دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
قراءة في كتاب (القدس أولا ً ...!!)
قراءة في كتاب (القدس أولا ً ...!!)
وثيقة (كيديم يورشلايم) كتاب مصور يحمل اسمًا عبريًا يعني : " القدس أولا " نُشر مؤخرًا تحت شعار "تطوير السياحة في القدس" بالتعاون بين "سلطة تطوير القدس" و"بلدية القدس" ، وتحوي صفحاته معالم المخطط القادم بالصور والوثائق والرسومات الهندسية المفصلة ، لما ستكون عليه البلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد إقامة المنشئات الجديدة المزمع تشيدها داخل أسواره ، وأسوار البلدة القديمة وما جاورها !!
جاء في مقدمته : " أنه عصارة دراسات وأفكار ومخططات لمشروع (كيديم يورشلايم) وذلك لتغيير وضع الحوض التاريخي في القدس – أي البلدة القديمة وما جاورها - كعمل وطني يشارك به الشعب اليهودي" !!.
تحدَّث الكتاب عن مشروع مفصل لتطوير القدس وتطوير السياحة في القدس !! ؛ ولضمان نجاح المشروع يدعو لتكالب جهود "الشعب اليهودي" و "بلدية القدس" و"سلطة تطوير القدس" لتسريع عملية تطوير الحوض التاريخي؛ وذلك بهدف خلق الجذب السياحي لعشرة ملايين زائر بالسنة الواحدة ، بتكلفة حوالي 2 مليار شيكل ، ويستمر تنفيذ المشروع لمدة ستة أعوام ".
تستهدف تلك المخططات الخطيرة المسجد الأقصى وتهويد مدينة القدس ، وأظهرت مؤسسات الاحتلال للإعلام العربي والغربي أن مشاريعها في القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات ، ولتأكيد جدية الأمر أرفقوا مع المخططات الهندسية والرسومات التوضيحية الميزانية المطلوبة لكل مشروع على حده ، وإجمالي الميزانيات التي تمَّ جمعها إلى الآن ، كرسالة ليهود العالم لتتكالب الجهود لتنفيذ تلك المشاريع الخطيرة ، والتي تحقق لهم هدفهم الكبير وهو : إقامة معبد لليهود في ساحات المسجد الأقصى المبارك !!
ويُوزَّع هذا الكتاب حاليًّا على جميع التجمعات اليهودية في كل العالم ، لجمع التبرعات منهم من أجل السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى السليب ، وسلخ مدينة القدس عن امتدادها الإسلامي والعربي ، للتضييق على أهلها لدفعهم للخروج منها , وإسقاط هوياتهم المقدسية ..
وأخطر هذه المخططات المفصلة في الكتاب : إقامة هيكل مزعوم بين قبة الصخرة والمصلى الجامع في صدر المسجد الأقصى ؛ وافتتاح كُنس يهودية على أجزاء من المسجد الأقصى ، وإزالة طريق المغاربة وإغلاق باب المغاربة وإقامة جسر بديل ، يحمل مواصفات خاصة تمكن الجرافات والشاحنات والسيارات العسكرية المرور عليه واقتحام المسجد الأقصى ، وفتح باب خارجي يوصل إلى المصلى المرواني بهدف تحويله إلى كَنيس يهودي ، بالإضافة إلي إقامة كَنيس يهودي كبير على حساب أحد أبنية المسجد الأقصى وهو بناء معروف باسم (المدرسة التنكزية)، وحفر العديد من الأنفاق أسفل المسجد الأقصى ، أخطرها النفق الذي يمتد تحت المصلى المرواني ويتجه إلى داخل المسجد الأقصى ، بالإضافة إلى حفر نفق تحت المسجد الأقصى يبدأ من المحيط الغربي للمسجد الأقصى ويتجه إلى داخل المسجد الأقصى بهدف أن يكون طريق اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى ، وأيضًا عن مخطط لاقتطاع جزء من مقبرة الرحمة المدفون بها عدد من الصحابة ليشيدوا مكانها محطة تليفريك "سَلاَّت هوائية" .
ويدعوا الكتاب الشعب اليهودي : " المشاركة بإدارة الإرث اليهودي !! والتعريف بتطور الأجيال الخاص بالشعب اليهودي ، ومعرفة الشعب اليهودي بحقوقه وواجباته تجاه هذا الميراث ، لتجيش كل قدرات الشعب اليهودي لتنفيذ مشروع " القدس أولاً "!! .
