فتاوى فلسطينية / التوحيد والفرق

سؤال حول بيتين من الشعر / محمد بن صالح العثيمين

السؤال: فَضيلَةُ الشيخِ: في الأسبوعِ قَبْلَ الماضي، كانَ لَكُمْ فَتوى عَنْ هذينِ البيتينِ، وَقَدْ قُمْتُ باستئذانِ صاحِبِ السؤالِ، وكانَ لَكُمْ تَوقُّفٌ فيهِما:

أَما لَنا بَعْدَ هذا الذُلِّ مُعتَصِمٌ * يُجيبُ صَرخَةَ مَظلومٍ ويَنتصرُ

أَما لَنا بعدَ صلاحِ الدينِ يَعْصِمُنا * وقَدْ تَكالَبَتْ عَلى استعبادِنا الغَجَرُ؟([1])

 

الإجابَةُ: إيِّ نَعَمْ، هذانِ البيتانِ:

أَما لَنا بَعْدَ هذا الذُلِّ مُعتَصِمٌ * يُجيبُ صَرخَةَ مَظلومٍ ويَنتصرُ

 إِذا كانَ يُريدُ بالمُعتَصِمِ شَخْصَ المُعتصِمِ فهذا شِرْكٌ أكبرُ، لأنَّهُ دعا ميّتًا ودُعاءُ الأمواتِ شِرْكٌ، قالَ اللهُ تَباركَ وتعالَى: (  وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )[الأحقاف : 5-6]، فَجَعَلَ اللهُ دُعاءَهُم عِبادَةً  وقَالَ تَعالَى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )[المؤمنون: 117]، فَجَعَلَ اللهُ ذَلِكَ كُفرًا.

أمَّا إِذا كانَ لا يُريدُ المُعتصِمَ نَفسَهُ، إنَّما أرادَ أنْ يُهَيِّىءَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لَنا قائِدًا عَظيمًا بَطلاً كالمُعتصِمِ، فإنَّ هذا لا بأسَ بِهِ، ولكِنْ يُنهى عَنْ إطلاقِ هذا اللفظِ عَلى هذا الوجْهِ، لأنَّهُ يوهِمُ أنَّهُ يَدعو المُعتَصِمَ نَفْسَهُ، وما أوهَمَ الباطِلَ فإنَّهُ يَنبَغِي التحرُّزَ مِنْهُ.

أمَّا الثَّانِي ويقولُ:

أَما لَنا بعدَ صلاحِ الدينِ يَعْصِمُنا * وقَدْ تَكالَبَتْ عَلى استعبادِنا الغَجَرُ

هَذا أيضًا يُقالُ فيهِ كَالأوَّلِ، إِذا كَانَ يُريدُ صَلاحَ الدينِ نَفْسَهُ، فهذا أيضًا كُفْرٌ لأَنَّ صَلاحَ الدينِ لا يَعْصِمُ، صلاحُ الدينِ مَيّتٌ لا يَعْصِمُ أَحَدًا، وإنْ أرادَ بِذَلِكَ  _ ولا أظُنُّ أنَّهُ يُريد ذَلِكَ _ أنْ يُؤتَى لَنا بِرَجُلٍ كَصلاحِ الدينِ، لأنَّهُ قالَ أما لَنا بَعْدَ صلاحِ الدينِ يَعْصِمُنا، والبيتُ فيهِ شيءٌ مِنَ الرَكاكَةِ.

وعَلى كُلِّ حالٍ هذا البيتُ بالنسبَةِ للبيتِ الذي قبلَهُ أهونُ لأنَّهُ كأنَّهُ يقولُ: ليسَ لَنا أَحَدٌ بَعْدَ صلاحِ الدينِ يَعْصِمُنا، فنقولُ لَهُ: هذا الإطلاقُ فيهِ نَظَرٌ، لأَنَّ الذي يَعْصِمُكَ مِنَ الشَرِّ قَبْلَ صلاحِ الدينِ وبَعْدَ صلاحِ الدينِ هُوَ اللهُ تَعالَى.

ثُمَّ إنَّ صلاحَ الدينِ ليسَ أعظَمَ قائِدٍ في الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ، بَلْ أعظمُ قائِدٍ في الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ مَنْ تَلاهُ مِنَ الخُلفاءِ الراشدينَ ، والقُوادِ المُسلِمينَ كخالِدٍ بنِ الوليدِ وغيرِهِ.

 

المصدر: موسوعة الفتاوى الفلسطينية ص38-39.



([1]) المرجع: لقاء الباب المفتوح السادس عشر، ص ( 14 _ 16 )، إصدار دار الوطن، إعداد الدكتور/      عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار.

.