القدس والأقصى / فضائل

فضل الصلاة في المسجد الأقصى

م.مبتسم الأحمد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله – وحده لا شريك له – وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:

مساهمة مني في نشر الثقافة المقدسية ابتداءاً، والعلم الشرعي المستفاد من كلام خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم على طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم، ثم فقهاً للواقع الذي نعيش، فإني أحببت أن أتعرض لحديث هام من الأحاديث المقدسية الصحيحة، بحسب ما يتسع به المقام، أسبر أغواره وأستخرج فوائده العلمية المتعلقة ببيت المقدس والأقصى وفلسطين على وجه الخصوص، ثم أعرج على ذكر غيرها من الفوائد والأحكام، ولا أغفل كذلك بربط هذا الشرح مع الواقع وما يحدث على الأرض إن اقتضى الأمر ذلك.

الأحاديث:

- روى الإمام الطبراني رحمه الله في معجمه الأوسط (7/103 برقم 6983):

حدثنا إبراهيم عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل سيّة قوسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً.

- وفي الأوسط أيضاً (8/148 برقم 8230 ):

حدثنا موسى بن هارون أنبأنا أحمد بن حفص حدثني أبي أنبأنا إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن يكون للرجل مثل سيّة قوسه من الأرض حيث يرى بيت المقدس خيراً له من الدنيا وما فيها.

- وعند الحاكم رحمه الله في المستدرك على الصحيحين (كتاب الفتن والملاحم برقم 8553):

أخبرني محمد بن عبد الله بن أحمد الشعيري حدثنا أحمد بن معاذ السلمي حدثنا حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً أو قال خير من الدنيا وما فيها.

وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

والحديث أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (1 / 248) والبيهقي في الشعب (3 / 486 / 4145).

راوي الحديث: ومدار الأحاديث على الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.

وهو جندب بن جنادة الغفاري وقد اختلف في اسمه وهذا أشهرها.

أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: كان خامس خمسة في الإسلام.

ثم إنه ردّ إلى بلاد قومه، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه، ولازمه، وجاهد معه.

وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان.

روى عنه: حذيفة بن أسيد الغفاري، وابن عباس، وأنس بن مالك، وابن عمر، وجبير بن نفير، وأبو مسلم الخولاني، وزيد بن وهب، وأبو الأسود الدئلي، و عبدالرحمن بن غنم، وخلق كثير.

كان آدم ضخماً جسيماً، كث اللحية. وكان رأسا في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حدة فيه.

وهو راوي الحديث القدسي المشهور في الظلم، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا. يا عبادي، إنكم الذين تخطؤون بالليل والنهار، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم..... " الحديث.

قال الواقدي: كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر. وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر.

وأخرج مسلم في صحيحه عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أخبرنا الحارث بن يزيد الحضرمي: أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمرة، فقال: "إنك ضعيف، وإنها خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها".

سئل علي رضي الله عنه عن أبي ذر ; فقال: وعى علماً عجز عنه، وكان شحيحاً (أي متمسكاً به) على دينه، حريصاً على العلم، يكثر السؤال، وعجز عن كشف ما عنده من العلم.

وكان قد استأذن عثمان رضي الله عنه بالخروج إلى الربذة فلما حضرته الوفاة، أوصى امرأته وغلامه، فقال: إذا مت فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلا به ذلك.

فاطلع ركب، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ السرير.

فإذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في رهط من أهل الكوفة، فقال: ما هذا ؟ قيل: جنازة أبي ذر.

فاستهل ابن مسعود يبكي، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله أبا ذر ! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده ". فنزل فوليه بنفسه، حتى أجنّه (أي واراه).

وقيل: إن أبا ذر خلف بنتاً له، فضمها عثمان إلى عياله.

قال الفلاّس، والهيثم بن عدي، وغيرهما: مات سنة اثنتين وثلاثين. ويقال: مات في ذي الحجة. ويقال: إن ابن مسعود الذي دفنه، عاش بعده نحواً من عشرة أيام. رضي الله عنهما. (انظر سير أعلام النبلاء للذهبي).

غريب الحديث:

سيّة: قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر مادة (سيه): سية القوس ما عُطف من طرفيها، وله سيتان، والجمع سيات.

