فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

منهج التزييف عند اليهود ( 2-2)

 

منهج التزييف عند اليهود

( 2-2)

 

عيسى القدومي

 

 

احتلال فلسطين ... وتشويه التاريخ  !!

 

 

مع مسيرة الاحتلال ترادفت مسيرة الكذب على تاريخ هذه الأمة وتزييف حقائقه الماضية والمحاضرة ، وأضحى خطاً مستمرا ينمو مع الأيام ؛ كان ساذجا في البداية ، ولكنه تعقد مع الزمن ، فأصبحت له قواعده وأصوله وأساتذته ومراكزه وجامعاته ، وصعد الباحثون اليهود من تحديهم لدرجة أن كدنا لا نسمع رداً عربياً أو إسلامياً على التحدي اليهودي ... وهذا من الخطورة بمكان حيث يفضي في النهاية إلى ضعف في حقوقنا الثابتة وتراخي من أصحابها في الدفاع عنها .

وحيث أن الاحتلال اليهودي لفلسطين احتلال غير مسبوق، لا مثيل له إن قورن بأي احتلال، جمع بين كل أنواع وأهداف الاحتلال الذي عرفته البشرية على مر العصور القديم منها والحديث؛ فهو احتلال ليس كأي احتلال؛ فقد أتى ليغتصب الأرض، ويشرد الشعب، وليشوه التاريخ، ويشيع الأكاذيب ، ويطلق الشبهات ، وليغير المعالم والمسميات ، ويقتلع الشجر ويقتل البشر ويهوّد الحجر!! ، ويسلب التراث، ويشيع ثقافة الاستسلام والخنوع للمحتل!!! فهو احتلال عسكري : تمكن بالقوة على أرض فلسطين، ، واحتلال إرهابي: شرد بالقوة في عام 1948م ما يقارب 800 ألف فلسطيني ، وارتكب 34 مجزرة ، وأكمل مسيرة العدوان في عام 1967م، فتم تشريد 330 ألف فلسطيني.

واحتلال إحلالي: أقام كيانه الغاصب على أساس هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، وعلى تشريد الفلسطينيين وانتزاع ممتلكاتهم وأراضيهم؛ واحتلال عنصري : طوق أهل فلسطين بجدار وأسلاك شائكة وحرمهم من التنقل ،واحتلال ديني:ادعى وما زال أنها أرض الميعاد، وأنها أرضهم التي سلبت منهم، وأنها لشعب الله المختار!! وأن "فلسطين هي الأرض الموعودة‏",‏ وأنهم " شعب بلا أرض لأرض بلا شعب".. وأضاف الحاخامات اليهود الكثير من الفتاوى التي تمنع وتحرم الخروج من أرض فلسطين, بل تتضمن التحريض والتهجم ضد الإسلام والمسلمين، والدعوة لقتل المدنيين من أهل فلسطين. 

واحتلال تهويدي: مارس كل أنواع التهويد، فلم يترك حجراً ولا شجراً ولا زاوية إلا ادعى أنها يهودية!! فلإثبات علاقتهم بفلسطين، وشعورهم بأنهم غرباء، حاولوا إيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها، وادعاء ذلك التاريخ والتراث للأجيال اليهودية القادمة!! . واحتلال مخادع: فمنذ أن توجهت أنظار اليهود لسلب أرض فلسطين، أطلقوا العديد من الأكاذيب لتسويق الحجج وإيجاد المسوغات لسلب الأرض؛ ليختبئوا وراءها، كما اختبئوا وراء أكذوبة شراء أرض فلسطين، ومن تلك الأكاذيب: أكذوبة "فلسطين أرض الميعاد، وأن لليهود حقا تاريخيا في تلك الأرض"، وأكذوبة "فلسطين صحراء خالية"، وأكذوبة "فلسطين أرض بلا شعب"، وأكذوبة "الفلسطينيون خرجوا منها طوعا"، وأكذوبة "اليهود حولوا فلسطين الصحراء إلى جنان"، وغيرها الكثير من الأكاذيب .

واحتلال ثقافي: سلب الكتب والمخطوطات، وسرق المكتبات، ودمر الوثائق، وخدع العالم بصنعه تاريخاً وراء الزجاج في متاحفهم؛ تأكيداً لسطوتهم، وقدرتهم على حبس تاريخ لم يكن لهم شرف الإسهام في صنعه وإبداعه، تاريخ سطرته قصص أنبياء الله تعالى الذين جاؤوا بدعوة التوحيد، وأكمله الفتح الإسلامي، ومدافعة المسلمين على مر السنين لكل غاصب لأرض فلسطين. فقاموا بسلب المخطوطات وكتب التراث، ليعبثوا بصفحاتها ويحققوها ويدرسوها ويدسوا بها ما أرادوا؛ لبث السموم وتوهين الثوابت في نفوس المسلمين؛ ليخلصوا بأن بيت المقدس والمسجد لأقصى، لا مكانة له ولا رابط ديني بينهما وبين الإسلام!!

