فلسطين التاريخ / تقارير

حرب المنازل على غزة

د. هاني البسوس

أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية – غزة

 

منذ بداية العام 2014م والحديث في الشارع الفلسطيني يزداد عن قُرب اندلاع حرب جديدة على غزة، خاصة مع تهديد رئيس الحكومة الإسرائيلية(بنيامين نتنياهو) للفصائل الفلسطينية وتحذيرها من التصعيد، وتحديد إذاعة الجيش الإسرائيلي لبنك الأهداف الذي سيتم استهدافها في أي حرب قادمة مع المقاومة الفلسطينية في القطاع.

لقد شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرب الثالثة على قطاع غزة منذ تولي حركة حماس الحكم عام 2006م. وعلى عكس سابقاتها، تبدو هذه الحرب الأكثر شراسة وعدوانية، حيث بدأتها القوات الإسرائيلية من حيث انتهت في حرب حجارة السجيل عام 2012م باستهداف بيوت المدنيين. هذه الحرب أطلقت عليها القوات الإسرائيلية اسم (معركة الجُرف الصامد) بينما أطلقت عليها حركة حماس (معركة العصف المأكول) وحركة الجهاد الإسلامي (معركة البنيان المرصوص)، ما يحمل دلالات على قسوة وعمق العمليات القتالية وإطالة أمد المعركة.

لم تستطع فصائل المقاومة الفلسطينية الصمت طويلاً على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وقامت بالرد وقصف البلدات الإسرائيلية وبعض مواقع الجيش الإسرائيلي. وفي إطار الرد المتبادل بين الطرفين تزايدت حدة الأوضاع، خاصة أنها أدت إلى وقوع إصابات وقتلى في صفوف الإسرائيليين، واستهداف عشرات المنازل لناشطين فلسطينيين في المقاومة ما أدي إلى أكثر من مائة شهيد في غضون خمسة أيام. هذا يعني أن كرة الثلج تدحرجت بالفعل وشكلت كارثة إنسانية أصابت قطاع غزة من خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية التي من المفترض أن تزداد خلال الأيام القادمة، خاصة أن هناك تهديدات حقيقية بحرب برية واجتياح لقطاع غزة إذا لم يتم التوصل إلى تهدئة خلال الأيام القليلة القادمة. بالمقابل الفصائل الفلسطينية أمطرت البلدات والمدن الإسرائيلية بمئات الصواريخ في معركة تختلف عن سابقاتها. لكن في جميع الأحوال لن تُقدم القوات الإسرائيلية على اجتياح كامل لقطاع غزة، ذلك أن جيش الاحتلال يعلم أنه سيكون على موعد مع حرب استنزاف طويلة في القطاع.

لم تستطع قوات الاحتلال خلال الأيام الخمسة الأولى تحقيق إنجازات أمنية في حربها على غزة، حيث نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في التمويه والاختفاء عن مرمى نيران قوات الاحتلال التي لم تصل إلى مخازن الأسلحة في غزة أو منصات وقواعد الصواريخ الفلسطينية بعيدة المدى التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية لقصف المدن الإسرائيلية، كذلك لم تستطع القوات الإسرائيلية اغتيال أي من الشخصيات القيادية الفلسطينية كما هددت باغتيالها، خاصة أعضاء المكتب السياسي والمجلس العسكري لحركة حماس. لذلك لجأت قوات الاحتلال لقصف منازل المواطنين ومزارعهم ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا، خاصة من النساء والأطفال، وتدمير مئات المنازل الفلسطينية.

لجوء سلاح الجو الإسرائيلي إلى استهداف منازل المواطنين مخالف لكل المواثيق والقوانين الدولية ويدلل على إفلاس قوات الاحتلال وفشلها الأمني. ويمكن تفسير هذه الخطوة بالتالي:

  1. الفشل الأمني الإسرائيلي باستهداف (بنك الأهداف) شخصيات قيادية في فصائل المقاومة الفلسطينية والفشل في العثور على مخازن الأسلحة ومواقع الصواريخ في غزة، مع كل الإمكانيات الاستخباراتية والعسكرية التي تمتلكها قوات الاحتلال.
  2. الضغط على المجتمع الفلسطيني من خلال قصف المدنيين كوسيلة لتركيع فصائل المقاومة حتى تعطي تهدئة مجانية.
  3. قتل أكبر عدد من الفلسطينيين لإشباع رغبة المجتمع الإسرائيلي في الانتقام.

هذه الحرب هي الأكثر شراسة على قطاع غزة وذلك لاستعادة قوة الردع التي فقدتها القوات الإسرائيلية في عدوانها نهاية عام 2012م والذي تمكنت فيه فصائل المقاومة، خاصة حماس والجهاد الإسلامي، من كسر إرادة الجيش الإسرائيلي والنيل من كرامة الحكومة الإسرائيلية. لكن هذه الحرب جسدت تلك المعادلة الأمنية الجديدة التي صنعتها فصائل المقاومة الفلسطينية واستطاعت من خلالها أن توحد الشعب الفلسطيني وتجسد الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث الانسجام والتناغم الكامل شعبياً وفصائلياً في هذا الوقت. هذه الحرب تُعيد الاعتبار والثقة للذات الفلسطينية وتدلل على تطوير إمكانيات المقاومة المسلحة والإبداع في أشكالها من خلال العمليات النوعية التي قامت بها. بالمقابل، هذه الحرب وهذا العدوان الإسرائيلي سيكون له تداعيات سياسية وأمنية ونفسية سلبية على المجتمع الإسرائيلي وقد يؤدي لسقوط حكومة الائتلاف التي يتزعمها نتنياهو والدعوة لانتخابات مبكرة قد تؤدي إلى خسارة حزب الليكود والخروج من اللعبة السياسية. 

.