دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

كيف نخطط لعلاقة الغرب مع الكيان اليهودي؟

كيف نخطط لعلاقة الغرب مع الكيان اليهودي؟

جهاد العايش

1-4-2013

يجب فضح المؤامرات والخطط التي يمارسها اليهود ضد الغرب من خلال: طباعة الكتب التي تفضح ذلك بلغات أوروبية حية وإنشاء مواقع النت الخاصة والموجهة للغرب وبلغتهم

 لقد نضجت العقول واتسعت المدارك واستيقظت النفوس، وتفلتت وسائل السيطرة من وسائل إعلام عالمية ومنظمات دولية وغير ذلك من أيد الصهيونية وأذنابها من صليبيية وماسونية

لن أتطرق إلى الدور المطلوب من الدول في هذا المقام؛ لأن فيه استنزافا للوقت والجهد، وسأقتصر في حديثي على الدور المنشود والمطلوب من المؤسسات والمراكز والجمعيات والمنظمات الإسلامية والأهلية العاملة في العالم التي يمكن أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تبني هذه المقترحات، وهي وفق الآتي:

1-إنشاء مراكز دراسات إسلامية عربية موجهة للغرب تقدم تصورات ورؤى حول كيفية التعامل الغربي مع الحالة الصهيونية بوجهة نظر إسلامية إنسانية منصفة؛ لتكون منافسة للتصورات التي تملى على الغرب من الحركات الصهيونية أو الجماعات الصليبية المتطرفة التي وجدت لتكون خادمة للمشروع الصهيوني في فلسطين، ولإسماع الغرب وجهة النظر الأخرى والمخالفة للتوجهات الصهيونية، ولتدعيم موقف الرافضين للصهيونية والمنصفين منهم تجاه القضايا العربية والإسلامية.

 ويمكن أن نقدم تصوراتنا من خلال دراسات وخطط ونظريات مقدمة إلى البعثات الدبلوماسية ووزارات الخارجية وشخصيات إعلامية وسياسية مشهورة في تأييدها للمواقف العربية والإسلامية، فضلا عن المراكز والجمعيات والتجمعات الإسلامية في الغرب لتكون بمثابة خطة توجيهية لمسيرة المشروع الإسلامي في الغرب وطرق الذب عنه وحمايته من المتربصين به من حكومات وجماعات صهيوصليبية أرَّقها هذا التنامي والانتشار والتفوق الكمي والنوعي الأخلاقي بين أفراد المسلين هناك، من خلال البرامج الآتية:

2-عقد ندوات وورش عمل يدعى إليها المؤيدون من الغرب والداعمون للحقوق الإسلامية والعربية هناك، تدعم وتغذي مواقفهم من الناحية الفكرية والعلمية تجاه المطالب والحقوق والقوانين الداعمة للتوجهات والمطالب الإسلامية ومحاسنها وما يعود بالنفع على الغرب منها، ومدافعة المشاريع الصهيونية وكشف عوارها ومدى ضررها على الدول والشعوب الغربية.

3-تأسيس دورية باللغة الإنجليزية ولغات أخرى هامة تستهدف الدول الغربية لتوضيح ما سبق، توزع على صناع القرار والإعلاميين ونشطاء السلام وغيرهم ممن يمكن أن يكون لهم تأثير في مجتمعاتهم الغربية.

4-تأسيس رابطة تجمع نشطاء السلام والشخصيات الأوروبية المؤيدة والداعمة للقضايا العربية والإسلامية، للتواصل معهم للتأثير والتوجيه لاستثمار طاقاتهم وقوة نفوذهم وتأثيرهم على مجتمعاتهم.

5-تأسيس لوبي إسلامي إصلاحي عالمي يهدف إلى مواجهة اللوبي اليهودي وفضح ممارساته وكشفها أمام المجتمعات الغربية، والاستفادة من الجمعيات والجماعات الإسلامية والمساجد المنتشرة على رقعة جغرافية واسعة في الدول الغربية وغيرها من دول العالم والتنسيق فيما بينها ورسم الخطوات والمهام التي ينبغي أن تمارسها في الدفاع عن حقوق الأقليات الإسلامية وكيفية تمكينها وحمايتها من مشاريع الانصهار والتذويب التي يمارسها الغرب للتجمعات الإسلامية عنده؛ حتى لا تبقى فريسة سهلة بيد أعدائها.