مخطط يهودي
وينصُّ الكتاب على أنه : " مخطط قومي لإعادة الحوض المقدس لمكانه اللائق في القدس !! وإعادة فتح هذا الحوض للزوار بعد تطويره ، وذلك لإظهار الحلم اليهودي والقومي لهذا المكان بحيث يخدم السياحة والعبادة في إسرائيل !! وكذلك إظهار أهمية هذا المكان كمكان عبادة أيضًا للمسلمين من داخل البلاد وخارجها !! مع تأمين حرية التجول والعبادة والتعلم والبحث الأثري والتاريخي ، والحفاظ على ميراث الأجداد الموجود في كل بقعة من الحوض المقدس " !!
والغريب أنه يدعو لتشكيل جهاز مشترك يهودي إسلامي نصراني لتشغيل هذا الحوض وإدارته وتأمين حرَّية الوصول والعبادة والسياحة البحث !!وإبعاد الاختلافات السياسية والقومية عن حق الإدارة لأقسام الحوض المختلفة !! والعمل على إشراك يهود العالم في هذا المشروع تحت إشراف جهاز حكومي يهودي !! لتأمين حرية الوصول والعبادة لكل أفراد وجماعات الشعب اليهودي " !! .
بل للتنسيق وتخطيط الأعمال اللازمة للبحث والتعلم وفهم التاريخ والآثار لجميع أقسام ما أسماه "الحوض المقدس" وتوفير الأمن والأمان والتنسيق بين كل الجهات المهتمة بالحوض لدراسته وفهمه وفحصه وتبادل المعلومات بين جميع الأطراف !! . فلم يكتفوا بما سلبوه ، فأرادوا أن يضفوا على إجراءاتهم طابع المشاركة الأكاديمية والعلمية والبحثية !!.
ويدعو كذلك العالم المسيحي للمشاركة والمساهمة في الدعم المالي لهذا المشروع المشترك ، وينصُّ الكتاب على : " تجيش الجهود للتمويل اللازم والميزانيات من الدولة أو البلدية ومن يهود العالم ومن المتبرعين في العالم من العالم المسيحي وإيجاد الميزانيات والمستثمرين للمشاريع السياحية والمواصلات والفندقه " .
الجانب القانوني
ويُلخص الكتاب المواضيع والقرارات المطلوبة بالآتي :
1. تأسيس جهاز حكومي : وبالاشتراك مع يهود العالم لإحياء فكرة مشروع الحوض المقدس.
2.دمج الشركتين المعترف بها من الدولة : وتقع تحت إمرتيهما السيطرة على ما أسموه "الحوض المقدس" ، وهما "شركة تطوير شرقي القدس" و "شركة تطوير الحي اليهودي" . لتوحيد جهودهما وإدارتيهما بغية تطوير الحوض المقدس ولتسهيل الوصول إليه ، بمسمى جديد شركة القدس التوراتية (كيدم يروشليم).
3.تحديد حدود الحوض المقدس (التاريخي) : المنطقة الواقعة بين جبل الزيتون – حي اليهودي ومركز حارة النصارى حتى سلوان حتى باب الساهرة وبالتفصيل الأحواض: مدينة داوود ، المقبرة ومنطقة جبل الزيتون وحديقة وادي قدرون ، وادي الملوك ، حديقة وادي جهنم (بركة السلطان وجنوبها) ، ساحة المبكى ، وبناية المحكمة ( المدرسة التنكيزية ) حديقة عوفل وساحة جبل الهيكل ومنطقة المقبرة الإسلامية الوقعة شرقي جبل الهيكل ومنحدر الأسباط ، والحي الإسلامي ، الحي اليهودي ، الحي المسيحي ، منطقة مغارة سليمان ، الطرق الموصلة بين الأحياء وصولاً للحوض المقدس والطريق الموصلة بين باب الخليل وصولاً إلى باب المغاربة وطريق أريحا باب المغاربة ومواقف السيارات في حارة اليهود ، موقف مدينة داوود وجبل صهيون (النبي داوود) !!.
