فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

واقع فلسطين بين الحرب والإحتلال

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ غياب الإدراك الكامل , والوعي الحقيقي , للواقع الاحتلالي في فلسطين ’ يشكل خطورة على عقل المسلم عموما , والعربي خصوصا . وهذه الخطورة تتمثل في استبدال صورة الواقع الأليم , لشعب مقهور أسير , يعيش تحت وطأة العدوان الإحتلالي اليهودي . فأكثر العرب لا يفرقون بين حرب واحتلال , فهم يتصورون أن الحاصل في فلسطين حرب وليس احتلالا ,    وهذه الصورة المشوهة عن الواقع الاحتلالي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ,التي تصور الشعب الفلسطيني , شعبا محاربا لقوة الاحتلال الصهيوني , وأن قضيته تتلخص في واقع حربي ٍ تخبو وتثور أحداثه من وقت لآخر . مع أن الواقع الحقيقي أن الاحتلال يشنّ حرباً من جانب واحد على  فلسطين , شعباً وأرضاً , بل حتى على العالم العربي والإسلامي عموماً , وهنا تتغير كل صور الواقع الحقيقي ,  من شعب مُحتل أسير فاقد للحيلة إلّا من وسائل ضئيلة للصمود , إلى شعب ندٍ تام لقوة الاحتلال.

وهذه الصورة – أقصد صورة الحرب , من القصف والقتل وما أشبه ذلك من واقع الحرب , إن أخذت بأذهان المتابعين لقضية فلسطين , فستغطى كلّ صور الخطورة والعدوان الاحتلالي ولا سيما في القدس الشريف ,  وستمحو مشاهد الدم من عقل المتابع العربي أو المسلم أي اهتمام بجوانب الواقع الأخرى , لذا تجد دولة الاحتلال لا تألوا جهداً في تصوير قضية الاحتلال لفلسطين على أنها قضية أمن وقتال واعتداءات وأسلحة , وتسلط الضوء دائماً على الأمن والقوة وتحاول بلورة الأمر حولها , ومع أهمية هذا ووجوده وعزة الدم المسلم الذي ينهار بشدة عند اشتداد مشاهد العدوان , إلا أنّه لا يجب أبداً اختزال حقيقة الاحتلال في القتال وحده, لأن القتل وأجواء الحرب هي جزء من الاحتلال الذي يحصل هنا وهناك في أجزاء فلسطين المحتلة بين مستمرٍ في مناطق ومتقطع في مناطق أخرى , وليس كل الاحتلال , وهذا الاختزال لحقيقة الاحتلال  , كان كفيلا بتغطية كل النشاطات والمخططات الاحتلالية الأخرى .

 ومن هنا تكمن أهمية إعادة تشكيل خطابنا الناطق وصياغته عن واقع الاحتلال في فلسطين , وإعادة بلورة الخطاب المعبّر عن واقع فلسطين الحالي , وإظهار حقيقة الواقع بجوانبه المتكاملة على  أنّه واقع احتلالي كامل , يقوم على تغييب كامل للشعب  الفلسطيني بدينه وحضارته , وإلغاء وجوده وإحلال المحتل مكانه , وتقبله كدولة ذات أرض وسيادة عليها ,  بكل وسائل الإبادة والقتل والاعتداء والتغييب والتزييف والخداع الإعلامي الممكنة .

وّمما يؤسف له أن ترى المغتصب اليهودي  الجديد , القادم إلى فلسطين والذي لم تطأ قدمه أرضها يوما , قد غُذّي بكل صغيرة وكبيرة حول فلسطين وواقعها  وتفاصيل تاريخها , وذلك وفق الرؤية الصهيونية , وفي الوقت نفسه لا يكاد العربي خارج فلسطين يفرّق  بين القدس المدينة ومسجدها الأقصى كمسجد , فيظنهما واحداً  - كأبسط مثال- , أو أنّ القدس هي عاصمة فلسطين, أو أن قبة الصخرة المشرفة , هي المسجد الأقصى , أو غير ذلك من المعلومات الأولية , والخاطئة أحيانا حول فلسطين , بل ربما لا يعرف  أيضا أنّ احتلال اليهود للقدس احتلال كامل ,  وأنّ الأقصى بكل شؤونه بات  تحت سيطرتهم الآن ... وغيرها من الشؤون الخطيرة , فأي دور حقيقي سيقدمه  من يجهل الواقع  الحقيقي لقضية المسلمين الأولى , في وقت بات المحتل اليهودي , يستغل غياب صورة الواقع الحقيقي , لمفهوم الاحتلال اليهودي , ويغيب تحته كل معلومة عن التهويد للقدس مثلاً أو الترحيل أو غيرها من صور الاحتلال .

وكل ذلك جرّاء التصوير الخاطيء المفتعل من أعداء الأمة , والحاصل دون انتباه من خطبائها ومحدثيها ,  والبارزين فيها لواقع الاحتلال في فلسطين .

فما لا يحتمل التراخي إذاً , عكس الواقع بحقيقته وتصويره بمجمل تفاصيله حتى يفهم هذا العربي و المسلم ما هو واقع المكان الذي  يجب تحريره ... وما هي طبيعة العدوان عليه, وما هو الدور المناط به , فكيف لطبيب لم يشخص مرضا أن يداويه ؟؟؟!!!

.