6-الغرب يعبد المادة ويقدس اليورو والدولار، وما زالت الأمة العربية تمتلك مصادر القوة المادية على مستوى العالم وتحديدا في دول الخليج العربي التي تمتلك فوائض مالية هائلة، وهي سبب رئيس لسيلان لعاب الغرب عليها والمكر بها، ومن الضرورة بمكان أن يوجه هذا الثراء والوفرة المالية في أحسن مسار لخدمة قضايا الأمة وذلك من خلال:

-الضغط على أمريكا والدول الغربية لتعديل بعض القرارات الخاصة بالشأن الإسلامي عموماً والشأن الفلسطيني خصوصاً، ومن ذلك:

-استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية المدروسة والمجمع عليها وبقرار رسمي حكومي أو روابط أهلية معتبرة ضد شركات يهودية نافذة في المجتمعات الغربية والعربية وتدعم الحركات الصهيونية، ولها دور فاعل في التأثير على سياسات الدول.

7-التأكيد على تفعيل مكاتب مقاطعة الكيان الصهيوني، ومخاطبة الأنظمة العربية في ذلك والتعريف بجدوى ذلك وأثره الإيجابي على الأمة.

8-طرح مبادرات إعادة اليهود إلى أوطانهم التي جاؤوا منها وملء أسماع الدنيا بها وإحراج الغرب واليهود سياسيا وجعل المبادرة من الأوراق الفاعلة في المؤتمرات الدولية وغيرها وجعل هذه القضية من وسائل الهجوم والإشغال السياسي لليهود.

المبحث السابع: الصراع مع اليهود وأثره في العلاقة مع الغرب

لا شك أن العلاقة بين اليهود والغرب هي أمتن منها بين المسلمين والغرب، وهي في مجملها علاقة إستراتيجية تنبني على تقاطع كثير من المصالح المشتركة بين الطرفين كما يظنون! وأما طبيعة العلاقة بيننا والغرب فإنها قائمة على أساس الهيمنة والتسلط وجعلنا سوقا جيدا لمنتجاته وساحة مباحة لمعاركه السياسية والعسكرية ومختبرا صامتا لتجاربه!

 وباختصار يمكن وصف العلاقة بأنها حالة عداء حرب دائمة يشنها الغرب على العالم الإسلامي، وما الحالة الصهيونية فيها إلا وسيلة وأداة يستعملها الغرب في حربه مع المشرق الإسلامي، ويمكن أن نقسم العلاقة بيننا والغرب إلى حالتين زمنيتين:

 مرحلة الضعف التي تمر بها الأمة: وهي مرحلة الهوان الحالية التي تعيشها الأمة الإسلامية، ويجب أن تنصرف هذه المرحلة إلى أن تتناسب مع واقع الأمة دون إغراقها في مزيد من تسلط الأعداء عليها، وهي بلا شك تنصرف إلى ما يعرف بمرحلة الاستضعاف، وسأحاول جاهدا أن أرسم شكل العلاقة التي نريد أن تكون ونوصي بها لنحسن أو نخفف بها من وطأة الجبروت الغربي على المسلمين، كما أن الضعيف لا يقوى على فرض سياسات بل تفرض عليه، ونحن هنا نحاول أن نرسم شكل العلاقة لنستنزع أو نفكك علاقة الغرب الصليبي من مخالب الصهيونية المنفردة به:

-لا بد من الاعتقاد يقينا أن حالة العداء بين الغرب الكافر والشرق المسلم مترسخة ولن تزول وأنه صراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، وقد أكدها تبارك وتعالى في قوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}، وأما الصراع بشكله الخاص مع الأوروبيين والأمريكان وهم من جاء وصفهم بالسنة بـ(الروم) فقد ألمحت بعض أحاديث المصطفى إلى أن صراعنا مع هؤلاء هو صراع مستمر إلى قيام الساعة وهي الراية الكافرة التي ستكون دائما الراية الحاضرة على حلبة الصراع ومن غير انقطاع في محاربة الدعوة الإسلامية، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الفئات التي ستواجه الدعوة الإسلامية من بداية الدعوة إلى قرب قيام الساعة، وقد جاءت في الحديث كما نرى مرتبة كما وقعت أحداثها في السابق، فعن نافع بن عتبة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله» قال: فقال نافع: يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم. وتأكيدا على استمرارية صراعنا معهم إلى قرب قيام الساعة حتى يتولى عيسى عليه السلام بنفسه إزالة كل شعار يمت لهم بصلة، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية»، وهذا من دلائل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

-تقليل نسبة المصالح التي ينتفع أو يظن الغرب أنه ينتفع بها من اليهود، وبيان أن تقاطع المصالح بين الغرب والمسلمين أكثر منها بين الغرب والكيان اليهودي خاصة إذا استغل المسلمون ما يملكون من إمكانيات تجبر الغرب على إعادة حساباته.

