواحد كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (30)، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان ف حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
أيها المسلمون في كل مكان: إن أرض فلسطين لها في نفوس المسلمين مكانة عظيمة ومنزلة عالية رفيعة، فهي أرض بيت المقدس التي نص القرآن على مباركتها في أكثر من موضع، كما قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ} (31)؛ وهي أرض المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين، وثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، ومسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنني أتوجه إلى الأمة جميعا ليقوم الجميع بدوره في حماية ونصرة إخواننا في فلسطين والله أسأل أن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يعز دينه ويعلي كلمته، وأن ينصر أولياءه ويخذل أعداءه ويجعل كيدهم في نحورهم، ويكفى المسلمين شرهم، وأن يرفع المعاناة والحصار والذل عن إخواننا المحاصرين في فلسطين، إنه ولي ذلك والقادر عليه (32).
ومن المعلوم أن جماعة أنصار السنة المحمدية بادرت بإرسال أول قافلة إغاثة لقطاع غزة بعد إعلان فتح المعبر في حادثة أسطول الحرية، كما أن دورها الإغاثي لم ينقطع طوال الفترة الماضية.
وكان كذلك لمشايخ اليمن ودعاتها (33) الدور الفاعل والبارز خلال هذا الحدث -والإيمان يمان والحكمة يمانية - توجيها وتأصيلا، فهذا شيخها وشامتها فضيلة الشيخ/ أحمد المعلم - حفظه الله - يقول: "سياسة الحكومة الإسرائيلية المعاصرة هي امتداد لجميع الحكومات الإسرائيلية التي حكمت هذا الكيان المشبوه الكيان القبيح الخبيث، ولا لوم عندما يأتي تصرف من طبيعة الخصم، فهو يفعل ما تمليه عليه طبيعته وما تمليه عليه مبادئه أيا كانت هذه المبادئ، فاللوم علينا نحن أننا ما زلنا نطمع أن أمثال هؤلاء يمكن أن يحصل السلام وانتزاع الحق منهم بالطرق السلمية وطرق الود والمفاوضات، فهذه الحادثة دليل قاطع على أن هؤلاء لا يعرفون معنى للسلام ولا يعرفون معنى للحقوق وهم ضد الانسانية وضد الأنظمة والقوانين الشرعية السماوية أو الأرضية.
فلا جدوى من أن نلهث وراءه أو نضيع أوقاتنا ونطفئ لهب وجذوة العزة والكرامة، وأن هذا مضيعة للوقت وخسارة علينا في وقتنا وفي قيمنا وفي جميع جوانب حياتنا، وعلينا أن نعرف العدو الآخر الذي تتستر وراءه إسرائيل..".
أما فضيلة الشيخ محمد المهدي حفظه الله فقال:" الحقيقة الحصار لغزة من قبل دولة اليهود قائمة على الحقد على كل ما له صله بالإسلام، ونعلم أن هذه ليست دولة علمانية بالمفهوم الذي يفهمه بعض العرب، وإنما هي بالحقيقة دولة دينية ومن هنا فان عداءها عداء ديني للمسلمين، وهذا الحصار المضروب على غزة هو جزء من التدين التي تتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى وتواجه كل من أراد أن يفك الحصار رغم أن هؤلاء الذين جاءوا من بلدان متعددة ومن الأفاق ما أتوا بقوة ولا بأسلحة وما جاءوا ليحاربوا اليهود وإنما جاءوا ليطعموا المساكين وليؤمنوا الخائفين ويعالجوا المرضى وبطريقة صحيح ليس فيها مواجهة بالقوة لكن هذا هو منهج اليهود واستخدام القوة.
لذلك أعتقد أن على الأمة المسلمة أن تتحمل مسؤوليتها وأن تعلم أن هؤلاء القوم لا يرحمون ضعيفا ولا يخافون إلا من القوي...".
• أما فضيلة الشيخ عبد المجيد الريمي - حفظه الله - فدعا الشعوب المسلمة: "ان ترجع إلى الله وأن تتوب إلى الله وأن تقاوم المنكرات، وأن ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأن تناصر المجاهدين في سبيل الله؛ المجاهدين في فلسطين وغيرها، فالعزة كل العزة في الجهاد في سبيل الله ومقاومة أعداء الإسلام ومجاهدتهم".