شطن: قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر مادة شطن: الشطن الحبل وقيل: وهو الطويل منه. وقال في لسان العرب باب شطن 13/237: الشَّطَنُ: الحَبْل، وقيل: الحبل الطويل الشديدُ الفَتْل، يُسْتَقى به وتُشَدُّ به الخَيْل، والجمع أَشْطان، قال عنترة: يَدْعُونَ عَنْتَر والرِّماحُ كأَنها أَشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأَدْهَمِ.

ليوشكن: أي ليقربن، أي لابد من ذلك سريعاً.

الشرح الإجمالي:

قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ولنعم المصلى هو" في الحديث فيه دلالات كثيرة، منها:

1-      هذا الحديث من أعلام النبوة لأن فيه البشارة بفتح بيت المقدس قبل أن يفتح.

2-      اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بالسؤال عن المسجد الأقصى وأجر الصلاة فيه.

3-      الحديث فيه دلالة بالغة على مكانة المسجد الأقصى في نفوس المسلمين، بل مكانته العظيمة في الشرع.

4-      فيه ثناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسجد الأقصى المبارك.

5-      فيه أجر الصلاة في المسجد الأقصى تعدل 250 صلاة فيما سواه.

6-      فيه دلالة واضحة على أن قضية المسجد الأقصى ستبقى حية في نفوس أبناء هذا الدين لا يزعزعها إنكار الأعداء وافتراءات المعتدين.

7-      وفيه إشارة إلى عظم المسؤولية الموكولة على أهل القدس.

8-      وفيه لفتة مهمة إلى أنه قد يأتي زمان لا يستطيع أحد من المسلمين الإقامة حول المسجد الأقصى.

9-      أن نسخ القبلة الأولى – المسجد الأقصى – لم يلغ منزلتها الشرعية في الإسلام، ولم يُجعل كغيره من المساجد، بل بقيت منزلته محفوظة.

10- أن قضية المسجد الأقصى وبيت المقدس لا تنفصل أبداً عن قضية الإسلام الكبرى.

وها نحن نعيش في زمن نلمس فيه صدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما سيكون عليه وضع المسجد الأقصى في ظل الاحتلال اليهودي الحاقد، من خلال ممارساته اليومية بكل الطرق لتفريغ بيت المقدس من المسلمين وتهجيرهم والتضييق عليهم، ومن أبرز هذه الممارسات:

-        الأطواق المتمثلة بالمغتصبات حول الأقصى والقدس بأكملها بأطواق خانقة.

-        غلاء الأراضي وارتفاع أسعارها حول الأقصى تحديداً وفي بقية القدس وخصوصاً البلدة القديمة.

-        الحصار الاقتصادي على المسلمين في القدس، وقطع الصلات الاجتماعية معهم.

-    الطوق الأمني حول القدس وبداخلها الذي يضيق على المسلمين فيها من كل الجوانب (دينياً واقتصادياً واجتماعياً) ويقطع أواصر الاتصال فيها، وفي المقابل يعطي صلاحيات كبيرة للمغتصبين اليهود للإقامة فيها.

-        الطرد المبرمج لأهالي القدس عبر سن سلسلة من القوانين الجائرة.

-    الأخطار المتواصلة لكل من يسكن ويقيم في القدس من المسلمين، وذلك بالاعتداء عليهم والتضييق عليهم والأذى الجسماني الذي قد يصل للقتل.

-    التهويد المستمر لشوارعها وأحيائها، بل وصل الأمر حتى إلى مقابرها!! كما يحدث لمقبرة "مأمن الله" في القدس والتي تحوي على قبور كثير من الصحابة والصالحين وغيرهم، إضافة لغيرها من المقابر حول أسوار المسجد الأقصى.

-        الجدار الفاصل والغير مسبوق! والذي عزل القدس بالكامل عن محيطها الفلسطيني، مما يرسخ العزل الديموغرافي لها.

-    الاعتداء المستمر على المسجد الأقصى، وخصوصاً ما يحدث الآن من مشروع هدم باب المغاربة بالكامل، وتهويد منطقة سلوان المحاذية للمسجد الأقصى من ناحيته الجنوبية بسلسلة من المشاريع التي تسهل اقتحام المسجد في أي وقت يريده اليهود، وإيجاد موطئ قدم لهم فيه! وغيرها الكثير.