-صياغة سياسات شرعية تنصهر في برامج مدروسة من شأنها أن تقرب نصارى العرب وترسخ دعمهم وولاءهم لأوطانهم العربية والإسلامية وحمايتهم من الاختراقات الصهيونية أو الأصولية المسيحية، بمبررات حماية الأقليات أو ما يسمى الحرية الدينية.

-استخدام سلاح الدعوة السحري الفعال في دعوة الغرب وحتى اليهود في فلسطين وغيرها إلى الإسلام، فهناك نماذج وشخصيات يهودية ونصرانية دينية وأكاديمية دخلت الإسلام أفواجا ولأقل الأسباب وأقل التكاليف، مقابل ما ينفقونه على ما يسمى بالتبشير، ولقد أصبح الإسلام أمرا واقعا ومفروضا على العالم الغربي وقد حاولوا معه بكل الطرق لثنيه وإضعافه لكن دون جدوى، بل ما سبق كان سببا في نشر الإسلام وتعلق الناس به فانظر مثلا إلى أعداد الذين يدخلون الإسلام في الغرب، ويمكن لنا أن نستشرف مستقبل الإسلام بناء على المعطيات الحالية من تعداد المسلمين والمساجد والمراكز الإسلامية المتزايدة بشكل دائم في الغرب، وهو مصداق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله».

-فضح المؤامرات والخطط التي يمارسها اليهود ضد الغرب من خلال: طباعة الكتب التي تفضح ذلك بلغات أوروبية حية، وإنشاء مواقع النت الخاصة والموجهة للغرب وبلغتهم، والتي تحتوي على دور اليهود في نهب خيرات الدول الأوروبية ومؤامرة السيطرة، كما يمكن تخصيص برامج متلفزة تبث عبر قنوات غربية وبلغتهم.

-وضابط ذلك كله أنه يجب الاعتقاد والتيقظ والانتبهاه وإدراك بكل نباهة أن الغرب الكافر لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، وإحسان الظن به يؤدي بصاحبه إلى خلل في العقيدة، قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} وقال: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.

مرحلة القوة: ومرحلة القوة بمفهومها الشامل لا تكون إلا بعد أن نستجمع كامل عناصر قواها المادية والمعنوية، لتوصف بعدها هذه المرحلة بمرحلة التمكين، غير أننا وبالتأكيد لا نعيش هذه المرحلة ولا في أي أرض من أراضي الكرة الأرضية، لكننا وبكل تفاؤل ويقين نعيش إرهاصاتها.

  مرحلة الضعف التي يمر بها الغرب: لا شك ولا ريب ومن غير عناء لكل متابع لما آلت وستؤول إليه منطقة ما يسمى باليورو أو «الاتحاد الأوروبي» من تدهور اقتصادي وانكماش للدخل القومي إلى أدنى مستوياته حتى وصل مستوى الصفر وما دونه لبعض دولهم، ونرى كل يوم كيف ينفرط العقد الاقتصادي لهذه الدول واحدة تلو الأخرى، فهاهي إيطاليا صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم تدخل في أزمة مالية خانقة ومعها إسبانيا التي يعادل اقتصادها وحدها مجمل اقتصاد الدول العربية من غير النفط، أما اليونان فقد أصبحت في حالة احتضار.

 ولم تقف الأزمة الاقتصادية عند هذا العدد من دول الاتحاد الأوروبي، بل هي سارية فيهم كالنار في الهشيم وأنهم في عجز فأنَّى لهم أن ينقذوا دولهم أو اتحادهم الأوروبي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى إلى زوال وتفكك وانصراف كل منهم ليعيش همه بعيدا عن الآخر، وأما الولايات لمتحدة الأمريكية فهي أعجز من أن تسهم في إنقاذ هذا الاتحاد أو دوله؛ لأنها هي كذلك تعيش إرهاصات الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بها حتى وصل عجز الموازنة الأمريكية إلى ضعف الناتج القومي، فضلا عن ديون أثقلت كاهلهم وهي أعلى معدل تصل إليه في تاريخها؛ لذا آمل من دولنا الثرية أن لا تتدخل بشهامة ليس في محلها لإنقاذ أوروبا على حساب دولها وشعوبها، كما أني أرجو ألا تغرق المنطقة العربية وخاصة الغنية منها بالعمالة الأوروبية التي قد ترغم على استقدامها إلى بلداننا لتحل محل عمالة عربية أو إسلامية، وأن تحسن استغلال هذا الموقف وهذه الأزمة الاقتصادية في أوروبا فيما يعود على أمتنا وديننا وشعوبنا في أوروبا بالنفع، لا أن تكون سببا جديدا في استنزاف مواردنا، وهو في ظني ما يبحث عنه صناع القرار في أوروبا لكن بعد أن يجدوا طريقة يلتفوا بها على الانفراد الأمريكي في المنطقة أو التنسيق معها.