• أما فضيلة الشيخ عبدالله الحاشدي حفظه الله فقد اعتبر ما حدث لأسطول الحرية أنه "جريمة بجميع المقاييس السماوية والأرضية، ولا يمكن أن يقره إنسان ينبض قلبه بالانسانية". وأضاف: "نحيي الأخوة الأتراك الذين قاموا بتنظيم هذا الأسطول لاغاثة إخوانهم وقد قدموا شهداء في هذا السبيل- نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم شهداء - نحن نحييهم ونشكر الحكومة التركية على مواقفها العظيمة في نصرة قضية المسلمين الأولى القضية الفلسطينية".
• أما فضيلة الشيخ مراد القدسي - حفظه الله- فأشار إلى: "انه يبقى أن على المسلمين أجمعين أن يرصوا الصفوف وأن يواجهوا هذا العدو الغاشم وأن يسعوا بكل الطرق الممكنة والمتيسرة لفتح المعابر لوصول الإعانات لإخواننا في فلسطين وفي غزة المحاصرة، وعليهم جميعا أن تتجه أنظارهم إلى بلاد مصر الكبيرة العزيزة أن تفتح الحدود لإيصال جميع المساعدات العاجلة لإخواننا المحاصرين حتى لا يؤدي هذا إلى خنق وقتل الملايين من إخواننا".
• وجاءت تصريحات فضيلة الشيخ عقيل المقطري (34) - حفظه الله - متناغمة مع إخوانه، فقال: "ولم يعد هذا الأمر سرا، فها هي ذي طلائع تلك الحرب الظالمة قد بدت للعيان، وهاهم إخواننا من أهل غزة يشهدون الغارات تلو الغارات، ويمارس بحقهم أقسى أنواع العزل والحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ويستمر مسلسل التجويع وقطع المعونات ومنع التعاملات المالية مع وجود تآمر عليهم من الداخل الفلسطيني وتحريض للعدو الصهيوني والدول الغربية لتضييق الخناق على أهالي غزة".. وأضاف: "وعسى أن يكون هذا الحدث فيه إيقاظ للضمير العالمي أولا بأن يقرر قراره العادل ويقف في وجه الظلم والغطرسة الصهيونية ويسير القوافل المتتالية والتي تتبناه الدول بدلا من المنظمات والأفراد. وإيقاظ للأمة الاسلامية ثانيا فترجع إلى دينها وشريعة ربها وتقلع عن المعاصي التي هي سبب لمثل هذه النكبات فالأمة كالجسد الواحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} ويقول سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} (35)؛ فالسبب عندنا وليس من عند الأعداء فالله تعالى إنما سلط علينا العدو بسبب معاصينا ومخالفتنا لأوامر ربنا جل وعلا"، وختم قوله بتوجيهات عدة، فقال: وأخيرا أبعث بعض الرسائل العاجلة:
• الرسالة الأولى: إلى سكان القطاع أن أصبروا فإن الفرج قريب بإذن الله تعالى وها هي بوادره تأتي من كل حدب وصوب وما تصابون به إنما هو ابتلاء واختبار وتمحيص يجري وفق قضاء الله وقدره (فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) والله جل وعلى يأجركم على ذلك فاصمدوا على أرضكم الطاهرة وانصروا دين الله وأقيموا شريعته وسينصركم الله عاجلا أو آجلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (36)
• الرسالة الثانية: إلى سكان الضفة الغربية أن واجبكم نصرة إخوانكم ولا يجوز لكم أن تقفوا موقف المتفرج على إخوانكم وما آمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع.
• الرسالة الثالثة: إلى حكام المسلمين أن اتقوا الله في إخوانكم في فلسطين فالقضية هناك قضيتنا جميعا وليست قضية الفلسطينيين ونصرهم يكون بأمور:
١. بتحكيم شريعة الله عز وجل في جميع مناحي الحياة فمن مهماتكم وأولوياتكم إقامة الدين وسياسة الدنيا بموجبه.
٢. بمواقفكم الموحدة والمشرفة أمام مجلس الأمن وهيئة الأمم.
٣. بمواقفكم الحازمة مع الكيان الصهيوني من خلال عدم الاعتراف به ووقف التطبيع معه لمن طبع العلاقات وسحب السفراء.
٤. بالمقاطعة التامة ومنها المقاطعة التجارية.