4.تفصيل الأهداف وتحديد مسئوليات الشركة : كعمل المخططات اللازمة والعمل على تسويقها وإيجاد الطرق للتنفيذ كل مناطق الحوض. وتقديم الدراسات التفصيلية من عدد السياح المقترح ووسائل المواصلات ، وعمل برامج للإدارة والتسويق والسياحة في الحوض المقدس. والتنسيق بين المؤسسات المنفذة للمشروع ، وتوفير الميزانيات المطلوبة للمشاريع من خلال الدعوة للتبرع وتبني تلك المشاريع ، ومخاطبة يهود العالم بغية إحياء فكرة الحوض المقدس. وتوفير الأمن والأمان والتنسيق بين كل الجهات المهتمة بالحوض لدراسته وفهمه وفحصه وتبادل المعلومات بين جميع الأطراف. وتحديد موقع الشركة المقترحة والمسماة ( القدس القديمة والتوراتية) .
5.الإتفاق بأن الشركة المقترحة هي الجهة الممثلة للدولة والشعب اليهودي في الحوض المقدس وخصوصًا في جبل الهيكل وحائط المبكى وبمدينة داود وبشكل يمكنها من تأمين وحرية الوصول والعبادة لهذا المكان لكل أفراد وجماعات الشعب اليهودي.
6.تحديد الجهات التي ستقوم بالعمل لإنجاز مشروع الشركة من الوزراء والوزارات واللجان الوزارية وتحديد الجهات الممثلة ليهود العالم بغية إقامة إدارة مشتركة قادرة على حمل هذا المشروع وطرحه لتحقيق الأهداف المرجوة منه.
ماذا يريدون
وأرادوا بهذا الكتاب أن يهيئوا العالم أجمع إلى أن التغيير قادم لا محالة ، والمشروع قد بدأ ، وأن بناء الهيكل ما هو إلا جزء من مشروع يشمل البلدة القديمة بأكملها ، " فالحوض المقدس " بدء كمصطلح ثم ادِّعاء مقدسات ثم دراسات لمشاريع ، ثم تطبيق على أرض الواقع بالعديد من المنشآت ، والإزالة لمباني وطرق تاريخية إسلامية ... فاليهود يشعرون في قرارة نفوسهم بعقدة النقص المنبثقة عن قلِّة أماكنهم المقدسة ، بل انعدامها إذا ما قيست بالأماكن المقدسة لدى المسلمين ، لذلك فهم يتوهمون باطلاً تلك الأماكن ، ويدعون أنها مقدسة لليهود بين ليلة وضحاها ، يبتدعونها ، ويدعون أنها مقدسة في كتبهم المحرفة ، وخيالاتهم الواسعة !!
ولم تترك حارة أو زاوية في القدس إلا وتعرضت للعبث والتغيير وتهويد المسميات ، فالتزوير والتزييف طال كل ما هو إسلامي ، ولم تسلم من ذلك حتى مقابر المسلمين ، فإزالة وطمس آثار القرى العربية واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات اليهودية مازالت جارية ، فبلدية القدس اليهودية تتجنب البناء بالإسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور بني من قبل مئات السنين ولكي يعملوا على إعادة استخدام هذه الآثار في تركيب تاريخ يهودي مزور .
والهدف إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط !!... فهي - بتزييفهم وتزويرهم - مدينة داود وسليمان والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كُنسهم ومقابرهم ومنازلهم!!
ومن السخرية في الكتاب أنهم أرادوا أن يهودوا القدس ، وأن نشاركهم في مشروعهم ، بل ولتكون لنا مشاركات مالية ، أرادوا أن يسلبوا مقدساتنا ويعبثوا بمقابرنا وبرفات أسلافنا وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن نسلم لهم الأمر ونُبارك خططهم وممارساتهم من أجل تطوير القدس والبلدة القديمة !! فهل نعي حجم هذه المخططات وحجم الكارثة التي سيؤول إليه المسجد الأقصى.
ونظرًا لأهمية كشف هذا المخطط للعرب وللمسلمين والتنبيه إلى خطورته قام مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية وبالتنسيق مع (مؤسسة الأقصى) بترجمة الوثيقة العبرية للمخطط اليهودي لإقامة الهيكل وتهويد القدس، وإعدادها اعدادًا جيدًا ليتسنى طباعتها ونشرها قريبًا بإذن الله تعالى.
العدد الخامس – مجلة بيت المقدس للدراسات
.