-إن الرئة التي يتنفس منها وبها الكيان الصهيوني، هي أمريكا تحديدا، ثم أوروبا، وهم كما ذكرنا آنفا يعيشون أزمة خانقة وسيؤثر ذلك حتما على دولة اليهود التي تعتبر الأولى على مستوى العالم التي تعيش على المساعدات الخارجية، ولا أبالغ إن قلت إنها ستكون ورقة بيد المفاوض الفلسطيني يجب ألا تغيب عنه وعليه أن يستغلها أكبر استغلال لانتزاع ما يمكن انتزاعه من اليهود.

-إن هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة على صعيد أوروبا تحديدا ستكون سببا في انسحاب واضمحلال وغياب كثير من المؤسسات التبشيرية والتغريبية التي تعمل نخرا في طول وعرض الوطن الإسلامي والعربي منذ عقود، وقطعان المستشرقين يتلصصون فيه على كل كبيرة وصغيرة في عالمنا الإسلامي.

-لا شك أن الغرب بمجمله يعيش حالة ضياع وفراغ عقدية وفكرية امتلأت بكل ألوان المعاصي والموبقات فسببت ردة جماهيرية كبيرة اجتاحت شعوبهم؛ فأصبحوا بين هائم على وجهه لا يتبنى عقيدة ولا مذهبا، وهم الأغلب، وآخرين لجؤوا إلى الإسلام فوجدوا فيه ملاذهم فرووا لهم عطشهم الروحاني.

 وبسبب جملة من الأسباب ذكرناها في هذا المبحث أو لم نذكرها، هجر كثير من الغرب عقيدته، فأصبحت كنائسهم خاوية على عروشها، فهذه لا يرتادها إلاّ بضعة آحاد أو عشرات أو مئات، وأخرى معروضة للبيع، وثالثة تعلن عن مسابقة سحب على سيارة للزائرين.

 لا شك أننا لا نحمل أجندة واضحة المعالم تجاه العلاقة مع الغرب، إنما هي آراء متباينة، وأحكام شرعية عامة اتسمت بالعمومية، في أغلبها بعيدة عن الواقعية؛ لهذا وبكل إلحاح أدعو من هذا المنبر إلى التعجيل برسم ملامح خطة قائمة على الضوابط الشرعية مبنية على معرفة حقيقية للواقع، مشاعة لكل العاملين في الغرب أو المتعاملين معهم لنكون سببا في رسم مستقبلنا هناك، وأجندة واضحة كالدليل والمرشد للعاملين بهذا الاتجاه.

 ليس ثمة دولة عربية أو إسلامية واحدة يمكنها التأثير على أمريكا أو أوروبا، وأحسنهما حالا هي التي تحاول التفلت أو التمرد على الهيمنة الأمريكية والأوروبية؛ لذا كانت الدول العربية والإسلامية منذ الإطاحة بالخلافة الإسلامية وإلى وقتنا الحاضر أعجز عن أن تدير صراعا بعمقه الفكري الإستراتيجي، وهذا يدفعنا إلى الجواب عن عنوان هذا المبحث، هل نملك التأثير بطريقة استشرافية في صراعنا مع اليهود ومدى بعد ذلك وتأثيره على علاقاتنا مع الآخر وتحديدا أوروبا؟

 من هم ذوو الأولوية الحقيقية للغرب هل هم المسلمون أم اليهود؟ وما هي مصادر قوة كل منهم؟ وما هي أجندة المسلمين في ذلك؟ وما هي ورقة الضغط أو التأثير التي يمكن للمسلمين أن يساوموا عليها؟

مما لا شك فيه أننا أكثر عددا وانتشارا في العالم، وبعدا عرقيا، أي أننا إذا نظرنا للحالة الإسلامية في العالم فسنجد أن المسلمين وبحكم تواجدهم في كل العالم ويتكلمون بكل اللغات واللهجات، يمكّنهم ذلك من مخاطبة العالم بكل سهولة ويسر وكل ذلك بشيء من التنسيق والتنظيم ومعرفة الأولويات.