يقول الدكتور محمد طاهر مالك في تحقيقه "مشيخة ابن طهمان": ومن المؤسف أن وقائع الأحداث تشير إلى أننا في طريق تحقيق هذا الحديث الذي هو من دلائل النبوة، وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى وبيت المقدس ستستمر وتتصاعد وتشتد لدرجة أن يتمنى المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على بيت المقدس أو يراه منه، ويكون ذلك عنده أحب من الدنيا جميعاً، ولا شك أن يكون بعد ذلك الفرج والنصر إن شاء الله ، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. (انظر لزاماً كتاب المسجد الأقصى الحقيقة والتاريخ ، لمؤلفه الأستاذ: عيسى القدومي حفظه الله).

فوائد الحديث:

أقوال أهل العلم في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، والراجح فيها:

1-   أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أجر الصلاة في مسجده يعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" متفق عليه، فدل هذا على أن أجر الصلاة في المسجد الأقصى على ما عندنا من حديث الباب تعدل مائتين وخمسين صلاة.

2-   قال الطحاوي رحمه الله في بيان مشكل الآثار 2/76 : " ثم طلبنا الوقوف على فضل الصلاة في المسجد الأقصى على ما سوى هذه المساجد الثلاثة، فوجدنا ظاهر ما رويناه في فضل الصلاة في مسجد النبي عليه السلام يدل على أنه لا فضل للصلاة فيه على غيره من المساجد سوى الثلاثة المساجد المذكورة في هذه الآثار، ثم نظرنا فيما سواها من الآثار هل نجد فيه من ذلك شيئاً فوجدنا الليث بن عبدة بن محمد المروزي أبا الحارث قد حدثنا قال: حدثنا محمد بن أسد الخشني وحدثنا محمد بن سنان، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: الصلاة في مسجدك أفضل أم الصلاة في بيت المقدس؟ فقال: الصلاة في مسجدي مثل أربع صلوات في مسجد بيت المقدس ولنعم المصلى هو، أرض المحشر وأرض المنشر".

ثم أورد رحمه الله مجموعة من الروايات في فضل المسجد الأقصى إلى خمسمائة ضعف ثم إلى ألف ضعف ثم قال: "على أن بعض ما في هذه الآثار التي ذكرناها في الفصل الأخير من هذا الباب قد نسخ بعضها بعضا ثم طلبنا تصحيحها وما الناسخ فيها من المنسوخ وكان مذهبنا في النسخ في مثل هذا أنه من الله تعالى رحمة لعباده وزيادة منه إياهم في فضله عندهم وفي رحمته لهم، فوجب بذلك أن يكون أول الأحكام كانت في ذلك على ما في الآثار المروية في فضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على ما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام وأنه كالصلاة في مسجد من المساجد سوى الثلاثة المساجد المذكورة في الآثار الأول من هذا الباب، ثم زاد الله تعالى من أتاه فصلى فيه ما رواه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه (أي بمائتين وخمسين صلاة)، ثم زاده الله تعالى في ذلك أن جعله كخمس مائة صلاة فيما سوى هذه الثلاثة المساجد، ثم زاده الله فيه فجعل صلاته فيه كألف صلاة فيما سواه من المساجد غير هذه الثلاثة المساجد وجعلها كالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم بمراده في ذلك".

وهذا يدل دلالة واضحة على أن اختيار الطحاوي رحمه الله في فضل الصلاة في المسجد الأقصى تدرج في الفضل شيئاً فشيئاً حتى استقر الفضل بمساواته بأجر الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

3-   أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد مال إلى أن أجر الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، فقال في مجموع الفتاوى (27/8): وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَلِيهِ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ }. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى أَحْمَد وَالنَّسَائِي وَغَيْرُهُمَا، وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ } وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَقَدْ رُوِيَ "أَنَّهَا بِخَمْسِينَ صَلَاةٍ" وَقِيلَ "بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ" وَهُوَ أَشْبَهُ . وعلى هذا القول جمهور أهل العلم، حيث حسّن حديث "الخمسمائة صلاة" جمع من أهل العلم، وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله التحسين في فتح الباري (3/ 1133) وأقره: "وروى البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه، الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة، قال البزار: إسناده حسن".