5. بمساعدة أبناء فلسطين وتسيير القوافل لفك الحصار عنهم ومساعدتهم بشتى الوسائل فلا يجوز لكم أن تروا إخوانكم يموتون موتا بطيئا وأنتم تنعمون في هذه الحياة فما آمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع.
• الرسالة الرابعة: إلى منظمة المؤتمر الإسلامي أن تقوم بدورها في نصرة أبناء غزة عبر الوسائل المتاحة وأن تخرج عن الرتابة في اتخاذ المواقف فالمسلمون ينتظرون التوجيهات من مثلكم.
• الرسالة الخامسة: إلى العلماء والدعاة إلى الله: أن يقوموا بدورهم في نصرة إخوانهم ويكون ذلك من خلال:
١. العودة إلى منهاج سلف الأمة والعمل الدؤوب على توحيد كلمة الأمة على هذا المنهاج السديد والابتعاد عن التهارش الذي أضعف الأمة.
٢. من خلال تبصير الأمة بما تحتاج إليه من العقائد والعبادات والتحذير من الشركيات والبدع التي أوهنت الأمة وكانت سببا في تسليط الأعداء.
٣. من خلال حث عامة المسلمين على التفاعل مع قضايا الأمة ونصرتها بالوسائل المتاحة.
• الرسالة السادسة: إلى الكتاب والصحفيين وأصحاب المواقع الإلكترونية بأن يقوموا بدورهم في الكتابة والتوعية ومخاطبة جميع شرائح المجتمعات العربية وغير العربية والتواصل مع المواقع الأجنبية بالمقالات الهادئة والهادفة التي تشكل الرأي العام وتوعي المخاطبين بقضايا المسلمين في فلسطين خاصة وفي بقية البلدان عامة.
• الرسالة السابعة: إلى عامة المسلمين بأن يعودوا إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار والابتعاد عن المخالفات الشرعية والتزام منهج أهل السنة والجماعة فإن الذنوب والمعاصي من أسباب النكبات وتسليط الأعداء ولنا عبرة بما حدث في غزوة أحد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحول النصر إلى هزيمة بسبب مخالفة واحدة من بعض الأفراد.
أما مواقف الدعاة وطلبة العلم في غزة هاشم... غزة العزة، فقد جاءت متوافقة لمواقف العلماء والدعاة في المشرق والمغرب - وأهل مكة أدرى بشعابها - وهذا مما يدلل على عدالة هذه القضية وأنها محل اتفاق في الداخل والخارج.
• فضيلة الشيخ تميم شبير (37) (مدير معهد دار الحديث في محافظة خانيونس) حفظه الله، أعرب عن حزنه العميق لما حدث في عرض البحر من قرصنة صهيونية بشعة، وقال: "نتقدم بخالص العزاء للشعب التركي على الشهداء بإذن الله الذين سقطوا في سبيل الله وهم في طريقهم لنجدة إخوانهم ف قطاع غزة"، وأضاف: إن هؤلاء الأحرار جاؤوا من أجل فك الحصار المحرم شرعا والمستنكر عرفا، فهذا الحصار الجائر استهدف أطفالنا ونساءنا وشيوخنا".
وتساءل مستهجنا: "كم من طفل في غزة مات بسبب فقدان الحليب، وكم من مريض مات بسبب عدم وجود الدواء، وكم من معاق يعاني الأمرين بسبب عدم وجود دواء"، وشدد قائلا: "إن هذه الجرائم تحدث أمام مسمع ومرأى العالم، حيث بدا واضحا مدى الاستعلاء والصلف الصهيوني، فالكيان الصهيوني اعتاد المجازر واعتاد على الصمت العربي والدولي على جرائمه النكراء، معتبرا أن ما جرى يدعو الأمة للهبة من أجل فك الحصار عن غزة"، وقال كذلك: "بأن هذه الغطرسة لا يوقفها إلا القوة، ولا يفل الحديد إلا الحديد".
ودعا إلى:" إزالة الاحتلال ورفع الحصار عن قطاع غزة، وأن يكف العالم عن لغة الشجب والاستنكار التي باتت لا تجدي - نهائيا - نفعا مع المحتل الغاصب، وناشد الأمة حكاما ومحكومين للتصدي لهذا العدو الغاشم الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة".
• وفي السياق ذاته اعتبر فضيلة الشيخ محمود المشهدي (38) (عضو اللجنة العلمية لجمعية دار الكتاب والسنة): "ان ما حدث في عرض البحر المتوسط قرصنة لم تسبق من قبل ضد أناس مسالمين ورسل سلام لأهل غزة ".
