دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

قراءة في كتاب:" نظريات ونماذج بيت المقدس لتفسير الأحداث المعاصرة وتوجيهها وصناعة التاريخ المستقبلي"

قراءة في كتاب:"

نظريات ونماذج بيت المقدس لتفسير الأحداث المعاصرة

وتوجيهها وصناعة التاريخ المستقبلي"

تأليف البروفيسور الدكتور/ عبدالفتاح محمد العويسي "المقدسي"

بقلم/ م. مبتسم أحمد الحجي

إصدار جديد -في طبعته الأولى- لمكتبة دار الأصول العلمية "اسطنبول – تركيا" لعام (1440هـ-2019م) وهو الإصدار الأول لسلسلة (نحو بناء تصور جديد للعلاقات الدولية)، يأتي ليؤكد أنه ليس دراسة لتاريخ بيت المقدس، بل خلاصة معرفية مهمة لتوضيح وفهم وتفسير وإدراك ما يجري (في المائة سنة الماضية) وما يجري منذ (8) سنوات، ولتوجيه ما سيجري في منطقتنا العربية في السنوات القادمة، كما إنه بناء معرفي مهم على طريق التغيير والتحرير القادم للأراضي المقدسة (بيت المقدس) ومسجدها الأقصى المبارك، وصناعة التاريخ المستقبلي المشرق من بيت المقدس، فهو زبدة الزبدة لبحوث الكاتب حول الأرض المباركة ومسجدها، والتي بدأت رحلة الإعداد العلمية لها قبل أكثر من "29" عاماً من (مركز البركة) ببيت المقدس عام 1990م.

والكتاب يقع في أكثر من (450) صفحة من القطع المتوسط، واستند إلى نحو (200) مرجع علمي ودراسات وبحوث مهمة، وطُبع غلاف الكتاب بطريقة تجمع ما بين عراقة المسجد الأقصى واتحاد آفاق العلم والتكنولوجيا والتي سيعيش في أجوائها القارئ للكتاب.

كما أن الكتاب محاولة معرفية أكاديمية جادّة لاستكشاف تصور جديد للعلاقات الدولية من خلال إبراز نظريات ونماذج بيت المقدس في العلاقات الدولية وتقديمها وتعريفها للإسهام في صناعة التاريخ المستقبلي للأمة، مع إبراز اسهامات المسلمين في مجال العلاقات الدولية.

وبهذا يقدّم الكتاب مجموعة من النظريات والنماذج المهمة المتعلقة ببيت المقدس بهدف الإسهام بعملية التوجيه والتأثير في مجرى الأفكار والأحداث المتعلقة بها، وهو ما يعني الإسهام في صناعة التاريخ المستقبلي لبيت المقدس بشكل خاص والمشرق الإسلامي بشكل عام.

ولقد أعدّ هذا الكتاب ليكون مرجعًا للمهتمين بدراسة العلاقات الدولية وحركة التاريخ وصناعة المستقبل، وكذلك للقوى الحية وصناع القرار والقادة أو المأثرين في صناعة القرار، وكل من يهمه فهم بيت المقدس ونظرياته ونماذجه في العلاقات الدولية والتاريخ والجغرافيا والعلوم السياسية.

-والكاتب هو البروفيسور الدكتور: عبدالفتاح العويسي (المقدسي) أستاذ العلاقات الدولية في عدد من الجامعات العالمية، وزميل الجمعية الملكية التاريخية في المملكة المتحدة، ومؤسس الحقل المعرفي (دراسات بيت المقدس) ومؤسس ورئيس تحرير مجلة "دراسات بيت المقدس"، ورئيس المؤتمر الأكاديمي الدولي السنوي لدراسات بيت المقدس.

وهو يعمل في الحقل الأكاديمي منذ أكثر من ثلاثين سنة وله العديد من المؤلفات المطبوعة باللغتين العربية والإنجليزية، وبعضها ترجم للفرنسية والماليزية والتركية والإندونيسية، وشارك كذلك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية الدولية وحصل على العديد من الجوائز، أهمها "الجائزة الخاصة للإبتكار" لعام 2007م، وجائزة "اسطنبول للعلم" أحد فروع "جوائز اسطنبول للعالم الإسلامي" في دورتها الثالثة عام 2018م.