واحتلال لصوصي: سرقوا  الزي الفلسطيني، والتراث الشعبي والأمثال الفلسطينية التي قالوا: إن أصلها يهودي، ووزعوا الأكلات الشعبية الفلسطينية على أنها أكلات شعبية يهودية، بل إن المكسرات والزيتون والتمر الفلسطيني والعربي أصبحت توزع باعتبارها منتجا وطنيا للكيان اليهودي، ولا غرابة في ذلك فهذه عادة اللصوص؛ فلا خيار أمامهم إلا الاستمرار في السرقة.. ؛ واحتلال تدميري:

دمر الصهاينة 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المناطق التي احتلت عام 1948م، وكان أول عمل قام به اليهود بعد احتلالهم مدينة القدس عام 1967م الاستيلاء على حائط البراق، وتدمير حارة المغاربة، وتم تسويتها بالأرض بعد أربعة أيام من  احتلال القدس؛ حيث توجهت الجرافات اليهودية إلى الحي المغربي داخل أسوار مدينة القدس وهدمته بكامله، وشردت 135 عائلة من سكانه المسلمين بلغ عدد أفرادها 650، كما نسفت 34 داراً أخرى مجاورة ومصنعاً للبلاستيك، وشرد سكانها وعمالها البالغ عددهم حوالي 300، وهدموا أربعة جوامع، والمدرسة الأفضلية، وأوقافا أخرى، ودفنوا بذلك تاريخ حارة وقفية إسلامية (1).

ويفسر لنا "بول فندلي" في كتابه الخداع الآلية التي انتهجها الباحثون اليهود ليقبل ذلك الخداع ، كتب فندلي : " من الواضح أن قبول المغالطات حول إسرائيل ليس عرضياً ، إنه حصيلة عمل كثرة من الناس يسخرون طاقاتهم للقيام بهذه المهمة بدأب والتزام " (2).

فالتاريخ للأسف يكتبه القوي المنتصر!! ، وأما الضعيف المغلوب على أمره ، لا يكتفى بأن يعيش بهزيمته وآلامه ، بل عليه أن يرضى ويصدق بهذا التاريخ ، ويقبل بسرد الوقائع التي وقعت أمام عينه بصور مغايرة للحقائق ، انطلاقا من المقولة " التاريخ صنع المنتصرين " (3) !!. وتلك المقولة تعد من المبادئ الأساسية التي انطلق منها الإعلام اليهودي للتشويه والتزييف وتحريف الحقائق ، فعمدوا إلى التضليل وقلب الحقائق ، عبر غارات من الأكاذيب والافتراءات والشبهات التي تتعرض لها عقولنا وأسماعنا وذاكرتنا ، من منطلق " إذا أردت أن تقتل عدواً لا تطلق عليه رصاصة بل أكذوبة" ، فأطلقوا الكثير من الأكاذيب والإشاعات لتبرير احتلال أرض فلسطين وإقامة كيانهم الغاصب عليها ، وتدنيس المقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك ، وإدعاء أنه أقيم على أنقاض هيكل مزعوم. 

واستطاعوا بهذه الأكاذيب أن يرسخوا مفاهيم يصعب اقتلاعها لدى الكثير من الناس ، فأصبحت "أكاذيب متجددة" ، و"غائبة حاضرة" ، منذ وعد بلفور وما تلاه من احتلال أرض فلسطين في 1948م إلى يومنا هذا ، وما قاله "بني موريس" - باحث وصحفي يهودي- في تعليقه على ما أشاعه اليهود من أكاذيب يلخص لنا تلك المسيرة :" نشرنا الكثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق ، التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها ...لقد حان معرفة الحقيقة ، كل الحقيقة ...والتاريخ هو الحكم في النهاية " (4)

 

وقد تنبه المراقبون الدوليون لعملية تشويه الحقائق فقال كال فون هورن : لقد أدهشتنا براعة الكذب التي زيفت الصورة الصحيحة منذ اجتمعت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" الماهرة ، ولم يسبق لي في حياتي أن اعتقدت بأن في الوسع تحريف الحقيقة بمثل هذه السخرية والبراعة" (5).

واليهود مُصرون على بث الشبهات والأكاذيب ويتحدون بذلك العالم الإسلامي – للأسف -  والذي لا ينهض  للتصدي ؛ حيث نجح إعلامهم بأكاذيبه في تشويه الحقائق التاريخيه والوقائع السياسية ، واستطاع أن يخفي إجرامه ومذابحه التي ارتكبتها عصاباته وما زالت في الكثير من القرى والمدن الفلسطينية ؛ وكل ما اتصفوا من صفات وما فيهم من طباع استخدموها لتشويه التاريخ وإشاعة الشبهات !!، ليقولوا لمن صدقهم أن لهم حق في المسجد الأقصى وأرض المسرى !! وأن مكانة القدس وفلسطين مكانة هامشية في الشريعة الإسلامية !! لأنهم خلال مسيرة الصراع غيروا وبدلوا الكثير ، فكتبوا التأريخ كما هم أرادوا ، لتبرر ممارساتهم ، وتخدم مصالحهم ، ويبارك احتلالهم ، فكان سرد الأحداث صنيعهم ، حتى صدقهم الغرب وأيدهم ، وصدقهم كذلك بعض المخدوعين من أبناء جلدتنا ومن تسمى بأسماء المسلمين !!

 



1 - أنظر : الحقائق الأربعون في القضية الفلسطيني ، د .محسن محمد صالح ، ص18 .

2 - الخداع ، بول فندلي ، ص 14.

3 -  فلسطين وأكذوبة بيع الأرض ، عيسى القدومي ، إصدار مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ، 1425-2004م ؛ ص 14.

4 - فلسطين وأكذوبة بيع الأرض ، عيسى القدومي ، ص 100.

5 - العنصرية اليهودية 3/586

 

.