وفي نظرة مستقبلية مستمدة من روح الربيع العربي أن الجماهير العربية ستصنع وبسبب تراكمات نفسية تجاه الغرب منحنى جديدا في طبيعة العلاقة مع الغرب، بل وقبل ذلك الكيان اليهودي نفسه، الذي احتقن غيظا وكرها عالمنا الإسلامي ضده.

ويجب إدراك أن ما ناله اليهود من الغرب ما هو إلا بسبب غفلة وجهالة وقلة حيلة منا.

إن العجز الذي أصاب الأمة بأسرها، حاكمها ومحكومها، ثبّط هممنا وأفقدنا الثقة في أنفسنا وأدائنا في مواجهة المشروع اليهودي، ليس في ديارنا فقط بل حتى في عقر دارهم إن صح الوصف أو التعبير في أوروبا وأمريكا، إنني وبكل ثقة ويقين وحسن ظن بالله أعتقد أننا نملك من القوة ووسائل التأثير والفرص، ما يمكّننا بإذن الله من إرهاق اليهود ثم هزيمتهم.

إن عالم اليوم بعربه وعجمه مسلمه وكافره ليس بعالم الأمس، لقد نضجت العقول واتسعت المدارك واستيقظت النفوس، وتفلتت وسائل السيطرة من وسائل إعلام عالمية ومنظمات دولية وغير ذلك من أيد الصهيونية وأذنابها من صليبيية وماسونية وغيرها؛ لهذا وفي ظني الخاص وبعد دراسة وتأمل وتفكر أقول: إن أوروبا اليوم أكثر استعدادا للابتعاد والتفريط في الكيان اليهودي، وعلى الأقل عدم الانجرار وراء المراهقات السياسية والعسكرية التي يمارسها ساسة الكيان اليهودي؛ لاعتبارات منها:

-الوعي الجماهيري الملحوظ في أوساط الشعوب الأوروبية المتمثل في معرفتهم وقربهم أكثر من الإسلام كديانة اعتنقا أعداد لا يستهان بها أبدا منهم، ومن جانب آخر التقارب والتواصل بأشكاله التجارية والحضارية والعلمية والصناعية والسياحية بين كثير من المسلمين أو العرب مما أسهم في التعريف بكثير من القضايا التي غيّبها الإعلام وصناع القرار عن الجمهور الأوروبي، كما أن ثورة الاتصالات ووسائل التواصل والوسائل الإعلامية التي بدأت تأخذ مجالها بين صفوف الغرب وبأشكالها المتعددة من قنوات فضائية أو مواقع نت أو مجلات وكتب مترجمة، أسهمت بمجموعها في مدافعة الكثير من مشاريع التجهيل للإنسان الغربي، وهي في حقيقتها ثورة فكرية شرقية في العالم الغربي، وهنا يكمن أمر وهو ألا ينتابنا الكثير من الإحباط أو التشاؤم فإن الغرب اليوم يعاني الاختراق الإسلامي لكياناته بأنواعها.

-إن الكيان اليهودي على أرض فلسطين وما يبدر عنه من تأزيم مفاجئ وغير مدروس أو لم تتهيأ له الكيانات الأوروبية لم يراع فيه اعتبار البند السابق.

-إن ما آلت إليه أوروبا من أوضاع اقتصادية مزرية صرفها عن كثير من الأوضاع الخارجية إلا فيما يسهم في إنقاذ انهيارها الاقتصادي أو يخفف منه.

-إن بعض دول أوروبا أدركت تماما ووفق دراساتها الخاصة أنها أمام مشكلة ديموغرافية، وأن أجيالها الشابة في تلاش، وأن التفوق العددي هو للجاليات الإسلامية التي وفدت إليها.

-تولدت عند الغرب قناعات مبنية على أسس علمية واستشرافية بأفول نجم المناهج العلمانية والليبرالية التي أجهدتها ردحا من الزمن وأنها في تلاش وضمور، وأصبحت فكرتها ممجوجة لدى الشعوب العربية، وأن هذه الشعوب بدأت تميل إلى النهج الإسلامي، وأن النظرة الغربية الجديدة لا بد أن تتجه نحو التعاطي مع الحالة الإسلامية، وأنه لا مفر من ذلك.

-يجب عدم الإفراط في تفسير سلوكيات الغرب على أن مبعثها اليهود، والحذر من المبالغة في تعظيم قدر وقدرة اليهود فوق حقيقتها؛ فإنهم أعجز من أن يكونوا وراء أحداث الدنيا فإن مكر الله فوق مكرهم، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، إنهم يحسنون ركوب الموجة والتحالف مع المؤثرين وشراء الذمم.

.