-وللكتاب قصة صناعة متتالية الحلقات ابتدأت بكتيب صغير في العام 1991م ثم تطور في مراحل متعددة حتى طرح في صورته النهائية في أكتوبر عام 2013م، مما أفرز عنه برنامج معرفي بعنوان (نحو بيت المقدس) في (31) حلقة متوفرة على الشابكة، مع ما رادفها من تقديم العديد من المحاضرات والدورات وورش العمل في عدد من الدول.

ولذا سعى المؤلف من خلال هذه الخبرات المتراكمة أن يكون شرحه وإيضاحه وتعليله وتفسيراته ذات نظرة منفتحة على معظم الجوانب المتعلقة بقضية النقاش، كما حاول أن ينتهج نهجًا شاملاً وواقعيًّا، فاتخذ منهج "الحقول المعرفية" المتداخلة والمتعددة التي يتبناها من أكثر من ثلاثة عقود من الزمن لإعادة قراءة تاريخ بيت المقدس من جديد بطريقة أكاديمية موثقة، تعتمد على منهجية إعادة قراءة النصوص بلغة العصر الذي كتبت فيه، وفي ظل الظروف التي دفعت وساهمت بإنتاجه بعيدًا عن التعصب والرؤية الأحادية والعاطفة المتشنجة، إضافة إلى ذلك لم يبدأ المؤلف هذا البحث بمناقشة تصورات أو نظريات أو نماذج غربية معروفة في العلاقات الدولية، ولكنه سمح للنتائج التي توصل إليها بأن تنبثق من خلال دراسة البيانات التي جمعها وحللها بشكل منتظم خلال إجرائه لهذا البحث.

ويتضمن الكتاب بالإضافة إلى التوطئة (المقدمة) ستة أجزاء تحتوي خمسة عشر فصلاً:

فخصص الجزء الأول للتعريف بالمشروع المعرفي لبيت المقدس، وإلقاء الضوء على حقله المعرفي. فنجد الفصل الأول منه يركز على نكبتنا المعرفية وإبراز الأولوية المنسية وحاجتنا الماسة إلى تحرير العقوق والإعداد المعرفي.

-ويناقش الفصل الثاني في قسمه الأول كيف تحولت الأحلام إلى حقائق من خلال مناقشة الخلفية التاريخية للحقل تتضمن تاريخ تأسيسه، وسبب اختيار مكان التأسيس، والمراحل التي مرَّ بها والإنجازات الأكاديمية التي تم تحقيقها خلال ثلاثة عشر عاماً (1994-2007م) . بينما يركز القسم الثاني على الاستراتيجية الجديدة للحقل وأولوياتها حتى عام 2024م المتمثلة في ضرورة نقل الحقل المعرفي إلى العالمين العربي والإسلامي ومأسسته وتطويره.

-أما الفصل الثالث فيقدم المفهوم الجديد لبيت المقدس بتعريفاته ودراساته، وسياسات الحقل المعرفي (دراسات بيت المقدس) وما المقصود بالمعرفة، كما يلقي الضوء على اشكالية اسم الحقل المعرفي باللغة الإنجليزية، والتعريف بكل من القدس وفلسطين وعلاقتهما ببيت المقدس. ويعرف الفصل الرابع بأحدث البحوث التي كتبت في دراسات بيت المقدس.

-وخصص الجزء الثاني من الكتاب لتقديم النماذج الاستراتيجية والجيوبولتيكية، فيقدم الفصل الخامس النظرية الجديدة للجيوبولتكس، نظرية دوائر البركة لبيت المقدس، أما الفصل السادس فيقدِّم نموذجًا للتغيير الجذري من خلال إبراز مصدر التغيير وبدايته، ونقطة التحول الفاصلة في تاريخ بيت المقدس. أما الفصل السابع فيقدم نموذجًا للتخطيط الاستراتيجي، ويرسم خارطته السياسية والجيوبولتيكية من خلال نقل النقاش من مستوى مناقشة الخطوات التمهيدية التي اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم وخليفته الأول رضي الله عنه من أجل فتح هذه الأرض، إلى مستوى تبني نظرية تفيد بأن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم وضع بنفسه خطة إستراتيجية ورسم خارطتها السياسة والجيوبولتيكية لفتح بيت المقدس.