وأوضح: "أن هؤلاء المتضامنين إنما أتوا عندما سمعوا عن حصار غزة الظالم المجرم فجلبوا معهم الأدوات الطبية والأدوية والمساعدات من أجل إخوانهم في قطاع غزة".
وأكد:" على أن هؤلاء الصهاينة اليهود هم ليسو فقط أعداء للمسلمين بل هم أعداء للأمة بأسرها"، وأعرب: "عن أمله في أن تكون هذه القافلة بداية انفراج لرفع الحصار الظالم عن قطاع غزة استنادا إلى قوله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (٣٩) وحول الحصار المفروض على غزة استشهد بحصار النبي صلى الله عليه وسلم في شعب أبي"
طالب: "ما اجتمعوا على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعت قريش؛ فأجمعوا أمرهم على ألا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم. حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل؛ وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق (ألا يقبلوا من بني هاشم صلحا
أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل) فأمرهم أبو طالب أن يدخلوا شعبه فلبثوا فيه ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق؛ فلا يتركون طعاما يدخل مكة، ولا بيعا إلا بادروا فاشتروه، ثم بعد ذلك يسر الله لهم أناسا رفت قلوبهم لما يحدث للنبي صلى الله عليه وسلم من حصار ففكوا عنه الحصار وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا على دينه".
وختم قائلا: "نحن نأمل من الله عز وجل أن يكون هذا الحادث الذي دوى صداه في أرجاء العالم والمعمورة، بداية لرفع الحصار الظالم عن غزة وهبة للأمة للتحرك من أجل رفع الحصار عن غزة".
فيما أصدرت جمعية دار الكتاب والسنة (40) إحدى أكبر الجمعيات السلفية في قطاع غزة بيانا أكدت فيه جمعية دار الكتاب والسنة على مدى خطورة هذا الأمر الذي يمثل الصلف اليهودي والعنجهية العبرية التي لا ترعى حقا لصداقة ولا ربطا بعلاقة، وثمن البيان دور هؤلاء المساندين من شتى أنحاء المعمورة لقضية شعبنا العادلة وتقديرا لثمن دمائهم التي امتزجت بماء البحر وهم على متن هذه السفن لإنقاذ غزة من حصارها. فلعل هذه الحادثة أن يكون الفرج بعدها قريبا {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا • إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (41).
• ويأتي كلام أهل العلم متناغما مع الفتوى التي صدرت عن هيئة كبار العلماء بالسعودية (٤٢) برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله، حول الاعتداءات والتهويد الذي يمارس ضد المسجد الأقصى والقدس، وقد جاء فيها: "لذلك وما لبيت المقدس والقدس من فضل، ولما له من مكانة في الشريعة الاسلامية ومكانة في نفوس المسلمين واستشعارا للمسؤولية.. فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية تابعت ولا تزال تتابع بكل ألم ما جرى ويجري من التعديات والممارسات الظالمة التي تزداد يوما بعد يوم وإخراج أهل الدور من دورهم وتشريد الآلاف من ممتلكاتهم والاستيلاء على بيوتهم ومزارعهم ومساكنهم ليقيم عليها اليهود مغتصباتهم التي يسمونها مستوطنات، وما يقومون به
من اعتداء على المصلين والمتعبدين، وإقامة الجدار العازل، وتشديد الحصار الاقتصادي، وسحب الهويات، والاعتقالات، وتدني مستوى الخدمات، وإغلاق المؤسسات الخيرية، ومضايقة السكان بشتى ألوان المضايقات، ولا شك أن هذا إجرام وظلم وبغي في حق القدس
والمسجد الأقصى وأهل فلسطين، وهذه الأحداث الأليمة توجب على ولاة أمر المسلمين الوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين والتعاون معهم، ونصرتهم، ومساعدتهم، والاجتهاد في منع اليهود من الاستمرار في عدوانهم واعتداءاتهم على المسجد الأقصى، وإنهاء الاحتلال الظالم
كل في ميدانه وموقعه قياما بالمسؤولية، وبراءة للذمة".