4-   قال الشيخ الألباني رحمه الله في تمام المنة/294 : "وفي أفضل المساجد ذكر رواية البيهقي عن جابر مرفوعاً: "صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة وصلاة في مسجدي ألف صلاة وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة " حسنه السيوطي.

 قلت: فيه مؤاخذات: الأولى: اعتماده على تحسين السيوطي للحديث وهو إنما حسنه بالرمز له، كما صرح بذلك المناوي في "الفيض" ورموزه مما لا يعتمد عليها كما نبهنا على ذلك مراراً لأسباب ذكرتها في المقدمة فراجعها إن شئت، وإن مما يؤكد ذلك أن هذا الحديث بالذات قد ضعفه السيوطي نفسه صراحة في "الجامع الكبير" وكشف فيه عن علته فقال - جزاه الله خيراً - : " وفيه إبراهيم بن أبي حية واه " يعني أنه شديد الضعف، كما بينته في " الإرواء " ( 4 / 343 ) نقلاً عن أئمة الجرح والتعديل. والثانية : أنه سكت عنه فأوهم ثبوته وهو ضعيف جداً كما ذكرت عن السيوطي آنفاً. والثالثة: أن في معناه حديثاً آخر من رواية أبي الدرداء إسناده أحسن حالاً من هذا حتى إن الهيثمي قال فيه : "حديث حسن" فكان الأجدر بالمؤلف أن ينقل هذا دون ذاك وإن كان تحسينه لم يسلم به المنذري في "ترغيبه" والحافظ الناجي في تعقيبه عليه ( ق 135 / 1 ) وذلك لأن فيه ضعيفاً وآخر يهم كما بينته في "الإرواء" (1130) فيبقى الحديث ضعيفاً لا يتقوى برواية البيهقي لشدة ضعفها كما علمت، وأما قول المناوى في "التيسير" عقب رواية البيهقي عن جابر: "وكذا الطبراني عنه بإسناد حسن" فهو من أوهامه بسبب عجلته في تلخيص كلام الهيثمي فإن هذا إنما عزاه للطبراني من حديث أبي الدرداء وقال فيه: " حديث حسن " وقد ردوه عليه كما تقدم واغتر به الشيخ الغماري فأورده في " كنزه " ( 329 / 2061 ).

ويزداد ضعفا أنه مخالف لظاهر قوله صلى الله عليه و سلم جواباً لمن سأله عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو مسجده " صلى الله عليه و سلم " ؟ : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا وهو مخرج في "التعليق الرغيب" ( 2 / 138 ).

 وأما حديث : إن الصلاة في بيت المقدس بألف صلاة فهو حديث منكر كما قال الذهبي وهو مخرج في " تحذير الساجد " (ص 198) و "ضعيف أبي داود" (68).

وقال رحمه الله في السلسلة الصحيحة (6/946): بقي الكلام على فضل الصلاة في مسجد ( إيلياء ): المسجد الأقصى ، أعاده الله إلى المسلمين مع سائر بلاد فلسطين ، فإنه لم يرد له ذكر إلا في الطريق الأولى ، وأصح ما جاء في فضل الصلاة فيه حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا و نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، و لنعم المصلى .." الحديث . أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 248) و الحاكم (4 / 509) و البيهقي في " الشعب " (3 / 486 / 4145) والطبراني في "الأوسط" ( 2 / 220 / 1 / 8395 - بترقيمي ) و قال: "لم يروه عن قتادة إلا الحجاج  وسعيد بن بشير ، تفرد به عن الحجاج إبراهيم بن طهمان ، وتفرد به عن سعيد محمد بن سليمان بن أبي داود". والله أعلم.

فضل صلاة النافلة في المسجد الأقصى:

5-   قال الطحاوي رحمه الله في بيان مشكل الآثار 2/79: " أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة الجماعة ولم يرفعه مالك وكان في حديث زيد هذا تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات النوافل في البيوت عليها في المساجد وكان الخطاب بذلك منه عليه السلام الذي خاطبهم به على أن صلواتهم في منازلهم أفضل من صلواتهم في مسجده غير الصلوات المكتوبات فعقلنا بذلك أنها كذلك في المسجد الحرام وفي المسجد الأقصى".

ويؤيد هذا ما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن صهيب بن النعمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة" حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم/ 4217.

والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.

.