-أما الجزء الثالث فخصص لتقديم نموذجًا لآثار انتهاء الحرب، وتنظيم العلاقات الدولية حال السلم. ويدرس القارئ في الفصل الثامن العهدة العمرية لأهل ايلياء (بيت المقدس) دراسة نقدية تحليلية كمثال لآثار انتهاء الحرب، وكمبادرة إدارية عملية لإعادة تشكيل العلاقات وتنظيمها وإدارتها بين سكان إقليم بيت المقدس. كما يبحث هذا الفصل معظم النصوص المتاحة للعهدة العمرية ويقارنها، ويركز على أطولها وأشهرها، وهو "النص الذي رواه الطبري والذي نشرته البطريكيه الأرثوذكسية في القدس عام 1953م، كما يناقش أسباب ظهور عدّة نصوص للعهدة العمرية.

-أما الجزء الرابع فخصص لتقديم نماذج الأمان، فيعرض الفصل التاسع لبيت المقدس بوصفه نموذجًا للتعددية والتواصل الحضاري في ضوء فهم العهدة العمرية. ويقدم الفصل العاشر بيت المقدس كنموذج راقٍ لحل النزاعات من خلال مناقشة نظرية الأمان وعناصرها الرئيسة (التدافع، والعدل، وعدم الإقصاء، والحوار البنّاء).

وخصص الجزء الخامس لتقديم فهم أفضل للنموذج التاريخي في دراسة العلاقات الدولية وصناعة التاريخ المستقبلي. ويبدأ الفصل الحادي عشر بمناقشة حاجتنا الماسة إلى متخصصين في حقل العلاقات الدولية، ثم يتناول الفصل الثاني عشر تقديم التصور التاريخي ومنهجه لدراسة العلاقات الدولية وصناعة التاريخ المستقبلي.

 -أما الفصل الثالث عشر فيناقش ادعاءات بعض المستشرقين والعلماء "الإسرائيليين" في بعض القضايا المتعلقة ببيت المقدس.

-وتضمن الجزء السادس خاتمة الكتاب والتي قسمها إلى قسمين: الفصل الرابع عشر الذي يُقدِّم زبدة الزبدة لما ورد في الكتاب، بينما يقدّم الفصل الخامس عشر معالم خارطة الطريق المعرفية للتحرير القادم للأرض المقدسة ومسجدها الأقصى المبارك.

والكتاب يقدم إعادة تأمل جديدة في سورة الإسراء والتي لا تتحدث فقط عن التحرير القادم للأرض المقدسة ومسجدها، فهذا موعود الله الذي لا مراء فيه، وهو واقع لا محالة، ولكنها ترسم معالم الانبعاث الإسلامي العالمي الثاني وانطلاق الفتح الإسلامي العالمي القادم وأستاذية العالم من الأرض المقدسة. فالمشروع الإستعماري الإستراتيجي الغربي في منطقتنا العربية والمتمثل في الدولة العازل "إسرائيل" وصل هذه الأيام إلى أعلى درجات علوه وفساده مع كل الدعم من القوى العظمى! وبعض الدول الإقليمية، وهو يصل إلى نهاية صلاحيته وزواله.

يقول المؤلف: "واليوم في بداية عام 2019م أكتب إلى جيل الانتصارات والتحرير والفتوحات الذي أراه يقينًا قادمًا ومعيدًا لأمتنا كرامتها وعزتها ومجدها ومكانتها بين الشعوب والأمم والدول، ومنطلقًا من بيت المقدس نحو الفتح الإسلامي العالمي القادم والانبعاث الإسلامي العالمي الثاني بإذن الله".

والكتاب دراسة جادة مهمة وخصوصًا لمن حمل على عاتقه هم الأرض المقدسة وتحرير مسجدها، وأوصي بأن يكون مقررًا دراسيًّا لنخب الجماعات الإسلامية وقادتها، وخصوصًا أن صادرة عن خبرات متراكمة وممارسة أكاديمية متعددة المدارك، إضافة إلى أنها من ابن الأرض المباركة التي عارك الاحتلال فيها وعايش واقعها على مدى أكثر من ثلاثين سنة، ولعله يكون شعلة مضيئة في طريق التحرير والعزة والكرامة لمن تحترق وتتوق قلوبهم للصلاة في المسجد الأقصى بعيدًا عن دنس يهود، وهو كذلك رسالة موجهة لمن آثروا القعود ورضوا بالخلود إلى الأرض، وكل من وَكَل أمره لشذّاذ الآفاق: أن التاريخ وجيل التحرير لن يرضى إلا أن يكونوا في زبالة الزمان إن لم يتداركوا أنفسهم ويتركوا اتباع ذيل بغلة العبيد.

العدد (26) من مجلة بيت المقدس-شتاء 2020

.