• ونختم بالبيان الذي أصدره مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية (43) بشأن الاعتداء على أسطول الحرية لنجدة أهل غزة، والذي كان له الدور الفاعل في تقديم الرؤية الشرعية لكل نوازل فلسطين التي تعتريها، فجاء نص البيان ليقول: قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} (44). على مسمع ومشهد العالم كله، انطلقت آلة القتل اليهودية لتحصد أرواحا بريئة، أرادت هذه الأرواح أن تسير في قافلة المعاني الإنسانية، لتقدم شيئا من هذه المعاني لأهلنا في غزة، المحاصرين داخل سياج القمع والابتذال اليهودي، انفجرت في فجر يوم الإثنين الموافق ١٧ / جمادى الآخرة /١٤٣١هـ الموافق ٣١ / ٥ /٢٠١٠ م رصاصة يهود، لتعلن أمام العالم كله أنه لا متاجرة مربحة، ولا أمل يفلح، ولا احتمال يبقى لتاريخ علاقة حميدة مع بني صهيون.
إن عمل يهود في هذه المجزرة ليبرهن لهؤلاء الذين أوجدوا لأنفسهم القناعة بإمكانية وجود سلام، أو صداقة مع يهود، أن هذه القناعة زائفة وغير مبررة، وأن المتاجرة بعلاقات الأمان والسلام، والإنسانية والإخاء، لا يمكن أن توجد مع من كان من طبعه الغدر والخيانة، وحب القتل ووأد القيم الإنسانية، التي عليها تعيش البشرية في سلام مع اختلاف المذاهب والأديان.
إن العالم كله ليعلم أن أسطول الحرية المقصوف كان قد حشد طاقاته البشرية من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق، وحدتهم القيم الانسانية، وقادتهم عاطفة كراهية الظلم والاستبداد، والطغيان، أظهروا للعالم إنسانيتهم من خلال اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم،
ومن خلال ما جمعوه من مساعدات إنسانية قليلة، شعارهم واحد هو لا للظلم، نعم للحياة الكريمة، هذا الشعار الذي فقده إخواننا في غزة منذ سنوات، ورأى العالم كله كيف قوبل هذا السلوك الإنساني بآلة السحق الصهيونية.
إننا في بياننا هذا لا نقصد بيان عوار عقيدة يهود، ولا إظهار نقائص صفاتهم، ولا سوء أخلاقهم، بقدر ما قصدنا إظهار إفلاس من تودد وتقرب، وتزاحم على أبواب يهود طلبا للصداقة، أو سكت عن إنكار فسادهم، إنما أردنا بيان أن صفحة يهود التاريخية لن تتغير، هذه الصفحة التي أملاها علينا ديننا الإسلامي، وتاريخ تعاملهم مع أنبيائهم ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
إن يهود باعتدائهم الساخر على قافلة الحرية يعطينا دروسا مهمة، ينبغي علينا أن لا نتجاوزها إبان دراستها، أو التفكير في مجرياتها، هذه الدروس هي:
١- أن يهود قتلوا برصاصتهم (اعتدائهم) وسائل الخلاص والنجدة البشرية، فلا وسيلة أخلاقية، أو إنسانية في نظر يهود معتبرة أو محترمة.
٢- أن اعتداءهم كان فجرا، والفجر بداية زمن اليوم، فكأنهم بفعلهم هذا أثبتوا لنا: أن كل زمن التاريخ إذا كان فيه ما يجدي وينفع البشرية فلابد من وأده، وهذا ما فعلوه.
٣- إصرارهم على حصار المعتقلين في سجن غزة الكبير، وإصرارهم على أن يقدم أهل غزة على الموت الرحيم، وهو الموت البطيء في ظل الحصار الغاشم الظالم.
هذه الدروس لوحدها تبين لنا طبيعة هذا السجان!!
هذا وإن مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية في بيانه هذا ليقدم للعالم من خلال بيانه بعض التوصيات، والتي يرجو أن تكون هذه التوصيات بمثابة وعود جازمة، يأخذها من المسلمين على اختلاف أوضاعهم.
• التوصية الأولى: للدول الإسلامية والعالمية:
أما الدول الإسلامية فرجاؤنا يكمن في أن تعيد هذه الدول نظرتها في موقفها من هذا الورم الخبيث الذي يعيش في وسطها، ويبث فساده في أوصالها، عليهم الحراك الفعلي على سبيل الدولة، أو على سبيل العالم وفق المنظمات العالمية، على تلك الدول أن تعيد حساباتها، وأن
تضع أثناء صياغة تلك الحسابات عنصر تاريخ يهود.
أما الدول العالمية فعليها أن تعي مصالحها من خلال إنسانيتها، كيف لا، ومن شعوبهم من قتل واعتدي عليه في هذا الأسطول؟؟
• التوصية الثانية: للمجتمعات الإسلامية:
فعلى المجتمعات الإسلامية يقع العبء الكبير، فهم أصحاب البطولة والعطاء، والتغيير والتبديل، على المجتمعات الإسلامية أن تنظر إلى يهود نظرة عقاب وحساب، فتقوم بكل ما من شأنه آن يضر يهود ومن سار في فلكهم، بالإنكار، والمقاطعة بكل أنواعها.
• التوصية الثالثة: للعلماء المسلمين:
في أن يهبوا لنجدة الأمة المسلمة المستكينة، فهم قبلة أنظار الناس، وهم كهرباء حياتها، فبانتفاضتهم ينتفضوا، وبأوامرهم المستمدة من الإسلام يأتمروا، عليهم النصح والنطق بالحق، والتفكير بما يخدم أمتهم المسلمة.
• التوصية الرابعة: للفرد المسلم:
أما توصيتنا الأخيرة فهي للفرد المسلم أينما كان، في أن تكون له آثار في هذه الحياة، وأن تكون له بصمات فعالة، تعمل على غرس حقيقة يهود في الأجيال، والأنباء، والمنتديات، والمقالات والأبحاث، وكل ما من شأنه أن يخط منهج التعامل الحق مع تلك الشرذمة الباقية لأسلاف خلت، وأقيم عليها حكم الله من بني يهود.
على كل فرد مسلم أن يقيم في قلبه صورة يهود كما أوضحها لنا ديننا، وكما أظهره لنا التاريخ، وكما نراه اليوم عيانا، على أن هذا لوحده لا يكون خلاصا، إلا بعد أن ينقل تلك الصورة من قلبه إلى وجوده ومحيطه.
وختاما فان المركز ليسأل الله تعالى أن يثيب من اعتدي عليه من أهلنا في أسطول الحرية، وأن يكتب الشهادة لمن مات منهم، وأن يعجل الله فرجه على من أسر، أما إخواننا في غزة، فدعاؤنا ودعمنا لهم مستمر استمرار الزمن. هذا ونختم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (45) والله نسأل أن يفرج الهم ويزيل الحزن، إنه على كل شيء قدير.
واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،
الهوامش:
1- سورة فاطر: ٢٨.
2- البخاري:3062.
3- وحسنه الألباني / ٢٤٩٣، والمائد: الذي يدور رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالأمواج.
٤- رواه أحمد: ٤/ ٢٠٣، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (انظر السلسلة الصحيحة:1/32).
٥ - رواه البخاري:٧٢٠٩
6- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
7- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
8- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
9- انظر المقابلة مع فضيلته: http://www.almoslim.net/node/129221
10- سورة الأنفال: 6٠
11- رواه أبو داود ٣٤٦٢
12- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
13- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
14- سورة المائدة: ٨٢.
15- سورة النساء: ١٥٥
16- سورة النساء: ١٥٦- ١٥٧
17- سورة النساء: ١6٠ - ١6١.
18- سورة التوبة: ١٠.
19- سورة التوبة :٨.
20- سورة المائدة:٣٣.
21- سورة الحشر: ١٤.
22- سورة آل عمران :١٤٠.
23- السلسلة الصحيحة /٣١٥٥.
٢٤- سورة التوبة :٤٧.
٢٥ - سورة النور: ١١.
٢٦ - سورة إبراهيم: ٤٢.
٢٧- سورة الزمر: 3٦.
٢٨- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
29- سورة المائدة:٨٢.
30- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
لترى تواقيعهم على البيان وكذلك انظر: http://www.alsalafway.com/cms/index.php
31- سورة الإسراء:1.
32- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
٣٣ انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
34 -انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
٣٥- سورة آل عمران :١٦٥
٣٦- سورة محمد:٧
37- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
38- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
39- سورة البقرة: 216
40- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
٤١- سورة الشرح ٥-٦
42- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
43- انظر الرابط: http://www.aqsaonline.org
44- سورة المائدة:٨٢.
45- سورة محمد:٧.
مجلة بيت المقدس للدراسات- العدد العاشر
.